وظائف خالية اليوم السبت.. مطلوب فني كونترول أجهزة وسائقين وعمال مخازن    البنك الأهلى المصرى يدير قرضا مشتركا بقيمة 5 مليارات جنيه لصالح «درايف للتمويل الاستهلاكى»    البنك الأهلى المصرى يوقع بروتوكول تعاون مع الجمعية المصرية اللبنانية لرجال الأعمال    الضرائب تدرس 7 مطالب من اتحاد المقاولين قبل صياغة اللائحة التنفيذية لقانون الضريبة المضافة    جندي احتياط إسرائيلي: الاستنزاف في غزة يسحقنا تدريجيا حتى ننهار    التحالف الدولي: 7 آلاف مواطن عراقي عادوا إلى قراهم من مخيم الهول السوري    رسالة نارية من الغندور لإدارة بتروجيت بسبب بيان حمدان    مانشستر يونايتد يدخل سباق التعاقد مع كاسادو    اتحاد الكرة يحسم الجدل حول نظام اختيار أندية السوبر المصري.. والإمارات الأقرب للاستضافة    المشدد 7 أعوام للمتهمين بالشروع في سرقة حمولة شاحنة بالشرقية    دخول محطة المعالجة بالفوزة فى إدفو بأسوان الخدمة 30 أغسطس المقبل    87 شهيدا بنيران الاحتلال الإسرائيلى فى قطاع غزة منذ فجر اليوم    شيخ الأزهر ينعى الدكتور رفعت العوضي عضو مجمع البحوث الإسلامية أبرز علماء الاقتصاد الإسلامي    يوفنتوس يفتح الباب لرحيل نيكو جونزاليس فى الصيف    تحذير من الإرصاد.. غدا طقس شديد الحرارة رطب نهارا مائل للحرارة رطب ليلا    وكيل تضامن الغربية تزور مصابى حادث طريق المحلة كفر الشيخ الدولى    هشم رأسها ودفنها داخل مزرعة.. ضبط المتهم بقتل زوجته فى الشرقية    محمد هنيدي ل اليوم السابع: أنا زي الفل وخضوعي لعملية جراحية "شائعة"    خبير استراتيجي: مصر تركز على الاتفاقيات للوصول إلى وقف إطلاق النار    بيولي يودّع جماهير النصر برسالة مؤثرة    حريق ضخم في مصنع للبلاستيك شمال غرب أثينا والدخان يغطي السماء    ترامب يبدل لهجته مع بوتين.. الود السياسي ينكسر تحت نيران الحرب في أوكرانيا    وزير الصناعة يفتتح مصنعا لإنتاج الزجاج الهندسي    حصاد أسبوعي لنشاط وزير الشئون النيابية.. شارك في جلسات برلمانية حاسمة وأكد أهمية دعم الشباب والحوار المؤسسي    البابا تواضروس الثاني يصلي قداس عيد الرسل مع شباب أسبوع الخدمة العالمي    هل تراجع وسام أبوعلي عن قرار الرحيل؟ الأهلي يرد    الاثنين.. قصور الثقافة تطلق برنامج «مصر جميلة» لاكتشاف المواهب بشمال سيناء    عام من الشراكات الثقافية.. بروتوكولات واتفاقيات تعزز حضور مصر الفني محليًا ودوليًا    متحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية يفتتح القاعة الرئيسية بعد ترميمها وتطوير سيناريو العرض بها    حسين الجسمي يطلق أحدث أعماله "ألبوم 2025" الإثنين المقبل    طارق الشناوي عن أزمة مها الصغير: «ما حدث تزوير أدبي واضح.. لكنها تلقت عقابها من السوشيال ميديا»    جولة مفاجئة فجراً لمدير "فرع الرعاية الصحية" تغطي مستشفيات إسنا والكرنك والدولي وإيزيس    طريقة عمل الكشري المصري في البيت بطعم المحلات    فريق طبي بالزيتون التخصصي ينقذ 4 مصابين بعد تعرضهم لطلق ناري    7 مشروبات طبيعية للتخلص من أعراض ارتجاع المريء    تلقي طلبات الترشح ل عمادة 7 كليات بجامعة المنيا لمدة أسبوع (الجدول الزمني)    استراتيجية عربية مشتركة للتعاون الجمركي والإداري    موعد مباراة ليفربول ضد بريستون والقنوات الناقلة.. ليلة تكريم جوتا بتواجد محمد صلاح    جنايات الزقازيق تؤيد السجن المؤبد لميكانيكي قتل والدته وشرع في قتل شقيقته    سحب على 10 تذاكر.. تامر عبدالمنعم يفاجيء جمهور الإسكندرية    الأهلي يغلق ملف رحيل وسام أبو علي ويخطر اللاعب بالعودة إلى التدريبات (خاص)    ضبط 5444 قضية