إننا فى هذه الأيام كى ننتصر على الإلحاد، وعلى الأعداء المتربصين بالكتاب والسنة، يجب أن نقلم أظافر هؤلاء الواقفين أمام الفقه الصحيح، والعمل الجاد المثمر.. إنهم عند البصر الدقيق حرب على الإسلام. عندما أسقط المرتدون الخلافة الإسلامية فى تركيا، أقاموا نظاما «علمانيا» ظاهره الانفلات من الأديان كلها، وباطنه مخاصمة الإسلام وحده، ومتابعة أوروبا فى مظاهر حضارتها المنتصرة. وكان النظام الجديد عسكريا صارما، بدأ عهده بقتل عدد كبير من رجال الدين الذين قاوموه، والحق أن الشعب كله كان كارها له، مؤثرا الإسلام فى شئون حياته كلها، بيد أنه فشل فى مقاومة الارتداد المسلح، فاستكان على مضض، وإلى حين، منتهزا كل فرصة لإظهار ولائه الإسلامى وحنينه إلى أن يعود الإسلام المستبعد. وبديه أن تكون شئون الأسرة والعلاقات بين الجنسين هى فى مقدمة ميادين الصراع بين العلمانية والإسلام.. كان الحكام يحرصون على نقل الاختلاط الأوروبى الماجن إلى الشرق الإسلامى كله، وإذا كانوا قد تركوا القرآن خلف ظهورهم، فما الذى كان يرجى منهم؟.. «من يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر». وقاومت طالبات الجامعة والمعاهد هذا الزحف المنحل، وأصررن على ارتداء الحجاب الإسلامى! إنه سمة الفضيلة والتحفظ! تبقى المرأة ظاهرة الملامح، ويبقى جسمها مصونا عن الأعين المتلصصة! بيد أن هذا الاحتشام أحفظ الملاحدة، فاستصدر قائد الجيش (!) قرارا من المحكمة العليا بأن هذا الاتجاه الإسلامى يخالف الثورة الكمالية العلمانية! ومن ثم يجب منعه! وقد لاحظنا أن المحكمة الدستورية العليا فى فرنسا أقرت الحجاب الإسلامى ولم تر فيه تناقضا مع النظام العام السائد، وهو حكم معقول، لكن التابع الأحمق قد يكون ملكيا أكثر من الملك! أفكان النظام التركى قادرا على منع الراهبات المسيحيات من ارتداء ملابسهن، وهى أقرب ما تكون إلى الحجاب الإسلامى؟ إنه استأسد على الغافلات المحصنات، من طالبات الجامعات وحدهن! وليس فيما قلته جديد يستحق التكرار، الذى يستحق التكرار والإنكار أن بعض المنتقبات كن يشتمن الطالبات المحجبات ويقدحن فى أعراضهن ويزدن الطين بلة! وعندما كنت أدرس فى جامعة الجزائر الإسلامية، كان الطلاب عن يمينى فى المدرج والطالبات عن يسارى، ولاحظت أن الوجوم يخيم على البنات بعد أيام قلائل كن يسألننى فيها على استحياء! وعلمت أن الطلاب الذكور هددوهن إذا سألن! فإن صوت المرأة عورة! ورددت على ذلك بمنع الأسئلة الشفوية من الجسنين، وقبول الأسئلة المكتوبة وحدها! وأكدت ما قررته مرارا أنه لا عورة فى صوت المرأة ولا فى وجهها! ثم شعرت بأن مستقبل الإسلام فى مهب الرياح إذا بقى الفكر العفن يحتل آفاق الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على النحو الذى ينشره بعض العلماء! إن الإسلام سيحكم عليه بالطرد من كل ميدان، إذا بقى مصوروه يبرزونه فى تلك المعالم القبيحة التى لا يعرف غيرها الدهماء من المنتسبين إلى الإسلام. أقول مع أولى الألباب وأهل الذكر: الحرية الدينية حق! فيجىء مغموص جهول يقول: «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى» آية منسوخة، بطل حكمها! أقول لدعاة السلام فى العالم: نحن قبلكم ندعو إلى السلام، ونكره إراقة الدماء، وما نخوض حربا إلا دفاعا عن عقيدتنا وتأمينا لدعوتنا، فإذا غلام طائش يقول: كلا إن نبينا قال: «بعثت بالسيف بين يدى الساعة، وجعل رزقى تحت ظل رمحى»!هذا الغلام ما تدبر القرآن، ولا عرف مواضع السيف، إنه يعرف منطق العصابات! نقول: الأمر شورى، ولا يملك أحد الإفتيات على الجماهير، فيقول: لا شورى، الفرعون الحاكم لا تلزمه الشورى، فهى له معلمة لا ملزمة! نقول: يجب احترام حقوق الإنسان فيقول: أى إنسان؟ هذا التعبير بدعة! نقول: إذا تكونت هيئة الأمم على ما يشبه حلف الفضول انتسبنا إليها، لنضبط سيرها، ونحدد وجهتها، ونعلى سيرتها، يقول: هذه دار حرب وحسب..! إلخ. إن هذه العقليات أنزل رتبة من أن تؤتمن على مستقبل شركة مساهمة، فكيف يتاح لها التحدث عن دين كبير ورسالة أورثت الإنسانية أرقى حضاراتها..! لكننا نحن المسلمين نعانى من فوضى علمية مخيفة! ولعل غياب الأزهر عن ميادين الثقافة الإسلامية بعض الأسباب فى انتشار هذه الفوضى. ثم هناك جراءة على شتم رجالاتنا الكبار، حتى كادت أذكى مدرسة فى العصر الحديث تختفى تحت وطأة الإنكار والجحود، أعنى مدرسة «المنار» التى صالحت بين السلف والخلف، والعقل والنقل، والاجتهاد والتقليد، ورسمت أهدافا واضحة للنهوض بالعقل الإسلامى، والطب لأمة عليلة!