فتح اللجان الانتخابية بمحافظة السويس في جولة الإعادة لانتخابات مجلس النواب    معًا لمدينة آمنة    تحصين البرلمان المقبل    محافظ القاهرة يترأس اجتماع غرفة عمليات متابعة إعادة انتخابات النواب 2025    الائتلاف المصري لحقوق الإنسان: اللجان تفتح في موعدها والدوائر الساخنة تشعل سباق الإعادة    أسعار الخضروات اليوم الأربعاء 17 ديسمبر في سوق العبور للجملة    أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025    «متبقيات المبيدات» يستقبل وفدا صينيا لزيادة الصادرات الزراعية المصرية    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام الطرح الخاص ب"العملية للطاقة" وإدراجها في بورصة الكويت    وزير العمل يبدأ زيارة رسمية إلى إيطاليا لتعزيز فرص تشغيل العمالة المصرية    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025    رسل الموت تنزل فى سراييفو    باريس سان جيرمان يصطدم بفلامنجو في نهائي كأس إنتركونتيننتال 2025 بالدوحة    إصابة 13 شخصا في حادث انقلاب ميكروباص بصحراوي أسوان    تصل القاهرة الكبرى.. الأرصاد: أمطار متفاوتة الشدة على هذه المناطق اليوم    تفاصيل صادمة في وفاة نيفين مندور بطلة «اللي بالي بالك» عن عمر 53 عاما    وفاة نيفين مندور بطلة فيلم "اللي بالي بالك"    مي عز الدين تبدأ تصوير «قبل وبعد» وتعلن خروجه من السباق الرمضاني 2026    مستقبل أفضل    الأطباء تحذر| حمية غذائية تتبعها الفتيات قبل الزفاف قد تؤدي إلى مخاطر صحية    السيطرة على حريق شب داخل مصنع فى مدينة 6 أكتوبر دون إصابات    النشرة المرورية.. كثافات مرتفعة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    بدء التصويت في أول أيام جولة إعادة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    مواعيد قطارات المتجهة من أسوان إلى القاهرة اليوم 17 ديسمبر 2025    واشنطن تؤكد: ترامب لن يسمح بضم أي جزء من الضفة الغربية إلى إسرائيل    انتشار أمني مكثف لتأمين جولة الإعادة للمرحلة الثانية من «انتخابات النواب»    إحباط مخطط لهجوم في نيو أورليانز الأمريكية واعتقال جندي سابق بحوزته أسلحة ودرع واق    واشنطن تهدد الاتحاد الأوروبي بالرد على قيود الشركات الأمريكية    أمريكا: هزة أرضية بقوة 5 درجات تضرب ألاسكا    هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على «كراسنودار» الروسية يتسبب في انقطاع الكهرباء    أستراليا تستعد لإقامة جنازات لعدد من ضحايا هجوم سيدني    إنطلاق المهرجان الشبابي الرياضي للتوعية بالأنشطة المالية غير المصرفية    "رئيس صندوق الإسكان الاجتماعي": نستهدف بناء أكثر من 68 ألف وحدة سكنية بالإسكان الأخضر بمواصفات صديقة للبيئة    سيد محمود ل«الشروق»: رواية «عسل السنيورة» تدافع عن الحداثة وتضيء مناطق معتمة في تاريخنا    «ترامب» يحذر فنزويلا من صدمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة    إعلان أسماء الفائزين بجائزة مسابقة نجيب محفوظ للرواية في مصر والعالم العربي لعام 2025    ماريسكا: تشيلسي يسير في الطريق الصحيح    مصدر أمني ينفي مزاعم الإخوان بشأن هتافات مزعومة ويؤكد فبركة الفيديو المتداول    ياسمينا العبد: ميدتيرم عمل شبابي طالع من شباب.. وكل مشاهده واقعية جدًا    أحمد مراد عن فيلم «الست»: إحنا بنعمل أنسنة لأم كلثوم وده إحنا مطالبين بيه    أحمد مراد: لم نتعدى على شخصية "أم كلثوم" .. وجمعنا معلومات عنها في عام    الأزمات تتوالى على القلعة البيضاء، الأوقاف تهدد بسحب جزء من أرض نادي الزمالك بميت عقبة    نصائح تساعدك في التخلص من التوتر وتحسن المزاج    بعد العودة من الإصابة، رسالة مؤثرة من إمام عاشور تشعل مواقع التواصل عقب فوز مصر على نيجيريا    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    أحمد أيمن منصور: نستهدف بطولة للمصري هذا الموسم    تليفزيون اليوم السابع يستعرض قائمة الأفلام العربية المرشحة لجوائز الأوسكار ال 98    ضياء رشوان: ترامب غاضب من نتنياهو ويصفه ب المنبوذ    اللاعب يتدرب منفردًا.. أزمة بين أحمد حمدي ومدرب الزمالك    جزار يقتل عامل طعنا بسلاح أبيض لخلافات بينهما فى بولاق الدكرور    كامل أبو علي ينصح حسام حسن: تجاهل السوشيال ميديا    "الصحة": بروتوكول جديد يضمن استدامة تمويل مبادرة القضاء على قوائم الانتظار لمدة 3 سنوات    نائب وزير الصحة: الولادة القيصرية غير المبررة خطر على الأم والطفل    ما حكم من يتسبب في قطيعة صلة الرحم؟.. "الإفتاء" تجيب    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    الندوة الدولية الثانية للإفتاء تدين التهجير القسري وتوضِّح سُبل النصرة الشرعية والإنسانية    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 16ديسمبر 2025 فى المنيا    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الوشم الأبيض».. سؤال الهوية على أجنحة الدهشة
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 06 - 2017

يستكمل الروائى أسامة علام فى روايته الأحدث «الوشم الأبيض»، الصادرة عن دار الشروق، ملامح عالمه الخاص، الذى يمزج بين أسئلة عميقة وحكايات مدهشة، تختبر آفاقا أوسع للخيال، وتمنح قارئ أعماله متعة الفن، ومتعة الفكر.
