42 عامًا مرت على وفاة العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ صاحب التراث الكبير المليء بالأغاني الوطنية والرومانسية، فضًلا عن تراثه الفني من الأفلام التي قدمها خلال عمله، ورغم وصوله لقمة مُبتغاه من النجاح الفني، إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهيه السفن، فكان مرض عبدالحليم حافظ هو الحائل بينه وبين استكمال مشواره الفني وتقديم أعمال أكثر تظل خالدة في وجدان جماهيره. توفي عبدالحليم حافظ عن عمر يناهز 48 عامًا، إلا أن معاناته مع المرض استمرت معه مايقرب من 22 عامًا منذ اكتشافه المرض بالصدفة وحتى وفاته عام 1977. عرف عبدالحليم بإصابته بالبلهارسيا أول مرة عام 1956، عندما تعرض لنزيف في المعدة خلال دعوته على الإفطار في شهر رمضان لدى صديقه مصطفى العريف. وخضع للعلاج في عدد من مستشفيات أغلبها في العاصمة الإنجليزية لندن، الذي شهد أحد مستشفياتها وفاته، فبدأ علاجه في مستشفى بالمغرب ومر كثيرًا على مستشفيات لندن مرورًا بأمريكاوباريس. • مستشفى ابن سينا بالرباط: عقب انتهاء إحدى حفلاته في المغرب عام 1972، أُصيب عبدالحليم حافظ بنزيف شديد، وحُجز إثر مرضه أسبوعين داخل مستشفى ابن سينا للاطمئنان على حالته قبل أن يسافر باريس، ليًكمل علاجه.
• مستشفى سالبتريد باريس: تلقى عبدالحليم حافظ أول علاج في رحلة مرضه، وقام بحقن "دوالي المرئ" بمادة تمنع النزيف، كأول مريض يحصل على هذا العلاج الحديث، الذي كان بناء على نتائج دراسات عدد من الأطباء.
• العلاج في مستشفيات لندن: كان عبدالحليم حافظ معتاد سنويًا الحصول على حقن في "دوالي المرئ"؛ لوقف النزيف الذي لازمه في أيامه الأخيرة، وكان دائم التردد على مستشفيات إنجلترا، ومنها مستشفى سان جيمس هيرست، ولندن كلينك، وفيرسنج هوم. وخلال تصويره فيلم "لحن الوفاة"، أُصيب بنزيف وعلم وقتها بإصابته بتليف للكبد بسبب مرض البلهارسيا، وبدأ العلاج في القاهرة على يد الدكتور زكي سويدان، ثم اضطر لمغادرة البلاد للعلاج مُتجهًا إلى لندن، للحصول على الحقن الخاص به ووقف النزيف، وعاد بعد ذلك لاستكمال الفيلم، وكان دائمًا يحمل "أكياس الدم" في منزله للتعامل مع حالته عند حدوث أي مشكلة أو نزيف.
• مستشفى أمريكا: كان أحد أسباب تليف الكبد هو انتقال فيروس للعندليب الأسمر خلال عملية نقل الدم، مما نصحه الأطباء بالسفر إلى أمريكا للبحث عن علاج لحالته هناك، وبالفعل عرض عليه الأطباء وقتها "زراعة الكبد"، لكنه علم بوجود آثار وأضرار جانبية لتلك العملية، وأن "النسيان" هو أول الأعراض، ورفض وقتها إجراء العملية. وتُعد أبرز رحلات عبدالحليم حافظ إلى لندن عام 1964، والتي تُعد الأطول في مسيرته العلاجية، حيث استمر في المستشفى طيلة 6 أشهر لتلقي العلاج.
• مستشفى كنجز كوليدج: رحلته الأخيرة إلى لندن كانت في مستشفى كنجز كوليدج، الذي ذهب إليه كالمعتاد في موعده السنوي للحصول على الحقن، حيث بدأ رحلته في مطلع يناير عام 1977، وكان وقتها الدكتور روجر ويليامز هو المُعالج له، وقام بإعطائه حقنة في المرئ، وحصل على عينة من الكبد لتحليلها. وكان وقتها العندليب الأسمر يستعد لحفل الربيع وكان يحمل معه تسجيل أغنية "من غير ليه"، التي لحنها عبدالوهاب والتي كان من المفترض أن يُغنيها عبدالحليم، في حفل شم النسيم. وساءت حالة عبدالحليم حافظ خلال رحلته، واكتشف الأطباء إصابته بمرض الصفرا، ومنحه الطبيب المُعالج "دواء الكورتيزون"؛ للقضاء على الصفرا وهي في بدايتها؛ كونها تُشكل خطرًا كبيرًا على صحته، وكان عبدالحليم قد استعد للعودة للقاهرة في 22 فبراير، للتجهيز لأغنية "من غير ليه".
وقبل السفر، ذهب عبدالحليم للمستشفى لإجراء الفحص النهائي، الذي أجراه الدكتور روجر ويليامز، ورفض السماح للعندليب بالسفر بسبب تطور حالته وخطورتها، بعد اكتشاف تعرضه لانتفاخ بسبب الكورتيزون، واضطر للبقاء في مستشفى كينجز كوليدج، وتطورت حالته مع اكتشاف الأطباء أن الكبد لا يقوم بوظائفه كما يجب، واستمر في امتصاص المياه الزائدة من جسد عبدالحليم حتى أصبح وزنه 60 كيلو. وتكون في مطلع شهر مارس كونسولتو من 5 أطباء عالميين لعبدالحليم، وهم (الدكتور ياسين عبدالغفار الطبيب الخاص له من مصر، والدكتور سارازان من باريس، والبروفسور روجر ويليامز، والدكتورة قبولا من لندن، والدكتور شاكر سرور الطبيب المرافق للعندليب في منزله بالقاهرة". وفي يومه الأخير يوم 30 مارس، فؤجى الأطباء باستيقاظ حليم وارتداء ملابسه وغسل شعره وتجفيفه بالسشوار، وأخذ مقصًا صغيرًا وقلم أظافره، وأخذ يمشي داخل المستشفى والتقطت له آخر صورة وهو واقفًا على قدميه، وفجأة حدث نزيف "كالمعتاد" إلا أنه كان النزيف الأخير، وأُعلن مساء نفس اليوم وفاة العندليب الأسمر. صورة يُقال إنها آخر صورة التقطت له قبل وفاته