الوطنية للانتخابات: غلق التصويت في جنوب السودان 5 مساء للظروف الأمنية    محافظ أسيوط يتفقد قنطرة المجذوب الأثرية ويوجه بترميمها    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الجمعة 21 نوفمبر    "القومي لعلوم البحار" يشارك في وضع إعلان بليم للمحيط COP 30    نائبة وزير السياحة تبحث تعزيز التعاون بين مصر وهونج كونج    فيديو| متحدثة البيت الأبيض تدافع عن ترامب بعد وصفه لمراسلة ب«الخنزيرة»    مجلس الأمن الأوكراني: نتوقع مراعاة الولايات المتحدة ضرورة مشاركتنا في العمل بشأن خطة السلام    فيديو| ضحايا ودمار هائل في باكستان إثر انفجار بمصنع كيميائي    الاحتلال الإسرائيلي يواصل الانتهاكات وشلال الشهداء لا يتوقف    أهلي جدة يستضيف القادسية لمواصلة الانتصارات بالدوري السعودي    توروب والشناوي يحضران اليوم المؤتمر الصحفي لمباراة شبيبة القبائل    موعد مباراة المغرب والبرازيل في كأس العالم للناشئين والقنوات الناقلة    طقس مستقر ودرجة حرارة تصل ل32 في المنيا اليوم الجمعة    فقأت اعينهم.. تحقيقات موسعة في إصابة شابين بجلسة صلح بالوراق    النشرة المرورية.. سيولة بحركة السيارات بمحاور القاهرة والجيزة    اليوم.. حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي في دورته ال46 وتوزيع الجوائز    أول تعليق من كريم الحو بعد توعد عائلة محمد فوزي بمقاضاته    بنجلاديش.. مقتل 3 أشخاص في العاصمة دكا جراء الزلزال    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر أسلحة ثقيلة وصواريخ على سواحل الكاريبي ردا على تحركات عسكرية أمريكية    هشام حنفي: مباراة شبيبة القبائل ستكون صعبة.. وجراديشار لم يستطيع تعويض وسام أبو علي    شهيدان بنيران الاحتلال خلال اقتحام القوات بلدة كفر عقب شمال القدس المحتلة    مصادر: انتهاء استعدادات الداخلية لتأمين المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    الصحة المصرية تعلن خلو البلاد من التراكوما فى ندوة لقيادات الصحة فى الصعيد    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في الاحتفال بمرور 1700 على مجمع نيقية    بورصة وول ستريت تشهد تقلبات كبيرة    نفاد تذاكر دخول المصريين لقاعات عرض المتحف المصري الكبير اليوم الجمعة وغدا السبت    أخبار مصر: مصير طعون إلغاء الانتخابات، تفاصيل اعتداء 4 عاملين بمدرسة دولية على 6 تلاميذ، أبرز بنود خطة السلام في أوكرانيا    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 21 نوفمبر 2025    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    هل تنجو «نورهان» من الإعدام؟.. تطور جديد بشأن قاتلة أمها ب «بورسعيد»    الصحة العالمية: اللاجئون والنساء أكثر عُرضة للإصابة ب«سرطان عنق الرحم»    أستاذ طب الأطفال: فيروس الورم الحليمي مسؤول عن 95% من حالات المرض    دراسة تكشف عن علاقة النوم العميق بعلاج مشكلة تؤثر في 15% من سكان العالم    زد يفاوض كهربا للعودة للدوري المصري عبر بوابته (خاص)    محمد منصور: عملت جرسونا وكنت أنتظر البقشيش لسداد ديوني.. واليوم أوظف 60 ألفا حول العالم    أوقاف القاهرة تنظّم ندوة توعوية بالحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب    محمد صبحي: اوعوا تفتكروا إني اتعالجت على نفقة الدولة ولم أفرح بترشيحي لجائزة الدولة التقديرية (فيديو)    خاص| عبد الله المغازي: تشدد تعليمات «الوطنية للانتخابات» يعزز الشفافية    تأجيل محاكمة عاطلين بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بروض الفرج    المتحف المصري يفتح أبوابه لحوار بصري يجمع بين العراقة ورؤى التصميم المعاصر    «المهن التمثيلية» تحذر من انتحال اسم مسلسل «كلهم بيحبوا مودي»    فضل سورة الكهف يوم الجمعة وأثر قراءتها على المسلم    دعاء يوم الجمعة.. ردد الآن هذا الدعاء المبارك    ما الأفضل للمرأة في يوم الجمعة: الصلاة في المسجد أم في البيت؟    