ثروت عكاشة خاض معركة شرسة بسبب المدارس الموسيقية.. وغياب حصة الموسيقى كارثة أتمنى أن أرى معهدًا للموسيقى فى كل مدينة لكن الأهم وجود فرق تستوعب الخريجين تمنيت حضور أبى وأمى تلك اللحظة ولم أنس فضل مدارس الموسيقى فى الإعدادية شوبان وراء معرفتى بالحكومة البولندية.. ورحيل الأجانب ليس له علاقة بتراجع مستوى خريجى الكونسرفتوار مصر تمتلك قاعات كثيرة فخمة لكنها تصلح للاجتماعات وليس العزف والاستماع
حصول الدكتور فوزى الشامى عميد معهد الكونسرفتوار الأسبق والمايسترو المعروف الأسبوع الماضى على وسام الاستحقاق من دولة بولندا يعنى الكثير بالنسبة لنا نحن المصريين وليس له فقط كحاصل على الوسام، لأن أى تكريم لفنان مصرى هو تكريم لوطنه فى المقام الأول، كما أنه يعنى ايضا الكثير للوسط الموسيقى فى مصر وعالمنا العربى، لأنه يعد انتصارا لمن انحازوا للموسيقى الجادة والفنون الرفيعة فى ظل إهمالهم وتجاهلهم من الإعلام المصرى، الذى اهتم خلال الثلاثين عاما الأخيرة بأنصاف الموهوبين وأرباع الموسيقيين وترك أصحاب الفكر الجاد والفنانين الحقيقيين دون أدنى اهتمام.. وإذا كان فوزى الشامى قد حصل على «الاستحقاق» من بولندا الأسبوع الماضى فقط، فهو حصل على احترام زملائه من أبناء الكونسرفتوار والداعمين للفن الجاد منذ أن دخل هذا العالم، كل تجاربه أو السيرة الذاتية له تؤكد أننا أمام قامة فنية وعلمية كبيرة سواء بوصفه عميدا لمعهد الكونسرفتوار أو بوصفه مؤسسا للأوركسترا الفلهارمونى للشباب العربى، أو عضو لجنة قطاع الفنون والتربية الموسيقية بالمجلس الأعلى للجامعات، أو نائب رئيس الاتحاد الدولى للمدارس الموسيقية بجنيف سويسرا، أو المدير الفنى والإدارى لأوركسترا القاهرة السيمفونى بدار الأوبرا، أوعضو لجنة الموسيقى والأوبرا والباليه بالمجلس الأعلى للثقافة، أو عضو لجنة التخطيط ووضع البرامج بدار الأوبرا المصرية سابقا. فى هذا الحوار نتطرق للتكريم الذى حصل عليه من دولة بولندا إلى جانب قضايا أخرى شائكة تهم الموسيقى بصفه عامة. فى البداية سألته: كيف جاء التكريم من قبل رئيس بولندا؟ فوجئت بسفير بولندا السابق فى مصر ميشال موركو سينسكولى يطلب منى ترشيح اسمى لنيل وسام الاستحقاق من الرئيس البولندى، فرحت جدا بهذا الطلب، وبالفعل أرسلت له السيرة الذاتية بناء على طلبه، وأرسلها بدوره إلى الرئاسة فى بلده، وذلك منذ عام ونصف العام تقريبا، وفى شهر يناير الماضى أُرسلت الموافقة على منحى الوسام. هل تسلمت الوسام من الرئيس البولندى شخصيا؟ فى الحقيقة أننى تسلمت الوسام من خلال السفير البولندى الحالى ميشال لابتدا، بمقر السفارة بالقاهرة، الأسبوع الماضى، وأتصور أن هذا تقليد، حيث يقوم السفير البولندى بتسليم الوسام فى البلد التى يمنح منها الشخص نيابة عن الرئيس. بالتأكيد كان شعورك مختلفا خاصة أن التكريم من دولة غربية لها تاريخ موسيقى؟ فى البداية لم أصدق، وعندما تحدث لى السفير قلت فى نفسى انه مجرد ترشيح منه، وربما لا يحالفنى التوفيق لذلك لم أشغل بالى إلى أن فوجئت بالاتصال من السفير الحالى، ووقتها أكيد سعادتى كانت كبيرة بهذا التكريم وسعادتى ليس لشخصى ولكن لأن اسم مصر تردد فى الأوساط هناك، وانا اتشرف بمصريتى جدا، ولذلك فأنا أعتبر الأمر نجاحا لوطنى. هناك من تمنيت وجوده معك لحظة التكريم ولمن تهديه؟ لحظتها تمنيت وجود أمى وأبى، وأن يكونا على قيد الحياة لأنهما السبب الأول والأخير فيما وصلت إليه، وكذلك أخى وأختى المتوفيان، أما الإهداء فدائرته متسعة لكل من ذكرتهم، وكذلك لأحفادى أحمد ويوسف وخديجة لتواصل الأجيال، ولأكاديمية الفنون ومؤسسها فارس الثقافة المصرية ثروت عكاشة، الذى فاجأنى فى آخر زيارة له فى منزله بالمعادى قبل وفاته بعام قائلا: أتمنى أن تصبح وزيرا للثقافة يا فوزى قالها بشكل حماسى. بالتأكيد كانت هناك أسباب للتكريم؟ الأسباب التى ذكرها السفير السابق هى أن هذا الوسام يمنح للأجانب الذين لهم مشوار طويل فى الحياة الفنية، ولهم تأثير من خلال الأنشطة التى يقدمها الفنان، وأتصور أن معرفتهم بى تمت فى 2010 عند احتفال العالم بمرور 200 سنة على ميلاد شوبان وهو بولندى كما تعلم، وفى الحقيقة الحمد لله استطعت أن أعد احتفالية تليق بمثل هذا الفنان فى مصر، لأننى فكرت فيه كمؤلف موسيقى وعازف بيانو له أسلوب خاص جدا، وأمور أخرى متعلقة بفلسفته فى الفن، لأنه بالفعل صاحب نقلة وبصمة واضحة فى التاريخ الموسيقى. هل اقتصرت الاحتفالية على تقديم أعماله الموسيقية فقط؟ البرنامج تضمن محاضرات عنه فى مكتبة القاهرة الكبرى وحفلا لمؤلفات شوبان بالأوبرا، والأهم أننا قمنا بعمل مسابقة سنوية فى البيانو باسم شوبان فى مصر. لأنك تعلم أن عدد عازفى البيانو فى مصر قليلون جدا والأوركسترات لا تستعين بهم إلا اذا كان هناك عمل للبيانو مع الأوركسترا فقط، لهذا السبب كانت المسابقة فى البيانو، وتنقسم إلى أربع مراحل عمرية: الأولى حتى 12 عاما، والثانية من 12 حتى 15 عاما والثالثة من 15 حتى 18 عاما، والرابعة السن فيها مفتوح. ووقتها قابلت السفير البولندى وتحدثت معه بشأن تلك المسابقة وقلت له ما الذى يمكن أن تقدمة لنا السفارة، فقال: تتكفل بالجوائز وعمل منحة لمدة أسبوع فى بولندا يقوم خلالها الفائز بالحصول على كورس سريع مع عازفة بيانو شهيرة اسمها ماريولا تشينوفا ويزور متحف شوبان، مسقط رأسه. واضح من كلامك أنك مغرم جدا بشوبان؟ هو فنان كبير جدا، وأنا بصدد إصدار كتاب عنه بعنوان «شوبان على ضفاف النيل»، أتحدث فيه عن كيفية وصول أعمال شوبان لمصر ومن الأساتذة أصحاب هذا الفضل، ومدرسته فى العزف على البيانو وتأثيره الموسيقى بصفه عامة. ما أهم ما فى الكتاب؟ ذكرت فيه مثلا دور فيجر مان وهو يهودى بولندى عاش فى مصر خلال الأربعينيات وحتى الستينيات وفتح أول كونسرفتوار فى 5 شارع شامبيليون، وقد قام بتعليم المصريين البيانو والكمان بالاستعانة بمدرسين أجانب. ومن أهم تلاميذ هذا الرجل مارسيل متى وعائشة حمدى، كما أن الفنانة مشيرة عيسى أدركته وتتلمذت على يديه لأنه كان يدرس لوالدتها. وهذا الرجل هو الذى نقل مدرسة شوبان لمصر، وهنا لابد أن أشير إلى أن هذا الفنان عاش فى حلوان لأنه كان يعانى من مشاكل صدرية ونصحه الاطباء بالذهاب إلى حلوان، وهنا أيضا لابد أن أشير مرة ثانية إلى أن الرئيس البولندى فى العشرينيات حضر أيضا لمدة شهرين للعلاج فى حلوان من مرض صدرى. هذا لمجرد التذكير. متى يطرح الكتاب؟ هذا العام بمناسبة مرور 170 عاما على رحيل شوبان. هناك محطة مهمة فى حياتك الفنية وهى أوركسترا الشباب العربى. هذا الأوركسترا تأسس عام 2006 من عازفين يمثلون كل الأقطار العربية، والحمد لله استطعت معهم تقديم الشباب الموسيقى العربى على أفضل ما يكون، وذهبنا إلى أماكن لم أتصور أن نصل اليها، فقد ذهبنا إلى برلين عام 2013 للعزف فى مهرجان لأوركسترات شباب العالم، وعملنا ضجة كبيرة هناك، حيث اندهش العالم من وجود شباب من 11 دولة عربية يقدمون موسيقاهم بتقنية عالية جدا. إلى جانب اننا عزفنا مؤلفات لمؤلفين عرب من الجزائروتونس ولبنان وطبعا مصر، والجميل أنهم قاموا بدعوتنا مرة اخرى عام 2016 ونفذت تذاكر الحفل قبل شهرين من إقامتها. كما شاركنا فى مهرجان الجم فى تونس، كما تلقينا دعوة من الملكة نور الحسن لزيارة الأردن فى 2017 وقدمنا الحفل فى المسرح الرومانى وسط عمان. وفى مصر قدمنا حفلات منها الاحتفال بالقاهرة عاصمة الشباب العربى فى 2018 بتكليف من وزارة الشباب والرياضة. وماذا عن الخطة القادمة؟ هناك رحلة إلى فرنسا، خلال هذا الشهر «يوليو»، لتقديم ثلاث حفلات هناك منها حفل فى معهد العالم العربى وأخرى فى افتتاح دار مصر فى المدينة الجامعية الدولية فى باريس. لكن ألا تجد صعوبة فى تجميع العازفين وعملية الاختيار؟ بالتأكيد هناك صعوبة كبيرة لأننى أقوم بالاتصال بالمؤسسات الفنية هناك لترشيح العازفين، وإرسال فيديوهات للعزف لهم ثم تجميعهم وعمل البروفات.. كل هذا مرهق جدا، لأننى أبدا قبل الحدث ب9 اشهر. هل هذا معناه أنك فى كل رحلة تصطحب مجموعة مختلفة؟ بالقطع لا لكن هناك عملية تجديد دماء تجرى باستمرار، وهناك عازفون أساسيون لا يمكن الاستغناء عنهم. وهنا لابد أن أذكر أن عدد من شاركوا معى خلال رحلة الأوركسترا ما يقرب من 700 عازف من خيرة الشباب العربى. هذا معناه ان معك جامعة عربية. بالطبع والجميل حالة الانسجام بين العازفين، شىء يشعرك بالفخر بأنك تعمل معهم. هذا العام نحتفل بمرور 60 سنة على إنشاء معهد الكونسرفتوار وأنت أحد أبنائه وكنت عميدا له من 1997 حتى 2003. هذا المعهد قدم للساحة الفنية مجموعة كبيرة من أهم العازفين والفنانين فى شتى المجالات الموسيقية، وهنا لابد أن اذكر بكل خير الدكتور ثروت عكاشة الذى أسس المعهد خلال وجوده وزيرا للثقافة، كما لابد أن أذكر الدكتور أبو بكر خيرت الذى أسس وأنشأ المعهد، وكان أول عميد له، ولأنه كان مهندسا فقد تولى تصميمه المعمارى، إلى جانب نبوغه الفنى فى التأليف الموسيقى، كما لابد أن أذكر الفنان الروسى ايراكلى باريدذى الذى اكتلمت أقسام المعهد خلال فترة وجوده عميدا له، كما أنه أول من أسس أوركسترا للمعهد. وأسند قيادته للمايسترو سيد عوض وبعده مر الاوركسترا بفترة توقف، ثم عندما جاءت الدكتور سمحة الخولى عميدةً للمعهد وكنت وقتها رئيس اتحاد الطلاب، وقمت بعمل دعوة لإحياء الأوركسترا فى مقر جمعية محبى الموسيقى حضرها الطلاب والخريجين طالبت بضرورة عودة الاوركسترا إلى سابق عهده وتحمست دكتورة سمحة جدا، وعاد الأوركسترا وأسندت قيادته إلى المايسترو الروسى نرسسيان، وبدأ الأوركسترا مرحلة جديدة من التألق، وهنا لابد أن أشير إلى أمر هو أن أول مكان للمعهد كان فى مقر مكتب وزير الثقافة فى الزمالك 1 شارع شجرة الدر، عام 1959 ثم انتقل إلى الهرم عام 1960 1961. خلال فترة توليك عمادة المعهد ما الذى حرصت عليه؟ حرصت على أن يكون للمعهد علاقات خارجية خاصة مع دول أوروبا وبالفعل سافر أوركسترا المعهد إلى ألمانيا وإسبانيا، وأتذكر أننا فى روسيا قدمنا حفلات أبهرت المشاركين، وقمنا بالعزف مع 14 أوركسترا عالمى بالميدان الأحمر، حيث جمعت خشبة المسرح ما يقرب من 1200 عازف من جنسيات مختلفة. المعهد استعان فى فترات طويلة بالمدرسين الأجانب.. هل بعد رحيلهم تراجع الأداء؟ لم يتراجع، لسبب بسيط يتمثل فى أن هناك مصريين على درجة عالية من الكفاءة وتتلمذوا على أيدى هؤلاء الأجانب، كما أنهم درسوا بشكل جيد داخل وخارج مصر، وبالتالى لم تحدث فجوة كبيرة كما يتخيل البعض. لكن البعض يرى أن المستوى اختلف بين خريجى المعهد الآن والأجيال السابقة؟ هذا المستوى راجع إلى أن المعهد مر بظروف ارتفاع وهبوط فى المستوى شأنه شأن أى مؤسسة. بما أنك كنت عميدا للمعهد سنوات ورجل تربوى اسألك عن حصة الموسيقى وغيابها فى المدارس الحكومية؟ هذه كارثة حقيقية، ولى أسبابى فى وصفها بالكارثة، أولا عدم تدريس الفنون بصفة عامة تجعلك تقدم للمجتمع إنسانا «خربان» من الداخل كما يقول المعنى الدارج، ليس له علاقة بأى جماليات فى المجتمع، وهنا لابد أن أشير إلى ضرورة أن يسير الأمر فى خطين متوازيين الأول عودة دراسة الفنون للأطفال فى المدارس وثانيا تعليم طلاب الجامعات التذوق الفنى.. طالب الطب كما يدرس العلوم المتعلقة به يجب أن يتعلم كيف يتذوق الموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية، وكذلك المهندس. وأتصور لو أجرينا بعد ذلك دراسة فسوف نكتشف الفارق. وهنا لابد أن ألفت النظر إلى أمر مهم وهو أن هناك مجموعة من الفنانين سوف تجدهم خريجى كلية الزارعة، لماذا؟ لأنهم يتعاملون بشكل مباشر مع الطبيعة والزهور والنباتات. تعلم الفنون أمر ضرورى لبناء الإنسان بصفة عامة وليس مجرد الإحساس وغير ذلك. بم تنصح المسئولين؟ أولا إعادة حصص الموسيقى، وثانيا أن تكون العودة وفقا لما وصلنا اليه، فالأمر ليس حفظ الأناشيد، لكن يجب أن يمنح الطالب دروس لمعرفة قراءة النوتة الموسيقية، أو على الأقل معرفة تلك الحروف والرموز المكتوبة. يجب ان يسمع الموسقى الخفيفة التى تقربه للفن ولا تجعله ينفر منه، وأن يكون التدريس وفقا لقواعد بسيطة دون تعقيد حتى لا يجد الطالب نفسه أمام منهج ثقيل الظل، يجب أن يتعلم القوالب العربية والكلاسيك، مثل أعمال موتسارت الخفيفة وتوزيع كتب بها صور للآلات الموسيقية لكى يتعرف عليها، أنا أريد أن يكون هناك إنسان محب الفنون وليس الهدف أن أجبره على الذهاب إلى الأوبرا، أنا شخصيا أفضل الفلاح الذى يعزف الناى فى الحقل لأنه يحبه عن أى شخص آخر يلعب الموسيقى لكى يقول للناس أنا عازف ماهر، لأن الفلاح يقدم فنه بإحساس عال وهو شىء مهم فى الفن. هل يمكن أن تعطينا تعريفا بسيطا للموسيقى لكى نسهل على الناس الأمر؟ الموسيقى هى شىء مهم للإنسان تربى بداخلنا أمورا كثيرة ربما نفعلها دون أن نشعر بها منها الانضباط والالتزام والنظام كل هذا يحدث بشكل غير مباشر، تعلمنا متى نتحدث ومتى نتوقف عن الكلام وهو ما يعرف باحترام الآخر عند الحديث والإنصات الجيد. المشهد الغنائى فى مصر.. كيف تراه؟ أنا غير متابع له لكن أثناء تنقلى من مكان لآخر والاستماع مصادفة لأغان فى السيارات ألاحظ أن هناك تدهورا وتراجعا كبيرا، فالذوق هبط بشكل كبير. هجرة العازفين للخارج.. ما أسبابها؟ عدم وجود أوركسترات كافية تستوعب الخريجين، وبالتالى يسافر العازف إلى الخارج إلى جانب العائد المادى فى الخارج، أنا شخصيا أتمنى ان يكون هناك معهد للموسيقى فى كل محافظة لكن قبل أن ننشئ المعهد لابد ان نفكر فى خريجيه، لابد من تأسيس فرق تستوعب هذا الكم، حتى تكون المنظومة مختلفة. فى حوارى مع الفنان رمزى يسى قال إنه عزف فى 57 مدينة فى إسبانيا، وفى فرنسا قرابة هذا العدد أو يزيد نظرا لوجود قاعات مؤهلة وفى مصر لم يعزف إلا فى ثلاث أو أربع مدن! هذا صحيح وأنا معه فى ذلك، لكن هناك شيئا غريبا جدا يحدث فى مصر، حيث لا توجد مدينة إلا وبها قاعات فخمة على مستوى عال جدا من حيث التجهيز كمقاعد وديكورات لكنها غير مجهزة للعزف الموسيقى والاستماع الموسيقى، فهى مجرد قاعات للاجتماعات والأحاديث العادية، ولذلك أتمنى مراعاة ذلك مستقبلا. أنا لست فى حاجة للفخامة التى أراها ولكننى بحاجة إلى قاعة تصلح للعزف وتعرض عملا مسرحيا، أى أن يكون المكان مهيئا للفنون. أعود بك إلى البدايات.. كيف أصبحت موسيقيا؟ سوف تندهش من شىء مهم وهو أننى فى البداية لم أكن أرغب فى أن أصبح موسيقيا.. لم يكن حلمى أن أعمل بهذا المجال، لكننى فوجئت بوالدى يلحقنى بمدرسة موسيقية فى حلوان، وهى مدارس أنشئت فى بداية الخمسينيات لرعاية الموهوبين، ودخلتها عندما كنت فى الإعدادية، ومن هنا بدأت علاقتى بالموسيقى، والجميل أننى كنت أدرس علوما عادية صباحا والفترة المسائية كنا ندرس موسيقى، لكن المفاجأة كانت عند الانتقال إلى المرحلة الثانوية حيث قررت الدولة إلغاء المدارس للمرحلة الثانوية بعد افتتاح الكونسرفتوار، ودخل ثروت عكاشة فى معركة كبيرة مع البرلمان لأنه تبنى فكرة الإلغاء، وبالطبع انتهت المعركة لصالح البرلمان، وهنا قرر والدى أن التحق بالكونسرفتوار. وضاع حلمى بالدراسة العادية حيث كانت رغبتى دخول كلية الفنون الجميلة قسم عمارة. وللعلم فإن هذه المدارس التى تم إلغاؤها قدمت للساحة الموسيقية الدكتور حسن شرارة وجمال سلامة والدكتور سعيد القصبجى عميد معهد الموسيقى العربية. أما فكرة هذه المدارس فقد كانت ل«صالح عبدون» رئيس الأوبرا المصرية فى ذلك الوقت، وتحمس لها ثروت عكاشة وكان هدفهما هو ان يقدموا نماذج لهذه المدارس فى كل المحافظات. ثم دخلت بعد ذلك معهد الكونسرفتوار قسم نفخ ثم سافرت إلى ألمانيا وحصلت على الدكتوراه من هناك، وكان موضوعها « الفلسفة فى العلوم الموسيقية». هل جاءتك عروض وأنت هناك؟ طلب أستاذى أن أستمر هناك للتدريس فى جامعة ماربور لكننى فضلت العودة.