وزيرة التخطيط: لا تراجع عن استمرار الإصلاح الاقتصادى لزيادة الإنتاج والتصدير    سعر الذهب اليوم الخميس 25-12-2025.. عيار21 يسجل 5970 جنيها    نصف مليار في صفقة واحدة.. نوران للسكر تشعل سوق خارج المقصورة اليوم    اغتيال عنصر فيلق القدس الإيراني بلبنان حسين محمود مرشاد الجوهري    إصابة شابين فلسطينيين برصاص الاحتلال الإسرائيلي وهجمات المستوطنين    الخارجية الروسية: الاتحاد الأوروبي يراهن على تصعيد الصراع الأوكراني من أجل المال    البنك الأهلى يتقدم على الجونة 1-0 فى الشوط الأول    محافظ الدقهلية يتفقد سوق الخواجات ويشدد على إصدار قرارات غلق للمحال    بسبب الكلاب الضالة.. ضبط شخصين تعديا على جارهما في المنتزه    المصريون بالخارج يواصلون التصويت في جولة الإعادة لمجلس النواب    رئيس جامعة كفرالشيخ يلتقي بالطلاب الوافدين ويؤكد الحرص على تقديم بيئة متميزة    روسيا: نحلل خطة السلام الأمريكية بشأن أوكرانيا    إغلاق موقع إلكتروني مُزوّر لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير    المنيا تنفرد بتطبيق نظام الباركود للمحاصيل الحقلية    محافظة قنا تواصل تطوير طريق قنا–الأقصر الزراعي بإنارة حديثة وتهذيب الأشجار    فيديو.. سرب مكون من 8 مقاتلات حربية إسرائيلية يحلق فوق جنوب وشرق لبنان    الجيش السوداني يصدّ محاولة اختراق للدعم السريع قرب الحدود مع مصر وقصف جوي يحسم المعركة    قطع المياه عن المنطقة المحصورة بين شارعي الهرم وفيصل غدا    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    عاجل- المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي بيع مصانع الغزل والنسيج ويؤكد استمرار المشروع القومي للتطوير دون المساس بالملكية    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    رفع آثار انقلاب سيارة ربع نقل محملة بالموز وإعادة الحركة بالطريق الزراعي في طوخ    برلماني: الوطنية للانتخابات وضعت خارطة طريق "العبور الآمن" للدولة المصرية    كوروكوتشو: مصر واليابان تبنيان جسرًا علميًا لإحياء مركب خوفو| حوار    بعد 25 سنة زواج.. حقيقة طلاق لميس الحديدي وعمرو أديب رسمياً    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    إزالة مقبرة أحمد شوقي.. ماذا كُتب على شاهد قبر أمير الشعراء؟    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    محافظ الدقهلية: تقديم أكثر من 13 مليون خدمة صحية خلال 4 أشهر    ما هو ارتجاع المريء عند الأطفال، وطرق التعامل معه؟    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    ضبط 19 شركة سياحية بدون ترخيص بتهمة النصب على المواطنين    إيرادات الأفلام.. طلقني يزيح الست من صدارة شباك التذاكر وخريطة رأس السنة يحتل المركز الخامس    وزارة الثقافة تنظم "مهرجان الكريسماس بالعربي" على مسارح دار الأوبرا    تأجيل محاكمة رئيس اتحاد السباحة وآخرين بتهمة الإهمال والتسبب في وفاة السباح الطفل يوسف    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    مدينة الأبحاث العلمية تفتتح المعرض التمهيدي لطلاب STEM المؤهل للمعرض الدولي للعلوم والهندسة ISEF–2026    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    محافظ الوادى الجديد يلتقى المستشار الثقافى للسفارة الهندية بالقاهرة    بيان عاجل من الخارجية السعودية بشأن أحداث حضرموت والمهرة في اليمن    كرة طائرة - بمشاركة 4 فرق.. الكشف عن جدول نهائي دوري المرتبط للسيدات    حسام حسن: ⁠طريقة لعب جنوب أفريقيا مثل الأندية.. وجاهزون لها ولا نخشى أحد    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أبريل 2026    ضبط 14 ألف و400 صاروخ ألعاب نارية تحت التصنيع وكمية من فتيل الصواريخ محظور تداولها بالأسواق بالفيوم    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    لليوم الثاني.. سفارة مصر بإيران تواصل فتح لجان التصويت بجولة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    لم يرحم إعاقته، القبض على مدرس لغة عربية هتك عرض تلميذ في الهرم    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصة الكاملة لانقلاب الجماعة الإسلامية على نفسها (3 3)

فى الخامس من يوليو 1997، ارتفع صوت محمد أمين عبدالعليم أحد أعضاء الجماعة الإسلامية من خلف قفص الاتهام أثناء نظر القضية العسكرية رقم 235 ليعلن مفاجأة «وقف العمليات العسكرية والبيانات المحرضة لها من جانب واحد ودون قيد أو شرط.. وذلك لمصلحة الإسلام والمسلمين»، وذلك بناء على طلب اثنين من قيادات الجماعة، وهما الشيخ كرم زهدى، والشيخ على الشريف اللذان طالباه بتلاوة البيان أثناء وجود وسائل الإعلام فى المحكمة بطريقة مفاجئة حتى لا يمنعه أحد.