بمجال الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    وزير الإسكان يتفقد محاور الطرق ومحطة تنقية مياه الشرب الجديدة بمدينة السادات    "لن يخسروا بسبب يوم واحد".. تيباس يرد على مطالب ريال مدريد بتأجيل مباراة أوساسونا    وزيرة البيئة تبحث مع سفيرة المكسيك بمصر سبل التعاون    نتيجة الثانوية العامة 2025.. جار تصحيح المواد لتجهيز النتيجة    وزير الري يشارك فى الاحتفال بالذكرى الحادية والثلاثين لعيد التحرير الوطني لدولة رواندا    القبض على لص الدراجات النارية بحي غرب سوهاج    تنسيق الدبلومات الفنية 2025 التجارة والزراعة والتمريض والصنايع والسياحة فور ظهوره (رابط)    من التوصيل المخالف إلى الإهمال.. 4 حالات تقودك إلى السجن بسبب الكهرباء    صحة الشرقية تعلن تنفيذ حملة للتبرع بالدم    رئيس جامعة الأزهر: دعاء "ربنا آتنا في الدنيا حسنة" من كنوز الدعاء النبوي.. وبلاغته تحمل أسرارًا عظيمة    محمد فؤاد يشعل افتتاح المسرح الرومانى بباقة من أجمل أغانيه    دار الإفتاء توضح مسؤولية الوالدين شرعًا تجاه أولادهم فيما يتعلق بالعبادات    ما هو أقل ما تدرك به المرأة الصلاة حال انقطاع الحيض عنها؟.. الإفتاء تجيب    الرئيس السيسي يتوجه إلى غينيا الاستوائية للمشاركة في القمة التنسيقية للاتحاد الأفريقي    بائع مصري يدفع غرامة 50 دولارًا يوميا بسبب تشغيل القرآن في تايمز سكوير نيويورك.. ومشاري راشد يعلق (فيديو)    باحث بمرصد الأزهر: التنظيمات المتطرفة تستخدم الخوف كوسيلة للسيطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضايا الشائكة فى تجديد الخطاب الدينى
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 12 - 2018

لم أكن متحمسا كثيرا للخوض فى النقاش حول تجديد الخطاب الدينى، ذلك أن مثل هذا النقاش يقوم على افتراضات خاطئة، كتصور أن قيام المؤسسة الدينية بإعادة النظر فى مضمون ما تطرحه لأتباعها عن تعاليم الدين، وتأكيدها أن رسالته الصحيحة تقوم على الاعتراف بحرية الاعتقاد لكل البشر، وأن الدعوة له يجب أن تقتصر على الحكمة والموعظة الحسنة سوف يجعل بعض أتباع هذه المؤسسة يعدلون عن العنف فى التعامل مع من يختلفون عنهم فى العقيدة أو مع رموز الدولة التى يتصورون أنها تحمى ممارسات خاطئة لهذا الدين. مثل هذه الآمال التى يثيرها هذا الطرح لقضية الخطاب الدينى تستند بدورها لرؤية غير صحيحة عن كيفية تغيير الخطاب المجتمعى عن الدين، وعن مدى ارتباط خطاب المؤسسة الدينية بممارسة العنف المجتمعى أو السياسى، فى المجتمع.
ولكن تشجعت على تناول موضوع الخطاب الدينى بعد أن أصبح موضوعا للسجال على أعلى مستويات السلطة فى مصر، عندما كرر الرئيس فى مناسبة الاحتفال بمولد الرسول العظيم دعوته لتجديد الخطاب الدينى بحيث يشدد على نبذ العنف، وسانده فى ذلك وزير الأوقاف، بينما فسر البعض خطاب شيخ الأزهر فى تلك المناسبة على أنه رفض لتلك الدعوات، وتمسك بمصادر للإسلام يجب ألا يتطرق لها الشك، لا تقتصر فقط على القرآن كتاب الإسلام المقدس ولكن تمتد إلى كل ما نسب لرسول الإسلام من أحاديث. وهو الأمر الذى لم يجد قبولا من معظم من تناولوا هذا الموضوع على صفحات الصحف، الذين أكدوا على الحاجة لتنقية الأحاديث مما يعتبرونه غير صحيح أو بإعادة تفسيرها على ضوء ما جرى فى المجتمعات الإسلامية وخصوصا مصر من تطورات. وسوف أقتصر على طرح تصورى لكيفية تطور الخطاب الدينى فى المجتمعات الغربية وهى التى مرت بتجربة حروب دينية استند أطرافها لخطابات دينية متعارضة، وعلى مناقشة مدى ارتباط الخطاب الدينى المؤسسى بممارسات العنف فى المجتمع.
