نشر الموقع الالكترونى لجريدة الحياة اللندنية مقالا للكاتب «وليد خدورى» يتناول فيه التغيرات فى أسعار النفط فى عام 2018 وتوقعات أسواق النفط فى عام 2019 وجاء فيه؛ شهدت أسواق النفط العالمية تجربة صعبة خلال الفصل الأخير من عام 2018، إذ ارتفعت الأسعار بسرعة وخلال أسبوعين من الزمن فى أواخر أكتوبر إلى نحو 86 دولارا لتنخفض بعدها، وبسرعة أيضا، لتصل فى الأيام الأخيرة من العام إلى أقل من 52 دولارا لبرميل نفط «برنت». يعود السبب الرئيس لارتفاع الأسعار إلى التهديد الأميركى بفرض حصار نفطى عالمى على الصادرات النفطية الإيرانية ابتداء من 4 نوفمبر، فى حين يعود سبب تدهور الأسعار السريع إلى الاستثناءات التى أعلنت عنها واشنطن عشية بدء الحصار لأهم الدول التى تستورد النفط الإيرانى (اليابان، والصين، والهند وكوريا الجنوبية)، ناهيك عن امتناع الدول الأوروبية الالتزام بالحصار الأمريكى، الأمر الذى يعنى فعلا عدم حصول انخفاض مهم للصادرات الإيرانية. من ثم حصول تضخم المخزون النفطى العالمى بسبب زيادة إنتاج الإمدادات التى دعت إليها الولاياتالمتحدة لتفادى أى نقص فى الإمدادات فى حال فرض الحصار، ما كان سيؤدى إلى ارتفاع عالٍ للأسعار. لكن الذى حصل هو العكس. فلم ينفذ الحصار كما كان مفروضا، بسبب الاستثناءات الآسيوية والممانعات الأوروبية. وفد زادت الدول المصدرة من إنتاجها قبيل بدء فترة الحصار. وبالذات الدول المنتجة الكبرى الثلاث حيث زادت السعودية إنتاجها إلى 11.1 مليون برميل يوميا فى نوفمبر، وروسيا زادت إنتاجها إلى 11.4 مليون برميل يوميا فى أكتوبر. والولاياتالمتحدة زادت إنتاجها إلى 11.5 مليون برميل يوميا فى نوفمبر. ويقدر معدل صادرات النفط الخام الأميركية حاليا نحو 2.33 مليون برميل يوميا. هذا، ويشكل مجمل إنتاج الدول الثلاث نحو 40 فى المائة من مجمل الإنتاج العالمى. *** يبدأ عام 2009 مع عاملين أساسيين: محاولة خفض الإنتاج من «أوبك» وحلفائها للجم تخمة المخزون العالمى. سيعنى التعامل مع هذين العاملين الأساسيين استمرار مسلسل انخفاض الأسعار خلال النصف الأول من العام إلى حين تقليص التخمة النفطية المهيمنة المقدرة بنحو 800 ألف برميل. التزمت «أوبك» وحلفائها الخفض، بالذات السعودية وروسيا، لكن هناك فى الوقت نفسه الكثير من التكهنات حول مدى الزيادة الممكنة للنفط الصخرى. ازداد إنتاج النفط الصخرى أخيرا، على رغم ما أشار إليه كبار الصناعيين النفطيين الأمريكيين عقبات محتملة قد تحد من زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط الصخرى، مثل عدم توفر بنية تحتية كافية من أنابيب لنقل النفط من حوض «بيرمين» الضخم فى ولايتى تكساس ونيو مكسيكو إلى مرافئ التصدير، الأمر الذى كان من المفروض أن يشكل صعوبة الحصول على إنتاج متزايد وبسرعة فى المستقبل المنظور لإمدادات إضافية من النفط الصخرى فى الأسواق العالمية. وتشير إحصاءات «إدارة معلومات الطاقة» الأمريكية أنه يتوقع زيادة إنتاج النفط الصخرى نحو 135 ألف برميل يوميا. كما تقدر الإدارة معدل إنتاج النفط الأميركى خلال 2018 نحو 10.9 مليون برميل يوميا ليرتفع إلى 12.06 مليون برميل يوميا فى 2019. تبنت منظمة «أوبك» وحلفائها قرارا بخفض الإنتاج 1.2 مليون