عبد الهادي القصبي: ملف حقوق الإنسان يحظى باهتمام بالغ يتجسد في الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان    بدء مؤتمر الهيئة الوطنية للانتخابات لإعلان نتائج جولة الإعادة للمرحلة الثانية من انتخابات النواب    بدء امتحانات الفصل الدراسي الأول بجامعة بنى سويف    جامعة بني سويف ضمن أفضل 100 جامعة في التصنيف العربي لعام 2025    استقرار سعر الدولار اليوم الخميس 25/12/2025 أمام الجنيه المصرى عند 47.54 للشراء    بحضور علي جمعة ونبيلة مكرم، "الصديقية" و"أورثوميدكس" تطلقان مبادرة شاملة لتمكين "ذوي الهمم"    وزير التعليم العالي يشهد توقيع اتفاق ثلاثي مع الخارجية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي    وزير التموين: تطوير مكاتب السجل التجاري أولوية لتحسين جودة الخدمات ودعم مناخ الاستثمار    وزير الخارجية يكشف موقف مصر من مطالب بعض الدول بحقوق المثليين    الهلال الأحمر المصري يدفع ب5900 طن مساعدات إنسانية و شتوية عبر قافلة زاد العزة ال102 إلى غزة    قصف إسرائيلى على مناطق متفرقة فى غزة.. جيش الاحتلال يستهدف المخيمات فى جباليا وخانيونس.. مصر تدفع ب 5900 طن من المساعدات الإنسانية إلى الأشقاء.. تل أبيب: لن نخرج من القطاع أبدا وننفذ مناطق أمنية عازلة    صحف جنوب أفريقيا: بروس يجهز مفاجأتين ل الفراعنة.. وصلاح السلاح الأخطر    البوروندي باسيفيك ندابيها حكما للقاء مصر وجنوب أفريقيا في كأس الأمم الأفريقية    رجال سلة الأهلي يصلون الغردقة لمواجهة الاتحاد السكندري بكأس السوبر المصري    بعد إخلاء السبيل، قرار قضائي جديد ضد التيك توكر شاكر محظور    ضبط ما يقرب من طن لحوم غير صالحة للاستخدام الآدمى خلال حملات تفتيشية فى المنوفية    المؤتمر الدولي لدار علوم القاهرة يناقش قضايا الاستشراق والهوية    محافظ الوادى الجديد يلتقى المستشار الثقافى للسفارة الهندية بالقاهرة    المؤتمر الدولى لكلية دار العلوم بجامعة القاهرة يناقش قضايا الاستشراق والهوية    وزير الصحة يترأس اجتماع مجلس إدارة الهيئة العامة للمستشفيات التعليمية    بيان عاجل من الخارجية السعودية بشأن أحداث حضرموت والمهرة في اليمن    استشهاد لبنانيين بغارة إسرائيلية في البقاع    محافظ الإسماعيلية يهنئ الأقباط الكاثوليك بعيد الميلاد المجيد    منع التغطية الإعلامية في محاكمة المتهمين بواقعة وفاة السباح يوسف    إصابة عضلية تبعد حمدالله عن الشباب لأسابيع    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    مصرع 3 تجار مخدرات وضبط آخرين في مداهمة بؤر إجرامية بالإسكندرية    وزير الخارجية: سنرد بالقانون الدولي على أي ضرر من سد النهضة    قرار هام مرتقب للبنك المركزي يؤثر على تحركات السوق | تقرير    الصور الأولى لقبر أمير الشعراء أحمد شوقي بعد إعادة دفن رفاته في «مقابر تحيا مصر للخالدين»    الكيك بوكسينج يعقد دورة للمدربين والحكام والاختبارات والترقي بالمركز الأولمبي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أبريل 2026    أحمد البطراوي: منصة "مصر العقارية" الذراع التكنولوجي لوزارة الإسكان وتستوعب مئات آلاف المستخدمين    أشرف فايق يطمئن الجمهور على حالة الفنان محيى إسماعيل: تعافى بنسبة 80%    «تغليظ عقوبات المرور».. حبس وغرامات تصل إلى 30 ألف جنيه    «مدبولي»: توجيهات من الرئيس السيسي بسرعة إنهاء المرحلة الأولى من حياة كريمة    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي ويؤكد دعم تطوير المنظومة الصحية    المندوب الأميركي لدى "الناتو": اقتربنا من التوصل لتسوية للأزمة الأوكرانية    25 ديسمبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    بالفيديو.. استشاري