توجد عقاقير مصنوعة فى بلاد غير إسلامية ما يحتوى على غدد أو عصارات مأخوذه من الخنزير أو مستخلصة من مصادر محرمة شرعا، وسوف نوضح هنا حكم الشرع فى تعاطيها. حرم الإسلام شرب الخمر حفظا للعقول، وحرم الدم المسفوح، والميتة والخنزير، حفظا للصحة. وقد جاء كل ذلك صريحا واضحا فى القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة 90). (قُل لَّا أَجِدُ فِى مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) (الأنعام 145). وقد جاء عقب تحريم هذه المطعومات قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الأنعام 145، وفى تعبير آخر (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) البقرة 173. ودل هذا التعقيب، الذى هو بمثابة الاستثناء، على أن تحريم ما حرمه الله من هذه المطعومات إنما هو فى حالة الاختيار، حيث لا ضرورة تلجئ إلى تناول شىء منه. ودل على أنه إذا وجدت الضرورة التى تدعو إلى تناول شىء منه أبيح تناول ما تدعو إليه الضرورة وهى إبقاء للحياة وحفظا للصحة ودفعا للضرر. ومن هنا يؤخذ أن الشريعة الإسلامية تبيح للمسلم أن يزيل الغصة بتناول الخمر إذا لم يجد أمامه ما يزيلها سوى الخمر. وتكلم الفقهاء بمناسبة ذلك على التداوى بالمحرم، والصحيح من آرائهم ما يلتقى مع هذا الاستثناء الذى صرح به القرآن فى آيات التحريم (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) البقرة 173، ونزولا على حكم قوله (غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ)، كانت الإباحة مقصورة على القدر الذى يزول به الضرر وتعود به الصحة ويتم به الصلاح، ومن ذلك اشترطوا شرطين: أحدهما: الطبيب الذى يعالج ويصف الدواء، وهو أن يكون طبيبا إنسانيا حاذقا معروفا بالصدق والأمانة. والآخر: ألا يوجد من غير المحرم ما يقوم مقامه فى العلاج ليكون متعينا، ولا يكون فى متناوله أو الإشارة بتناوله بغى على التشريع، ولا عدوان يتجاوز به قدر الضرورة، وهذا هو الصحيح الذى يفتى به، ولا فرق بين محرم ومحرم، فالخمر والميتة والغدد والعصارات المتخذة من الخنزير، كل ذلك سواء فى حل التداوى به متى تعين دواء من طبيب يتصف بالنذاهة مثل ما وصفنا سابقا. ومن هنا نصل أن المقرر فى الإسلام أن الضرورات تبيح المحظورات. وقد كان من يسر الإسلام وسماحته فى الفروض والواجبات جواز تركها أو تأخيرها عن وقتها إذا ترتب على فعلها للإنسان ضرر أو خيف أن يترتب على ذلك ضرر. نرى ذلك فى استعمال الماء للطهارة، وفى الصوم، بل وفى الصلاة، إذا خيف الضرر من شىء منها (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر) البقرة 185، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج 78. وهذا هو أصل من أصول التشريع فى الإسلام يبنى عليه، حينما يحرم ما يحرم، وحينما يبيح ما يبيح.