وزير الإسكان يتفقد وحدات «سكن لكل المصريين» بالعاشر من رمضان    وزيرة التخطيط تُشارك في إطلاق مبادرة لتعزيز الاستثمار في النظم الصحية    توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء آلية للتشاور السياسي بين مصر والمالديف    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مخيمي بلاطة وعسكر شرق نابلس بالضفة الغربية    باكستان تتعرض لهزتين أرضيتين شدتهما 5. 3 و9. 3 درجة    توروب في أولى مهمته يعلن تشكيل الأهلي أمام إيجل نوار    الأرصاد الجوية تحذر من الشبورة وانخفاض درجات الحرارة    تجديد حبس سائق تسبب في مصرع شاب بمدينة نصر    «الصحة» تختتم البرنامج التدريبي لإدارة المستشفيات والتميز التشغيلي    محافظ الشرقية يثمن جهود الفرق الطبية المشاركة بمبادرة "رعاية بلا حدود"    انتخاب اللواء أحمد العوضي والمستشار فارس سعد وكيلين لمجلس الشيوخ    «حان الوقت لإيقافهم».. كوشنر عن الهجوم على قطر: ترامب شعر بخروج الإسرائيليين عن السيطرة    المشدد 6 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لعامل لاتجاره فى الهيروين بشبين القناطر    اتخاذ الإجراءات القانونية حيال 5 عناصر جنائية لغسلهم 150 مليون جنيه    نجمات اخترن تسريحة ذيل الحصان فى مهرجان الجونة 2025    أحمد مراد: نجيب محفوظ ربّاني أدبيًا منذ الصغر.. فيديو    اليوم الرسمي ل بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر بعد تصريحات مجلس الوزراء.. (تفاصيل)    موعد مباراة الأخدود ضد الحزم في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    موعد مباراة المغرب ضد الأرجنتين والقنوات الناقلة في نهائي كأس العالم للشباب 2025    القنوات الناقلة لمباراة بايرن ميونخ ضد بوروسيا دورتموند في الدوري الألماني.. والموعد    بعثة المصري تغادر طرابلس فى طريقها إلى القاهرة بعد التعادل مع الاتحاد الليبي    مرشح وحيد للمنصب.. «الشيوخ» يبدأ انتخاب رئيسه الجديد    رئيس جامعة القاهرة: مصر تمضي نحو تحقيق انتصارات جديدة في ميادين العلم والتكنولوجيا    قالي عايز تتعلم ادخل شعبة ب1400.. طالب يقاضي والده أمام محكمة الأسرة: رافض يدفعلي مصاريف الكلية    النفط يتكبد خسارة أسبوعية وسط مخاوف تخمة المعروض    ضبط منادى سيارات اعتدى على سائق وطلب إتاوة فى الجيزة    اليوم.. استكمال محاكمة 37 متهما بالانضمام لجماعة إرهابية ب«خلية التجمع»    الدويري: خروج مروان البرغوثي سيوحد حركة فتح ويمنح الموقف الفلسطيني زخمًا    الرئيس السيسي يستقبل رئيس مجلس إدارة مجموعة «إيه بي موللر ميرسك» العالمية    لا تدَّعِ معرفة ما تجهله.. حظك اليوم برج الدلو 18 أكتوبر    الثقافة: تعامد الشمس على وجه رمسيس الثانى من أعظم المعجزات الفلكية فى التاريخ    ياسر جلال بعد أداء القسم بمجلس الشيوخ: لحظة فخر ومسؤولية كبيرة    ما هو حكم دفع الزكاة لدار الأيتام من أجل كفالة طفل؟.. دار الإفتاء توضح    مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية يوضح 7 فضائل لإطعام الطعام.. اعرفها    ميناء دمياط يستقبل 33 ألف طن قمح قادمة من روسيا    موقف الدوسري من اللحاق بمباراة الهلال والسد القطري    تعليمات جديدة من «الصحة» لضبط معدلات الولادات القيصرية في الإسكندرية    رئيس هيئة الدواء: 91% من استهلاك مصر ينتج محليا ومخزون المواد الخام يكفي 7 أشهر    مقتل شخصين في هجوم بطائرة مسيّرة أوكرانية على جزء من منطقة خيرسون خاضع لسيطرة روسيا    ثلاث حفلات كبرى وندوات علمية في ثالث أيام مهرجان الموسيقى العربية    نجوى إبراهيم عن تطورات صحتها بعد الحادث: تحسن كبير واستكمل العلاج بمصر    منافس بيراميدز المحتمل.. المشي حافيا وهواية الدراجات ترسم ملامح شخصية لويس إنريكي    عبير الشرقاوي ترد على تجاهل ذكر والدها: نقابة المهن خسرت كتير    مجلس أمناء جامعة بنها الأهلية يوافق على إنشاء 3 كليات جديدة    ضبط محطة وقود لتصرفها في 13 ألف لتر سولار.. وتحرير محاضر لتعطيل أجهزة ATG بالبحيرة    100 مُغامر من 15 دولة يحلقون بمظلاتهم الجوية فوق معابد الأقصر    دميترييف: العمل على فكرة النفق بين موسكو وواشنطن بدأ قبل 6 أشهر    فيديو.. منى الشاذلي تمازح حمزة نمرة: أنت جاي تتنمر عليا    زراعة 8000 شتلة على هامش مهرجان النباتات الطبية والعطرية في بني سويف    تعرف على عقوبة عدم التصويت في الانتخابات البرلمانية    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    جولة لمدير الرعاية الصحية بالأقصر بوحدة طب أسرة طيبة لمتابعة خدمات المواطنين    رئيس صريبا: قمة بوتين وترامب في المجر أهم قمة في القرن 21    وزير الري: مواصلة إدارة الموقف المائي بصورة ديناميكية وفقا للرصد اللحظي في أعالي النيل والتنبؤات الهيدرولوجية    انخفاض كبير في عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب والسبائك اليوم السبت بالصاغة    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    هل يجوز للمريض ترك الصلاة؟.. الإفتاء تُجيب    المصري هيثم حسن يقود تشكيل ريال أوفييدو أمام إسبانيول في الليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داخل حياة الآخرين
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 07 - 2016

أدخل بيوت ناس لا أعرفهم، أزورها فى غيابهم بموافقتهم فأضيع فى تفاصيل حياتهم كما تركوها فى الغرف التى يعيشون فيها معظم السنة. أتعرف عليهم من خلال أثاثهم، كتبهم، محتوى مطابخهم، ثيابهم التى ما زالت معلقة فى الخزانة. أدخل بيوتا لأصحابها طريقة حياة لا أعرفها، ألعب معهم لعبة «ضيفة وضيوف» التى كثيرا ما لعبتها مع صديقات الطفولة، فأتخيل أنهم دعونى إلى بيتهم أو أننى دعوتهم للتسامر معى فى بيتى. لكننى لا أعرف أصحاب البيوت وهم لم يزورونى فى منزلى. لم نشرب القهوة معا ولا أعرف عدد أولادهم.
أتخيل أن صاحبة هذا البيت مضيافة تحب أن تدعو الناس إلى وجبات تعدها بنفسها، فمطبخها يشى بأسرار كثيرة، مثل ولعها بالبهارات المختلفة، فى المطبخ حائط كامل بأرفف عليها مرطبانات صغيرة، فيها كل ما يمكن لأى شخص يحب سوق البهارات أن يشتريه. كما أنها تملك من أوانى المطبخ أنواعا لم أرَ منها من قبل، رغم حبى الشديد للمطبخ أصلا ومتابعتى لأنواع الصوانى الجديدة التى تحفظ حرارة الطعام دون أن تحرق يد من يلمسها مثلا.
أما صاحب بيت آخر زرته، فيبدو عليه أنه يحب الوحدة. فى بيته كأس ماء لا غير، وآلة صنع القهوة التى تحضر فنجانا واحدا، فلا فوهة لصنع فنجانين. فى غرفة المعيشة كنبة واحدة بمقعدين دون أى كراسى أخرى فى مساحة المعيشة. تلال من الكتب تغطى الطاولة الخشبية الصغيرة أمام الكنبة. أنظر إلى الكتب فأتخيل الرجل الخمسينى فى قاعة المحاضرات، فهو كما قال لى فى رسائله الإلكترونية أستاذ فى مادة التاريخ المعاصر، ويركز على منطقتى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. أفتح كتابا عن تاريخ نسج السجاد فأرى جمال الألوان، وأقرأ شرحا عن تأثير النقشات فى التحولات السياسية فى أفغانستان وأوزبكستان. لم أكن قد فكرت من قبل فى تاريخ هذه المنطقة المتفجرة من منظور صناعة السجاد، فأنا غالبا ما أتابع تطور الإعلام ومواقف النخب السياسية وصفقات الأسلحة والغاز والنفط حتى أفهم ما يحدث.