بدا ذلك البيان كما لو كان حجرا ثقيلا ألقى فى مياه راكدة، حيث أثار جدلا بين مصدقين ومكذبين. وكانت الشكوك هى الغالبة فى ردود الأفعال على ذلك البيان، حتى جاءت عملية الأقصر فى نوفمبر من نفس العام لتنسف كل الآمال التى تعلقت بالإعلان.
الحادث الذى راح ضحيته 58 قتيلا من الأجانب، اعتبرته قيادة الجماعة فى السجون طعنة فى الظهر، وطفى بعض الخلافات بين قيادات الداخل والخارج على السطح، وأعلن الجميع عن تأييده للمبادرة حتى أكثرهم تشددا، قائد الجناح العسكرى السابق للجماعة الشيخ مصطفى حمزة المخطط الاول لاغتيال الرئيس مبارك فى أديس بابا الذى كان موجودا فى تلك الأثناء فى إيران، تلاه الشيخ عمر عبدالرحمن الزعيم الروحى للجماعة، وأخيرا الشيخ رفاعى طه رئيس مجلس شورى الجماعة.
وقد جاب زعماء الجماعة وأصحاب المبادرة سجون مصر ليقنعوا باقى الأعضاء بمواقفهم الجديدة، وبدأت الأمور تتفاعل حتى عام 2002 ليتم تفعيلها وأخلى سبيل معظم أعضاء الجماعة تباعا، ولم يبق فى السجون إلا المحكومون.
صدرت سلسلة تصحيح المفاهيم وتبرأت من أحداث العنف وكل العمليات المسلحة التى تعرضت لها مصر فى الفترة من 1990 حتى عام 1997.. وراجعت وأعادت النظر فى الكثير من ثوابتها خاصة القضايا المرتبطة بالجهاد والخروج على الحاكم وتنفيذ تغيير المنكر بالقوة، وتقديم درء المفاسد على جلب المصالح، وهى القواعد التى استند إليها قادة وشباب الحركات الأصولية الإسلامية طيلة القرن الماضى وبدايات القرن الحالى.
وفى لقائه قيادات وقواعد الجماعة الذى تم فى يونيو 2002 وصف الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد رئيس تحرير «المصور» آنذاك، ما حدث للجماعة بأنه انقلاب فكرى، وقال فى اللقاء الذى استمر لنحو 8 ساعات «الجماعة ملكت شجاعة أن تعلن فكرها الجديد واضحا دون أن تترك فرصة للظن أو الحيرة، أو تستخدم لغة ذات وجهين، أو يعتريها الرغبة فى حفظ ماء الوجه خصوصا فى المواقف الصعبة التى تشكل انقلابا كاملا على فكر الجماعة القديم».
وبلغت ذروة الانقلاب إلى حد اعتبار اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات خطأ. ووصفه كرم زهدى أمير الجماعة بأنه «شهيد فتنة» بعدما كانت الجماعة تطلق عليه «الهالك»، وقال: إنه لو عاد به الزمن ما اشترك فى قتله، فيما أبدى د.ناجح إبراهيم الرجل الثانى فى الجماعة موافقته على اتفاقية كامب ديفيد، بوصفها الخطوة السديدة الممكنة فى وقتها، وشبهها بصلح الحديبية.
الباحث محمد أبوعطية صاحب رسالة «التحول الفكرى للجماعة الإسلامية وأثره فى ميزان الإسلام» التى أجازتها جامعة الأزهر الشهر الماضى، رصد من خلال الكتب التى أصدرتها الجماعة فى سجن طرة عقب إعلان المبادرة التحول الفكرى الجذرى الذى أثر فى مواقف الجماعة وآلياتها.
