يشهد العالم الإسلامي، غدًا الأحد، حادث ينتظره جميع المسلمين في ذلك الوقت كل عام، وهو تغيير كسوة الكعبة، تزامنًا مع يوم وقفة عرفات، فمن المقرر أن يتم كساء الكعبة على 86 فنيًا وصانعًا، تبعًا لعادة الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، باستبدال كسوة الكعبة القديمة بكسوة جديدة. يعود هذا التقليد إلى عصر ما قبل الإسلام، حيث عدت كسوة الكعبة المشرفة من أهم مظاهر الاهتمام والتشريف والتبجيل لبيت الله الحرام، مرت رحلة كساء الكعبة منذ إنشائها عام بمحطات ومراحل عدة ترصدها «الوفد» في التقرير التالي. «ملك حمير» يعتقد البعض أن النبي إبراهيم ونجله إسماعيل عليهما السلام، هم أول من عمدا إلى كساء الكعبة، ألا أنه كان كساءًا جزئيًا وليس كليًا، لكن المؤكد منه تاريخيًا أن «أبي كرب» ملك حمير، هو أول من كسا الكعبة المشرفة بشكل كامل في عام 220 قبل هجرة النبي. كانت الكسوة في تلك الفترة ارتفاعها يبلغ نحو 14 مترًا، ويحليها في الثلث الأعلى منها حزام يعرف بحزام الكعبة المطرز بالأسلاك المصنوعة من الفضة المحلاة بالذهب ونقش عليها، كلمات: «لا إله إلا الله محمد رسول الله، الله جل جلاله، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، يا حنان يا منان»، وتحتها مباشرة سورة الإخلاص داخل مربعات مطرزة بالطريقة نفسها. «قريش» ومن بعد ملك حمير، تزعمت قريش فيما بعد مهمة كساء الكعبة، وكانت تقسم أموالها على القبائل الكبرى، باعتبارها رمزًا دينيًا يأتي إليه الحجيج من كل أنحاء العام، ويحفظ لقريش مكانة دينية لدى القبائل. «في عهد الرسول» عقب فتح مكة وفي أول عام يحج المسلمون خلال التاسع من الهجرة، أصبحت كسوة الكعبة مهمة بيت المال في المدينةالمنورة، وأبقى الرسول على كسوة الكعبة ولم يستبدلها، وفي إحد الأعوام احترقت الكسوة على يد امرأة كانت تريد تبخيرها، فكساها الرسول بالثياب اليمانية. «عمرو بن الخطاب» وانتقلت المهمة بعد ذلك إلى خلفاء المسلمين تباعًا، ففي عهد ثاني خلفاء المسلمين الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يوصي بكسوة الكعبة بالقماش المصري المعروف باسم «القباطي» الذي اشتهرت بتصنيعه بالفيوم، وكان وقتها ينسج المصرين أفضل وأفخر أنواع الثياب والأقمشة. «الدولة الأموية» وفي عهد الدولة الأموية، كانت كسوة الكعبة شيء مقدس لم يخلف عام دون كساء الكعبة، لكن في عهد الخلافة الأموية أصبح التركيز أكثر على أقمشة الشام التي كانت تكسو الكعبة مرتين في العام مرة في يوم عاشوراء، ومرة في شهر رمضان. «الدولة العباسية» واستمرت كسوة الكعبة فى عهد العباسيين مرتين في السنة، حتى عهد الخليفة العباسي المأمون، كسيت ثلاث مرات فى السنة، الأولى ب«الديباج» الأحمر يوم التروية، والثانية ب«القباطى» فى غرة رجب، والثالثة ب«الديباج الأبيض» في 27 رمضان، وبدأت تكسى ب«الديباج» الأسود منذ كساها الناصر لدين الله أبوالعباس أحمد الخليفة العباي، واستمرت على لونها هذا إلى يومنا. واتم الخلفاء العباسيون بكسوة الكعبة المشرفة اهتمامًا بالغًا، نظرًا لتطور النسيج والحياكة والصبغ والتلوين والتطريز، لذلك بحث العباسيون عن خير بلد تصنع أجود أنواع الحرير، فوجدوا غايتهم في مدينة «تنيس» المصرية، التي اشتهرت بالمنتجات الثمينة الرائعة، فصنعوا بها الكسوة الفاخرة، من الحرير الأسود. كما ظهرت الكتابة على كسوة الكعبة المشرفة، منذ بداية العصر العباسي، فكان الخلفاء من الأمراء يكتبون أسماءهم على الكسوة، ويقرنون بها اسم الجهة التي صُنِعَت بها، وتاريخ صنعها. «الخلافة الفاطمية» ومع بداية الخلافة الفاطمية كانت الكسوة بيضاء اللون، بعدما أصر الخليفة الفاطمي العزيز بالله في عام 381 هجرية على تغيير لونها. «المماليك» وفي عهد المماليك واصلت مصر إرسال كسوة الكعبة كل عام، وكان أول من كساها من ملوك مصر المملوكية، الظاهر بيبرس البندقداري، واستمرت الكسوة ترد من مصر حينًا ومن اليمن حينًا آخر، حتى عهد الملك الصالح إسماعيل بن ناصر بن قلاوون. «الدولة العثمانية» وفي عهد الدولة العثمانية، لقب السلطان العثماني نفسه بخادم الحرمين الشريفين، ومن ثم اهتم أثناء إقامته في مصر بإعداد كسوة الكعبة المشرفة، وكسوة لضريح الرسول، وكسوة لمقام النبي إبراهيم (عليه السلام)، كما صنع كسوة للمحمل جديدة، وكتب اسمه على هذه الكساء التي بلغت غاية الإتقان والجمال. «آل سعود» وانتقلت مهمة كسوة الكعبة من مصر إلى السعودية، بعدما تولى حكم المملكة الملك عبدالعزيز آل سعود، وبدأ مصنع «أم الجود» في إنتاج كسوة الكعبة لتتوقف مصر عن إنشائها عام 1962 في عهد جمال عبد الناصر. وخلال تلك الفترة أصدر الملك عبدالعزيز، أوامره بإنشاء دار خاصة بصناعة الكسوة، وأنشئت تلك الدار أمام دار وزارة المالية العمومية في مكةالمكرمة، وكانت أول مؤسسة خصصت لحياكة كسوة الكعبة المشرفة بالحجاز. وأثناء سير العمل في بناء الدار، كانت الحكومة السعودية تقوم من جانب آخر، ببذل الجهود لتوفير الإمكانيات اللازمة للبدء في وضع الكسوة، والتي تألفت وقتها من المواد الخام من حرير ومواد الصباغة، ومن الأنوال التي ينسج عليها القماش اللازم لصنع الكسوة.