أما فى البيت ذى الطوابق الثلاثة الصغيرة الذى عشت فيه لمدة شهر منذ سنتين، فقد اكتشفت أن غرف تغيير الملابس التى نراها فى المجلات هى فعلا موجودة فى بعض البيوت، فمن غرفة النوم الصغيرة فى ذلك البيت، هناك باب يأخذنا إلى غرفة أكبر، تحتل فيها الأرفف والدروج وقضبان تعليق الملابس حيطان المكان الأربعة. لم أرَ فى حياتى كمية فساتين وأحذية نسائية خاصة كما رأيت فى تلك الغرفة، شعرت وكأننى طفلة تقف فى بيت اللعب الذى كانت تراه فقط فى التلفزيون، نصف حائط يضم مجوهرات وإكسسوارات، أقراطا فضية وملونة، أساور وخواتم، يقابلها من الطرف الآخر أرفف عليها شنط نسائية مختلفة، بعضها كبير يتسع لجهاز الكمبيوتر الشخصى وبعضها صغير عليه أزرار تلمع تأخذها صاحبتها إلى السهرة. صاحبة غرفة الملابس هذه أتخيلها فى عقدها الرابع، يبدو من ثيابها أنها نحيلة وتحب القصات الأنيقة والألوان الخريفية.
***
درجت فى السنوات الأخيرة عادة أن يقوم المسافرون باستئجار بيوت مسكونة أثناء زيارتهم لمدن لا يعيشون فيها، خصوصا حين تتجاوز الزيارة عدد أيام معدودة وتكون الإقامة لمدة أطول. البيوت مسكونة لكن أصحابها يضعونها قيد الإيجار فى فترات سفرهم هم الآخرين، فيجد أحدنا نفسه فى بيت ما زال فيه بعض الطعام الجاف كالأرز والمعكرونة والعدس فى المطبخ، وباقى صابون اليدين فى الحمام. أعترف أننى، ومع كل زيارة كهذه، أفتح خزانة الحمام حتى ولو أننى لا أحتاج قطنا أو صابونة جديدة. أتأمل محتوى الدروج، أنظر فى الزوايا لأرى إن كان أصحاب البيت من المهووسين بالنظافة لدرجة أن تكون جميعها قد مسح من بين حوافها التراب. أعترف أيضا أننى، مع كل اتفاق من هذا النوع، أتساءل إن كنت أنا نفسى أستطيع أن أخلى بيتى ليعيش فيه شخص لا أعرفه، فيتعرف على من خلال كتبى ولوحات علقتها على الجدران. هل سيعرف من يدخل بيتى أننى جلست على الكرسى الأزرق أفكر فى قريبتى التى لم أرها منذ سنوات، ثم ظهرت لى فجأة على الهاتف لتزف لى خبر زواج ابنتها التى أذكرها طفلة؟ هل سيفهم الزائر مدى تعلقى بالسجادة الأفغانية النفيسة التى حملتها أمى من منزلنا فى دمشق لتعطينى إياها كهدية يوم زفافى لمعرفتها بمدى محبتى لها؟ من سيشرح لمن يقف فى مطبخى أننى حين أخلط مقادير عجينة الفطائر فإننى أشم رائحة الفرن فى السوق لحظة خروج مثلثات السبانخ منه؟
***
أنا أستأجر بيوت الناس المسكونة حين يغيبون فى إجازة عنها، أدخل حياتهم وأحاول التعرف عليهم، أشعر أنهم أصدقائى حين أرى كتبا عن الشرق الأوسط ومطابخ جاهزة لترتيب حفلة عشاء كبيرة، فالأوانى متوفرة ومجموعة الأطباق والشوك والسكاكين تكفى لأكثر من عشرة أشخاص.
أخرج من بيوت الناس كما دخلتها، دون أن أتعرف عليهم. لكننى أبنى قصصهم فى ذهنى خلال أيامى بين أشيائهم، أضع المفتاح على الطاولة عند المدخل وأخرج وأنا أتساءل أى لوحة هى المفضلة لدى صاحبة البيت؟ أتخيل أنها اللوحة التى علقتها مقابل الكنبة الرئيسية، فمن يجلس هنا لا يمكن أن يتفادى النظر إليها. ومع اهتراء المخدة فى هذا الطرف من الكنبة، أظن أنه حين تجلس صاحبة البيت هنا وتتأمل اللوحة، فهى تفكر فى اجتماعها القادم فى العمل أو فى لقاء حبيبها على العشاء فى اليوم التالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.