وأوضح أبوعطية أن من أهم هذه الكتب هو كتاب (مبادرة وقف العنف رؤية واقعية.. ونظرة شرعية) الذى حاول مؤلفوه التركيز بالأدلة على أن الإسلام يقوم على اعتبار المصالح ودرء المفاسد وأنه لابد من قياس المصلحة والمفسدة فى الفعل قبل الشروع فيه، موضحا أن هذا الأصل الشرعى لم يكن له اعتبار عند شباب الجماعة الإسلامية قبل المبادرة، إذ إنهم ينظرون فقط إلى إعمال النص الموجود دون النظر إلى ما يترتب عليه.
وفى النهاية لخص الباحث المبادئ التى تدور حولها فكرة الكتاب فى ضرورة اعتبار المصالح فى أى عمل يأتيه المسلم أو الجماعة المسلمة. وأن المصلحة المرسلة المعتبرة شرعا هى المصلحة القطعية أو الظنية أو الضرورة الكلية.
وأن المصالح ترتب حسب أهميتها عند الاعتبار (الضرورية ثم الحاجية ثم التحسينية) وأنه لو ترتب على تنفيذ الأمر والنهى مفسدة، أو فوت مصلحة أعظم حٌرم فعله، وأن درء المفاسد يقدم على جلب المصالح.
وأوضح العواقب التى عادت على الجماعة والمجتمع من دماء مهدرة والثأر والأحقاد التى ملأت النفوس وجهود وأموال تم إهدارها دون فائدة وكل ذلك يعد من المفاسد ولا توجد به مصلحة، حيث كانت المصالح غائبة فى الأساس ومن خلال تلك الرؤية عرض البحث لمواقفهم فى مجموعة من القضايا منها:
مفهوم الجهاد
يوضح أبوعطية أن كتب الجماعة فى المرحلة الأولى من المراجعات ركزت على إعادة النظر إلى مفهوم الجهاد فى سبيل الله ووضعه فى إطر وضوابط تحكمه، حيث تغير المفهوم بالكامل لدى أعضاء وقيادات الجماعة، من خلال العودة إلى الكتب التى قام منظرو الجماعة بتجميعها فأجمعوا على أن للجهاد موانع لم يلتزموا بها فى السابق ومن أهمها وجود مسلم فى صفوف المشركين، فذلك يمنع قتالهم عند طائفة من أهل العلم، كذلك نطق الكافر بالشهادتين، وتوبة المرتد ورجوعه إلى الإسلام، ورجوع الباغى إلى الطاعة، وهناك مانع آخر وهو أنه إذا كانت المفاسد والفتن المترتبة على القتال أعلى من المصالح المتوقعة منه فهذا يعد مانعا للجهاد فى سبيل الله، وهو ما لم يكن يدقق به شباب الجماعة فى فتراتها الأولى.
وألقى الباحث الضوء على كتاب آخر هو «تسليط الأضواء على ما وقع فى الجهاد من أخطاء» فيشير إلى ما وقعت فيه الجماعة من أخطاء أثناء تطبيقهم فريضة الجهاد، ويقول: إن هذه الفريضة تحتاج إلى علم شرعى دقيق وفهم سياسى عميق لا يتأتى للكثير ممن يمارسونه وذلك لأن الولوج فى الدماء شىء عظيم، والنفس من الضروريات الخمس فى الإسلام وهى التى تلى الدين، ولذلك فإن العلم الشرعى والعلم بالواقع والفهم السياسى أدوات لا غنى عنها ويفتقر إليها البعض ممن ولج هذا الباب، وكانت النتيجة أن هذا البعض أهلك نفسه وأضاع قومه وسفك دماءه ودماء غيره بغير مبرر أو دونما مصلحة فلم يحقق هدفا.
كما أكد أبوعطية حرمة قتل المدنيين من غير أهل المقاتلة والممانعة، مشيرا إلى المبادئ التى أرساها الإسلام، والتى تنص على أنه لا يجوز قتل النساء والأطفال والشيوخ، وكذلك لا يقتل الأعمى ولا الذمى ولا الراهب ولا العبد ولا الفلاح ولا الصانع، وأوضح ذلك بالأدلة والبراهين الشرعية، ولا يقاتل الكفار والمشركين قبل دعوتهم إلى الإسلام وكذلك حرمة قتل المستأمنين».