تغذية تحذر من تناول الأطعمة الصحية في التوقيت الخاطئ    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    تواصل تصويت الجالية المصرية بالكويت في ثاني أيام جولة الإعادة بالدوائر ال19    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    بشير التابعي يكشف عن الطريقة الأنسب لمنتخب مصر أمام جنوب إفريقيا    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    الأزهر للفتوى: ادعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها خداع محرم    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    طقس الكويت اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    بعد غياب أكثر من 4 سنوات.. ماجدة زكي تعود للدراما ب «رأس الأفعى»    بطولة أحمد رمزي.. تفاصيل مسلسل «فخر الدلتا» المقرر عرضه في رمضان 2026    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    صفاء أبو السعود من حفل ختام حملة «مانحي الأمل»: مصر بلد حاضنة    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهرجان مالمو السينمائى.. صورة جديدة عن عالمنا العربى فى عقل ووجدان الجمهور الأوروبى
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 10 - 2019

الأفلام تعكس حراكًا سينمائيًا وإبداعيًا تتجاوز الانغلاق على قضايا وصراعات محلية وتخلق ممرا جديدا بين الشرق والغرب
الجمهور والنقاد يلتفون حول السينما المصرية.. و«ليل/ خارجى» و«الضيف» و«يوم وليلة» تحصد الإعجاب
خمسة أيام من السينما الجميلة والمدهشة والمثيرة، مفعمة بالأفكار والأطروحات الجديدة، عاشها الجمهور مع مهرجان مالمو للسينما العربية فى دورته التاسعة. هذا المهرجان الذى تكمن أهميته بمنحه فرصة للجمهور الغربى بالسويد أن يطلع على أحوال عالمنا العربى من خلال الشاشة، وأن يترك هذا الانطباع الجديد بأنه فى هذه المنطقة من العالم يوجد فن ومبدعون يشكلّون صورة مختلفة عن المعهودة بأن العالم العربى غارق فى صراعات قضاياه الداخلية.
كما أن تجمّع عدد كبير من النقاد والسينمائيين والفنانين ووجودهم بمدينة أوروبية فى تلك التظاهرة شىء مهم، هذا الحضور سيكون لافتا، ويشير إلى هذا الحراك الثقافى الابداعى بمهرجان مالمو والذى اصبح مكانا للتفاعل بين الثقافة العربية والغربية، ويكشف عبر فعالياته عن عدد من اهم الانتاجات السينمائية العربية الحديثة والمهمة التى تعكس رؤى مبدعيها تجاه قضاياهم والتى تحرص ادارة المهرجان برئاسة محمد قبلاوى على جلبها بوعى ومعه مسئولو البرمجة.
ومن المؤكد ان الجمهور يكتشف ويتفاعل مع تلك القضايا، وبالتالى تنعكس صورة العربى على الشاشة للمواطن الأوروبى، ويكتشف عالما من الابداع ربما لم تتح له فرصة للاطلاع عليه، لأن الأفلام العربية قليلا ما تعرض فى صالات العرض بالخارج، هذا الكم من الأفلام «47» فيلما، يتيح له فرصة لأن يطلع على سينما عربية مهمة.
الشئ الآخر أن تلك المشكلات التى نعانى منها فى عالمنا معكوسة فى تلك الافلام، وتظهر ان هناك مبدعين ربما لهم وجهات نظر مختلفة عما هو سائد، مثلا نظرة مختلفة للمرأة، لاختلاف الثقافات، نظرة مختلفة إلى الآخر، كل هذا من خلال الأفلام ومن المؤكد ان الجمهور السويدى بحضوره هذا النشاط والافلام ومناقشاته حولها، وبالتالى تنعكس صورة العربى الموجود على الشاشة فى ذهن الاوروبى، هذا جانب مهم بالنسبة لنا كعرب بالحضور الثقافى الذى يعد اول السبل للوصول إلى الطرف الثانى.
وفى شهادته على دورة المهرجان هذا العام قال الناقد السينمائى قيس قاسم عضو لجنة التحكيم: دون شك وجود السينما يساعد على وصول رسالة بأن هذه المنطقة بها حراك سينمائى وثقافة غير الانغلاق على قضايا محلية، وربما تخلق ممرا جديدا بين الشرق والغرب.
