قد تؤدي التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، إلى زيادة بعض الظواهر السلبية في المجتمع، حيث مر مجتمعنا خلال السنوات الماضية بعدة تغيرات كان لها تأثير على انتشار بعض الظواهر منها ظاهرة التحرش الجنسي. ومع ظهور حوادث التحرش بالمدارس، كان لا بد من معرفة الاسباب وراء انتشار مثل تلك الحوادث، فالمدارس تعد من أكثر الأماكن أمانًا على الطلاب، في مرحلة عمرية تعد الأخطر في حياتهم، لذا حاولنا البحث عن تلك الأسباب. من ضمن الزوايا التي تشكل الأسباب، كانت الزاوية النفسية، لذا أجرى مصراوي، حوارًا مع الدكتور أحمد عبدالله أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق، الذي أكد أن التحرش بالمدارس ليس جديدًا، ولكن انتشاره يرجع إلى نجاة الجاني من العقاب، بالإضافة إلى توافر الظروف، التي مثلت تربة خصبة لازدياد حالات التحرش. وإلى نص الحوار... ما هي الأضرار النفسية التي تقع على الطفل الذي يتعرض للتحرش الجنسي؟ التحرش الجنسي بالأطفال أو الإيذاء البدني لهم بشكل عام، عبارة عن مقدمة لإصابتهم بكافة الأمراض والاضطرابات النفسية الممكنة، ما لم يتم معالجتهم. والطفل الذي يتعرض للتحرش الجنسي، يكون عرضة للانحراف السلوكي نتيجة تعرضه لهذا النوع من العنف. كيف تتعامل المدرسة مع الطفل الذي يتعرض للتحرش الجنسي؟ في الواقع، المدرسة تحاول التعامل مع الأمر من الناحية القانونية، فلا تهتم بالناحية النفسية للطفل، وفي حالة أن يكون الجاني من داخل المدرسة فتحاول التكتم على الواقعة إلا إذا قدمت الأسرة بلاغًا، فإن المدرسة تكتفي بإبلاغ الداخلية وتحرير محضر لإخلاء مسؤليتها. اما المفترض، فإلى جانب الحل القانوني، يجب أن يخضع الطفل لبرنامج علاجي تشترك فيه المدرسة والأسرة معًا، وأن يحول الطفل إلى الاخصائي النفسي أو الاجتماعي بالمدرسة في حالة توفره، وإذا لم يتوفر يتم علاج الطفل تحت إشراف متخصصين سواء بالمستشفيات الحكومية أو غيرها. كيف تعمل الأسرة على توعية أبنائها حتى لا يقعوا ضحية لأي اعتداء؟ هناك عدة مستويات يجب أن تعمل الأسرة من خلالها، أولها مستوى الوقاية، ويتم عن طريق حديث الأباء والأمهات مع الاطفال عن التحرش بطريقة مبسطة، وهناك كتاب أمريكي مترجم إلى العربية بعنوان "نحن مميزون"، وهو عبارة عن دليل للطفل يوضح له معنى التحرش وكيفية التعامل في حالة تعرضه لمثل هذا السلوك العنيف. ومرفق بالكتاب كتيب صغير موجه للأباء والأمهات والمعلمين وكل من يعتني بالاطفال، يشرح لهم عواقب الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال. أما المستوى الثاني: فهو مستوى اكتشاف الواقعة، وفي هذه الحالة هناك خطين يجب أن تسير الأسرة فيهما، الخط الأول هو الخط القانوني، حيث يجب على الاسرة تحرير محضر بالواقعة ومتابعته حتى يتم إدانة الجاني وعزله من المكان الذي ارتكب فيه الواقعة، وبالتالي لا تتكرر مع طفل آخر. أما الخط الثاني فهو خط العلاج النفسي، وهو خط هام جدا للأسف لا يتم الاهتمام به في معظم الوقت. كيف نغير الصورة النمطية لدى البعض ممن يعتبر الإبلاغ فضيحة؟ قصة الخوف من الفضيحة في وقائع التحرش الجنسي لا معنى لها، إلا أن الضحايا يكونون غير متأكدين من معاقبة الجاني وبالتالي لن ينالهم إلا الفضيحة، إذا اتجهوا للإبلاغ عن الوقائع المختلفة. إذا أنصف النظام القانوني في في مصر ضحايا التحرش، ستلجأ كل الناس للإبلاغ عن كل الحالات، إلا أن القوانين غير فعالة. هل الطبقة الإجتماعية لها تأثيرعلى زيادة أو قلة نسب التحرش بالمدارس؟ التحرش عدوان، وهو موجود في كل الطبقات، فقد يختلف شكله من طبقة إلى طبقة بحسب الظروف لكنه بشكل عام موجود، لأن النزعة العدوانية موجودة لدى الجميع. ومع ذلك يمكن أن نقول إن الطبقات الفقيرة قد تكون أكثر عرضة لاستخدام العنف ضد الاطفال، بسبب ضغط الظروف المختلفة بشكل أكبر من الطبقات الغنية. من الناحية النفسية .. بما تفسر وصول التحرش الجنسي إلى المدارس؟ ظاهرة التحرش لم تنتقل من الشارع إلى المدرسة، لكنها موجودة داخل المدارس طوال الوقت، وما يحدث هو انه يتم التكتم عليها، ولا يتحدث عنها أحد. أما عن ازدياد التحرش، فهذا يرجع إلى ان الجناه ينجون من العقاب دائمًا بسبب عدم الإلحاح في متابعة البلاغات، إضافة إلى توافر أسباب ومقدمات العنف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية في المجتمع المصري؛ التي تنتج التحرش فهو أحد أشكال العنف، إضافًة إلى أشكال أخرى مثل الانتحار. أذكر حادثة شهيرة عن التحرش تم الإعلان عنها خلال حكم الرئيس الاسبق مبارك، تضمنت تعدي مشرف حضانة على الأطفال، وبدلًا من أن يتم استبعاد المشرف وعقابه وعمل رقابة دورية على كافة المؤسسات التعليمية، أصدر النائب العام العام قرارا بإغلاق ملف القضية وإخلاء سبيل المشرف المعتدي، هذا ما تفعله الدولة. ماذا عن إجراء "قياس نفسي" للمعلمين قبل العمل بالتدريس؟ القياس النفسي الدقيق الوحيد في مصر هو اختبار القوات المسلحة، فيما عدا ذلك فإن باقي المقاييس النفسية مجرد حبر على ورق والمحسوبية لها دور رئيسي في استخراجها. لكن إذا استطعنا تطبيق نظام القياس النفسي الدوري على المعلمين سيكون مفيد جدًا خاصة في السنوات الأولى للطفولة، فالتدريس أصبح مهنة من لامهنة له، والبعض يستغل الوظيفة لقلة الجهد والإجازات المتاحة وقصر اليوم الدراسي مقارنة بالاعمال الأخرى. ما رأيك في أداء المجلس القومي للأمومة للطفولة؟ غير مطلع على عمله بشكل دقيق، وفي وقت من الوقات كان هناك محاولة من المجلس للعمل على فكرة مناهضة العنف بالمدارس، عن طريق تدريب المعلمين، الا انني لا اعلم اين وصلت هذه المبادرة. إضافة إلى ذلك لا بد أن تعمل كافة منظمات المجتمع على هدف واحد، ولا تسعى إحداها إلى نبذ العنف في حين تكرى الأخرى للفكرة، فالشرطة لدينا تكرس فكرة العنف، وبالتالي لا معنى لآداء المجلس القومي للامومة والطفولة. وإذا أردنا تقليل نسب العنف في المجتمع، فيجب أن تتضافر جهود جهاز الشرطة مع منظمات المجتمع المدني، مع المؤسسات التعليمية، إضافةً إلى وعي الأهالي.