استئناف المتهمة بتشويه وجه «عروس مصر القديمة» على حكم حبسها سنتين    رئيس هيئة الاستثمار يشارك في المؤتمر "المصري العُماني" لبحث فرص الاستثمار المشتركة بين البلدين    رئيس الوزراء: الإنتاج المحلي من اللحوم يغطي 60% من احتياجات مصر    رئيس جامعة المنوفية يشهد ملتقى التعاون بين الجامعات المصرية والكورية    التنسيقية: فتح باب التصويت للمصريين بالخارج في أستراليا بالمرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    القرنفل.. طقس يومي صغير بفوائد كبيرة    سبب غياب راشفورد عن تدريبات برشلونة    مستوطنون يشعلون النار فى مستودع للسيارات بحوارة جنوبى نابلس    ضياء السيد ل dmc: الرياضة المصرية بحاجة لمتابعة دقيقة من الدولة    ستاد المحور: جلسة مرتقبة في الزمالك لتجديد عقد عمر عبد العزيز    أشرف زكى يشيد بحفاوة استقبال سفير مصر فى عمان خلال مشاركته بمهرجان الخليج    هل التأمين على الحياة حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    هل عدم زيارة المدينة يؤثر على صحة العمرة؟.. أمين الفتوى يوضح بقناة الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتخابات إيطاليا.. القوميون الأمريكيون يثيرون الشغب فى أوروبا
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 03 - 2018

عشت فى إيطاليا بعض أحلى سنوات حياتى، قبل إيطاليا كنت فى الصين أعيش منسجما مع قوانين وسلوكيات تفرض الانضباط، الناس فى طوابير لتحصل على القليل الضرورى، لا تشكو. المرور منتظم بلا اختناقات ولا صوت واحد يصدر عن سيارة نقل أو أجرة، احترام الدولة يكاد يكون فى مرتبة التقديس، حتى الطقس انضبط، من هناك انتقلت إلى إيطاليا، انتقلت من آسيا إلى أوروبا ومن بكين مدينة الزهد والتقشف إلى روما مدينة الرخاء والوفرة. وصلت روما فى وقت كان الأمريكيون يصورون فى أهم شوارعها مشاهد للحياة الحلوة التى يحياها الإيطاليون. ظهرت هذه المشاهد بعد ذلك فى شكل فيلم سينمائى حمل عنوان الحياة الحلوة، وبعد عرضه راحت الناس تذهب أفواجا إلى إيطاليا لتتعرف عن قرب على القفزة الاقتصادية التى استحقت لقب المعجزة الإيطالية فى وقت كانت بقية أوروبا تعانى آثار الحرب ومشقات إعادة التعمير. حياة حلوة ومعجزة اقتصادية اجتمعتا فى بلد شعبه يفضل الفوضى على النظام، يفضل الحرية على الانضباط، يفضل الراحة والاستجمام على العمل، يفضل الاستماع إلى الموسيقى عن الاستماع إلى خطب السياسيين. يكره رجال ونساء السياسة ويسخر منهم ومن أخلاقهم.
***
قبل أيام جلست أمام شاشة التليفزيون أشاهد مولد تيار سياسى عالمى ذكرنى بتيار أو تنظيم ما عرف وقتها بالدولية الاشتراكية. رأيت ستيف بانون، لاشك تذكرونه فهو الرجل غريب الأطوار الذى جاء به المرشح لمنصب الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب ليكون مستشاره الخاص للشئون الاستراتيجية، أو كما فى قول آخر هو الرجل غريب الأطوار الذى ربما جاء بدونالد ترامب مرشحا لمنصب الرئاسة ثم رئيسا لأمريكا وفى الوقت نفسه النموذج والقائد لدويلة جديدة تحت اسم «القوميون الجدد». رأيت بانون فى باريس وإلى جانبه رئيسة الجبهة القومية يتحدث إلى أعضاء الجبهة مدشنا الدولية الجديدة، وفى واقع الأمر لم يغادر باريس إلا وقد اطمأن إلى أن الجبهة القومية الفرنسية قررت إدخال تغييرات مهمة فى مكوناتها وأدائها.