كان من المهم أن تتمثل كل طوائف السينما العربية بالمهرجان خلال أيامه المصرية والمغاربية، ومن المشرق، وأظن أن إنتاج هذا العام متوسط، ليست هناك أفلام كبيرة جدا وليست هناك اخرى ضعيفة، فهو يعكس حالة السينما العربية إلى حد ما، وخاصة المصرية، فهناك أفلام مصرية تعكس حيوية شباب مثل فيلم «ليل خارجى» لمخرج شاب وطموح هو أحمد عبدالله السيد والذى فاز بجائزة أحسن فيلم فى هذه الدورة، على المستوى المغاربى هناك تطور مشهود، فهناك افلام من تونس والجزائر والمعرب عرضت بالمهرجان مثل فيلم «فتوى» و«مباركة» وغيرها، الشىء الآخر هو إتاحة فرصة للسينما غير الروائية هناك افلام وثائقية مهمة وبشكل خاص من لبنان، ونشير إلى فيلم نعتبره درسا كبيرا وهو «تحت التحت»، وأيضا هناك فيلم «اشتغالة» وفيلم «الكيلو 64» الذى يطرح مشكلات الشباب الذين يتجاوزون مشكلات الروتين والبطالة، وايضا هناك بعض الأفلام التى بها كثير من الاجتهاد والتجريب مثل فيلم جودمورنيج، إلى اعتباره من الافلام المهمة فى هذه الدورة، لأنه يخرج عن الإطار التقليدى ويحاول ان يقدم نظرة مختلفة فى السينما.
الظاهرة الايجابية الملفتة هى النجاح الكبير الذى حققته السينما المصرية، حيث استقبل الجمهور فيلم «ليل /خارجى» للمخرج أحمد عبدالله بترحاب وإعجاب كبيرين، وحصل بطلاه شريف الدسوقى ومنى هلا على كثير من عبارات الثناء على أدائهما المدهشين، وكانت لفتة ذكية من ادارة المهرجان أن قامت بعمل عرض للفيلم فى كوبنهاجن، وشهد حضورا جماهيريا مميزا، استحق الفيلم فى ليلة الختام جائزة أفضل فيلم بالمهرجان، حيث اكدت لجنة التحكيم أنه عمل له روح خاصة وسلاسة فى الأداء الذى تميز بالارتجال باعتراف أبطاله وتقديم قصة إنسانية لنماذج متشابكة متصالحة مع نفسها.
والامر نفسه انعكس على فيلم الضيف للمخرج هادى الباجورى الذى استحق اعجاب الجمهور ليمنحه جائزة الأفضل عبر تصويت ليلة العرض.
وقال الفنان شريف دسوقى عن تواجده لأول مرة فى مهرجان مالمو بالسويد للافلام العربية: للأمانة ما يميز المهرجان انه يقام على أسس بسيطة دون تكلفة كبيرة، القاعات صغيرة وشيك ولا توجد أى بهرجة من حيث الافتتاح والختام، غير اننى أتوقف امام قلة عدد ايام المهرجان، اما عن احساسى بالفوز بجائزة أفضل فيلم روائى طويل لهذا العام، منذ قدومى لمدينة مالمو، وهناك أمارة يرسلها لى الله، اننا سنحقق شيئا ما، ويتأكد هذا الاحساس بعد ليلة العرض الأولى، من آراء الجمهور بمختلف جنسيته إلى جانب أننى أؤمن بالجانب الذى ينمو بداخلى يوما بعد يوم، وهو ما يخرج من القلب يصل إلى القلب.
بينما أثار فيلم الختام «يوم وليلة» الذى شهدت شاشة المهرجان عرضه العالمى الأول حالة من الاعجاب للتجربة الجديدة للمخرج أيمن مكرم والمؤلف يحيى فكرى وبطولة خالد النبوى وأحمد الفيشاوى ودرة وحنان مطاوع وخالد سرحان وحمد عادل وجمعة، تلك الحالة جاءت من الموضوع وتناوله الواقعى والجرىء لقصة كبرى متشابكة المعالم لمجموعة من الأشخاص فى رؤية سينمائية محبكة.
ويأتى فيلم «فتوى» الفائز بجائزة أحسن ممثل لبطله أحمد الحفيان، بحق جريء فى طرحه الموضوعى، ونبشه فى جوانب مظلمة، لينير للمجتمع الطريق، سيذكره العديد من التونسيين طويلا؛ لأنه انتصر لإرادة وحب الحياة وتصدى بمصداقية لثقافة العنف والظلامية.
