"بشعره الكثيف الأصفر"، يفرض رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون نفسه على اهتمامات العالم كشخصية مثيرة للجدل سواء في السياسة أو الصحافة والأدب. وبوريس جونسون الذي ولد في 19 يونيو عام 1964 وتولى زعامة حزب المحافظين البريطاني في 23 يوليو الجاري، شغل من قبل منصب وزير الخارجية كما كان عمدة للعاصمة لندن وانتخب كنائب برلماني فيما استهل مسيرته المهنية كصحفي حتى وصل لمنصب رئيس تحرير "مجلة سبكتاتور" الأسبوعية ذات التوجه اليميني. ولم تكن مسيرة جونسون في الصحافة سلسة وبلا مشاكل حيث أقيل من جريدة "التايمز" جراء "اقتباس مزور"، كما تعرض لانتقادات جراء "استخدام مفردات في مقالاته تنطوي على عنصرية" وهي انتقادات ينفي صحتها بحكم أصوله العرقية المتعددة. وفي عالم السياسة ومع أنه اعتلى قيادة حزب المحافظين العريق، فإن هناك في بلاده من شكك دوما حتى في جدارته لشغل منصب وزير الخارجية من قبل مقابل مدافعين عنه يتحدثون عن موهبته في التعبير ككاتب وخطيب مفوه. وهذا السياسي والكاتب الصحفي المثير للجدل يستعد لإصدار كتاب جديد عن الكاتب والشاعر الإنجليزي الأشهر ويليام شكسبير بعنوان: "شكسبير: لغز العبقري" فيما لفتت الناقدة الثقافية البريطانية اليسون فلود بنوع من السخرية إلى أن هذا "الكتاب الموعود تأجل ظهوره من قبل عدة مرات"، مع أنه كان من المقرر أن يصدر أصلا في شهر أكتوبر عام 2016. ومستشهدة بناشر الكتاب الذي لم ير النور بعد أشارت اليسون فلود إلى أن "مؤلف الكتاب الموعود حول عبقرية شكسبير والذي تأجل ظهوره عدة مرات بات رئيسا للوزراء في بريطانيا، ومن ثم فإن مسؤولياته الجسيمة من شأنها تأجيل إصدار الكتاب لأجل غير مسمى، وبذلك فإن هذا الكتاب لن يرى النور في المستقبل المنظور". كما أنه صاحب محاولات في الشعر فيما يحلو له تشبيه نفسه باثنين من كبار الساسة البريطانيين جمعا بين السياسة والأدب وهما ونستون تشرشل وبنجامين دزرائيلي، مع أن العديد من النقاد الثقافيين في الصحافة البريطانية يعتبرون أن كتاباته تفتقر للمستوى الرفيع حتى لو بلغت مبيعات كتبه نحو نصف مليون نسخة. وفي المقابل، فإن أصواتا في الصحافة الثقافية البريطانية تدافع عن بوريس جونسون الذي أصدر رواية صدرت عام 2004 بعنوان "72 عذراء" وبلغت مبيعاتها نحو 50 ألف نسخة بوصفه "صاحب أسلوب جذاب للقاريء" وتعتبر هذه الأصوات أن كتب جونسون تحلو من التعقيدات التي تنفر الكثيرين من القراءة. وفي عام 2015، أصدر بوريس جونسون كتابا في التاريخ حول شخصية تشرشل الذي يبدو معجبا به بشدة وهو الكتاب الذي صدر بعنوان: "دور تشرشل.. كيف صنع رجل واحد التاريخ؟ وبلغت مبيعاته نحو ربع مليون نسخة لتكون السيرة الذاتية الأكثر مبيعا بشأن حياة ونستون تشرشل الذي ولد في 30 نوفمبر عام 1874 وقضى في 24 يناير عام 1965، وعرف بدوره التاريخي كرئيس لحكومة بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية كما توج بجائزة نوبل عام 1953. وإذ يحمل كتابه عن تشرشل رؤية تؤكد أهمية دور القائد العظيم في التاريخ، فإن هذا الكتاب يجد الآن أقلاما تستغله في الصحافة الثقافية البريطانية لعقد مقارنات ساخرة بين ونستون تشرشل وبوريس جونسون وتحمل سخرية وتهكما على رئيس الوزراء البريطاني الجديد. وبوريس جونسون درس الأدب والفلسفة والكلاسيكيات اليونانية واللاتينية في جامعة أكسفورد وأصدر في عام 2007 كتابا حول الإمبراطورية الرومانية بعنوان: "حلم روما"، ويرى أن الإمبراطورية الرومانية كانت ناجحة خلافا للنموذج الفاشل