بدء اليوم الثاني من تلقي أوراق الترشح في انتخابات مجلس النواب 2025    طب الأسنان بطنطا تتوج بكأس العباقرة في دوري المعلومات الأول    سعر الذهب اليوم الخميس في مصر 9 أكتوبر 2025    "المشاط" تستهل مشاركتها بالنسخة الثانية من منتدى «البوابة العالمية 2025» ببروكسل بلقاء مديرة الشئون المالية والاقتصادية بالمفوضية الأوروبية    مصر تستقبل وزير التنمية الدولية بمملكة النرويج لبحث سبل تعزيز التعاون    عاجل- رئيس الوزراء يحضر القمة الرابعة والعشرين لتجمع الكوميسا نيابة عن الرئيس السيسي في نيروبي    عاجل- حركة فتح ترحب باتفاق وقف الحرب على غزة وتؤكد دعمها لموقف الرئيس محمود عباس    سوروب يصل القاهرة مساء اليوم لقيادة تدريبات الأهلي    6 لقاءات قوية في افتتاح الجولة الثامنة من دوري المحترفين    بالصور.. تكاثر السحب المنخفضة وسقوط أمطار متفاوتة الشدة بالإسكندرية    النشرة المرورية اليوم الخميس بمحاور القاهرة والجيزة    ضبط المتهمين بقتل شاب بمنطقة المطرية    "ثقافة جاردن سيتي" يشهد الملتقى الإعلامي الثقافي للطفل المصري    بالصور.. نائب وزير الصحة يتفقد المنشآت الطبية بالإسكندرية    سعر الأسمنت اليوم الخميس 9 اكتوبر 2025 فى الشرقية    وزير الرياضة يؤازر منتخب مصر الثانى قبل المشاركة بكأس العرب    اتحاد الكرة: نشكر الرئيس السيسي على دعمه للرياضة.. ونتمنى أن يكرر حسام حسن إنجاز الجوهري    أسعار البنزين والسولار فى محطات الوقود اليوم الخميس    زيادة جديدة ل سعر الفراخ البيضاء الآن.. أسعار الدواجن اليوم الخميس 9-10-2025 صباحًا    فيفا: منتخب مصر يمتلك مقومات تكرار إنجاز المغرب فى كأس العالم 2026    رابط تقييمات الأسابيع الأولى من الدراسة وتوزيع درجات طلبة الثانوى    ضبط المتهم بقتل شقيقه الأكبر بسبب خلاف على الميراث بالشرقية    كنت بحبه ودفنته بيدى بالمقابر.. اعترافات متهمة بقتل طفل فى قنا    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بميادين القاهرة والجيزة    في ثالث أيام «عيد العرش».. مستوطنون إسرائيليون يقتحمون المسجد الأقصى    الخارجية التركية: نشيد بجهود مصر وقطر والولايات المتحدة للوساطة فى مفاوضات غزة    محافظ أسيوط يشهد احتفالية "قصور الثقافة" بالذكرى ال 52 لانتصارات اكتوبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9-10-2025 في محافظة الأقصر    هل يجوز منع النفقة عن الزوجة لتقصيرها في الصلاة والحجاب؟.. دار الإفتاء تجيب    متوسط التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظ أسيوط يكرم أبطال السباحة بعد فوزهم ببطولة الصعيد لمراكز الشباب    بعد إنطلاق ألبومها الأول.. مي فاروق تتصدر تريند جوجل    شاهيناز: «مبحبش أظهر حياتي الخاصة على السوشيال.. والفنان مش إنسان عادي»    حاكم مقاطعة فولجوجراد: الدفاعات الجوية تصد هجوما أوكرانيا مكثفا بالمسيرات    عاجل- ترامب: قد أزور مصر يوم الأحد.. ومفاوضات اتفاق غزة "بالغة القرب"    يعرض