اللجنة العامة ببنها وكفر شكر تعلن الحصر العددي لجولة الإعادة بانتخابات النواب بالقليوبية    المؤشرات الأولية، تقدم السبكي عن دائرة الباجور في المنوفية    مؤشرات أولية طبقا للحصر العددي، تقدم سيد حنفي في دائرة الخليفة    ننشر المؤشرات الأولية لعمليات فرز الأصوات بالدائرة الثالثة بالشرقية    تحرش وتدافع وسقوط سيدات| محمد موسى يفتح النار على صاحب محلات بِخّة بالمنوفية    محافظ القليوبية يستجيب ل محمد موسى ويأمر بترميم طريق بهادة – القناطر الخيرية    رئيس الوزراء يرد على أسئلة الشارع حول الدين العام (إنفوجراف)    جوتيريش يدعو إلى تسخير قوة الهجرة لتعزيز التنمية المستدامة    الاحتلال الإسرائيلى يحتجز 4 فلسطينيين فى بيت لحم    الحريديم يصعدون احتجاجاتهم ضد محاولات تجنيدهم في إسرائيل    نتنياهو يعقد اجتماعا أمنيا مصغرا لبحث تطورات المرحلة الثانية بغزة    القمة الأوروبية تعرب عن قلقها إزاء التدخلات الخارجية بمسار الانتقال في سوريا    الزمالك يهنئ بنتايج والشعب المغربى بالتتويج ببطولة كأس العرب    أحمد حسن يفجرها: شائعات سهر لاعبي منتخب مصر في قطر «كلام مفبرك» وحملة إلكترونية وراء الهجوم    إبراهيم محمد حكما لمواجهة الزمالك وحرس الحدود فى كأس عاصمة مصر    كونتي: هويلوند يمتلك مستقبلا واعدا.. ولهذا السبب نعاني في الموسم الحالي    غدا.. انطلاق ماراثون انتخابات نادي الرواد الرياضي بالعاشر    منتخب مصر يخوض أولى تدريباته بمدينة أكادير استعدادًا لمواجهة زيمبابوي بأمم أفريقيا    أمم إفريقيا - الجزائر.. هل تُكسر لعنة 2019؟    كرة يد - بعد انتقاله لكيل الألماني.. رسالة من مهاب سعيد ل الأهلي والخطيب    اللجنة العامة ببنها وكفر شكر تعلن الحصر العددى لجولة الإعادة بانتخابات النواب    محمد موسى عن واقعة نبش قبر فتاة: جريمة تهز الضمير قبل القانون    «لم يصلوا أبداً».. حكاية 7 أشخاص احترقت بهم السيارة قبل أن تكتمل الرحلة بالفيوم    رحلة التزوير تنتهي خلف القضبان.. المشدد 10 سنوات ل معلم صناعي بشبرا الخيمة    أكسيوس: تيك توك توقع اتفاقية لبيع عملياتها فى أمريكا إلى تحالف استثمارى أمريكى    الأمن يوضح حقيقة فيديوهين لتبادل اتهامات بين مرشحي دائرة أول المحلة    تركي آل الشيخ يقطع الجدل: لا علاقة لموسم الرياض بإنتاج فيلم أم كلثوم «الست» والفيلم مصري 100%    بميزانية تتجاوز 400 مليون دولار وب3 ساعات كاملة.. بدء عرض الجزء الثالث من «أفاتار: نار ورماد»    مصطفى بكري: الطبقة المتوسطة بتدوب يجب أن تأخذ حقها.. وننقد حرصا على هذا البلد واستقراره    مش فيلم.. دي حقيقة ! شاب مصري يصنع سيارة فوق سطح منزله مع "فتحى شو"    أزهر اللغة العربية    وائل كفورى ينجو من الموت بعد عطل مفاجئ بالطائرة.. فيديو    أمريكا تفرض عقوبات على 29 سفينة تابعة ل"أسطول الظل" الإيراني    رئيس غرفة البترول: مصر تستهدف تعظيم القيمة المضافة لقطاع التعدين    ترامب يوقع أمرا باعتبار الماريجوانا مخدرا أقل خطورة    جمال رائف: صفقة الغاز مع إسرائيل رابحة لمصر ولا تمثل أي ورقة ضغط سياسية    الداخلية تكشف تفاصيل واقعة إلقاء مادة حارقة على 3 طلاب بالقليوبية    الحصر العددى فى دائرة حدائق القبة يكشف تقدم المرشح سعيد الوسيمى ب7192 صوتًا    هشام إدريس: تنوع المنتج كلمة السر في قوة السياحة المصرية    هل يرى المستخير رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل عليَّ إثم لو لم أتزوج؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم    وفاة الفنان التشكيلي محمد عمر سليمان    الخارجية الروسية: تطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن ليس بالأمر السهل    خبير اقتصادي: توقعات بارتفاع أسعار الذهب والفضة في 2026    سنن يوم الجمعة: آداب وأعمال مستحبة في خير أيام الأسبوع    اللجنة العليا للتفتيش الأمني والبيئي تتفقد مطار الأقصر (صور)    7 أصناف من الأطعمة مفيدة لمرضى الأنيميا والدوخة المستمرة    تكريم مسؤول ملف السيارات ب«البوابة» في قمة EVs Electrify Egypt تقديرًا لدوره الإعلامي    مجمع الفنون والثقافة يحتضن فعاليات مسرح المنوعات بجامعة العاصمة    جامعة حلوان التكنولوجية الدولية تنظم زيارة للمعرض الدولي السابع للأقمشة    المخرج أحمد رشوان يناشد وزارة الثقافة المغربية التحقيق في أزمة تنظيمية بمهرجان وجدة السينمائي    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    انتخابات النواب 2025.. أمن الدقهلية يضبط عدة وقائع لشراء أصوات بالمحافظة    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    فوز مصر بجائزتي الطبيب العربي والعمل المميز في التمريض والقبالة من مجلس وزراء الصحة العرب    ضبط عامل بالدقهلية لتوزيعه أموالًا على الناخبين    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعيشوا وتفتكروا
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 11 - 2017

كثيرا ما أفكر بالاختلافات المجتمعية المتعلقة بمواجهة الموت وترتيب مراسم العزاء. قد تتشابه طقوس العزاء بعض الشىء من بلد إلى آخر، لا سيما حين يجتمع أفراد عائلة الفقيد وأصدقاؤه فى محاولة للتخفيف من حزنهم لحظة الفراق وفى الساعات والأيام التى تليها. قد تتشابه العادات فى سوريا وفى مصر وغالبا فى بلاد أخرى كثيرة، حين يتكفل أحدهم مثلا بتحضير طعام الغداء يوم الدفن بينما يتعهد آخر بتحضيره فى اليوم الثانى، وذلك فى مساهمة من المقربين بالتخفيف من مصاب العائلة ولو حتى من ناحية عملية أو لوجستية.
***
لكن الموضوع أخذ أبعادا أخرى بالنسبة لى حين زرت مرة بيت صديقة مكسيكية ورأيت أنها رصت على طاولة فى منزلها صورا لأشخاص لا أعرفهم ووضعت معهم أدوات بدت لى أنها شخصية، كفنجان من القهوة أمام صورة سيدة مع طبق فضى صغير فيه سيجارة لم تشعلها. خمنت أن السيدة قد تكون جدة صديقتى، لكن ذلك لم يشرح لى موضوع وضع فنجان القهوة والسيجارة أمامها، كما زاد من دهشتى وجود سيارة صغيرة من طراز السيارات التى يلعب بها أطفالى كانت صديقتى قد وضعتها على الطاولة بالقرب من صورة طفل مجهول الهوية بالنسبة لى.
***
بدت لى الطاولة كمحراب وقد أضاءت الصديقة شمعة فى وسطها ووضعت بعص الأزهار بين الصور. حين رأتنى أمعن النظر فى طاولتها فى كل مرة أمر بها أمامها، سألتنى إن كنت أعرف عن تقليد «يوم الموتى». طبعا لم أكن أعرف شيئا عن التقليد، إذ لم يكن قد خطر على بالى قط أن يخصص يوم للموتى كما فهمت من العبارة. شرحت لى صديقتى المكسيكية أن يوم الموتى هو يوم مخصص لذكرى جميع من فقدتهم أى أسرة مكسيكية، فهو مناسبة سنوية تحيى فيها العائلات ذكرياتها الجميلة مع أشخاص أحبوهم فيحيطون صورهم بأشياء كانوا يستمتعون بها. وهكذا شرحت لى صديقتى أنها تقدم لجدتها فنجانا من القهوة الغامقة كما كانت تحب أن تشربها فى صباها، فالصورة للجدة وهى فى ما أراه أجمل عمر للمرأة، أى فى الأربعينيات، تنظر إلى الكاميرا بمزيج من الهدوء والثقة، بينما تداعب أشعة الشمس بشرتها الخمرية وشعرها الأسود. أتخيلها فى بيتها هناك فى المكسيك، سيدة قوية ترأس عائلة كبيرة، مطبخها بلاطه ملون وأطباقه خزفية حمراء وصفراء. صوت الأولاد وهم يلعبون خارج البيت يذكرنى أصلا بصوت أطفال حارة بيت جدتى فى دمشق. ما علينا، ها قد أسقطت على حياتى وعلى ذكرى جدتى صورة جدة الصديقة المكسيكية.