المخرج التونسى محمود بن محمود، وفيه يصور وقائع الحياة اليومية للتونسيين من خلال التحولات السياسية والاجتماعية، بل والتراجيدية التى عاشها التونسيون عقب وصول الحركة الإسلامية للحكم بعد انتخابات أكتوبر 2011 وانتهت بحصيلة دموية كان ثمنها غاليا.
قدم الفيلم صورة سينمائية واقعية أكثر من رائعة عبر سيناريو ذكى ومتناغم، حيث طرح قضية تجنيد الشباب التونسى بالتيارات الدينية وتسفيرهم للانضمام إلى الجماعات الدعوية، والتشجيع على ممارسة العنف، دون شعارات أو صورة زاعقة، فنحن لم نر سوى «تطشات» بسيطة عن هذا العالم المتشدد، حتى مروان نفسه لم نشاهده، فى سرد القصة، اختار محمود بن محمود أن تكون أحداثه واقعة عام 2013، وهو العام الذى شهد مآسى عدة، الفيلم بمثابة شهادة ورؤية فنية ثاقبة، تطرح العديد من التساؤلات، فلم يكن سفر الاب، وانفصاله عن زوجته مبررا حتميا لانخراط الابن فى تلك الجماعات والتنازل عن أحلامه وتبديلها بكوابيس أودت بحياته لمجرد أنه اكتشف اوهام عالمه الجديد، وهو ما لمسناه فى لحظة عتاب بين الابوين ليهمس كل منهما بمسئوليته عن وفاة الابن، لكن المخرج وسياق الأحداث كان هدفهما أكبر من ذلك، فالقصة اهم من الاعتراف بالذنب، فى مشاهدها يكمن تغلل هذا التيار واستغلاله الفرصة ليلعب بعقول وأفكار ضعفاء جيل.
من أفلام المسابقة الروائية الطويلة بالمهرجان «مباركة»، وفازت بطلته فاطمة عاطف بجائزة أحسن ممثلة، يحكى الفيلم قصة الشاب عبدو (المهدى لعروبي)، الذى يعيش بضواحى مدينة تجثم على ثروة معدنية ضخمة رفقة أمه بالتبنى امباركة (فاطمة عاطف) التى حرمتها الظروف من نيل نصيبها من التعليم هى الأخرى، لكنها طورت مهاراتها الذاتية وتحولت إلى معالِجة لسكان الحى مما أكسبها هيبة ووقارا أمام الجميع.
يحاول الشاب التخلص من حالة الجمود التى يعيشها عبر الخوض فى التعلم الذاتى للقراءة والكتابة. يكتشف عبدو إصابة صديقه اشعيبة (أحمد مستفيد)، البالغ من العمر ثلاثين سنة، بمرض جلدى، فنصحه بأن يبحث عن العلاج، لكن حياته ستواجه منعطفات كثيرة نتيجة تطور العلاقة فى ما بينه وبين معالجته، وارتكابه لعدة تصرفات طائشة، خصوصا أنه تحول من بيع السمك إلى امتهان السرقة، وتعنيف الناس وشتمهم، وهى أمور عرضته للمتابعة من الشرطة، فصار شخصا تصعب السيطرة عليه.
اختار المخرج تصوير وقائع وأحداث فيلمه بفضاءات مدينة هامشية، حيث صور بحساسية فنية تتناسب والأبعاد النفسية والاجتماعية للشخوص، وقدرته على الدمج بينها، وتوحيدها بصريا رغم تباعدها الجغرافى، فبعض الأماكن تتواجد بالدار البيضاء، ولكنها تنقل المتفرج إلى عوالم مدينة خريبكة ونواحيها ما يضفى على الحكاية صدقيتها الواقعية، ويمنحها انسجامها التخييلى القائم فى عمقه على النبش فى قضايا الهامش، ومناقشة الاوضاع المستعصية لسكان بعض المدن المعدنية الغنية بالمغرب استنادا على شخصيات يمتزج فى نسجها الواقعى (الوثائقي) بالدرامى».
ومن أجمل الافلام التى عرضها مهرجان مالمو فيلم «تحت التحت» التى فازت مخرجته ساره قصقص بجائزة أحسن إخراج لفيلم وثائقى طويل، وكما يقول الناقد قيس قاسم عضو لجنة التحكيم انه فيلم ينقلنا إلى بيروت الخجلة من فقر سكانها، والمُخفية لجوانب من عالمها البشع، حيث تعيش أرواح معذبة فى مدينة حيوية قاسية، بعيدا عن الوجه السياحى المعروف لبيروت، فهل تعرفون الوجه الآخر لبيروت؟
فى الفيلم تخوض المخرجة اللبنانية سارة قصقص مغامرة البحث عن تفاصيل مدينة بيروت فى لحظة اكتفائها الذاتى المحزن، وذلك عبر ثلاث شخصيات تعيش أوضاعا مزرية، وتعانى من الاختناق والوحدة.
