كان عام 2017 موفقا لمصر الرسمية على مستوى السياسة الخارجية، كما كان عاما سعيدا على مصر الشعبية رياضيا، ولكن كالعادة كانت الإحباطات الداخلية على مستويات متعددة أهمها الأوضاع المعيشية (اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا)، فضلا عن الظروف الأمنية السيئة فى ظل الجدوى المحدودة للاستراتيجية المتبعة لمحاربة الإرهاب حتى اللحظة. غابت السياسة أيضا عن مصر فى 2017 بدعوى أن الأمن أهم، ولا يريد أحد فى النظام أن يلتفت إلى حقيقة أنه لا أمن بلا سياسة، هذا ما أثبتته التجربة الواقعية منذ 2011 ولكن لا أحد يتعلم! لا جديد لو قمنا بمقارنة عام 2017 عن الأعوام السابقة له سياسيا، قيود مستمرة على المجتمع المدنى، ملف حقوقى متراجع باستمرار، وتعقب مستمر للناشطين السياسيين وبعض كوادر الأحزاب السياسية، والرسالة واضحة للجميع، النظام رسالته الوحيدة هى الأمن ولا مجال للسياسة أبدا! كيف يمكن توقع عام 2018 على مصر فى ضوء هذه المؤشرات؟ وهل يمكن أن يشهد العام قليلا من السياسة لصالح وليس على حساب الأمن؟ الحدث الأبرز الذى تنتظره مصر فى 2018 هو قطعا الانتخابات الرئاسية المفترض أن تبدأ إجراءاتها بعد عدة أسابيع فقط! هل يمكن أن يكون هذا الحدث سببا فى تسلل السياسة إلى حياة المصريين فنشهد انتخابات بها الحد الأدنى من النزاهة والتعددية؟ أم يستمر غياب السياسة لصالح الأمن ونشهد ما يشبه الاستفتاء على شخص الرئيس بدعوى أن الظروف القاهرة تفرض ذلك؟ دعونا نسمى الأشياء بمسمياتها، إذا ما ظلت القيود الحالية والتضييقات والمضايقات وحملات التشويه ضد أى مرشح محتمل على حالها، فإنى أدعى أنه وبالمقدار المتواضع الذى نهلته من علم السياسة سنكون بصدد استفتاء رئاسى وأن الحديث عن «انتخابات رئاسية» هو من قبيل الرسميات أو البروتوكول لا أكثر أو أقل! كما ذكرت فى مقالات سابقة، فإن الشبكات الأمنية والتنفيذية والدعائية النافذة فى مصر والمنتظر أن تدير المشهد «الانتخابى» فى 2018 ما زالت ترى أن الرئيس الحالى عبدالفتاح السيسى هو الأجدر على قيادة البلد والحفاظ على مصالح النظام السياسى القائم. وإذا ما استبعدنا مجموعة المراهقين التى تعلن من آن لآخر ترشحها على مقعد الرئاسة من أجل لفت الأنظار أو للحفاظ على الوضع المتميز داخل شلل مواقع التواصل وكافيهات السياسة فى مصر، فإن هناك شخصين اثنين فقط أعلنا بشكل جدى عن عزمهما الترشح، وكلا الشخصيتين من المرشحين السابقين فى الانتخابات الرئاسية التى جرت فى 2012، أعنى هنا الفريق أحمد شفيق، والأستاذ خالد على. الأول أعلن الترشح من الخارج فى خطأ ساذج، ولكنه دفع ثمنا آخر فى تقديرى أنه يتعلق أولا وأخيرا بمجرد رغبته فى الترشح خصوصا أنه محسوب بشكل أو بآخر على أجهزة الدولة وقد كان مرشحها المفضل فى 2012. والثانى معارض جاد ولكنه تعرض أيضا لمتاعب بسبب إعلان النية فى الترشح المشروط للانتخابات الرئاسية ومستقبل ترشحه مرهون بقرار سيادى فإما سيتم السماح له باستكمال المشوار، وإما (وهو الاحتمال الأقرب حتى اللحظة)، سيتم تحريك قضية «الفعل الفاضح» لاستبعاده! ضابط الجيش الذى أعلن ترشحه فى وقت سابق لا أضعه ضمن الحسابات هنا لحساسية أمر الترشح بالزى العسكرى وإيمانى الشخصى أن مستقبل مصر مرهون بالسيطرة المدنية الديمقراطية، وهو الخطأ الذى وقعت فيه مصر فى 2014 ولست من المغرمين بتأييد تكرار الأخطاء لمجرد الرغبة فى إظهار التضامن أو معارضة النظام، باختصار لا يجب السماح مجددا فى المستقبل لأى عسكرى بالترشح للانتخابات الرئاسية ما لم يمر على تركه الخدمة 4 سنوات على الأقل ينخرط فيها فى الشأن العام بما فيها عضوية الأحزاب السياسية، قبل أن يتمكن من الترشح لأى منصب عام، وقطعا فإن إعلان الترشح أثناء تأدية الخدمة مرفوض. *** بالعودة إلى الموضوع، سنجد أننا بشكل أو بآخر أمام احتمالين، الأول أن يحدث التغيير المنتظر من الداخل كما راهن ومازال كثيرون، فيقرر النظام إجراء انتخابات تنافسية بحد أدنى من ضمانات النزاهة، أو أننا سنسير فى نفس الخط