قريبًا.. «لينك» ضغطة زر تقلب حياة موظف على المعاش    عاجل - بالصور.. شاهد الوفود الدولية في شرم الشيخ لمفاوضات غزة وسط تفاؤل بخطوة أولى للسلام    مصطفى أبو زهرة: هناك دول تتمنى أن تكون لديها "نصف" حسام حسن    سما المصري توجه رسالة ل المستشار مرتضى منصور: «ربنا يقومه بالسلامة بحق صلحه معايا»    هشام حنفي: ياس سوروب مدرب مميز وإضافة كبيرة للنادي الأهلي    "قبل نهاية الاسبوع" غدوة حلوة.. اصنعي أجمل صينية فراخ بالبطاطس لعائلتك    من أدعية الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج    ممنوع الضرب.. قرار حاسم حول حظر استخدام العصا أو الخرطوم في المدارس ومحاسبة المسؤولين    البابا تواضروس الثاني: المسيح هو الراعي الأمين الذي يقودنا إلى الطمأنينة والأبدية    8 شهداء في غزة خلال الساعات ال24 الماضية جراء الغارات الإسرائيلية    شيخ الأزهر يؤدي واجب العزاء في وفاة الدكتور أحمد عمر هاشم    7 آلاف محضر بشأن «تراخيص عمل الأجانب» خلال 27 يومًا    وكيل صحة الفيوم تُتابع أداء المستشفيات في اجتماع إشرافي موسع| صور    مصطفى قمر: مبروك لمصر رفعتوا راسنا يا رجالة مستنيين بقى تشرفونا فى كأس العالم    كُتبت فيها ساعة الصفر.. حكاية «كراسة حنان» التي احتوت على خطة حرب أكتوبر    إصابة رئيس مباحث شبين القناطر.. ومصرع عنصرين إجراميين في مطاردة أمنية بالقليوبية    سوء تفاهم قد يعكر الأجواء.. برج العقرب اليوم 9 أكتوبر    منها منتجات الألبان.. 6 أطعمة ممنوعة لمرضى جرثومة المعدة (تفاقم الألم)    أسهل طريقة لعمل البليلة في ساعة.. شرط النقع    السيسي يُعبّر عن خوفه من الثورة والتغيير .. وناشطون: فات الأوان يا عميل    دينا أبو الخير: قذف المحصنات جريمة عظيمة يعاقب عليها الله    نقيب المحامين: الرئيس أعاد المادة 105 لزيادة ضمانات حقوق المواطن    تصفيات كأس العالم، زامبيا تفوز على تنزانيا بهدف نظيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بياصة الشوام».. رحلة الكمال على جسر النقص!
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 08 - 2019

لعل هذا النص الروائى المدهش من أكثر نصوص 2019 السردية ثراء، سواء فى بنائه أو فى أسئلته، ولا شك أنه من أفضل روايات هذا العام.
«بياصة الشوام» ل أحمد الفخرانى (دار العين)، عمل مركب ومتداخل الطبقات، يمتزج فيه الواقعى بالأسطورى، والاستلهام من النصوص الدينية، بسحر التجربة الصوفية، يحضر الإنسان فى هذا النص بكل ملكاته وقدراته: العقل بأسئلته، والروح بحيرتها، والعاطفة بجموحها، والجسد بشهواته، يمكن أن تصف النص بأنه تجربة روحية بالأساس، جهاد داخلى تجسد فى صورة متاهة سردية، أو رحلة صعود إلى أعلى، محاولة للوصول إلى الكمال، عبر جسر متداع من النقص والخذلان، وكلها أفكار صعبة يستلزم أن تعجن فى مادة الفن والجمال، والمدهش أن أحمد الفخرانى نجح فى ذلك بامتياز، وهو أمر لو تعلمون عظيم وشاق، ولذلك فإن «بياصة الشوام» تجربة جمالية، بقدر ما هى تجربة روحية.