فى هذه الرواية أيضا تلك السمات العامة التى كتبت عنها من قبل فى روايتيه السابقتين «تولوز» و«الاختفاء العجيب لرجل مدهش»، حيث يظهر خليط شديد الثراء والتنوع من الجنسيات والهويات والثقافات والأماكن والبلدان، وحيث يطير السرد على أجنحة من حكايات غرائبية أحيانا، وحيث يتدفق الحكى مشوقا ومسليا ومثيرا للتأمل، من دون أن تفلت الفكرة، أو أن يتوه المعنى.
ينتمى الكاتب إلى مجموعة من الأدباء المصريين والعرب المقيمين فى كندا، بحكم عملهم، ولكنهم تأسسوا ثقافيا ومعرفيا فى بلادهم، ومن هذا الخليط بين جذور عربية، وانفتاح على كل الثقافات والأفكار، ولدت تجربة ثرية حقا. وفى حالة أسامة علام، فإن هذه الثنائية واضحة مثلا قبل الخبرة الكندية، رواية «تولوز» مثلا، تعبر عن سنوات دراسة الكاتب فى فرنسا، ولكنها أيضا تستحضر بطريقة حية ولافتة تفاصيل شخصيات وعوالم قرية بالقرب من المنصورة، وتنتقل بين فرنسا ومصر، وكأنهما جزء من لوحة واحدة.
فى «الوشم الأبيض» لعبة سردية ذكية وجديرة بالالتفات، يقودها بالأساس أربعة أشخاص: أولهم «أشرف المدنى» الطبيب النفسى المصرى الذى يعمل فى أحد مستشفيات مونتريال، وثانيهم مريضه الغريب صانع الوشم «جون سبيستيان أندريه» الذى يمتلك تاريخا غامضا، ويحمل خطرا محتملا على كل من يعالجه، وثالثهم طالبة الطب السمراء الحسناء «مود بيير» التى رسم جون سبيستيان أندريه على جسدها وشما أبيض يحمل قوة كامنة خارقة.
أما الشخصية الرابعة المحورية فهى والد أشرف، الذى تنوب عنه رسالته فى نهاية الرواية، وهو فى الحقيقة ذاكرة ابنه الذى يعيش فى متاهة الاغتراب، شخصية الأب أساسية فى بناء الرواية، وربما كان من الأفضل أن تكون حاضرة طوال الأحداث، لتضفيرها ضمن البناء، بشكل أقوى وأعمق، وحتى لا تبدو كإضافة، بعد أن انتهت الحكاية.
مونتريال هى ميدان السرد والصراع، ولكن فكرة ألوان الطيف، وتعدد الهويات والجنسيات والأماكن بل والأزمنة تعمل أيضا فى صورتها القصوى:
أشرف مثلا يقول إنه ولد فى ليبيا، ونشأ فى سلطنة عمان، وترعرع فى مصر، ودرس فى فرنسا، ويعمل فى كندا، وجون سبيستيان أندريه الذى يعامله الطب النفسى باعتباره مريضا، له هوية قديمة تعود إلى العام 1737، ويتحدث طوال الوقت عن فكرة الحلول والتناسخ، ومود بيير هى ثمرة زواج رجل من كيبيك، وامرأة من أوغندا، بل إن والدها سيتحول فيما بعد إلى امرأة، فيمتلك هويتين ماضيا وحاضرا.
أما الأماكن أيضا فهى أيضا متلونة ما بين مونتريال، وقرية صغيرة ثلجية، وفرنسا التى تفتتح الرواية، وصولا إلى واحة سيوة، وهذا التنوع يمنح فرصة كبيرة لاختبار مفاهيم أساسية عند الكاتب، مثل سؤال الهوية، وفكرة الاختلاف، ووحدة المشاعر الإنسانية.
