"ما تعيشه الجزائر للأسبوع الخامس أكبر من مجرد حراك أو مظاهرات شعبية رافضة لقرارات رئيس يحاول تمديد فترة بقائه في السلطة بكل الطرق، وإنما هي ثورة سلمية لن تتوقف إلا بتحقيق مطالبها، مثلما لم تتوقف ثورة التحرير الجزائرية في نوفمبر 1954 إلا برحيل الاحتلال الفرنسي وبإعلان استقلال البلاد في 1962"، بهذه الكلمات بدأ اللواء متقاعد علي غديري حديثه عن رؤيته للتطورات ببلاده. وكان غديري أعلن منتصف شهر يناير الماضي ترشحه للانتخابات الرئاسية الجزائرية. ودعا الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، للاحتكام للعقل وتغليب مصلحة الوطن وترك السلطة بانتهاء فترة ولايته الرابعة في 28 أبريل المقبل. وأوضح غديري، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): "في تقديري، ما تشهده الجزائر حاليا ليس حراكا شعبيا كما يردد البعض، وإنما هي ثورة تعادل ثورة التحرير الجزائرية، أو بالأدق هي امتداد لها ... وأعتقد أن هذه الثورة لن تتوقف إلا بتحقيق أهدافها، وفي مقدمتها رحيل النظام الحالي والانتقال بالجزائر إلى مصاف الدول الديمقراطية". وحول الخيارات التي يرى أنها لا تزال متاحة أمام بوتفليقة، قال: "إذا حُكم صوت العقل فسوف يستجيب للمطالب، أما إذا تغلبت المصالح والأطماع الشخصية له وللحاشية التي تتخفى وراءه لتحمي مصالحها فإنه لن يستجيب للشارع". وعن إمكانية أن يسعى بوتفليقة ومن يستفيدون من وجوده لعقد صفقة تتضمن خروجا آمنا دون ملاحقات قضائية، قال غديري :"لم يتحدث أحد أو ينادي بالأساس بمحاكمة بوتفليقة وعائلته ... كل ما يطالب به الجزائريون هو أن يحترم الرئيس الدستور ويرحل مع انتهاء مدة ولايته في الثامن والعشرين من شهر أبريل المقبل ... الشعب الجزائري مسالم وكريم ويقول بصراحة للرجل /سر بعيدا ودعنا ودع الجزائر تسير لما قدر الله لها/ ... ولا أعتقد بالأساس بوجود صفقة مطروحة على الرجل وعائلته سواء للخروج الآمن أو غيره ... وعلى أي حال، بوتفليقة في موضع حرج لا يسمح له أن يبيع وأن يشتري، فلم يعد أمامه مجال للتفاوض ... فقط عليه القبول بما يُعرض عليه وأن يرحل بسلام، إذا ما حكّم عقله". وأضاف :"لقد حاول ومن معه تطويق الحراك وامتصاص الغضب الشعبي عبر تعيين حكومة جديدة وغير ذلك من تدابير، ولكن ها هو الوزير الأول لم يفلح في تشكيل الحكومة التي كُلف برئاستها منذ أكثر من أسبوع، ما يدل على صعوبة الأزمة ... ومثلما فشلوا بالداخل سيفشلون بالخارج". وحول صعوبة الموقف الراهن لعدم وجود وسطاء مقبولين من جانب الشعب للتفاوض على خطوات ما بعد رحيل بوتفليقة إذا ما قرر الرجل الالتزام بالدستور وترك السلطة طواعية بانتهاء ولايته، قال غديري :"لدى الجزائريين ما يكفي من الذكاء والحنكة، والكفاءات أيضا، لإيجاد الطرق التي تؤدي بنا لاختيار الحل الأمثل الذي يضمن إخراج البلاد من الأزمة الراهنة ... وإذا ثبتت جدية النظام في الاستماع للشعب والاستجابة لمطالبه فسيتواجد من يمثله". وحول ما إذا كان رفض الشعب إعطاء تفويض لأحد من النخب السياسية أو رموز المعارضة للحديث باسمه يعكس وجود أزمة ثقة بالمعارضة، أجاب غديري" الأمر ليس كذلك، ولكن الشعب يريد إعادة الاعتبار له بعد سنوات طويلة من التغيب ... يريد أن يضمن مكانا له بالساحة السياسية ... الشعب سيظل بحالة حراك وثورة إلى أن