إعلان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسئوليته عن الهجومين غير المسبوقين اللذين وقعا يوم الأربعاء فى طهران، يجعل إيران تنضم للمرة الأولى إلى الائتلاف غير الرسمى للدول التى تعانى من إرهاب داعش. لم يكن هذان هما أول هجمات تتعرض لها إيران فى السنوات الأخيرة. فقد وقعت هجمات مشابهة، لكنها كانت أقل أهمية ونفذتها تنظيمات إرهابية سنية مثل جند الإسلام الذى ينشط فى محافظة سيستان بلوشستان الواقعة فى جنوب شرق إيران على الحدود مع باكستان، وهجمات نفذها تنظيم مجاهدى خلق. إيران التى تعتبر مصدرة للإرهاب، تعانى منذ سنوات من الإرهاب الداخلى، لكن للمرة الأولى منذ سيطرة داعش على مناطق فى العراق وسورية، وعلى الرغم من الحرب المعلنة لهذا التنظيم على التيار الشيعى عامة وعلى القوات الشيعية فى سورية والعراق خاصة، يختار تنظيم الدولة الإسلامية إيران هدفا للهجوم. فترة «الإعفاء» [من الإرهاب ضدها] التى منحها داعش لإيران كانت موضع تأويلات كثيرة. بعضها قال إن إيران عقدت حلفا مع داعش الذى امتنع عن مهاجمتها مقابل تمويل سخى. وذهب تقدير آخر إلى قول إن داعش تعاون مع نظام الأسد وأقام معه علاقة تجارية لها علاقة بالنفط ومواد استهلاكية أخرى، ومنح إيران وسورية «إعفاء من الإرهاب ضدهما»، فى الأساس بسبب نشاطهما المكثف ضد تنظيمات سنية معادية له. لكن هذه التكهنات لم تنجح فى تفسير سبب سكوت تنظيم الدولة الإسلامية عندما هاجمت قوات إيرانية بينها ميليشيات شيعية تعمل فى العراق بحماية وتمويل من إيران قاعدة داعش فى المعركة على مدينة الموصل. ولماذا لم يتحرك داعش ضد إيران مثلما فعل ضد تركيا عندما قام بهجمات كبيرة فى أنحاء الدولة. لقد حاربت إيران ضد قواعد داعش فى العراق وفى سورية بإصرار لا يقل عن إصرار النظام السورى، وخلال ولاية الرئيس أوباما، نسقت إيران بصورة غير رسمية تحركها ضد داعش فى العراق مع قوات أمريكية. من المحتمل أن هذا يعود إلى الصعوبات التى يواجهها داعش فى إقامة خلايا إرهابية فى إيران تنشط باسمه هناك مثل التنظيمات التى انضمت إليه فى مصر، والجزائر، والمغرب، وفى شرق آسيا، ومثل الخلايا التى تنشط باسمه فى أوروبا. وفقط فى آذار/مارس من هذه السنة نشر داعش للمرة الأولى تهديدات باللغة الفارسية ضد إيران وتحدث عن وجود فرع له فى أراضى هذه الدولة. ويبدو بالاستناد إلى الأسماء التى أُعلنت فى شريط الفيديو، أن أحد هؤلاء هو من محافظة بلوشستان وهناك آخر من محافظة الأهواز التى أغلبية سكانها من السنة العرب. فإذا كان هذا التكهّن صحيحا، فإن هذا معناه بنية تحتية أوسع من الخلايا التى نفذت اليوم الهجمات، ويبدو أن فى انتظار إيران فترة دموية لم تعرفها من قبل. من المتوقع أن تستغل إيران، التى انضمت اليوم إلى الدول التى تعرضت لضربات داعش، الهجمات كذريعة لإرسال المزيد من القوات إلى الجبهات الواقعة على الحدود مع العراق وسورية، وزيادة عدد الميليشيات الشيعية التى تعمل حول الموصل. وبالإضافة إلى ذلك، فمن المتوقع أن ترسل إيران قوات إضافية إلى منطقة الرقة فى سورية، التى تشهد فى الأيام الأخيرة معركة دولية بقيادة الولاياتالمتحدة وأكراد سورية من أجل تحريرها من سلطة داعش. إن المظلة التى قدمتها الحرب ضد داعش إلى جميع دول المنطقة للتدخل فى هذه الجبهات، يمكن أيضا أن تمنح شرعية لعمليات إيران حتى لو كانت غير موجهة ضد داعش. لقد سبق أن ولّدت الحرب ضد داعش ائتلافات مُستغربة فى الشرق الأوسط مثل الائتلاف بين السعودية وتركيا اللتين كانت العلاقات بينهما متوترة للغاية حتى تنصيب الملك سلمان، الذى ضم تركيا إلى الائتلاف السنى على الرغم من الشرخ الموجود بينها وبين مصر. وهناك تحالف آخر نشأ بين تركيا وروسيا بعد مرور سنة ونصف السنة على إسقاط سلاح الجو التركى الطائرة الروسية، أو توطّد العلاقات بين إيران وطالبان السنّية كجزء من منطومة الدفاع ضد الإرهاب التى أنشأتها إيران. على الرئيس ترامب الذى يعطى شهادة جدارة إلى كل دولة مستعدة للانضمام إلى الحرب ضد داعش خاصة وضد الإرهاب عامة، أن يفحص الآن دور إيران كدولة تعمل فى خدمة المصالح الأمريكية وليس فقط كدولة تسعى إلى تقويض الاستقرار فى المنطقة. وإذا كانت المصلحة الأمريكية (والعالمية) هى العمل معا ضد داعش والإرهاب الاسلامى المتطرف، فإن إيران يمكن، لا بل يجب أن تكون جزءا من منظومة هذه القوى. وجهة النظر هذه يمكن أن تقلقل السعودية التى بادرت إلى فرض حظر على قطر بحجة أنها تؤيد الإرهاب وتتعاون مع إيران. فإذا تحولت إيران الآن إلى دولة تحارب الإرهاب، فإن الحجة ضد قطر ستتبدد بسرعة. وبالإضافة إلى ذلك، صرّح الرئيس الإيرانى حسن روحانى قبل عشرة أيام عن نيته تحسين علاقة بلاده مع دول العالم، ملمحا بصورة أساسية إلى العلاقات مع السعودية. صحيح أن حرس الثورة الإيرانى سارع إلى اتهام السعودية بالمسئولية عن الهجومين، ولكن على الرغم من ذلك فإن الخلافات فى الرأى بين الحرس الثورى والرئيس ليست جديدة، وكما فى الماضى فإن الرئيس يحدد جدول أعماله بصورة مستقلة عن الحرس. وفى مثل هذا الواقع، من المحتمل أن يستخدم هجوما اليوم أساسا لإطلاق مبادرة مصالحة جديدة مع المملكة، كجزء من دبلوماسية الحرب ضد الإرهاب. لكن، هذه التطورات لا تزال فى بداياتها لكون إيران لم تعرض بعد خططها لمحاربة الإرهاب، وهى مطالبة بأن توضح لنفسها قبل كل شىء، كيف نشطت شبكة إرهاب تابعة لداعش تحت أنظارها. تسفى برئيل معلق سياسى هاآرتس نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية