النتيجة الكاملة لجولة الإعادة والدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب (صور)    وزارة التعليم توافق على فتح أكاديميات تعليمية ورياضية بالمدارس الخاصة    رئيس الوزراء يلتقي رئيس مجلس إدارة شركة "بلومبرج جرين"لبحث فرص التعاون المشترك    سعر طن الحديد الخميس 11 ديسمبر 2025 في مصر    دبلوماسى أمريكى سابق: إسرائيل تسعى لاستعادة السيطرة الكاملة على غزة    بوتين يعد الروسيين ب هدايا الجبهة الأوكرانية.. اعرف ماذا قال؟    كأس العرب - السكتيوي: عرفنا كيف نفوز على سوريا.. ونتحسن خلال مشوارنا في البطولة    تشكيل مباراة فلسطين والسعودية في ربع نهائي كأس العرب    الشيخ يعلن تشكيل وادي دجلة لمواجهة بتروجت في كأس عاصمة مصر    أمطار غزيرة تضرب الإسكندرية مع انخفاض درجات الحرارة.. فيديو    القبض على سائق محافظ الدقهلية وبحوزته مواد مخدرة بقيمة 3 ملايين جنيه    أروى جودة وزوجها في حفل ختام مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025    المهن التمثيلية تشكر الرئيس السيسي لرعايته كبار الفنانين والتكفل بعلاجهم    لبلبة من ختام البحر الأحمر: سعيدة بردود الفعل على جوازة ولا جنازة    خالد زكى: الناس فاكرين دورى فى طباخ الريس لحد النهارده    دبلوماسى أمريكى سابق: إسرائيل تسعى لاستعادة السيطرة الكاملة على غزة    رئيس الوزراء يستعرض مشروع المنظومة القومية لتتبع المستحضرات الدوائية    تحذيرات عالمية من خطر هذا الشتاء.. ما هى سلالة أنفلونزا H3N2    حصاد الوزارات.. رئيس هيئة الدواء يبحث مع مسؤولى مؤسسة جيتس تعزيز التعاون    أستاذ قانون دستورى: قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات متوافقة مع الدستور    تعيين الدكتور طه عاشور نائبا لرئيس جامعة بنها    وثيقة سرية تكشف محاولات أمريكية لفصل 4 دول عن الاتحاد الأوروبي    أشرف زكى عن عبلة كامل : مختفية عن الأنظار .. ونشكر الرئيس على رعاية كبار الفنانين    الإعدام ل3 متهمين.. جريمة ثأر عائلي تنتهي بحبل المشنقة بشبرا الخيمة    الخط الرابع للمترو يستقبل طلاب هندسة طنطا للتعرف على أحدث أساليب حفر الأنفاق    ميدو: صلاح يجب أن يغادر ليفربول.. وأشجعه على خطوة الدوري السعودي    الحكومة تكشف حقيقة انتشار جنيهات ذهبية مغشوشة في الأسواق    «صحة قنا» تعقد اجتماعًا بمديرى المستشفيات لتعزيز جاهزية منظومة الطوارئ والرعاية الحرجة    تطورات الوضع في غزة تتصدر مباحيات الرئيس السيسي وملك البحرين    تسليم 5 أجهزة تعويضية وكراسي متحركة للمرضى غير القادرين بسوهاج    ضبط شخص بحوزته كروت دعائية وأموال لشراء أصوات الناخبين في الأقصر    حبس عاطل بتهمة التحرش بفنانة شهيرة أثناء سيرها بالشارع في النزهة    حادث مأساوي على طريق الإسماعيلية طريق القاهرة الصحراوي..وفاه شابين وإصابة ثالث في انقلاب سيارة ملاكي    «المشاط» تبحث مع بنك الاستثمار الأوروبي نتائج زيارته لمصر    يزن النعيمات صفقة الأهلي المحتملة في الميركاتو الشتوي    الرئيس السيسي وملك البحرين: القضية الفلسطينية ستظل في صدارة الاهتمام العربي والدولي    منشور مثير من نجل سائق محمد صبحي بعد انفعال الفنان على والده    محمد سيحا يستعد لقيادة حراسة الأهلي في أول ظهور رسمي مع الفريق    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن فوز مصطفى البنا وحسام خليل بالدائرة الثانية بأطسا    الليلة.. قناة الوثائقية تعرض فيلم محفوظ وهي    حكم كتابة الأب ممتلكاته لبناته فقط خلال حياته    بعد 7 أيام بحث.. لحظة اصطياد «تمساح الزوامل» بالشرقية    محافظ كفر الشيخ يتابع فعاليات حملة التوعية بالأمن السيبراني    الضباب الكثيف يلغي عددا من الرحلات الجوية إلى مطار حلب بشمال سوريا    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع تطوير مدينة النيل الطبية    الخارجية السورية: إلغاء قانون قيصر يمثل انتصارا    ضربات أمنية لضبط الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    سباليتي: أداء يوفنتوس أمام بافوس كان محرجا في الشوط الأول    رئيس هيئة الاستثمار يشارك في احتفالية شركة «قرة إنرجي» بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسها    مؤسسة هولندية تتبرع بأجهزة ومعدات قيمتها 200 مليون جنيه لدعم مستشفى شفاء الأطفال بسوهاج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    الدفاع المدني بغزة: تلقينا 2500 مناشدة من نازحين غمرت الأمطار خيامهم    «الوطنية للانتخابات» تعلن تخصيص الخط الساخن 19826 لتلقي الشكاوى    كأس العرب| طموحات فلسطين تصطدم برغبة السعودية في ربع النهائي    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    توقيت أذان الفجر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    "ميد تيرم" يتصدر تريند تيك توك مع أولى حلقاته على قناة ON    الأوقاف تختتم فعاليات المسابقة العالمية الثانية والثلاثين للقرآن من مسجد مصر الكبير بالعاصمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من فضلك.. تمهل قليلا
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 05 - 2019

فى الثمانينيات من القرن الماضى ظهرت حركة ثقافية أطلقت على نفسها Slow movement وترجمتها الحرفية هى الحركة البطيئة أو ما يمكن ترجمته بما يتماشى مع مضمونها بحركة التمهل. الفكرة الرئيسية لهذه الحركة ليس البطء كما يوحى اسمها، ولكن التمهل وإعطاء الوقت الكافى للقيام بمختلف الأنشطة الإنسانية، بحيث تكون الغاية هى إتقان العمل والاستمتاع بما يقوم به الإنسان وليس مجرد السرعة والإنجاز.
الدافع الرئيسى وراء ظهور تلك الحركة التى انطلقت من أوروبا وتحديدا إيطاليا وانتشرت فى العديد من البلدان كان مواجهة ثقافة السرعة التى بدأت تسود العالم وعلى الأخص الدول الصناعية المتقدمة منذ أواخر السبعينيات وطالت مختلف الأنشطة الإنسانية مثل الأكل والموسيقى والتعليم والملابس والمواصلات والعلاقات الإنسانية وغيرها. وتظل أبرز تجليات ثقافة السرعة هى الانتشار الواسع والكبير لمطاعم الوجبات السريعة التى تعتبر أحد مظاهر طغيان الفكر الرأسمالى الذى يعلى بشدة من القيم المادية والإنتاجية بشكل أصبح معه الشغل الشاغل للإنسان هو تعظيم كفاءة استخدام الوقت أى ادخار كل دقيقة من وقته لتوجيهها للعمل حيث يقاس النجاح بمدى قدرة الإنسان على توليد دخل أكبر، وبالتالى أصبح أى نشاط لا يدر دخلا أو عائدًا ماديًا مباشرًا غير ذات جدوى بما فى ذلك الأكل الذى أصبح لدى البعض مجرد وسيلة للبقاء. امتدت ثقافة السرعة أيضًا إلى قطاع الصناعات الغذائية الذى توسع بصورة غير مسبوقة فى إنتاج الوجبات الجاهزة والأكل المعلب سريع وسهل التحضير الذى أصبح حينذاك مطلب قطاع عريض من مواطنى الدول الصناعية، وذلك لانشغالهم بالعمل لساعات طويلة وعدم وجود رغبة أو وقت كاف لإعداد واستهلاك الطعام.
وعليه كانت الدعوة الرئيسية لحركة التمهل هى أن يعيش الإنسان حياة متزنة بحيث لا يتحول لآلة لا تتوقف عن العمل بل من المهم أن يقسم وقته بين العمل والترفيه والراحة، وبالتالى يكون لديه وقت كاف لتناول الطعام وممارسة الأنشطة الرياضية والثقافية والاستجمام والاهتمام بالهوايات الشخصية التى تقلل من الضغط العصبى والنفسى الناتج عن المشاكل المرتبطة بالعمل والمسئوليات المختلفة.