للاتحاد الأوروبي. ويوصف بوريس جونسون الذي يحظى بتأييد من شرائح في الطبقة العليا للمجتمع البريطاني بأنه ينتمي لتيار "يمين الوسط" وعرف كصحفي صاحب اتجاهات مناوئة للاتحاد الأوروبي وأفكار الوحدة الأوروبية ويرى المعجبون به أنه "يتمتع بروح الدعابة وسحر الشخصية ناهيك عن مهارته كسياسي". ورئيس الوزراء البريطاني الجديد الذي يوصف بأنه "صاحب قدرة مدهشة على الانتقال في عالم السياسة من النقيض الى النقيض ومواقف زئبقية" يتميز في الواقع "بنزعة ميكيافيلية" يراها البعض ضرورية في عالم السياسة، أما في عالم الصحافة فقد برهن على قدرته على تجاوز الصدمات وتحويل الفشل لنجاح كما حدث عندما وجد نفسه مطرودا من جريدة التايمز لينهض من جديد ويبدأ رحلة جديدة في صحف ومجلات جديدة. ومع دخول بوريس جونسون المقر الشهير لرئيس الحكومة البريطانية في "10 داونينج ستريت" خلفا لتيريزا ماي تبدو العلاقة بين بلاده والاتحاد الأوروبي "على المحك" مع مواقف جونسون المؤيدة بشدة لخروج بريطانيا من هذا الاتحاد في سياق ماعرف "بالبريكست" وتعيين وجوه معروفة بحماسها لهذا الخروج ومناوئة للتجربة الوحدوية الأوروبية في أبرز المقاعد بحكومته الجديدة. وذهب وزير الخارجية الأيرلندي سايمون كوفني، إلى أن بوريس جونسون يعمد لوضع بريطانيا على "مسار صدام مع الاتحاد الأوروبي" فيما يبدو رئيس الوزراء البريطاني الجديد متمسكا بطلبه لإعادة التفاوض بشأن "اتفاق البريكست" مقابل إصرار الاتحاد الأوروبي، على أن هذا الاتفاق الذي عقدته تيريزا ماي والمقرر دخوله حيز التنفيذ في نهاية شهر أكتوبر المقبل "لا يمكن تعديله". ورغم أن الاستفتاء الذي أجري في شهر يونيو عام 2016 ببريطانيا أسفر عن تأييد نسبة بلغت 52% من الأصوات "للبريكست" فقد استمرت الانقسامات الحادة في الداخل البريطاني بين مؤيدي البقاء داخل الاتحاد الأوروبي والراغبين في الخروج من هذا الاتحاد. وإذا كان "البريكست" موضع تحليلات اقتصادية للتعرف على مدى تأثير هذا الحدث الكبير على الاقتصاد البريطاني بل والأوضاع الاقتصادية في أوروبا والعالم ككل، فإن الصحافة الغربية تحفل الآن مجددا بطروحات حول أسباب الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي من "المنظور الثقافي" مع تولي بوريس جونسون رئاسة الحكومة في بريطانيا. ولم تكن مواقف بوريس جونسون والتيار الذي ينتمي له بعيدة عن مقاصد الكاتب الإنجليزي فيليب بولمان الذي يبدو معارضا بشدة لهذا الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي عندما قد وصف البريكست "بالكارثة"، وانتقد ما وصفه ب"أوهام إمبراطورية مازالت تسكن نفوس البعض في بريطانيا". واعتبر فيليب بولمان أن الإحجام البريطاني الطويل عن الانضمام لكيانات أوروبية أفضى لمشاعر سلبية حيال الانتماء لأوروبا أو الالتزام بقضايا القارة الأوروبية ككل، وحال دون الفهم العميق للروابط والعلائق الحقيقية بين بريطانيا وأوروبا. وفيليب بولمان الذي وصفته جريدة "التايمز" البريطانية -وهي التي طردت من قبل بوريس جونسون- بأنه "واحد من أعظم 50 كاتبا بريطانيا منذ عام 1945" حمل على الصحافة البريطانية في سياق تناوله لخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، معتبرا أنها في مجملها لم تؤازر الأفكار الوحدوية الأوروبية فيما كان بوريس جونسون في طليعة المناوئين لهذه الأفكار الوحدوية الأوروبية. ومن المفارقات أن يخلص كاتب كفيليب بولمان إلى أن بريطانيا أمست بحاجة ماسة "لتغيير جوهري" ويتساءل بأسى عمن يمكنه النهوض بهذه المهمة في