برميل يوميا خلال النصف الأول من عام 2019. يتوقع أن يؤدى هذا الخفض إلى تقليص التخمة نحو 100 ألف برميل يوميا بحلول شهر يونيو المقبل، لينخفض فائض المخزون النفطى إلى 700 ألف برميل يوميا فى بداية الفصل الثانى، ومن ثم يستمر انخفاض التخمة إلى مستوى معقول بنهاية عام 2019، من خلال توازن ميزان العرض والطلب فى النصف الثانى من العام واستقرار الأسعار فى حينه. لكن السؤال ما مدى تأثير هذا الخفض للإنتاج، فى وقت زيادة الإنتاج الأمريكى المتصاعد. فهل ستنخفض معدلات زيادة إنتاج النفط الصخرى بشكل ملحوظ فى الربع الثاني؟ هذا الأمر لا يزال غير واضحا. كما هناك مسألة مدى التزام بعض الدول بمبدأ الخفض. وهنا تبرز عدة أسئلة وتحفظات لبعض الدول؟ فالاستمرار والتكرار لخفض الإنتاج، رغم أهميته لتعديل واستقرار الأسعار. إلا أنه يشكل وضعا صعبا لبعض الدول، روسيا والعراق مثلا، التى لها عقود مع شركات دولية لتطوير الحقول وبدء الإنتاج فى موعد محدد، وحيث تتحمل هذه الدول مسئوليات مالية مع الشركات المتعاقدة لتعويضها عن أى تأخير فى الإنتاج، ناهيك عن الحاجة لتقليص عجز الموازنات السنوية. والأهم فى الأمر أن هذه الدول وعدد كبير من دول أخرى فى المنظمة أو خارجها، لا تتبنى سياسة الالتزام بسياسة الحفاظ على طاقة إنتاجية فائضة. هذه السياسة التى تتبناها بشكل خاص وبكلف عالية الدول ذات الاحتياطات الضخمة فى الخليج العربى ذات الاقتصادات المستقرة. وبما أن سياسة خفض الإنتاج قد أصبحت متكررة فى ظل زيادة إمدادات النفط الصخرى، فقد حان الوقت لبحث هذا الموضوع ضمن «أوبك» ومع الحلفاء لدراسة الخيارات لمواجهة الزيادات للنفط الصخرى وكيفية التعامل معها من أجل تحقيق استقرارا فى الأسواق. هذا السيناريو كان مرتبطا بتوقع استمرار زيادة الطلب العالمى. فكان التصور أن الذى سيساعد أيضا على استقرار الأسعار هو استمرار زيادة الطلب فى عام 2019. وقد سجل الطلب فى عام 2018 نحو 99.7 مليون برميل يوميا، أو بزيادة 1.5 فى المائة عن 2017 بسبب زيادة ناتج الدخل القومى العالمى 3.7 فى المائة بحسب صندوق النقد الدولى وبالذات فى كل من الولاياتالمتحدة والصين والهند. ومن ثم كان يتوقع استمرار زيادة الطلب نحو 1.5 مليون برميل يوميا فى عام 2019 ليزيد على 100 مليون برميل يوميا، أيضا لنفس الأسباب أعلاه. ومما دعم هذا التصور هو تهدئة الحرب التجارية ما بين الولاياتالمتحدة والصين، مما سيساعد التبادل التجارى والنمو الاقتصادى فى هاتين الدولتين. *** لكن، أخذ يبرز أخيرا سيناريو جديدا بسبب عوامل اقتصادية مختلفة ممكن أن تؤثر على الأسواق خلال عام 2019. فهناك أولا، مدى تأثير الانهيار الذى حصل خلال الأسابيع الأخيرة فى قيمة أسواق الأسهم الأميركية وما سيتبعها لاحقا من انهيارات فى بقية الأسواق العالمية، ومدى تأثير هذه الانخفاضات على السيولة المالية المتوفرة للشركات العالمية فى الطلب العالمى على النفط، إضافة إلى تأثير الانهيار فى السوق الأمريكية على قيمة الدولار الذى صاحبه ارتفاعا تدريجيا مهما فى الفوائد على الدولار. كما هناك الغموض لسياسة الحماية للاقتصاد الأميركى، هذه السياسة التى تتأثر بين اليوم والآخر بتغريدات الرئيس دونالد ترامب اليومية. الحياة لندن