***
وعلى الرغم من مرور عقود على ظهور هذه الحركة «الثقافية» فإننى أعتقد أن هناك ما يدعونا فى مصر أن ننظر إليها بمزيد من الاهتمام فى الوقت الراهن؛ حيث شهدت مصر خلال العقدين الماضيين وبصورة أكثر حدة السنوات الخمس الماضية تغيرات اقتصادية كبيرة لها تداعيات اجتماعية وثقافية عميقة وهى بطبيعة الحال تدريجية قد لا يلاحظها البعض ولكن هناك الكثير من الشواهد الدالة عليها وأيضا سوابق المجتمعات الأخرى التى مرت بتجارب مشابهة لما نمر به. فمع ازدياد الضغوط الاقتصادية وارتفاع معدل اللا مساواة والتفاوت الكبير فى مستوى الدخول والثروات ومستويات المعيشة صار لدى الكثيرين تطلعات وطموحات كبيرة، وهو أمر منطقى ومشروع بطبيعة الحال، ولكن من الخطورة أن يتحول الإنسان إلى آلة وظيفتها الرئيسية جمع المال بغرض التباهى والتفاخر بما يملكه الفرد من ثروة وعقارات وملابس ذات ماركات عالمية وسيارات فارهة، بحيث تحولت وسائل تحقيق الراحة والسعادة إلى غايات فى حد ذاتها، وهو أمر سيجلب حتما التعاسة وعدم الرضا إذا لم ينتبه له الإنسان. لقد تسبب بريق الماديات واللهث والتكالب على جمع المال فى ارتفاع حالات التفكك الأسرى ومعدل الطلاق وضعف الروابط الاجتماعية واختفاء القيم والتقاليد المصرية المميزة، مثل التراحم والتكافل وعلى الأخص بين الطبقات الميسورة ماديا. كما يعتبر الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعى والاعتماد عليه كبديل للعلاقات الإنسانية الحقيقية أحد أبرز سمات التغير الاجتماعى والثقافى فى مصر وغيرها من البلدان حيث ضعفت الروابط الأسرية والعائلية بصورة واضحة، وأصبح العالم الافتراضى وعلى الأخص لدى الأجيال الجديدة هو الواقع والحقيقة، بينما تحولت العلاقات الإنسانية المباشرة والتواصل الطبيعى إلى جزء من الماضى، وفى هذا الصدد فقد أكدت دراسات عديدة أن قضاء وقت طويل على مواقع التواصل الاجتماعى يساهم فى التفكك الأسرى والعزلة الاجتماعية والاكتئاب.
***
فضلا عن ذلك نعانى فى مصر ومنذ زمن طويل من ثقافة الفهلوة و«الكروتة» لإنهاء الأعمال بأسرع وقت ممكن دون مراعاة لشكل ومضمون المنتج النهائى ومدى جودته ومطابقته للمواصفات الجيدة وهو ما يظهر بوضوح فى مستوى المنتجات المصرية بشكل عام وافتقارها للجودة التى تمكنها من المنافسة فى الأسواق العالمية، بالإضافة إلى ذلك نشهد بصورة شبه يومية تكرار الحوادث والأعطال فى المرافق العامة والتى تنتج عن الإهمال وقلة التركيز وعدم الاعتناء باتباع أصول وشروط السلامة المهنية. ولا تنطبق تلك الثقافة على الأعمال الحرفية فحسب بل أصبحت أيضا السمة الرئيسية لدى الكثير من المهنيين وأصحاب الأعمال والمثقفين أيضا حيث النجاح يقاس بالكم وليس بالكيف وخير دليل على ذلك هو التردى الواضح فى مستوى التعليم والإنتاج الفنى والأدبى والثقافى خلال السنوات الماضية بصورة تهدد مكانة مصر الثقافية والعلمية فى محيطها الإقليمى.
إن هذا المقال لا يدعو للكسل أو التقاعس عن العمل بل على العكس هو دعوة لإتقان العمل والاستمتاع به والاعتناء بالكيف على حساب الكم، والتذكير بأهمية أن يعيش الإنسان حياة متزنة مقسما وقته بين العمل والراحة والترفيه وإدراك أن نشاط الفرد فى سوق العمل هو جزء ودور واحد من حياته يجب ألا يطغى أو يؤثر سلبا على أدواره الأخرى كإنسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.