فعلى الرغم من تلك الأطياف والهويات، فإن التواصل مستمر وممكن، والحزن هو الحزن أمام الموت فى كل زمان ومكان، والحب هو الحب فوق كل الانتماءات، والإحساس بالاغتراب حاضر فى صور متعددة، والشخصيات تحاول أن تبحث عن هويتها، وتحاول أن تجد شيئا تنتمى إليه، أما «الغرائبية» فليست مقصودة لذاتها أبدا، وإنما تفتح أفقا أكبر لرؤية الأفكار والوقائع فى سياق آخر، ومن زوايا أخرى مختلفة.
اللعبة فى «الوشم الأبيض» هى أن علاج أشرف المدنى لجون سبيستيان أندريه متعدد الهويات، سيقود الطبيب إلى اكتشاف امرأة أخرى متعددة الهويات هى مود بيير، وسيقع فى هواها، ومن خلال علاج جون، والتورط فى مشكلته العجيبة، وعن طريق حب مود، والتورط فى حياتها، وأسرار أسرتها، سيبحث أشرف فى النهاية عن هويته هو.
أى أن العالم الغرائبى الذى تمثله حكاية جون، وقصة مود، يصب فى النهاية فى قصة أشرف، التى سنعرف فى النهاية أن قصة والده، لا تقل غرابة عن قصة جون ومود، أى أن «الوشم الأبيض» هى بالأساس حكاية أشرف، وسؤاله عن ماضيه وهويته واغترابه وقدره، ولكن من خلال قصة جون ومود، اللذين يحملان أيضا الأسئلة نفسها، عن الهوية الملتبسة والصعبة عن الماضى والاغتراب والقدر.
جون مثلا يرى أنه ينتمى إلى الماضى، فهو إذن غريب، ويستعير جسدا فى الحاضر، بل إنه يشكك أشرف نفسه فى هويته الحاضرة، وينسب إليه هوية أخرى قديمة، ومود ابنة عالمين: كندا وأوغندا، وأب أصبح أما، وأم تقود قبيلة غريبة فى قلب الغابة، فوضى هويات، وأزمنة، وأسئلة، وأحداث، تجعل من العالم وجنسياته لوحة واحدة، وتطلب من أبطال الحكاية الإجابة عن الأسئلة.
ليست الغرابة هى هدف الرواية، وإنما هى الشكل الذى يمنح حرية أكبر، ومرونة أعظم فى السرد، كما أنه يحقق بالتأكيد تشويقا أكثر، ولكنه قبل كل ذلك فى صميم معنى الحياة، لدرجة أنك لا تستطيع أن تقول إن غرابة حكايات جون المريض السحرية، أكبر من غرابة حياة مود، أو تحولات والدها وأمها، أو أكبر من غرابة حياة والد أشرف فى رسالته، وعلى الرغم من تعدد الأماكن والأزمنة والتفاصيل، وعلى الرغم من أن عالم جون يميل إلى الخيال، وعالم مود ووالد أشرف يسرد بصفته واقعا، فإن الغرابة تظل دوما جزءا من التجربة الإنسانية عموما: هذا الكائن/ الإنسان معقد، من الداخل ومن الخارج، وهو غريب وعجيب، على أى نحو أردت، وبأى عدسة تأملته بها، سواء عدسة الواقع، أو عدسة الخيال، ولعلها الفكرة الأعمق الهامة فى أعمال الكاتب عموما.
يمكننا بعد ذلك أن نفهم لماذا يذهب جون ومود بالموت فى النهاية، بينما يبقى أشرف مواصلا السرد والحكى، ومستكملا قصته، وقصة والده (الابن يرى نفسه صورة من أبيه، والأب نفسه فى قصته سيبدّل عالمه، وسيعانى اغترابا مماثلا).
أشرف هو محور السرد وصوته، وليس جون ولا مود، وأشرف هو الذى سيجيب عن سؤال الهوية، باختيار الزواج من زميلته هناء المصرية، وباكتشافه لهوية والده من خلال رسالة منسية، وباكتشافه وجود شقيق له، يجب أن يبحث عنه، وتنتهى الرواية بمعرفته أن الهوية ميراث وقدر لا يمكن التخلص منه.
الآن يصبح للوشم الأبيض معنى مجازى مهم، يتجاوز معناه المباشر، باعتباره تحفة فريدة لا تتكرر، حفرها رجل يسكنه الماضى الذى لا يموت (جون سباستيان أندريه)، على جسد امرأة سمراء فاتنة الحسن (مود بيير)، وهو وشم يمتلك قوة مذهلة كامنة فيه، لعل المعنى المجازى هو الهوية المحفورة فى الجينات، وعلى الألسنة، وفى العقول، والتى لو اكتشفناها، لعرفنا قوتنا الكامنة الخارقة، وشم الهوية أعمق وشم، هو تاريخنا الشخصى، وماضينا الذى نتوه بدونه، وهو التناسخ والحلول الواقعى بين الأسلاف والأبناء، معادلا لفكرة التناسخ فى محيطها الغرائبى أو الأسطورى.
تنغلق دائرة اللعبة علينا بعد أن تورطنا فيها، فينتقل سؤال «أشرف» و«جون» و«مود» و«والد أشرف» إلى ملعبنا، ونجدنا كقراء مطالبين بالإجابة عن أسئلة الرواية الماكرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.