سيطرت الوجوه الجديدة من مؤلفين ومخرجين على الساحة الدرامية طوال شهر رمضان فى ظل تراجع الأجيال القديمة خطوة إلى الوراء بعد أن ابتعد كثير منهم عن جو المنافسة فى هذا الشهر الكريم.. ومن وجد منهم على الخريطة الدرامية لم تحقق أعمالهم الصدى المتوقع بخلاف ما حققه جيل الشباب، الأمر الذى دفع البعض لطرح سؤال.. هل انتهى عصر الكبار؟ وهل نحن على مشارف حقبة جديدة من مخرجين ومؤلفين شبان يسطرون صفحة جديدة فى الدراما المصرية.. هذا الأسئلة وغيرها ناقشناها من خلال هذه التحقيق. البداية كانت مع المخرج الكبير إسماعيل عبدالحافظ الذى أبدى انزعاجه الشديد وهو يقول: كيف نقارن بين جيل جديد لايزال يخطو خطوته الأولى وجيل له رصيد ضخم من الأعمال فهذا ظلم للجيلين ولكن ما حدث هذا العام هو أننا أمام مجموعة جيدة وضعوا أيديهم على الطريق السليم وقدموا تجارب لا بأس بها ودورنا فى هذا اللحظة تشجيعهم ومساندتهم انتظارا لما تسفر عنه تجاربهم القادمة، لكن أن نمحى تاريخ الآخرين من أجل عيونهم فنحن فى هذه اللحظة نضع هالة كبيرة من الضوء حول أعينهم تفقدهم الرؤية وتوصلهم لمرحلة الغرور قد تطيح بهم لأنه «من الغرور ما قتل». ويضيف: بعد أن تابعت بعض الأعمال وجدت أسماء مبشرة بالخير فالمخرج أحمد شفيق الذى قدم لنا مسلسل «ليالى» له بصمة واضحة ومميزة، وهناك مريم أبوعوف مخرجة «هالة والمستخبى» التى قدمت لنا تجربة جديدة وحسا رائعا، كما تابعت مسلسل «الرحايا»، وهذه هى الأعمال التى تابعتها وأؤكد أنه لو خرجنا بهؤلاء الثلاثة فقط فهذا يكفى لأننا عانينا سنوات طويلة من وجود فجوة بين الأجيال فنحن بحاجة إلى جيل يحمل لواء الدراما ويتعلم من أساتذته الكبار لأن هذه سنة الحياة ولكن أن نجد بعض الأصوات تتعامل مع هذه التجربة كأنها تشهد على انجاز جيل الشباب وتراجع النجوم الكبار فهذه نظرة غير موضوعية بالمرة، خاصة أن الأسماء الجديدة فى عالم الإخراج لم تأت بما لم يأت به الأوائل ولم تحقق ما يصعب على غيرها من الأجيال الكبيرة أن تفعله. ويستطرد: لقد تردد فى الآونة الأخيرة الحديث حول قدرة الجيل الجديد على استخدام الكاميرات «الهاى ديفنيشن» وكأنها قدرات لم تؤت لغيرهم أو كأن هذه الكاميرا تصنع المعجزات وتحقق مضمونا لا غبار عليه، وهذا الكلام غريب وغير مقبول، ولعلنا نعود بالذاكرة إلى الوراء ونتذكر مسلسل «ليالى الحلمية» بأجزائه والذى لايزال محفورا فى ذاكرة الجميع فلقد تم تصويره بالأسلوب التقليدى، فهل ينكر أحد أنه علامة فى تاريخ الدراما التليفزيونية؟! واختصار للقول أود أن أقول إن هذه الكاميرات قد تعطى صورة جيدة ولكنها أبدا لا تعطى مضمونا يوازى الصورة، وفى النهاية المتلقى يريد مضمونا. وعما إذا الكبار أصبحوا غير مواكبين للغة العصر يقول: هذا ظلم جديد لهم فمن ينكر عبقرية المخرج مجدى أبوعميرة الذى قدم لنا روائع ولم يحالفه الحظ وأنجز مسلسله قبل رمضان وهناك المخرج الكبير محمد فاضل الذى بدأ تصوير مسلسله متأخرا فلم ينافس، والمخرجة انعام محمد على التى تحرص على أن تأخذ ما تحتاج من الوقت لتحضير عملها بشكل جيد وكثير من الأسماء الكبيرة، وعليه، فأنا مع طرح الشباب وتشجيعهم وتحفيزهم على الإبداع لكن دون أن نمنحهم حجما أكبر من حجمهم الطبيعى فنظلمهم ونظلم الإجيال الكبيرة. وهو الكلام الذى يؤكده المخرج محمد فاضل.. ويقول: على مدى 40 عاما قدمت أكثر من 40 عملا دراميا منهم نحو 30 عملا تم عرضها فى شهر رمضان ووضعها النقاد فى ذاكرة الدراما التليفزيونية، فهل يعقل أن يأتى اليوم ويتم مقارنتى بجيل ليس فى رصيده الفنى سوى عمل واحد؟ ويستطرد: هناك فارق كبير أن نشيد بخطوة فتح الباب لوجوه جديدة وأن نعقد مقارنة بين هذا الجيل والجيل الكبير فقامة هؤلاء لم ولن تقارن بقامة الجيل الكبير. ويضيف فاضل: لقد أعلنتها كثيرا لقد «شبعت رمضان» ولم يعد عرض أعمالى فى هذا الشهر يستهوينى خاصة فى الأعوام الخمسة الأخيرة، وحدثت لى حالة تشبع وذلك نتيجة للمستوى الدرامى المتدنى الذى نشهده حاليا من مسلسلات تفصيل لنجومها بلا مضمون أو رسالة وتفتقد لألف باء إخراج، وغالبيتها أعمال بمنطق ضعيف وسياق غير مترابط. من ناحيتها، تقول المخرجة إنعام محمد على: لا يعنى أبدا أن إقبال المنتجين على العناصر الجديدة الذين يلبون طلباتهم ويستجيبون لضغوطاتهم، بالإضافة إلى كونهم الأقل أجرا، إننا جيل «راحت عليه» بل بالعكس تماما «فالغالى ثمنه فيه» وبالنسبة لى أتلقى عروضا باستمرار من قبل الشركات الإنتاجية الخاصة والحكومية لكنى لا أستطيع أبدا أن اشتغل لمجرد الشغل أو من أجل «قرشين» حتى لو كان «الجيب فاضى» فلابد أن يستهوينى العمل حتى أذاكره وأعمل الواجب اللازم له ثم أذهب إلى الاستوديو لأنفذ ما خططت له وهذه هى مواصفات العمل المتقن من أجل جمهور واعٍ يقدر قيمة العمل الفنى. وتستطرد: أنا أعيب على الوجوه الجديدة فى مجال الإخراج تسرعهم وتعجلهم وتطبيقهم لسياسة «اخطف واجرى» وانجز فى أقل وقت، وهى سياسة خاطئة ولا تعمر ولا تصنع اسما، فأنا اتباهى بكل عمل قدمته على مدى مشوارى الفنى فلم أخضع يوما إلى ضغوط المنتجين الذين يسعون إلى التوفير وسرعة الانتهاء من العمل للكسب السريع، بل حرصت طوال عملى أن أحصل على وقتى فى التحضير وأن أقرأ جيدا وأن تكون لدى مرجعية ثقافية لأناقش المؤلف وتكون لى بصمة واضحة لأنه فى النهاية يحمل اسمى. على الجانب الآخر يرفض المؤلف أسامة أنور عكاشة الإذعان لم يدع أن عصر جيل الكبار انتهى.. ويقول: أولا: دعونا نتفق أننا أمام كم هائل من المسلسلات ويصعب على أى أحد مهما كانت لديه من القوة والوقت أن يتابعها جميعا ولذا كيف يمكن الحكم على التجربة، وكيف نصدق من يخرج علينا مدع أن عصر الكبار انتهى، ويبقى السؤال أين شهوده وأدلته على هذه النتيجة؟ وعلى أى قاعدة بنى عليها ما توصل إليه؟ وهل شاهد وتابع كل الأعمال بالشكل الذى يؤهله لإصدار مثل هذه الأحكام؟ ويستطرد: أنا ألوم نظام الإنتاج فى مصر ليس لأنه يستعين بالوجوه الجديدة فى التأليف والإخراج ولكن لأنه يستعين من يطبق وينفذ رؤيته الخاصة ويكتب الورق على مقاس النجوم فالمنتجون يستعينون بأى أحد «يفك الخط» دون مراعاة إذا كان يتمتع بالهواية والقدرة وحرفنة الكتابة أم لا.. وأصبح لدينا معيار النجاح بالكم وليس بالكيف وهذه كارثة لأن النتيجة الوحيدة لهذا الأمر هو الهبوط بالدراما إلى مستوى متدنٍ عما هى عليه حاليا. ويستدرك أسامة: أنا هنا لا أصدر أحكاما مطلقة خاصة أننى لم أتابع هذا الكم الهائل من الأعمال فلا قدرتى ولا طاقتى تساعدنى على التحمل وإن كنت منجذبا إلى طريقة كتابة عبدالرحيم كمال الذى لفت نظرى بأسلوبه المختلف من خلال مسلسله «الرحايا» وأعتقد أن هناك نماذج جيدة مثل وليد يوسف وأحمد عبدالفتاح ولكنى