السياسى المرسوم منذ 2013 بحيث تقتل السياسة تماما وينتهى عهد اهتمام الناس بالشأن العام ولا أعتقد أن كثيرين (معارضين أو مؤيدين) سيختلفون معى أن الأوضاع فى 2018 لا تبشر بالسيناريو الأول بكل أسف لأنه من غير المتوقع أن تحدث المعجزة خلال أسابيع! الرئيس لم يعلن حتى اللحظة ترشحه للرئاسة، وهناك حملات تطالبه بالترشح، أو كما قال أحدهم «سنجبر الرئيس على الترشح» وهو قطعا أمر يثير الضحك والتندر ولكنه معتاد فى مصر، وعلى أى حال ليس لدى أى شك فى أن الرئيس سيعلن ترشحه للرئاسة ولست أشك أبدا أنه سيفوز مكتسحا فى النتيجة النهائية للاستفاء! فوز الرئيس المتوقع له علاقة أولا بدعم أجهزة الدولة وشبكاتها المطلق لترشحه فى اللحظة الراهنة وهو السبب ذاته الذى لا يجعل هذه الأجهزة متسامحة مع أى احتمال ولو ضعيفا لمنافسة الرئيس، ويرجع ثانيا للظروف الإقليمية والدولية الداعمة له حتى اللحظة، وما لم تتغير ظروف الإقليم الحالية فإن فرص الرئيس السيسى فى الفوز ليست موضع شك. ورغم تذبذب الموقف الأمريكى وامتعاضه من وقت لآخر بسبب سياسة مصر الخارجية إلا أنه من غير المتوقع أن ينقلب تماما على النظام المصرى الحالى طالما ظل ترامب فى المشهد. كذلك فإن دول الاتحاد الأوروبى فى معظمها ورغم انتقاداتها المتقطعة لملف مصر الحقوقى فهى غير راغبة فى تغيرات درامية فى المشهد المصرى لأنها تكاد تستفيق بالكاد من أزمة المهاجرين واللاجئين. وحتى الدول الغاضبة من النظام المصرى الحالى مثل تركيا وقطر والسودان فلا يبدو أنها قادرة على تغيير المشهد المصرى الداخلى! الفوز مضمون، ولكن هل يعى البعض معنى أن يكتسح الرئيس الانتخابات بمشاركة محدودة أو شبه معدومة؟! *** إذن الأسئلة الأوقع فى 2018 لا علاقة لها بما إذا كان السيسى سيرشح نفسه أم لا لأنه سيفعل ما لم تحدث تغيرات درامية كذا ليس لها علاقة بفرص فوز الرئيس لأنها حاضرة وبقوة طالما استمر الظرف الدولى والإقليمى والداخلى على حاله، لكن هنا نحن أمام سؤالين، الأول، هل سيترك النظام مرشحين محتملين يخوضون غمار التجربة حتى فى ظل هذه الأوضاع المقيدة أم أنه سيمنع أى مرشح جدى وأى منافسة محتملة مع دفع دمية من هنا أو هناك لاستيفاء الشكل، أو حتى يخوض السيسى الانتخابات وحيدا بلا منافسة؟ أما السؤال الثانى فهو هل سيتم تغيير الدستور فى 2018 ليسمح للرئيس بفترة ثالثة أو فترات مفتوحة؟ الإجابة على السؤال الأول تميل إلى ترجيح كفة خوض الانتخابات المزمع عقدها فى ظل قيود متعددة ستمارس على أى مرشح منافس مع احتمالية عالية لعدم السماح بالمنافسة أصلا بحيث سيخوض الرئيس منفردا أو فى ظل السماح لدمية لمنافسة الرئيس ليصبح الأمر أشبه بالتزكية. أما الإجابة على السؤال الثانى فهى تتعلق بالتوقيت وليس بالمحتوى. بعبارة أخرى مسألة تعديل الدستور لزيادة المدة الرئاسية أمر أدعى أنه مفروغ منه عند النظام، فقط التردد متعلق بالتوقيت وردود الفعل المتوقعة ومن ثم بكيفية الإخراج. هنا نعود إلى السؤال القديم الجديد، هل يجب على المعارضة خوض السباق أم الأفضل الانسحاب منه طالما ظل الوضع على ما هو عليه؟ إجابتى دائما أن أى مشاركة سياسية فى ظل أوضاع مقيدة هى مشاركة مطلوبة ومرغوبة، وحتى لو كانت تلك المشاركة متعلقة بانتخابات شبه محسومة فالحصول على خبرات سياسية واقعية والبناء عليها أمر لا مفر منه، ولكن الأهم هو أن تكون المشاركة مشروطة، وهذه الشروط تتعلق بتوفير الحد الأدنى من اعتبارات التعددية، شروط تتعلق بالأطر القانونية والدستورية المنظمة لعملية الانتخابات فضلا عن إدارة الانتخابات أمنيا وتنفيذيا وإداريا، وإن لم تتحقق هذه الشروط بوضوح ستكون المقاطعة هى نفسها شكل من أشكال المشاركة السياسية بشرط أن تكون قرارات المشاركة أو المقاطعة فى التوقيت المناسب وأن تتخذ بشكل منظم. عام 2018 قد يكون حاسما لتغيير شكل النظام السياسى المصرى أو بعض تفاصيله، وقد لا يكون سوى استمرارية لما سبقه، موت السياسة وانفجار الأمن، من يفهم ومن يعى؟ هذا سؤال سئمت من محاولة الإجابة عليه!