حرير أسود مصنوع من أجود الأنواع مُطرز عليه آيات من القرآن الكريم بماء الذهب، هي "كسوة الكعبة المشرفة"، والتي تخطف أنظار العالم العربي والإسلامي فجر 9 ذي الحجة من كل عام، وهو أبرز المشاهد التي تتم كل عام في نفس التوقيت وينتظرها المسلمين في جميع أنحاء العالم لمشاهدتها، وهي مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة. ويتم استبدال "الكسوة" القديمة بأخرى جديدة يتم العمل عليها لمدة عامًا كامل، وتتم مراسم التغيير بعد ذهاب حجاج بيت الله الحرام إلى صعيد جبل عرفات وقضاء أهم مشاعر الحج. مراسم تغيير الكسوة المشرفة تتم على يد 160 فنيًا، تحت إشراف الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، حيث يتم الأمر بحرفية شديدة، بوضع الكسوة الجديدة، ومن ثم إسقاط القديمة وتسليمها للحكومة السعودية. وتستهلك الكسوة نحو 670 كجم من الحرير الخام، و 120 كجم من أسلاك الذهب، و100 كجم من أسلاك الفضة، ويتم صباغة الحرير باللون الأسود داخل مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة، ويصل ارتفاع الثوب 14 مترًا. ويتم في ليلة الثامن من شهر ذي الحجة تفكيك أركان أو أجزاء الكسوة من المذهبات وتسليمها للحكومة، ليتم توفير الحفظ المناسب له وحمايتها من التفاعلات الكيميائية والبكتيريا، ثم يتم تقديمها للمتاحف وكبار الشخصيات والضيوف كهدايا. كسوة الكعبة على شكلها الحالي وتطريزها بالذهب، وقبل أن تكون من أفخم وأجود أنواع الحرير، مرت بالعديد من المراحل على مر العصور، ترصدها الشروق خلال التقرير التالي... • كسوة الكعبة الأولى أول كساء للكعبة كان على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، بالثياب اليمانية، بعد فتح مكة، ومن بعده اتبعه الخلفاء الراشدون، أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، كسوها بالقباطي والبرود اليمانية، عثمان بن عفان رضي الله هو أو من وضع للكعبة كسوتين أحدهما فوق الأخرى. • تغيير الكسوة في عهد الدولة الأموية اهتم الأمويون بكسوة الكعبة، وخلال عهد معاوية بن أبي سفيان كان يتم تغير كساء الكعبة مرتين كل عام «يوم عاشوراء» و«آخر شهر رمضان»، وكانت تصنع الكسوة في دمشق، ثم ترسل في منطقة على أطراف دمشق سميت بالكسوة. • تغيير الكسوة في عهد الدولة العباسية وشهد عهد الخلفاء العباسيين تطورا في النسيج والحياكة والصبغ والتلوين والتطريز، وتطورت صناعة الكسوة في عهدهم، وكانت مدينة تنيس المصرية «تقع في محافظة بورسعيد»، واشتهرت بمنتجاتها الثمينة، وتم تصنيع الكسوة من الحرير الأسود داخل المدينة. وكان تطريز الكسوة يتم في قريتا تونة وشطا «يقعا في المنيا ودمياط حاليًا»، حيث ضمت المدينة أمهر الطرازين. وخلال عهد الخليفة المأمون، كانت تكسى الكعبة 3 مرات في السنة مع تغيير نوع القماش، يوم التروية وتصنع من الديباج الأحمر، غرة رجب وتصنع من القماش القباطي، شهر رمضان من الديباج الأبيض. وكان يقوم العباسيين بكتابة أسمائهم على كسوة الكعبة، ومعه اسم الجهة التي صنعت بها وتاريخ صنعها. • تغيير الكسوة في عهد الدولة الفاطمية في عهد الفاطميين، كانت ترسل الكسوة من مصر بلونها الأبيض، حيث كان المماليك يرون أن هذا شرف لا يجب أن ينازعهم فيه أحد حتى ولو وصل الأمر إلى القتال، وكانت ترسل بانتظام بصورة سنوية يحملها أمير الحج معه في قافلة الحج المصري. وخلال عهد محمد علي باشا، حدث صدام بين أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب في وقافلة الحج المصرية، وتوقف على إثره إرسال الكسوة، حتى أعادت مصر إرسالها مرة أخرى عام 1813. وأسس الفاطميون دار صناعة كسوة الكعبة داخل حي «الخرنفش» في القاهرة عام 1818، واستمر العمل بها حتى عام 1962، عندما تولت المملكة العربية السعودية صناعة الكسوة. • تغيير الكسوة في عهد الدولة العثمانية اهتم السلطان سليم الأول بتصنيع كسوة الكعبة وكسوة الحجرة النبوية وكسوة مقام إبراهيم عليه السلام، حتى كسوة المَحمل التي كانت تذهب للسعودية كتب اسمه عليها بالزخرفة. وعند وصول المد السعودي على مكةالمكرمة في عهد الإمام سعود الكبير، تقابل مع أمير المحمل المصري وحذره من المجيء إلى الحج بهذه الصورة التي تصحب المحمل من طبل وزمر، وقتها توقفت مصر عن إرسال الكسوة. وكساها الأمير سعود الكبير من القز الأحمر، ثم بالديباج والقيلان الأسود، وجعل إزارها وكسوة الباب من الحرير الأحمر المطرز بالذهب والفضة. • صناعة الكسوة في السعودية كان عام 1962 هو بداية صناعة الكسوة داخل المملكة العربية السعودية وحتى الآن، ففي عام1927، منعت الحكومة المصرية إرسال الكسوة للكعبة مع العوائد من أوقاف أصحاب الخير إلى أهل الحرمين، وكانت الحكومة المصرية وقتها لا تملك سوى «النظارة» عليها لأنها الحاكمة على البلاد فقط، وتفهمت الحكومة السعودية الأمر في غرة ذي الحجة. ومن ثم أمر الملك عبدالعزيز آل سعود بتصنيع كسوة الكعبة ب«غاية السرعة»، من الجوخ الأسود الفاخر مبطنة بالقلع القوي، وفي يوم 10 ذي الحجة تم تغيير الكسوة التي صنعت في أيام. وشهد عام 1928 إنشاء دار خاصة لصناعة الكسوة، وسط مساعي من الحكومة السعودية وقتها لتوفير المواد الخام اللازمة لمصنع الكسوة من حرير ومواد الصباغة، وإيجاد الفنيين اللازمين للعمل في شتى المراحل، وتم توفير كل المطلوب من الهند. استمرت دار الكسوة بأجياد، في صناعتها حتى عام 1940، حتى أغلقت. وعادت مصر في هذا الوقت بالاتفاق مع الحكومة السعودية إلى فتح أبواب صناعة الكسوة، ولاختلاف وجهات النظر بين مصر والسعودية توقفت مصر عن إرسال الكسوة عام 1962. ثم تم تشغيل مبنى تابع لوزارة المالية بحي جرول؛ لضيق الوقت لبناء مصنع حديث، حتى تم بناء المصنع الجديد في أم الجود بمكة، حتى يومنا هذا.