تحل اليوم الجمعة، الذكرى ال 170 لوفاة محمد علي باشا، بقصر رأس التين بالإسكندرية، بعد شهور قليلة من وفاة نجله إبراهيم باشا الذي كان يعاني من مرض "السل". ويرى عدد كبير من المؤرخين، أن محمد على هو والد ومؤسس مصر الحديثة، فهو أول من وضع لها نظاما للحكم مختلفا بشكل كلي عمن سبقوه، كما أنه استطاع تحقيق التنمية في العديد من المجالات منذ الفتح العثمانى لمصر عام 1517. بداية حكم مصر: غيّر محمد على نظام الحكم بشكل كلي، وصاغ نظاما بيروقراطيا مركزيا ظل مطبقا لفترة قريبة في الدوائر الحكومية، فبدأ بتنفيذ النظام الذي أدخله نابليون على مصر خلال حملته، فاتخذ ديونا خديويا (أميريا) لإدارة شئون البلاد، ويتولى الديوان إحكام سيطرته على البلاد عن طريق مخافر الشرطة (الأقسام حاليا)، كما أنشأ ديوان المشورة معتمدا في تكوينه على أعيان مصر؛ لعرض الأمور والقرارات عليه بشكل صوري قبل إصدارها. أنشأ محمد علي أيضا مجلس النظار (الوزراء حاليا)، للاجتماع مع رؤساء الدواوين (الوزرات)؛ ولمتابعة أهم القضايا وإصدار التوجيهات، كديوان العسكرية والصناعة والبحرية إضافة إلى ديوان التجارة والأشغال، بالإضافة إلى ذلك قسم محمد علي باشا مصر إلى 7 مدريات كل مدرية إلى عدة مراكز بلغت 64 مركزا، قسم كلا منهما إلى أقسام. كان محمد علي هو من يتولى إدارة كل هذه الدواوين والمجالس، منفردا بالسطلة دون غيره، ويفاوض قناصل الدول ويتعامل معهم بنفسه دون وسيط، حتى الأمور المالية والأموار الخاصة بانشاء المشروعات العامة هو من يتصرف فيها. وبدأت مسيرة محمد علي التنموية بمشروع قومي للنهوض بالتعليم والبحث العلمي، ومن خلالهما أحدث طفرة زراعية وصناعية وتجارية، بل وحربية عبر سلسلة من المدارس العليا على الصعيدين المدني والعسكري. رحلة التعليم.. مفتاح النهوض: أدرك والي مصر وقتها أن الدولة لكي تنهض يجب عليه أن يؤسس منظومة تعليمية تعتمد على الكفاءات البشرية، لذا أرسل طائفة من الطلبة الأزهريين إلى أوروبا لدراسة عدة مجالات، كما أسس المدارس الإبتدائية والعليا، لإعداد أجيال متعاقبة من المتعلمين الذين تعتمد عليهم دولته الحديثة. وأولى كافة المجالات العلمية اهتمامًا كبيرًا عبر إنشاءه مدرسة (كلية) الهندسة العليا ببولاق، والألسن العليا بالأزبيكة، والمدرسة الحربية العليا بأسوان، والمدرسة الحربية بفرشوط، والمدرسة الحربية بالنخيلة، ومدرسة المشاة العليا بالخانكاه، ومدرسة المشاة بدمياط، ومدرسة المدفعية العليا بطرة، والمدرسة البحرية العليا بالإسكندرية، ومدرسة العمليات والفنون العليا بالقاهرة، مدرسة أركان الحرب العليا بالخانكاه، مستعينًا بخبرات الكولونيل الفرنسي، سيف الذي خاض العديد من المعارك ضمن قوات نابليون بونابرت. وتشهد جدران القصر العيني عبر لوحة موثقة عليها أول درس للتشريح في تاريخ الطب الحديث في مصر يتوسطها الفرنسي كيلوت بك، وإلى جواره مجموعة من طلاب الطب في مدرسة القصر العيني. أما اهتمامه بالصناعة والزراعة فلم يكن منفصلًا عن العلم، بل جاء عبر مشروع قومي ذا منهجية قائمة على خبرات دفعات تخرجت على أيدي نخبة من المتخصصين المستجلبين من الخارج؛ إذ أنشأ مدرسة للزراعة العليا بشبرا، وأخرى للمعادن العليا بمصر القديمة. طفرة في صناعة المنسوجات: توسعت في عهده صناعة المنسوجات، بعدما أعاد عمارة ورش الخرنفش (تقع في بالقرب من منطقة المعز وخان الخليلي حاليًا)، عام 1818 بحسب المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي، وغرس الملايين من أشجار التوت لإنتاج الحرير من دودة القز، وشيد مصانع لإستخدامه كام استجلب له مختصين في صناعة الحرير من إيطاليا والأستتانة، تتلمذ على أيديهم أجيال من الحرفيين المصريين المهرة تفوقوا في صناعة الثياب المزركشة ذات الألوان الزاهية المطرزة بالألوان الذهبية، على الهند وتركيا. كما أقام محمد علي مصنعًا للجوخ على شاطيء النيل بمنطقة بولاق مستفيدًا بخبرة 5 من الفرنسيين المهرة، حسبما ذكر حفيده عمر طوسون، في كتابه «الصنائع والمدارس الحربية في عهد محمد علي باشا». التوسع وتتطوير الزراعة: اعتنى محمد علي بالزراعة، فانصب اهتماماته على الري وشق الترع وتشيد الجسور والقناطر، بالإضافة لتوسيع نطاق الزراعة، حيث خصص نحو 3 آلاف فدان لزراعة التوت، للاستفادة منه في إنتاج الحرير الطبيعي، والزيتون لإنتاج الزيوت. ولتلبية احتياجات السفن وأعمال العمران، غرس الأشجار، كما أنه أدخل عام 1821 زراعة صنف جديد من القطن يصلح لصناعة الملابس، بعدما كان القطن الشائع لا يصلح فقط إلا للتنجيد. النظام المالي وفرض الاحتكار: فرض محمد على نظام "الاحتكار"، الذي جعله المالك الوحيد للأراضي المصرية، فبذلك ألغى الملكية الفردية للأراضي، وكما احتكر الأراضي والزراعة، احتكر أيضًا الصناعة والتجارة، وأصبح التاجر والصانع الوحيد. جهود عمرانية: لم يتوقف اهتمام محمد علي عند التعليم والصناعة والزراعة فقط، بل امتد لبعض النواحي العمرانية التي تخدم دولته الناشئة، فأسس المدن مثل الخرطوم وكسلا، وأقام القلاع، وشيد فنارا في رأس التين بالإسكندرية؛ لإرشاد السفن، كما اهتم ببناء القصور ودور الحكومة، وأنشأ دارا للآثار بعدما أصدر أمرًا بمنع خروجها من مصر، ومهد الطرق التجارية، ونظّم حركة البريد وجعل له محطات لإراحة الجياد.