رغم اعتباره عميداً للمسرح العربي الحديث، إلاّ أن عدداً قليلاً من مسرحيات الأديب الكبير الراحل توفيق الحكيم -الذي تحل ذكرى ميلاده 120 اليوم- تحول إلى مسرحيات ممثلة على خشبة المسرح، ربما بسبب انغماس الحكيم فيما يعرف ب"المسرح الذهني أو Closet Drama" الذي بدأه برائعته "أهل الكهف" عام 1933. كان الحكيم يقصد في مسرحياته بث كم ضخم من الرمزيات والدلالات التي يصعب تجسيدها جميعاً على خشبة المسرح، وهي سمة جعلت مسرحياته حتى الآن قابلة للقراءة والتعمق والنقد رغم مرور عشرات الأعوام على كتابتها. وليس خفياً أن الحكيم كان على المستوى الشخصي يميل لكتابة المسرحيات، فهو من ناحية انجذب للفن بدايةً بسبب هوايته حضور المسرحيات الغنائية التي تركت في كتاباته تأثيراً كبيراً، ومن ناحية أخرى كان الحكيم يعمد إلى بث أسخن أفكاره، وأكثرها دلالية على ألسن أبطال المسرحيات في الحوارات الممتدة بينهم. كما كانت أعمال الحكيم حتى أواخر الستينيات تعبر عن تفضيله لشحذ ذهن القارئ وخياله لمتابعة حوارات المسرحية دون تدخلات وصفية من الكاتب، قبل أن يبدأ في إصدار كتب تضم مقالات وقصص ذات طابع فلسفي. السلطان والغانية من أبرز مسرحيات الحكيم الثرية التي تحولت إلى خشبة المسرح وحققت نجاحاً كبيراً لدرجة إعادة تمثيلها أكثر من مرة، مسرحية "السلطان الحائر" التي أصدرها الحكيم عام 1959 في أوج قوة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهي تطرح فكرة أساسية قوامها أن تطبيق العدالة والقانون أسلم للأمة وأعظم أثراً من استخدام القوة. ورغم أن الحكيم زعم في حديثه عن المسرحية أنه استقى أحداثها من النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، إلاّ أن معظم النقاد الذين تناولوا المسرحية يميلون إلى أنه كان يقصد بث رسالة إلى النظام الحاكم في مصر بعد 7 سنوات من إلغاء الأحزاب وتركيز السلطات في يد عبدالناصر وكبار مساعديه. وتدور أحداث المسرحية في عصر المماليك، حول معضلة تواجه سلطاناً مملوكياً عظيماً حقق انتصارات وإنجازات، لكنه يفاجأ بأنه لم تصدر وثيقة بإعتاقه من العبودية قبل وفاة السلطان السابق له، وبالتالي يظل عبداً، وفقاً للأعراف والقوانين السارية حينئذ. وهنا يجد السلطان نفسه مطالباً بالاختيار (وهو الاسم الذي صدرت به الطبعة الفرنسية من المسرحية) فإما أن يطبق القانون كما نصحه القاضي، فيعرض نفسه في المزاد ليشتريه أحد المواطنين ويعتقه، وإما أن يستخدم القوة كما نصحه الوزير، فيقطع رقاب من يتلاسنون عليه وتؤول له السلطة كاملة دون أن يعرض نفسه للحرج. وعبر الحوارات الذهنية الممتدة بين أبطال المسرحية، تعرض الحكيم لفكرة المشروعية، طارحاً مقارنة بين الحكم الواقعي بالقوة أو حكم الأمر الواقع، وبين تمسك أهل القانون بوجوب استيفاء الشكل الدستوري والقانوني أولاً، حتى وإن كانت نتيجة الطريقين واحدة. وتبلغ المسرحية ذروة أحداثها بموافقة السلطان على عرض نفسه للبيع، فيتنازعه الزبائن، وفي النهاية يصبح ملكاً لغانية سيئة السمعة، تصطحبه معها لمنزلها ويكتشف للسلطان براءتها من الاتهامات التي يرددها الناس عنها، وتكتشف هي تواضعه، فتعتقه بعد أحداث طريفة، ويهديها هو جوهرة كانت تزين عمامته. واستيقظ الناس في الصباح على خبر عتق السلطان، ومشروعية توليه الحكم، ليقول السلطان بعد عودته لقصره: "الاحتكام إلى القانون وتحمل تبعاته، أصعب ألف مرة من استخدام السيف وعواقبه". على خشبة المسرح قدم المسرح القومي مسرحية "السلطان الحائر" أوائل الستينيات ولعب بطولتها محمد الدفراوي في دور السلطان، وسميحة أيوب في دور الغانية، وفاخر فاخر في دور القاضي، وعبدالمنعم إبراهيم في دور المؤذن، والذي يعتبر من أبدع أدوار الفنان الكوميدي الراحل. وفي عام 2009 أعاد المسرح الحديث تقديم المسرحية ولعب بطولتها محمد رياض وحنان مطاوع ومفيد عاشور ومحمود عبدالغفار.