الفقر ليس وحده من يجمعهم، بل المدينة ذاتها المهددة بمشاكلها وعجزها عن توفير مناخ سوى لسكانها، فتغدو بذلك عبئا على نفسها وعلى الآخرين.
هكذا تبدو المدينة والشخصيات الثلاث عينا لالتقاط تفاصيل عيشهم اليومى فى مكان يلفظهم، ومع ذلك أصروا على المكوث فيه على أمل تحسّن أحوالهم، واقترابهم يوما ما من مساحاتها المريحة.
أمنيات تعاند اليأس وتُكرّس الإنسانى عند سائق سيارة الأجرة «أبو حسام» الذى هرب من مخيم شاتيلا، واختار العمل والنوم داخل سيارته، فيما يأمل الصبى السورى «على» فى ملاقاة صديقه الأقرب بعد أن تركه وحيدا يواجه عالما صعبا، لا فرصة للهروب من مواجهته إلا باللجوء إلى البحر، وبعض ما يوفره من صداقات عابرة ومأوى مفتوح على عراء، لكنه يظل عرضة للتَغيُّر مثل حركة أمواجه، فيما تأمل سامية اللبنانية فى بيت أنظف لعائلتها، ومكان مريح لقططها.
ثلاث حيوات أرادت عبرها قصقص عَكْس أحوال بلاد مأزومة سكانها خائفون من مواجهات محتملة، ومن شحّ فى الخدمات تدفع حتى الأوفر حظا فيها إلى التذمر والشكوى من غياب دولة تلاشت فعاليتها منذ زمن بعيد، وما عادت قادرة على إقناع أحد بوجودها.
«تَحت التَحتَّ»؛ عبارة مكثفة تُحيل إلى معنى مؤلم، وتعبير ضمنى عن أقصى درجات البؤس الاجتماعى، وهى عبارة وردت على لسان السائق أبو حسام، ثم صارت عنوانا لفيلم تبنّاها واستقر على رصد ذلك القاع الذى تشير إليه.
مدينة بيروت فى «تَحت التَحتَّ» لا تشبه بيروت السياحية الشكلية المظهر، فهى فى الفيلم مدينة تُخفى جوانب من عالمها البشع، وتخجل من فقر سكانها، فيما تُصرّ كاميرا مصورة «جو سعادة» على التقاطها بحيادية، والقبول بها بوصفها جزءا من واقع مرشح أن يعم، وحينها ربما لن يعود القاع استثناء.
يجىء فيلم «مفك» الذى عرضه مهرجان مالمو للمخرج الفلسطينى بسام برجاوى والحاصل على جائزة أحسن سيناريو ليقدم صورة غير نمطية للأسير الفلسطينى، لكنه يتطرق بوضوح معاناة الأسير بعد تحريره وكيفية تأقلمه مع الحياة، فى رحلة صادقة فى مشاعرها وهدفها، فالموضوع هنا مختلف، فلم نشهد سوى مجرد مشهد أو اثنين من التعذيب، لكنهما لم يشكل عصب الطرح، بل هو كيف يعيش بطلنا حياته بعد سنوات طويلة من المكوث بالسجون الإسرائيلية.
أحداث الفيلم تبدأ عام 1992، بطلنا هو زياد الذى يعشق فريق كرة السلة فى مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين شمال مدينة رام الله، يحاول هو وأصدقاؤه الانتقام لما يحدث من تجاوزات من قبل المحتل، وخاصة بعد مقتل أحد اصدقائه «رمزى»، برصاصة من المستوطنات الاسرائيلية، وبينما تتردد أخبار فى المذياع عن فشل زيارة وزير الخارجية الأمريكى كولن باول، يشارك زياد وقد ازداد شعوره بالغضب فى اطلاق الرصاص على رجل يعتقد انه اسرائيلى، فيتم القبض عليه ويدخل السجن 15 عاما، يخرج بعدها شخصا مختلفا لا يستطيع التكيف مع محيطه. رغم الاستقبال الحار من أهل المنطقة ومعاملته كبطل من الأهل والشارع والأصدقاء الذين يحتفون به.. تنقلب حياته رأسا على عقب، فبعد خروجه من السجن وجد نفسه فى مواجهة واقع يصعب عليه التكيف معه ذهنيًا ونفسيًا، ما يؤثر فى علاقته بأمه وبسلمى بنت المخيم، التى تحاول ان تحرك قلبه، وأخته التى تشجعه على الارتباط. ومخرجة الأفلام الوثائقية الفلسطينية الأمريكية مينا، التى كانت تصنع فيلمًا وثائقيًا عنه تريد رصد حكايات لتوصيلها للعالم، حيث تقول: إن الهدف من فيلمها لفت أنظار العالم للتعاطف مع الشعب الفلسطينى، أما هو فيقول لها: إنها تعيش فى أمريكا، حيث لا يوجد احتلال، بينما قضى هو خمس عشرة سنة فى السجن.