فى غياب التحدى لا تغير المؤسسة الدينية خطابها
المؤسسة الدينية سواء كانت كنيسة أو محفلا للأحبار أو تجمعا نظاميا لرجال الدين كما هو الحال فى الإسلام تجد وظيفتها الأساسية فى الدفاع عما تعتبره صحيح الدين، وهى تدافع عنه فى مواجهة من يخرجون عن تفسيرها له. ومع أنه يوجد فى كل مجتمع أكثر من خطاب دينى، إلا أن خطاب المؤسسة الدينية الرسمية يتسم غالبا بالثبات بل وبالجمود ما لم تتعرض هذه المؤسسة لتحد خارج عنها بانشقاق بعض أتباعها ومحاولة تكوينهم مؤسسة مناظرة بل ومنافسة، أو عندما تجد أعداد التابعين لها تتقلص بخروجهم عن تعليماتها أو بانصرافهم عن المشاركة فى أنشطتها. المثل البارز على تغير الخطاب الدينى هو ما جرى للكنيسة المسيحية فى أوروبا فى القرن السادس عشر عندما انشق البروتستانت عنها فى أكبر حركة إصلاح دينى عرفتها مؤسسة دينية، ولكن هذا الانشقاق جاء فى خضم حركة تطور اجتماعى هائل عرفته أوروبا برفض الفساد السائد فى الكنيسة الكاثوليكية وسيطرتها على العقل ووقوفها موقف الرقيب على إنجازات العلماء، وبفقدان الكنيسة للتأييد السياسى الذى كانت تحظى به فى ظل النظام الإقطاعى مع نهوض برجوازية المدن التى تعتمد على التجارة والمال. وقد أدت حركة الإصلاح هذه إلى انقسام الكنيسة الكاثوليكية إلى أربع كنائس، الكاثوليكية فى روما واللوثرية فى ألمانيا وشمال أوروبا والكالفينية فى سويسرا وإسكتلندا، بينما أعلن الملك هنرى الثامن استقلال الكنيسة الإنجليكانية عن روما لأسباب سياسية ودينية. ومن المهم ملاحظة أن حركة الإصلاح الدينى بدأت داخل الكنيسة الكاثوليكية ولكن إصرار بابوات روما على رفضها هو الذى أدى من بين أسباب أخرى إلى الثورة عليها. وأدت هذه الثورات إلى سلسلة من الحروب الدينية فى أوروبا أهمها حرب الثلاثين سنة 1618 1648. ويقال إن ضحايا القتلى فيها تجاوزوا عشرة ملايين شخص. عدم قبول المؤسسة الدينية للإصلاح وتجديد الخطاب أدى إلى الانشقاق عنها. ومع ذلك فإن قسمات عديدة من خطاب الكنيسة الكاثوليكية لم تتغير حتى الآن، وإن كانت الحروب الدينية وما ترتب عليها من دمار دفعاها إلى التوقف عن الدعوة لمحاربة الخارجين عنها. ما زالت الكنيسة الكاثوليكية مثلا ترفض الطلاق ولا تقبل تحديد النسل ولا تقبل تغيير تعريف الأسرة على الرغم من أن الكاثوليك فى أوروبا لا يعتدون فى معظمهم بهذه القيود.
وقد يقال أن التجربة التاريخية للكنيسة الكاثوليكية فى أوروبا لا تنطبق على الإسلام، فلا توجد فيه مؤسسة مقدسة مثلما تعرف الكنيسة، ولا يملك رجال الدين المسلمون سلطة التحريم كما كانت تمارسها الكنيسة فى أوروبا قبل حركة الإصلاح، ولكن إذا كان ثمة حركة إصلاحية فى الأزهر على سبيل المثال قادها الشيخ محمد عبده فى بداية القرن العشرين، فقد جاء ذلك فى ظرف اتسم بالتحدى الكبير للإسلام بسقوط الشعوب الإسلامية تحت سيطرة أوروبا المسيحية، كان محمد عبده واحدا من الذين قاوموا بداية هذه السيطرة، وكان مشغولا بالبحث مع غيره من علماء المسلمين ومثقفيهم فى أسباب تفوق الغرب عليهم. وكانت دعوته للإصلاح تنهض على إعلاء شأن العقل فى تفسير النص، وأنه إذا ما تعارض النص مع ما يقتضيه العقل، تكون الأولوية للعقل. ومع ذلك يرى أنصار حملة تجديد الخطاب الدينى أن أفكار محمد عبده لم تحدث الأثر المرجو على خطاب المؤسسة الدينية.
