اكتظ الناس أمام قبة السلطان الغوري وعيونهم تمتلئ بالدموع الممزوجة بالفرحة والحزن؛ ليشاهدوا خاطف أسماعهم وعيونهم، المشاكس ملك الصاجات «الطورة» في رقصته الأخيرة قبل خروجه على المعاش. كان طفلا تسحر عينيه لفيفة التنورة، مرتبطا بحلقات الذكر والمناسبات الصوفية، ويجذبه صوت الصاجات التي يقتنيها والده، فتعلم منه المهنة وصار موظفا في هيئة قصور الثقافة وقاد الفرقة، التي تأسست منذ عام 1988، واستطاعت أن تحقق نجاحا كبيرا وشهرة اجتازت حدود مصر ووصلت العالمية. عادل يوسف، أقدم أفراد فرقة التنورة التراثية وأشهرهم، بصاجاته النحاسية وشعره المسدول على كتفيه ووجهه البشوش المبتسم يسرق قلوب وأسماع الكبار والصغار المصريين والأجانب. امتلأت ساحة قبة السلطان الغوري بما يربو 500 فردا على غير العادة من المحبين لعم عادل كما يحب الناس أن تناديه؛ لمشاهدة رقصته الأخيرة على المسرح بعد مرور 32 عاما، وللاحتفال بيوم ميلاده ال 60 عاما، وانضم للحاضرين ما يقرب من 12 سائحا من إيطاليا وروسيا والصين. قبل بداية الحفل قال عادل ل «الشروق»، لا يوجد أحد له الفضل علي في تعليمه وتدريبه سوى والده، هو من درب فرقة التنورة التراثية، لا أحد غيره، حتى وصل عددها إلى 60 فردا بعدما كانت 10 أفراد، معربا عن خوفه من إندثار المهنة لذا سيقوم بإنشاء فرقة تنورة خاصة به بعيدا عن المجلس الأعلى للثقافة، موضحا أن هيئة قصور الثقافة عرضت عليه مد فترة عمله لسنة، لكنه رفض حتى ينشأ فرقته الخاصة. من ناحية أخرى كان محبيه بين فرح وحزن واستياء: «الوزارة ظلمته.. بس احنا هنفضل وراه في كل مكان هيروحه ويعزف فيه»، هكذا أعربت أمنية سعيد سيدة في الخمسينيات من عمرها، عن حبها لعم سعيد، واستيائها فهي ترى أن الوزارة ظلمت الفرقة خاصة بعد نقلهم من إقامة حفلاتهم بقصر وكالة الغوري، وانتقالهم إلى قبه السلطان الغوري، حيث ضيق المكان والجو العام أقل. ويحكي خالد محمد في الستينيات من عمره «كنت مصور وبهوى تصوير الحفلات اللي من النوع ده، بس هو شدني وخلاني من جمهوره بقيت بسيب الكاميرا واندمج معاه». واستقطب الحفل طلاب المعهد العالي للفنون الشعبية، تخصص نظريات الفولكلور ومناهجه، وفنون التشكيل الشعبي؛ لتوثيق الحفل على استمارات خاصة بالشعبه، كما أنه يضيف إليهم بمشاريع تخرجهم، حسب ما قالت زينب علي. وعمت الساحة بالزغاريد والصياح فرحا عند ظهور عم عادل على المسرح هاتفين «الله عليك يا عم عادل يا سكرة»، أغرقت عيناه بالدموع من محبة الناس له، فقدم إليه اثنين من محبيه الشباب بورتاريهان أحدهما مرسوم بالفحم والآخر بالرصاص. على المسرح، يغلق عم عادل عينيه، ليندمج في رقصه وعزفه على الصاجات، ثم يفتحها عندما يشير لآخر بالدخول، إلا هذه الليلة لم يستطيع أن يغلق عينيه وظلتا مفتوحتين؛ حتى لا يحرمهما من رؤية ورد فعل الجمهور في أخر ليلة له. وقدم عرضا هائلا مع ابنه مصطفى بعدما سلم له الراية، وسط تصفيق حاد من الحضور، خصوصا في لحظة تكريم عم عادل لشقيقه الأكبر الذي يعد بمثابة والده بعدما توفي في 1977. «الصبر حلو أوي وجميل بس اللي يصبر.. عادل يوسف ملك الصاجات طلع معاش وأنا خلوصي قبل منه.. بشاير الخير جاية من عند الحبيب سلم ياطير على الحبيب»، عبارات احتوت على بعض الأغاني والمواويل والدعاء إلى الله ومديح النبي محمد صلى الله عليه وسلم والأولياء الصالحين، التي ألقاها أحد المنشدين بالفرقة توديعا له، وسط أضواء خافته يصاحبها الرقص بالتنورة.