ما الذى دعا الشيوعيات إلى التصايح ضد قانون الأسرة فى الجزائر والمطالبة بإلغائه؟ الذى دعا إلى ذلك خطباء ودعاة إسلاميون، تحدثوا عن موقف الإسلام من المرأة حديثا استفز أولى الألباب، وبعث فى النفوس الوجل من مستقبل يستولى فيه أولئك الإسلاميون على الحكم! يقول أحدهم: الإسلام يرى أن المرأة إنما خلقت لتلد الرجال! ويقول ثان: مقار النساء البيوت، ما يخرجن منها إلا إلى الزوج أو إلى القبر! ويقول ثالث: يجب أن تظل الفتاة أمية لا تكتب ولا تحسب! ويرفق رابع بها فيقول: حسبها إتمام المرحلة الابتدائية فى التعليم، وما و راء ذلك لا داعى إليه! وبلغنى أن طالبة ساذجة فى أحد المعاهد قالت لأمها: أما يوجد دين آخر أرفق بنا من هذا الإسلام؟ لقد شعرت أننى أطعن فى فؤادى عندما سمعت مقال هذه الطالبة! إن الدين الذى كرم الإنسان ذكرا كان أو أنثى أمسى على ألسنة بعض الفتّانين الجهال هوانا بنصف الإنسانية وتحقيرا لها..! لقد مكثنا بضع سنين فى الجزائر نؤكد صدق العلامة ابن باديس عندما أيقظ الإسلام فى صدور الرجال والنساء جميعا، مؤكدا أن الأمة لا تستطيع التحليق إلا بجناحيها، من الرجال والنساء، وواقفا عند قول الرسول الكريم: «النساء شقائق الرجال» وقول الله سبحانه: «لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى، بعضكم من بعض». إن غلمانا سفهاء يحملون علما مغشوشا أو جهلا مركبا هجموا على الصحوة الإسلامية، وكادوا يقفون مسيرتها بما ينشرون من ضلالات، ويشيعون عن الإسلام من إفك. استغل الشيوعيون هوسهم الدينى فقادوا مظاهرة إلى المجلس التشريعى منادين باحترام حقوق الإنسان وحفظ كرامة المرأة. ونحن المسلمين أعرف الناس بذلك كله، ولكن سفهاءنا غلبونا على الرأى، وليس أغيظ لنفسى من الدعاة الجهلة عندما ينفِّرون الناس من الإسلام بسوء تصورهم وتصويرهم له. ولعل هذا ما دفع توفيق الحكيم إلى الخطأ عندما سئل: هل يمكن لدولة عصرية الاعتماد على الإسلام نظاما للحكم؟ لقد أجاب إجابة عشوائية تحتاج إلى تصحيح! قال: «ممكن.. ولكن لابد من تفسيرات جديدة للإسلام تتفق والمفاهيم العصرية، فمن المؤسف تبنى البعض تفسيرات القرون الوسطى للنصوص الدينية». فى هذا الكلام تخليط ظاهر، فالمطلوب هو تفسير الإسلام التفسير الصحيح. وعندما تعرف حقائق الإسلام فإنها ستكون الدواء الناجع والتقويم الصحيح للأعصار كلها قديمها وحديثها. والدولة الإسلامية التى ظهرت فى القرون الوسطى، قدمت للناس مفاهيم دقيقة صلحت بها أوضاعهم، ولاتزال صلاحيتها للتطبيق قائمة، المهم أن نذود عنها ذوى العقول المختلة. أيام دولة النبوة كان رباط المرأة بالعلم والعبادة وثيقا، وكذلك أيام دولة الخلافة الراشدة.. فإذا نبت فى عصرنا من ينكر ذلك لم يحتج الإسلام إلى تفسير عصرى، بل إلى تفسير سلفى، على ألا يقوم بهذا التفسير مغفل جرىء. تدبر أيها القارئ الكريم ما نقوله لك، وتدبر معه قول الدكتور «لويس عوض» عندما سئل: هل يحافظ الإسلام حتى يومنا هذا على شمول دعوته؟ قال: كلا.. وإذا كان الإسلام قد استطاع التغلب على «بيزنطة» قديما، فلأنه كان دينا «علمانيا»(!) أكثر من المسيحية فى القرن السابع، وكان معنيا بالأمور الحيوية عنايته بالنواحى الروحية، على حين كان البيزنطيون لا يهتمون إلا بشئون الآخرة. ثم قال: ويبدو أن ما تحلم به الجماعات الإسلامية المعاصرة هو إسلام بيزنطى! نقول: «وهذا الكلام على ما فيه من تشويش، صائب فى جوانب عديدة.. إن أشرف ما تزين به العلمانية دعواها هو تطلعها إلى إنسانية سليمة تنمو مواهبها فى جو ضاح من الحريات المصونة، تحرسها عدالة اجتماعية وسياسية ممتدة، وينعم فيها الرجال والنساء، والصغار والكبار بحقوق لا يعكرها افتيات طبقى أو عرقى، وينفتح الناس فيها على الحياة، فيستغلون قوى الكون باقتدار مادى وعلمى لا حدود له! إن حضارتنا الأولى كفلت هذا كله وضمت إليه أمرا آخر لا تعرفه الحضارة المعاصرة، هو الإيمان بالله، والتزام هداه، والإعداد للقائه، والشعور بأن هذه الحياة الدنيا جسر إلى ما بعدها من خلود! ذاك تاريخ سلفنا العظيم، بيد أن الخلوف التى ورثت هذه الحضارة أشبهت أجيال اليهود والنصارى بعدما قست قلوبهم وخمد فكرهم. ولا يكون الإنسان سلفيا بعمامة على رأس متحجر، وفكر طفولى، ولا تكون المرأة سلفية بنقاب يشوه ملامح الإنسانية ويطمسها، قبل أن يستر ملامح الوجه وسيما كان أو دميما. والمفاهيم العصرية التى يتمناها توفيق الحكيم هى هى حقائق الإسلام الذى جاء به الوحى قبل أن يتجرأ عليه أدعياء السلفية، ويقدموه للناس شرابا مرا، يورث المرض والتخلف والهزائم. والواقع أن أعداء الإسلام كما رأيت يفتحون الأبواب للسلفية الحديثة، حتى إذا أدرك الناس فحواها ثارت على الإسلام ثائرتهم، وقرروا الابتعاد عنه، وفضلوا عليه كل نحلة أخرى.