قدم المخرج فى أولى تجاربه للسينما الروائية الطويلة والذى كتب السيناريو ايضا، صورة سينمائية مدهشة، عبر سرد يخلو من الشعارات، فقط قدم انفعالات بطله وألمه، وكيف أنه يشكو من صداع مزمن واحتباس بولى وهلع من الضوء وأى سوائل تذكره بمشهد الدماء عند اغتيال صديق طفولته بمنتهى العبث على يد مستوطن، حيث ظل وجه صديقه الشهيد عالقًا فى رأسه، كما انه خرج للنور بعد أن اعتاد ظلمات السجون فأصبحت لديه هلاوسه التى تعيش معه وتعوقه عن ممارسة ومعايشة التفاصيل الحياتية اليومية بشكل طبيعى، وجاءت آلامه كرمز لما شاهده وعاشه.
ويتذكر فى السجن عندما تستجوبه جندية إسرائيلية تهدّده بإحضار أمه والاعتداء عليها، تخبره أن الرجل الذى أصابوه ولم يقتلوه لم يكن إسرائيليا بل هو عربى.. وبدون شك كان أداء بطلنا «زياد بكرى» رائعا وهو يواجه هذا الصراع بتجسيده شخصية تجسد كل المشاكل والمعاناة التى واجهها الأسير الفلسطينى بعد تحريره، واستطاع المخرج أيضا تجسيد تلك المعاناة للعالم الخارجى ولنا نحن بتلك الشخصية الواحدة التى تتمرد على الطبيب النفسى الذى يعالجه ويرفض فكرة أنه مضطرب نفسيا.
الفيلم الذى يعد أول عمل يتناول حياة معتقل بعد خروجه من سجون الاحتلال يعد انحيازا للوطن ببساطته فى حكى القصة، لكن العمق يبرز بين المشاهد، فالمسألة لم تكن مجرد ظلم وإلقاء للشباب الفلسطينى جزافا، ولكن ما مدى تأثير ذلك فيما بعد على هؤلاء الشباب.
وفى أحد مشاهد الفيلم القدرية لبطلنا تقوده المصادفة للركوب مع مستوطن إسرائيلى يكره العرب جميعا، بل ويريد إبادتهم، بالفعل كأن المستوطن يعتقد أن زياد إسرائيلى، وهنا يتولد لدى زياد احساس بالانتقام لسنوات عمره الضائع ولصديق طفولته الذى استشهد غدرا، ليعبر المخرج بذكاء أن القضية مستمرة بروحها، لذلك ترك نهاية الفيلم مفتوحة؛ ليترك للمشاهد الاحساس بمواصلة الحكاية، ولا نعرف ما إذا كان المستوطن سيقتل زياد المحرر الذى مازال يعيش حالة الأسر التى دمرته نفسيا ام سيقتل زياد الرجل.. فكل السيناريوهات مفتوحة.
لكن الفيلم اشار أيضا بواقعيته إلى أن من يعيش فى فلسطين كأنه يعيش فى سجن كبير حتى وإن عاش خارج سجون الاحتلال.
مخرج الفيلم لديه وعى كبير بالقضية، ولديه رؤية ناضجة، أراد ان يعود للوطن بعد دراسته للسينما فى كولومبيا ليقدم أفلاما تحاكى الواقع ولا تغترب عنه بحسب قوله، وقد أقبل على انتاج «مفك» هو وزوجته الممثلة والمنتجة ياسمين قدومى، ورفض ان يصور فيلمه داخل السجون، وقال إنه واجه صعوبة كبيرة فى التصوير فى الأراضى المحتلة فى ظل الظروف المعقدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.