أول ما يلفت النظر، أن الفخرانى منح روايته اسما واقعيا، هذا المكان موجود فى الإسكندرية فى العطارين، وهو اليوم سوق للملابس المستعملة، وهناك أيضا مطعم حقيقى موجود فعلا هو «ملك السمان»، ولكن الواقع أعيد بناؤه من جديد فى الرواية، لينطلق إلى آفاق تستوعب التجربة الصعبة لبطلنا الذى يحمل اسم سعيد، فكأن الفخرانى قد احتذى ببطله، الذى يريد أن يصنع تماثيل ليست كالتماثيل: لقد قام الروائى بصناعة تمثاله المكتوب، مازجا بين طين الكلمات، وماء الأفكار والأسئلة، فأصبحت البياصة فى الرواية مختلفة عن أصلها الواقعى.
جدل الواقع والخيال، والملموس والمجرد، هو فى صميم معنى الرواية وشكلها معا، والواقعى البسيط تخصه أيضا أسئلة سعيد؛ لأنها ببساطة أسئلة الإنسان فى كل مكان وزمان، حول الجسد والروح، والجهل والمعرفة، والخطيئة والتطهير، والخير والشر، الفارق فقط فى مدى معرفة الإنسان بذلك، والمعرفة فى الرواية تبدأ من الواقع والجسد بكل تفاصيلهما، لتصعد إلى الروح، المعرفة وحدها هى وسيلة تخطى العقبة، وعودة الإنسان الناقص، إلى أصله السماوى.
الراوى يسرد على لسان سعيد، صانع التماثيل المثقل بالذنوب والآثام، والحالم بأن يصنع خلقا لا يقلد الواقع، وأن يصنع فنه الخاص وأصالته، ولكن الجدل يظهر أيضا بين الراوى وسعيد فى سطور مختلفة، وكأن سعيد يريد أن يمزق أقنعة الراوى، وكأنه يذكرنا أن الأسئلة تخص الجميع بمن فيهم الراوى، رغم أن التجربة والمعاناة من نصيب سعيد.
سعيد، كما قدمه الفخرانى من وراء قناع الراوى، يفقد الأب والأم معا، مشروع فنان يدخل إلى متاهة «بياصة الشوام» التى تبدو ليلا مثل جحيم أرضى، بمطعمها وفتواتها وشياطينها، حتى إدريس (بكل دلالات الاسم المرتبط بالحكمة وبصحائف المعرفة)، صاحب الورشة، يصبح مرشدا مختفيا، يلقى بأسرار أكثر مما يقدم إجابات.
وبين الورشة والبياصة، وبين اللذة وانفجار الجسد، وحضوره الواضح، وشفافية الرؤى الملهمة، يتعين على هذا البائس الناقص، ضعيف الإرادة والهمة، أن يصعد من مستوى البصقة المهملة، إلى مرتبة إزاحة الجبل، ليقود نفسه، ويقودنا معه، إلى حيث النور الخالص.
تقدم الرواية البديعة الإنسان، كما هو بكل نقائصه، ولكنها تقدم فى نفس الوقت قصيدة حب لأثمن ما يحمله الإنسان: السؤال، والفن، بل والجنون أيضا، وكلها قرابين من أجل المعرفة. تنقل «بياصة الشوام» أسئلة بطلها ومؤلفها إلى قارئها، تصهره فى أتون التجربة، تنبهه إلى أصله السماوى، وتلفت نظره إلى إرادته المندثرة، تبعثه مثل العنقاء من قلب رماد الذنب والخطيئة، تهشم ذاته لتجمع روحه، تأخذه من التحلى إلى التخلى، ومن متاهة الجهل، إلى أنوار العارفين.
«بياصة الشوام» تنحاز فى النهاية إلى الإنسان، تكتشف فيه تلك النفخة الروحية الإلهية، تعيده خليفة مستحقا للخلافة عبر جهاد مؤلم، يجاهد سعيد نفسه بالأساس، المعركة فى الداخل، ولا صعود إلا بالانتصار على التناقضات والقيود.
ساعتها فقط سيمتلك أصالته، وسيصنع تمثاله الفريد، وساعتها فقط سيتكشف له ما وراء الطين والماء والجسد، وربما سيعرف من خلال ذلك سر الجمال الخالد، وسيكون جديرا وقتها بأن يضع مثلث الحكمة الخاص به، على كل التمائيل التى صنعها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.