الدكتور أحمد رجب أستاذ التسويق والإدارة بالجامعة الأمريكية، هو واحد ممن عاصروا تجارب ناجحة فى مجال حماية المستهلك وفى إدارة السوق فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وعديد من الدول الغربية، يحاول أن ينقل خبرته فى هذا المجال لطلابه من خلال تدريس مادة التسويق والإدارة إلى جانب عمله سكرتيرا أول بوزارة الخارجية، ومؤخرا تم انتدابه ليرأس وحدة النزاهة والشفافية بوزارة الاستثمار. تحدث رجب ل«الشروق» عن حرص الشركات على إيجاد مستهلك وفى للسلعة وعن كيفية معاقبة السوق للمنتج فى حالة إحداث ضرر بالمستهلك وحدد موقع مصر على خريطة ثقافة الاستهلاك مقارنة بالدول الأخرى. وقال إن الشركات المنتجة للسلع تحرص فى الخارج على الحصول على مستهلك جيد لسلعتها وتكلف هذه السياسة الشركة فى المتوسط نحو 5000 دولار ما بين دعاية وإعلان ودراسة لاتجاهات السوق بالإضافة إلى سعيها للحفاظ على حصة لها من السوق وذلك من خلال ترويج المستهلك الوفى للسلعة نفسها الذى ينقل خبرته الجيدة عن هذا المنتج وعن أداء الشركة إلى آخرين. من خلال خبرتك ودراستك ما الذى ينقص مصر لتحتل مرتبة متقدمة فى مجال حماية المستهلكين وكيف يمكن لشركة ما الاحتفاظ بوفاء المستهلك لمنتجها؟ هناك حاجة لإدخال تعديلات على قانون حماية المستهلك فى مصر ليصبح أكثر مرونة كما هو موجود فى دول أخرى ففى أمريكا على سبيل المثال من حق المستهلك إعادة السلعة إذا كانت معيبة وخلال فترة مفتوحة لا تحدد بمدة زمنية على عكس ما يحدث فى مصر حيث حدد قانون حماية المستهلك هذه المدة ب14 يوما، وسأحكى شيئا من تجربتى الخاصة فى ذلك، ففى أثناء إقامتى بالولاياتالمتحدة كنت استعد لزيارة القاهرة قمت بشراء بلوفر صوف لم أتمكن من قياسه واكتشفت أنه أصغر من مقاسى واضطرتنى الظروف إلى أن أظل بمصر أكثر من عام وعند عودتى قمت بمحاولة استبداله ومن فرع غير الذى اشتريت منه وفوجئت بالبائعة تعرض على أحد اختيارين إما الاستبدال أو الحصول على ما دفعته، المناقشة لم تستغرق ثوانى وصار هذا المتجر هو المفضل لدى، وهناك واقعة أخرى تخص والدتى عندما قررت شراء بالطو من متجر كبير بأمريكا وحين وقع اختيارها عليه واتجهت للخزانة للسداد أخبرتها العاملة أنه بعد يومين سيتم عمل تخفيض على البالطو بنسبة 35% لكنها قررت شراءه خوفا من أن يحصل عليه غيرها لأنه كان القطعة الأخيرة بالمحل فاقترحت عليها العاملة أن تأتى يوم بدء التخفيضات وتعيده للمحل وتقوم بشرائه من جديد بالسعر المخفض، يأتى ذلك فى إطار سياسة الوضوح والشفافية التى تتبعها المتاجر فى الخارج. فى رأيك، أين الحلقة المفقودة فى العلاقة بين البائع والمستهلك فى مصر مقارنة بدول أخرى؟ أول شىء هو أن البائع أو صاحب السلعة لا يحاول أن يبنى علاقة مستديمة مع المستهلك وهو أمر فى غاية الخطورة فالأولوية للمتجر أن يحقق الربح فى المدى القصير صحيح أن اللبنانيين والسوريين أساتذة فى التجارة فى المنطقة العربية لكن المصريين «غير شطار» فى هذا المجال ولا يتمتعون بموهبة فن البيع، فالزبون الأمريكى يدخل المحل ليس بنية الشراء ولكن للفرجة، وقد يتجول به لأكثر من ساعتين وعلى الرغم من أنه قد لا يشترى لكنه يلقى اهتماما كبيرا من العاملين بالمكان وهذا جزء من سياسة الترويج الناجحة التى تستطيع أن تجذب زبون الفرجة للعودة مرة ثانية حين تتوافر معه النقود. وكيف ترى ثقافة المستهلك فى مصر؟ ثقافة المستهلك المصرى زادت مع وجود كم هائل من السلاسل التجارية فالآن يستطيع المستهلك أن يختار ويقرر بمفرده ويعرف حقوقه وينظر بعناية إلى تاريخ الإنتاج والصلاحية لكن المشكلة الكبرى أن مصر غير جاذبة لسياحة التسوق كما هى فى دول أخرى مثل سنغافورة، ودبى وجدة، والكويت ولبنان فهناك السائح الذى يريد أن يقضى يومين فقط يتسوق بهما هذا السائح لا ينظر إليه بعناية ونفس الأمر للسائح الداخلى القادم من الوجه البحرى والصعيد الذى يستهلك وينفق خلال يومين يقضيهما فى مدن أخرى. السوق يعاقب المنتج يحكى أحمد رجب عن أمثلة لكيفية معاقبة السوق لشركات كبرى أخطأت فى حق المستهلك كان مصيرها الخسارة الفادحة وأحيانا الخروج بشكل نهائى من السوق مشيرا إلى تجربة شركة «دل» المنتجة للكمبيوتر التى اضطرت إلى سحب جميع أجهزتها من السوق حين اشتكى أحد المستهلكين من أن بطارية الكمبيوتر الخاص به اشتعلت وقامت «دل» بعرض تعويض على المشترين وإعادة ما دفعوه حفاظا على سمعتها فى السوق كما أشار إلى نوع من الأسبرين نزل السوق الأمريكى باسم «تايلنور» اكتشف أن أحد العبوات بها مادة الزرنيخ ونتج عن ذلك إصابة أحد المرضى بالتسمم فقررت الشركة سحب جميع العبوات وأطلقت تحذيرا من استخدام منتجها وقامت بعد ذلك بتصميم غطاء محكم للعبوة يصعب على الأطفال فتحه أو إضافة أى مادة إلى العبوة. وفى واقعة أخرى أشار رجب إلى سحب شركة مرسيدس منتجها فى اليابان «ECLAS» بعد انقلاب إحدى السيارت نتيجة خطأ فنى وكذلك فعلت فورد ونيسان اللتان سحبتا 3 ملايين سيارة نتيجة عيب فى الموتور ويقارن رجب بين ذلك وتجربته الخاصة مع إحدى شركات السيارات فى مصر حين قام بشراء سيارة ثمنها 127 ألف جنيه فى فبراير الماضى وعند الشراء سأل المدير المسئول عن احتمالات أن يحدث نزول فى الأسعار خلال الفترة المقبلة فنفى المدير ذلك لكنه بعد تسلم السيارة بثلاثة أسابيع انخفض سعرها بأكثر من 14 ألف جنيه فقام بتحرير شكوى وبالحل الودى والتفاوض اضطرت الشركة أن تعيد له 5 آلاف جنيه فقط من ثمن السيارة. المستهلك قوة ردع هل هناك علاقة بين الفساد وضياع حقوق المستهلك؟ بالتأكيد، فوجود الفساد فى المجتمع معناه عدم توافر جودة السلعة أو الخدمة وفى ظل غياب آليات تضمن حقوق المستهلك لا يوجد ضمان لمحاصرة فساد الإنتاج، فى الدول المتقدمة، مثلا، لو وقع ضرر على المستهلك فالسوق يعاقب المنتج على الفور مثل ما حدث مع شركة كيلوج للكورن فليكس التى كانت تمتلك أكبر حصة بالسوق الأمريكية «90%» عندما قررت فى يوم ما مضاعفة سعر العلبة من دولارين إلى أربعة دولارات فهبطت حصتها إلى 30% خلال شهرين فقط، فالمستهلك لا يرحم، ويمثل قوة ردع كبيرة، وتعلمت هذه الشركة الكبيرة الدرس، وحاولت بعد ذلك خلال 17 عاما البيع بأسعارها القديمة واسترجاع حصتها فى السوق لكنها فشلت، وهو ما حدث مع شركة «نايك» التى عرف عنها أنها تستخدم فى مصانعها عمالة أطفال فى فيتنام وكوريا فقرر المستهلك عدم شراء منتجاتها إثر حملات مقاطعة عمالة الأطفال.