لا يرى قادة المؤسسة الدينية الإسلامية فى مصر فى الوقت الحاضر أن الإسلام يواجه أى تحد فى بلاده. الإسلام فى مصر فى رأيهم بخير. المساجد تزداد أعدادها كما تحتشد بالمصلين. ومظاهر التدين الشكلى طاغية. وإذا كان هناك من يرفع السلاح فى وجه الدولة وأتباع الديانات الأخرى باسم الدين فهم قلة مارقة لا تعرف صحيح الدين. وإذا كانت هناك مشاعر معادية للإسلام فى بعض الدول الغربية والآسيوية، فالحل هو عن طريق شرح مبادئ الإسلام للقادة الدينيين فى هذه الدول، أو دعوتهم لمؤتمرات يخطب فيها رجال الأزهر تعريفا بمبادئ الإسلام التى تنبذ العنف، وذلك فى إطار ما يسمونه بحوار الحضارات. من وجهة نظرهم: لا داعى للقلق: «إسلامنا بخير»، ولذلك لا تلقى هذه الدعوات المتكررة لإصلاح الخطاب الدينى صدى واسعا بينهم. وإذا كان البعض قد تحدث عن زيادة أعداد الملحدين فى مصر، فإنهم لم يتجاوزوا حسب التقارير المنشورة بضع مئات ضمن عشرات الملايين من المسلمين المتمسكين بتعاليم دينهم.
تجديد الخطاب الدينى لا يكفى لمكافحة ممارسات العنف
ولكن فلنتصور أن مؤسسة الأزهر وجميع الشيوخ الذين تعتمدهم قد استجابوا لهذه الدعوة غير محددة المعالم لتجديد خطابهم، هل سيوقف ذلك ممارسات العنف المجتمعى التى يقوم بها مسلمون ضد المواطنين المسيحيين الذين يتعبدون فى منزل أو يحاولون إقامة كنيسة؟ وهل سيتوقف الشباب الذين اجتذبتهم أفكار تنظيمات مثل داعش وغيرها عن الانخراط فى صفوفها والانطلاق لمحاربة الدولة والمواطنين الذين لا يستجيبون لدعاوى هذه التنظيمات. فلنلاحظ هنا أن الأزهر لا يحتكر الخطاب الدينى فى مصر، فهناك إلى جانب خطابه الرسمى توجد خطابات أخرى ممن ينصبون أنفسهم واعظين، فهناك خطاب سلفى إلى جانب خطاب الأزهر المحافظ، وهناك خطاب إسلامى شعبى يجعل المواطنين المسلمين يزورون أضرحة الموتى فى الأعياد ويقدسون الأولياء الصالحين، وهناك خطاب ما يعرف بالإسلام السياسى سواء فى تنظيماته التى تخوض الانتخابات أو تنظيماته التى ترفع السلاح. هؤلاء الأخيرين فى مصر وباكستان وأفغانستان وفلسطين تأثروا كثيرا بكتابات سيد قطب والذى كان ناقدا حادا للأزهر. وكان الشيخ عمر عبدالرحمن مفتى تنظيم الجهاد الذى اغتال مع الجماعة الإسلامية الرئيس السادات، وكان للجماعة الإسلامية شيوخها الذين يقدمون سندا شرعيا لتصرفاتها، وهم الذين جنحوا بعد ذلك لرفض العنف. وكان لتنظيم داعش من يفتى له بأن حرق أسراه مسلمين كانوا أو من ديانات أخرى هو أمر يتفق مع الشريعة الإسلامية. وذلك فضلا على أن الخطاب الدينى لا يقتصر على مواعظ فى المساجد وكتب يجرى تدريسها أو توزيعها على عامة المسلمين، ولكنه ممارسات حية من جانب من يمثلون سلطة الدولة، وخصوصا على المستويات المحلية. ويشير كثير من التقارير إلى تقاعس هؤلاء المسئولين أمام ما جرى من اعتداء على المسيحيين فى قرى الصعيد، أو تغاضيهم عن معاقبة المتورطين فيه.
فى كل الكتابات التى أعرفها عن أسباب العنف المجتمعى والمقاومة المسلحة لسلطات الدولة لا توجد إشارة إلى أن السبب الوحيد لهذه الممارسات هو الخطأ فى فهم الدين. لهذه الممارسات جذورها فى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لمن يقومون بها أو يتعاطفون معها، وفى انغلاق المجال السياسى أمام دعاوى الإصلاح.
لا أقلل من أهمية سيادة خطاب دينى عقلانى، ولكن مثل هذا الخطاب هو ثمرة نهضة المجتمع التعليمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وهو وليد حوار حر فى نظام سياسى يرحب بحريات الرأى والعقيدة والتعبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.