رأيته، أى ستيفن بانون، فى روما يحتفل مع قادة حركة النجوم الخمس وقادة حزب «الجامعة» أو «الليجا» بالإنجاز الهائل الذى حققوه فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة. الحركتان أو الحزبان تنهجان النهج نفسه الذى يسير عليه الرئيس دونالد ترامب فى واشنطن. بانون الرجل الذى أزاحه الرئيس ترامب من منصبه تحت ضغط العسكريين فى البيت الأبيض وقف بالساعات أمام أنصار الحزبين القوميين الإيطاليين كما فعل أمام جماهير الجبهة القومية فى فرنسا يشيد بسياسات الرئيس ترامب المناهضة للعولمة. أشاد بقراره زيادة الضرائب الجمركية على واردات الحديد والصلب وهو القرار الذى يصب مثل غيره فى جهة تقييد حرية التجارة ورفض الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف لصالح اتفاقات ثنائية تضمن لأمريكا حقا واضحا. بانون يحرض الفرنسيين والإيطاليين لينضموا إلى رفاقهم من حكام بولندا والمجر المتمردين على الاتحاد الأوروبى. بانون يكاد يدعو قادة القوميين الأوروبيين للتحالف مع قادة روسيا ضد الاتحاد الأوروبى. حسب معلوماتى، لم يصدر بعد من واشنطن ما يكفى لإقناعى بأن الرئيس ترامب ليس على علم بأن نظامه طرف فى جماعة دولية تحت الإنشاء تدعو إلى تفكيك الاتحاد الأوروبى، وأن معظم سياساته الخارجية تصب فى صالح هذه الدولية القومية الجديدة.
***
تابعت عن بعد المرحلة الأولى فى انتخابات برلمانية مهمة جرت فى إيطاليا وأسفرت نتائجها عن مفاجأة لم يتوقعها قادة دول غرب أوروبا أو على الأقل كانوا يتمنون عدم حدوثها. أفاقوا فى اليوم التالى لعملية الانتخاب على بيانات تعلن فوز القوى القومية على الناحيتين اليسارية واليمينية بنحو نصف أصوات الناخبين. أؤكد أن قليلين هم الذين توقعوا هذه النتيجة، إذ كان قد ساد القارة الأوروبية ما يشبه الاقتناع بأن فوز إيمانويل ماكرون على ماريان لوبين فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية حطم أسطورة الصعود المحقق للقوميين على حساب أنصار الفكرة الأوروبية وغيرها من أفكار ومؤسسات وممارسات العولمة. لقد اتضح من نتائج الانتخابات الألمانية وتصرفات حكومات شرق أوروبا والمسئولين عن صنع سياسات الكرملين وقرارات الرئيس ترامب أن الاتحاد الأوروبى مرشح لمصاعب هائلة فى المستقبل. هذه المرحلة فى الانتخابات البرلمانية الإيطالية كانت فى حد ذاتها مفيدة من نواحٍ عديدة للتأمل ثم الدرس واستخلاص اجتهادات أكتفى هنا بذكر القليل منها.
***
أولا: تعلمت من تجربتى الشخصية فى أوروبا وبخاصة فى إيطاليا أن قليلين بين زعماء وسياسيى غرب أوروبا يأخذون الإيطاليين مأخذ الجد. الشعب الذى عايشته خفيف الظل محبا للمرح شغوفا بالحياة شديد التدين ومغرما بالفساد واختصار الطرق نحو الهدف هو الشعب الذى عايشته، وإن من بعيد، قبل أيام ناخبا فى ظروف مختلفة وزمن غير ذاك الزمن. لم يتغير. برلسكونى يعود ولا أحد مكترث بما فعله واستحق عليه أحكاما لم ينفذها طبعا وينزل الانتخابات ويحصل على أصوات لا بأس بها ولو أنها لا تصل إلى ما تمناه. المهم أنه يظل الزعيم الوحيد المرشح لقيادة تحالف وسط يمينى، بعد السقوط المروع للحزب الديمقراطى الحاكم.
