هل الإسلام أطلق لأتباعه حق اختيار ما يرونه محققا لنهوضهم العلمى والاقتصادى والخلقى والاجتماعى أم أن تقاليد الإسلام تمنع من التطور؟ معنى كلمة التقاليد وأصلها فى اللغة هو وضع القلادة فى العنق، وهى ما تتزين به المرأة، أو يعرف به البعير ومنه قلد البعير وقلدت المرأة. ثم قيل: قلده العمل إذا أضافه إليه وطلبه منه، وقيل: قلد فى الرأى إذا أخد بقول غيره دون حجة، ويقال: تقلدت المرأة وتقلد فلان العمل، وتقلد مذهب فلان، والمعنى فى كل ذلك: التزم ما تقلده من عمل أو رأى أو قلادة. ومن هذا قيل: تقلدت الأمة كذا: أى اتخذته كالقلادة إذا التزمته وسارت عليه، وأطلق (التقليد) على نفس الشىء الذى تقلدتها. بذلك انتقلت الكلمة إلى الصورة العملية التى تتقلدها وتتمسك بها الأمم فى نواحى حياتها الاجتماعية. ومنشأ التقاليد فى الأمة: إما عرف نبت فيها وانتشر، وإما مجاراة غيرها فيها وأخذها عنه، وعلى كل حال لم تعهد الكلمة إلا فى العادات التى مصدرها العرف أو التوارث أو النقل من جماعة أخرى مجاورة. ومن هنا اختلفت تقاليد الأمم فى النواحى الاجتماعية باختلاف العرف أو التوارث أو النقل، وكان لكل جماعة تقليد يغاير تقليد الجماعة الأخرى، فللعرب فى زيهم تقليد، وفى موائدهم تقليد، وفى أفراحهم ومآتمهم تقليد، وللغرب فى كل ذلك تقليد. وكثيرا ما تختلف التقاليد مع الدين ووحدة أحكامه، ودل ذلك على أن التقاليد شىء والدين شىء آخر. ولو وضع الدين موضع التقاليد أو أطلق على الدين لما كان الدين دينا، ذلك أن الدين وضع إلهى، يبين حدود ما يسير عليه الناسو يلتزمونه فى عقائدهم وعباداتهم، وما يحل لهم أن يفعلوه وما يحرم عليهم أن يفعلوه، فالدين مصدره هو الله رب العالمين. والدين يحكم على التقاليد، فما كان منها لا يخل بشىء من أحكامه ولا يترتب عليه ضرر يأبه الدين فإن الدين يقره ويسمح به وما كان يخل بشىء من أحكامه أو يستبح ضررا أو فسادا يأباه الدين فإن الدين ينكره ويحرمه، ولقد جاء الدين الإسلامى تقوية للتقاليد الطيبة الصالحة، ومطهرا من التقاليد الخبيثة الفاسدة. ومما يجب التأكيد عليه أن الإسلام قد أطلق لأتباعه حق اختيار ما يرونه محققا لنهوضهم العلمى والاقتصادى والخلقى والاجتماعى، ولم يقيدهم فيما وراء العقائد والعبادات والحلال والحرام بشىء يمنعهم من التقدم والنهوض، وهو يبيح لهم بل يحتم عليهم أن يسلكوا فى هذا الجانب أحدث ما ينتجه العقل البشرى من المجتمعات الفاضلة. ولا شك أن كثيرا من التقاليد فى مجتمعاتنا الإسلامية لا يتفق وأحكام الإسلام، فتقاليد الأفراح والمأتم والأعياد، وتقاليد طرق التصوف وزيارة الأضرحة يأباها الدين. قد امتدت التقاليد إلى العقيدة والعبادة والحلال والحرام، وإذن لابد من إعادة النظر فى هذه التقاليد والنظر فيها من جهة موافقتها للدين أو مخالفتها، ومن جهة ما تغرسه فى الأمة من خير أو شر، ثم نعمل على أخذ الأمة إلى السبيل الذى يحفظ لها شخصيتها الإسلامية، والذى ينهض بمستواها الإجتماعى نهوضا يحفظ عليها كيانهاو أخلاقها. وهنا يتضح أن الدين لا يقف عند حد إباحة التطور بل يوجبه ويحتمه،و إن كان القصد من التطور هو أن يدخل التغيير فى الدوائر الدينية التى رسمها الإسلام وبين أحكامها فهذا ليس تطورا فى التقاليد، وإنما هو طى لصفحة الدين.