***
لقد أدرجت منظمة اليونيسكو، وهى المنظمة المعنية بالحفاظ على التراث والثقافة، يوم الموتى المكسيكى ضمن لائحة التراث الثقافى غير الملموس، وهى لائحة تسعى من خلالها المؤسسة إلى التمسك بعادات مجتمعية لها دلالات مهمة على ثقافة الشعوب، وتظهر تنوع الثقافات حول العالم. أن أحتفل بحياة شخص ذهب بدل أن أظهر حزنى عليه فى كل مرة أتذكره بدا لى كمفهوم غريب للتعامل مع ألم الرحيل. أوليس فرح كهذا انتقاصا من هول الموت وعدم احترام لمن تركنى؟
***
أن أتذكر أخى الذى مات طفلا لكن دون أن أركز على رحيله فأراه وهو يلعب بالكرة تحت بيتنا، مشرق الوجه أزرق العينين، طفل خجول عاطفى كان يلتصق بى ونحن نجلس فى الحافلة التى تقلنا إلى المدرسة. أن أتذكره ببشرته الناعمة المحمرة ونحن نتأرجح ونركض فى الحديقة، يختبئ فأبحث عنه وسرعان ما أقلق من غيابه. كيف لا وأنا أخته الكبرى المسئولة عنه أثناء وجودنا خارج البيت. يبدأ قلبى بالدق السريع حتى أرى طرف قميصه الأزرق من خلف شجرة. أن تظهر لى جدتى لأبى كما كنت أراها فى أول يوم من كل عيد، جميلة بوجهها الصافى وشعرها الكثيف الذى احتفظ بلمعته حتى آخر أيامها. تجلس جدتى كالملكة وتشعل هى الأخرى سيجارة بينما ترتشف قهوة الصباح. صوتها فيه بحة خفيفة وكلماتها دافئة فى كل الأوقات، فجدتى لا تغلط فى الكلام ولا تضع نفسها فى موقف يزعج منها أحد. أن أعيد تركيب قصص سمعتها من أمى وأقربائى عن جدى لأمى فيظهر أمامى ذلك الرجل الهادئ الوديع حسن المظهر واللسان. يحملنى وأنا رضيعة فأهدأ بينما يلقبنى بالأميرة. جدى رحل فى سنتى الأولى لكن ذكره الطيب بقى ملتصقا بجدران البيت وذاكرة كل من عرفه.
***
قد يكون الاحتفاء بحياة من ذهبوا طريقة أكثر وفاء لهم وأقل ثقلا على قلب من يفتقدونهم من الاستمرار فى شد غطاء الحزن على حياتنا بعد رحيلهم. ها أنا أسمع صوت صديقة وهى تصر على أن أزيد كمية الكزبرة على طبق الدجاج الشركسى قبل تقديمه. هى رحلت وتركت معى قصصا أحكيها لأولادى فيهيأ لهم أنهم عرفوها. أنا نفسى أشعر أحيانا وكأننى أتمرغ فى تفاصيل حياتية عادية ويومية كأننى أحضر أولادى ومن حولى لاسترجاع الكثير من الذكريات إن رحلت عنهم، ها أنا أطالبهم بشكل استباقى أن يحتفلوا بما عشناه معا بدل من أن يحزنوا لتوقفنا عنه. أريدهم أن يضعوا صورتى كما فعلت صديقتى المكسيكية على طاولة ويرصوا قربها حلويات خبزوها بنكهة ماء الزهر، أريدهم أن يستمعوا إلى القدود الحلبية وأن يلفوا إطار صورتى بشال من الحرير الأحمر، لونى المفضل حاليا. أريدهم أن يشعروا فعلا بالعبارة المصرية التى فهمت أخيرا عمق معناها: تعيشوا وتفتكروا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.