تبدأ السلطة في التعاطي جديا مع الأمر وتطلب التفاوض ... وإذا ما وصلنا لهذه النقطة، فستظهر بوضوح الشخصيات التي تتمتع بالقابلية والمصداقية، وبالتالي سيفوضها للحديث باسمه". إلا أن غديري - 65 عامًا - استدرك :"وكما توجد الآن مطالبات بإعادة هيكلة السلطة ... توجد مطالبات ورغبات بإعادة هيكلة المعارضة ... وهذا بالطبع لن يتحقق بين عشية وضحاها وإنما سيستغرق وقتا". وحول تقديره لدور المؤسسة العسكرية ودلالات خطابات رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح التي يركز فيها على دور مؤسسة الجيش في إيجاد حل للأزمة الراهنة دون أي ذكر لرئيس الجمهورية، قال غديري :"من الصعب على أي مؤسسة أن لا تتدخل فيما يحدث حاليا بالبلاد، المهم والمطلوب هو أن يأتي هذا التدخل مسؤولا، ووفقا لما ينص عليه الدستور ... لو أخذنا الخطابات بعين التحليل، فهي تحمل دلالات ورسائل عديدة، ولكنها كلها في إطار التكهنات، لأنها لا تتضمن رسائل واضحة يمكن نقلها عن الرجل ... وما يهمنا هو التأكيد على أن تكون حماية البلاد والدستور هي الأولوية، لا حماية الأفراد والعائلات". وعلى عكس من يرون أن الدبلوماسي الجزائري البارز الأخضر الإبراهيمي وسيطا غير نزيه في عملية التفاوض بين السلطة والشعب، فإن غديري يرى أن "الإبراهيمي لا يعرف الوضع الجزائري بقدر كاف" وأن "لديه خبرة ومعرفة بأوضاع منطقة الشرق الأوسط أكثر من أوضاع الجزائر". واستبعد غديري ما يردده البعض حول أن الإبراهيمي يحاول، عبر لعب دور المفاوض، استغلال الموقف لرفع أسهمه والحصول على شعبية تؤهله للترشح لأي منصب سيادي إذا ما تغيرت الأوضاع بالمستقبل. وقال مازحا :"عن أي منصب سيادي يتحدثون؟ الرجل تجاوز الثمانين من العمر ... نحن نقول وداعا للكهول". وعلى عكس كثيرين أيضا، يرى غديري أن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، التي عبر فيها عن قلق بلاده إزاء الأوضاع الراهنة في الجزائر ورفضه للمحاولات الخارجية لزعزعة استقرارها، قد جاءت في "الإطار الموضوعي والمتوقع من دولة كبرى كروسيا". وأوضح: "العكس هو الذي لم يكن متوقعا ... أما أن تهتم روسيا بما يحدث بالجزائر فهذا هو المتوقع وهو موقف سليم، فهي دولة كبرى تهتم بكل ما يحدث بالعالم، ولها مصالح بكل مكان بالعالم، وترى أنها مشغولة ومهمومة بما يكفي بمراعاة الوضع بسورية وليبيا ولم ينقصها أن تهتم بالجزائر أيضا". وشدد على أن المخاوف من تدخلات خارجية "ليست مستبعدة"، ولكنه أوضح أن "الشعب بذكائه يتجاوب بكل سلمية وعقلانية مع الموقف، ولن يترك أي فرصة لمن تعبث به نفسه أن يتجاوز حدوده أو الاصطياد بالموقف ... فلم تُجد المحاولات البائسة لبعض أقطاب النظام باللعب على وتر العودة لذكريات العشرية السوداء واحتمالية تسلط الإسلاميين على المشهد، أو تحول الثورة إلى فوضى، أو حدوث خريف عربي، وخلافه ... ونحن نعتقد أن مثل تلك الفزاعات التي يثيرونها لا تخيف أحدا إلا النظام ذاته". ولم يبد غديري اهتماما كبيرا للحديث عن مستقبله السياسي، وقال: "أنا أكثر اهتماما الآن بمستقبل الجزائر عن أي شيء آخر ... وعلى السيد بوتفليقة أن يكون حريصا على مستقبله هو لا مستقبلي ... فهو من يعاني موقفا حرجا ... أما أنا حاليا بمواقفي وتطلعاتي، فأدعم بكل ما أملك الثورة الراهنة، وأعتقد أنها ستحقق هدفها".