أخشى عليهم من «مفرمة» المنتجين، فهذا الجيل ليس صاحب قرار مثل جيلنا، وعليه أخشى ألا يمنحهم المنتجون الفرصة لكى يظهروا إمكاناتهم الكاملة، كما أخشى أن يستجيب المؤلفون الشبان للمنتجين، إما خوفا منهم أو تسرعا وسعيا للنجومية والشهرة وهى آفة العصر فهذه السرعة والعجلة لا تسمح بإفراز مواهب والكل يريد «يلحق الهبرة». ويقول المؤلف يسرى الجندى: من المستحيل أن يقيم أحد هذه التجربة ويحكم عليها فنحن نشهد حالة من الارتباك بسبب هذا الكم غير المعقول إلى جانب غياب سياسة عدم انتقاء الأعمال فاختلط الحابل بالنابل. ويضيف: هناك أسماء عديدة أفرزتها دراما هذا العام، يأتى فى مقدمتها عبدالرحيم كمال هذا الشاب الموهوب الذى قدم لنا حبكة درامية ولغة جديدة تتمتع بمستوى عالٍ، أما الأسماء الأخرى مثل حازم الحديدى وتامر حبيب ووفاء الطوخى وأيمن سلامة فوجودهم أمر رائع ولكن الحكم عليهم يكون خياليا الآن، لأن الحكم الموضوعى يتطلب رؤية عادلة لأعمالهم، وهذا لن يحدث الآن أبدا لأن أى شىء يبنى على الخيال والاجتهاد فهو باطل، وأتصور أن صاحب هذا الادعاء بأن الكبار راحت عليهم هو نفسه الذى يخرج علينا بقائمة أفضل مؤلف وأفضل مخرج وأفضل فنان ومثل هذه التصنيفات التى هى أبعد عن الحقيقة لأنه ببساطة لا يوجد إنسان عادى أو حتى متخصص تابع هذا الكم من الأعمال وعليه، فإن الحكم بهذا المنطق هو جريمة فى حق النقد. وأتصور أننا إذا أردنا الاستفادة من هذه التجربة وتقييمها تقييما حقيقيا وإذا أردنا أيضا بداية حقيقية فلابد ألا نعطى هذه الأمور حجما هو أكبر من حجمها أو عقد مقارنات ليست فى مكانها الصحيح وأن نمهل أنفسنا فرصة لنرصد ونتابع ونقيم. وأخيرا تقول الناقدة ماجدة موريس: تعلم الفنانون الكبار الدرس واستعانوا بالخبرات الشابة سواء فى الإخراج أو التأليف فى جو افتقدناه فى السنوات الماضية فتفوقت ليلى علوى هذا العام بمسلسلها «حكايات وبنعيشها»، وهو من تأليف الشابين حازم الحديدى ومحمد رفعت وإخراج الشابين أيضا مريم أبوعوف ومحمد على، بالإضافة إلى يسرا التى استعانت بالسيناريست الشاب تامر حبيب والمخرجة الشابة غادة سليم، ونفس الأمر مع يحيى الفخرانى الذى تعاون فى «ابن الأرندلى» مع المؤلف وليد يوسف والمخرجة رشا شربتجى، ونورالشريف تعاون مع عبدالرحيم كمال فى أولى تجاربه فى «الرحايا» وهى ظاهرة تستحق الالتفات لها وتقيمها بشكل عاقل متزن فهذه الأسماء مبشرة بالخير وقدمت لنا شخصيات غير نمطية ومعالجات جديدة، ولكن هذا الكلام لا يعنى أبدا الحكم على الجيل الكبير بأنه انتهى بدليل أن العملين الصعيدين الموجودين على الساحة حاليا وهما «الرحايا» و«أفراح إبليس»، الأول كتبه الشاب عبدالرحيم كمال والثانى كتبه الكاتب محمد صفاء عامر لكن تفوق «أفراح ابليس» على «الرحايا» وأصبح أكثر شعبية لقدرة محمد صفاء عامر من خلال خبرته الطويلة فى عالم الكتابة فى الوصول إلى لغة المشاهد العادى فأصبح هو المتصدر أما اللغة الفلسفية الذى برع فيها عبدالرحيم كمال فى «الرحايا» فلن تحقق نفس صدى لغة «أفراح إبليس» وهذا هو محور الموضوع، أن الخبرة والتجارب الكثيرة والرصيد الفنى دوما يصب لصالح الجيل الكبير ولذا فالمقارنة ظالمة ولكن دراسة هذه الظاهرة فى حد ذاتها أمر يستحق أن نقوم به وتقييمها أمر مطلوب وتشجيع أصحابها ومساندتهم فى خطواتهم المقبلة هو دورنا جميعا.