المشهد الراهن الذي تتصدره صحف ووسائل إعلام تؤجج المشاعر العنصرية والنزعات الشعبوية غير المسؤولة، وأن تعتبر الصحف البريطانية المعارضة للبريكست مثل صحيفة الأوبزرفر أنه في "الأوقات المضطربة يكون من المطلوب والمفيد الاستعانة بإبداعات الأدب كدليل ومرشد للإلهام والحكمة"، فيما تأتي الإجابة الآن ممثلة في "بوريس جونسون المتحمس بشدة للبريكست". وفي وقت أمست فيه "قوى التطرف السياسي والأيديولوجي في الغرب تستغل مسألة اللاجئين والهجرة لتغذية مخاوف الناخبين بسرديات الغزو الثقافي من جانب الغرباء وتحقيق مكاسب انتخابية لتلك القوى"، كما يقول الكاتب البريطاني اليكس بريستون، فإن الصحافة الثقافية البريطانية تعيد للأذهان مواقف وكتابات لبوريس جونسون من شأنها زيادة تلك المخاوف. وإذا كان عالم الاقتصاد البريطاني جوناثان بورتيز قد تناول في سياق الجدل المستمر حول خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي "البريكست" اتجاهات البريطانيين حيال المهاجرين في كتاب صدر بعنوان: "ما الذي نعرفه وما الذي علينا أن نفعله بشأن الهجرة؟"، وتحدث عن "ظاهرة حرب السرديات المتعددة في بريطانيا حول المهاجرين وأسس الخطاب الثقافي للتيار المضاد في بلاده إزاء هذه الفئة من البشر"، فمن الواضح أن بوريس جونسون أحد من تبنوا هذا الخطاب الثقافي السلبي حيال المهاجرين واللاجئين. ومع أن المؤرخ والكاتب البريطاني بيتر فرانكوبان وصاحب كتاب: "طرق الحرير الجديدة" يرى أن على البريطانيين الخروج من "شرنقة الذات"، فإن بوريس جونسون ينتمي بالفعل إلى تيار قوي في بريطانيا يرى في المقابل أنه من الأفضل للبريطانيين أن يتمركزوا حول "الذات البريطانية بعيدا عن هموم العالم الخارجي بما في ذلك أوروبا" مع "إقامة علاقات خاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة". وهذا التيار الذي كان وراء التصويت بأغلبية -وإن كانت محدودة- لصالح انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو ما عرف "بالبريكست" له حضوره الواضح في الحياة الثقافية البريطانية وتعبيرات وصيغ فنية مثل الفن الشعبي وموسيقى الشارع "فيما يبدو مشدودا بحنين غلاب لتراث إنجلترا البيضاء". وأنصار هذا التيار الذي ظهر منذ أكثر من عقدين ليرسخ حضوره الثقافي في مجالات متعددة من بينها الموسيقى حيث يشجع موسيقى البوب البريطانية أو ما يعرف اختصارا ب"البريت بوب" يرحبون الآن بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، معتبرين أن السنوات ال45 لبلادهم داخل هذا الاتحاد مرحلة انتهت للأبد بانتصار الهوية البريطانية ولسان حالهم يقول: "لا تنظر خلفك في غضب!". وإذ يتخذ الكاتب والفنان الكوميدي الأمريكي ستيفن كولبرت موقفا مضادا للرئيس دونالد ترامب، ورئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون، وينضح بالسخرية منهما معا شأنه في ذلك شأن الكاتب والممثل الهزلي القادم من جنوب إفريقيا تريفور نواه، فإن "كيمياء العلاقة الوثيقة بين ترامب وجونسون موضع اهتمام وتعليقات شتى في الصحافة الثقافية الغربية ككل". والتقارب الواضح في التوجهات والميول بين بوريس جونسون الذي ولد في نيويورك لأبوين بريطانيين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحظى الآن بطروحات وتحليلات متعددة في الصحافة الثقافية الغربية في سياق استكشاف ملامح المشهد الجديد في عالم يصفه الكاتب الروائي والمسرحي الأمريكي دون ديليلو بأن "الوقائع والحقائق على أرض الواقع فيه باتت بالفعل أغرب من الخيال وكلها مثيرة للقلق!".