ثانيا: الناخب الإيطالى فى هذه الانتخابات كان يختار بين أنظمة حكم وليس بين أحزاب. بمعنى آخر أظن أنه كان يفكر فى أمور أخرى غير اختيار أحزاب بعينها لتحكم. كان يفكر مثلا فى أنه ينتمى إلى أقاليم جنوب إيطاليا أو شمالها. كان يفكر فى جواز عودة الفاشيين إلى الحكم، وعلى كل حال لم يتوقف الإيطاليون أو على الأقل نسبة معتبرة منهم عن التفكير فى انتخاب عناصر تمثل الفاشية بالعقل أو بالحنين. أمثالهم ينتخبون من يتحدث باللغة الشيوعية بعد أن انحلت أحزابها وانهارت الشيوعية فى بلادها الأصلية. آخرون وهم الآن أقلية صوتوا لصالح مرشحين يعتنقون الفكرة الأوروبية، أعداد أكثر بدون شك هى التى صوتت لمن يرفع شعار «إيطاليا أولا»، وهو الشعار الذى يهرول من أجل تعميم فكرته المناضل القومى ستيفن بانون فى دولة أوروبية بعد أخرى.
ثالثا: النظام القديم فى أوروبا يسقط، أو بدقة أكثر أقول إن كثيرا من علامات النظام الأوروبى القديم تختفى. تختفى أو تضمحل القدرة الفريدة على إقامة تحالفات حزبية قوية لتحكم. أتوقع أن نشاهد مرحلة عصيبة من محاولات إقامة تحالف مناسب يحكم إيطاليا فى الفترة القادمة. لدينا نموذج فى المحاولات القاسية التى مر بها السياسيون فى ألمانيا وعلى رأسهم السيدة أنجيلا ميركل لإقامة حلف يحكم ألمانيا. مرت شهور خمسة ولم تتشكل حكومة بعد.
من ناحية أخرى. أشعر منذ فترة كما لو أن الأوروبيين عادوا يعيشون حال الانقسام بين شرق وغرب، وهو الحال الذى عاشوه لأكثر من ثلاثين عاما خلال الحرب الباردة. يبدو كما لو أن الانقسام أصبح فى حكم الطبيعة السياسية الأوروبية. هناك فعلا تيار واسع الانتشار فى دول فى شرق أوروبا لا يستغيث أنصاره فكرة الوحدة مع شعوب ودول غرب أوروبا. أخشى أن العكس ربما كان صحيحا أيضا. رغم ذلك هناك من يعتقد أن زلزالا وقع فى أوروبا هز إلى الأعماق العقل السياسى الأوروبى. أما عناصر هذا الزلزال فهى، حسب أنصار نفس الاعتقاد، أربعة هى الهجرة السورية الإفريقية إلى أوروبا، والفساد الرهيب المتفشى بين السياسيين الأوروبيين، والضعف المتزايد فى قوة ونفوذ سلطة المركز، أى الحكومات المنتخبة ديمقراطيا، وأخيرا هى التناقص المستمر فى ليبرالية الديمقراطية الأوروبية تحت ضغط العناصر الثلاثة السابقة. أوروبا تتجه أكثر فأكثر نحو ديمقراطية غير ليبرالية.
***
أعود إلى إيطاليا التى رغم مشكلاتها العديدة وبخاصة المشكلات الاقتصادية مثل تفاقم البطالة وزيادة حجم الديون إلا أنها تظل بالنسبة لقادة أوروبا الموحدة فى بروكسل وبرلين لا تزال العضو الأوروبى الأقل إثارة للانزعاج. أكثر إزعاجا من إيطاليا كانت تأتى بريطانيا فى المقدمة، الآن تأتى دول شرق أوروبا بالإضافة إلى فرنسا وهولندا.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.