ومما يعتبر انقلابا فى فكر الجماعة فى مسائل الجهاد أنهم اتفقوا على أن عقد الصلح مع الأعداء جائز، وهو ما كان يرفضونه تماما فى الماضى، حيث أخذوا برأى القرطبى الذى يقول «فإن كانت للمسلمين مصلحة فى الصلح لنفع يجتلبونه أو ضرر يدفعونه فلا بأس أن يبتدأ المسلمون به إذا احتاجوا إليه».
السياحة
يوضح الباحث أن السائحين الذين يدخلون البلدان الإسلامية سواء بتأشيرة من الدولة للدخول أو بدعوة من الشركات السياحية أو من الأفراد أو من الهيئات الأخرى فإن كل ذلك يعتبر أمانا لهم، فلا يحل التعرض لهم بالقتل أو التعرض لأموالهم أو أعراضهم، أما إذا اختلف البعض فى أمان الحكومة، فنقول لهم إن العبرة بما يعتبره السائح أمانا له، وإلا فإن جماعة التكفير والهجرة تكفر الحكومة وتكفر الجماعات الإسلامية وهناك من يكفر الجميع بما فيهم جماعة التكفير نفسها، والسائح لا علم له بهذه الخلافات ولا طاقة له بمعرفتها أصلا. فالعبرة بما يعتبره هو أمانا.
الموقف من إسرائيل
يوضح أبوعطية من خلال كتاب (مبادرة وقف العنف رؤية واقعية.. ونظرة شرعية) أن كتابات الكتاب والحكام اليهود تأخذ موقفا عدائيا من الجماعات الإسلامية، واستشهد بما قاله رابين رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق عندما أعلن فى جولة له فى أوروبا وأمريكا أن أول أهدافه هو مقاومة (المد الأصولى) فى المنطقة ثم دعا الدول للتضامن معا فى مواجهة هذا الخطر!
مضيفا أنه لن يقاوم هذا المد بجنده وجيوشه ولكن يسعى لهذه المقاومة عن طريق إثارة الفتن بين هذه الجماعات وحكوماتها لتشتعل الحرب بينهما فيضعف بذلك الفريقان وينشغل كل فريق بالآخر من الوقوف فى وجه المد الصهيونى ويضيف أن خطورة الأمر تتضاعف ونحن نرى الدور الإسرائيلى فى المنطقة وهو يهدف إلى تفعيل استراتيجية الهيمنة على المنطقة عسكريا واقتصاديا، بينما الدور العربى والإسلامى يتقلص بسبب انكفاء أكثر الدول الإسلامية على ذاتها بسبب مشكلاتها وهمومها الداخلية وهم يقصدون بالهموم والمشكلات الداخلية الحرب.
أمريكا والغرب
يشير أبوعطية من خلال كتب الجماعة إلى أن المستفيد الأول من العمليات الإرهابية هى الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، موضحا أن الرئيس الأمريكى الأسبق نيكسون حدد فى كتابه «الفرصة» أن العدو القادم بعد انهيار الاتحاد السوفييتى هو الحركات الإسلامية الأصولية «وهو ما أكده أيضا قادة حلف الأطلسى بعد سقوط الشيوعية وسعوا لعقد اجتماعات مع بعض المسئولين فى المنطقة بدعوى السعى لدعمهم فى مواجهة الإرهاب، بينما هدفهم التحريض على تصعيد المواجهة مع الحركات الإسلامية واعدين وهم لاشك كاذبون بمساندة الحكومات ودعمهم.
كما يؤكد أن محاولة الغرب التحريض على الجماعات الإسلامية وزيادة إشعال النار لا يقصد بها صالح البلاد وتحقيق رفاهيتها واستقرارها ولكن هناك أهدافا أخرى كثيرة كلها تصب فى غير صالح الشعوب والحقوق الإسلامية المسلوبة، ويحاول أبوعطية أن يزيل الغموض عن مصالح الغرب من تأجيج الفتن بين الجماعات الإسلامية وحكوماتها من خلال التأكيد على أن الهدف الأساسى للغرب هو أن تحل إسرائيل فى المنطقة محل مصر فى موقع القيادة، والسعى لتحقيق هيمنة اقتصادية وسياسية لها على المنطقة وحكام المنطقة ومن أجل ذلك يدعو قادة الجماعة من خلال كتبهم إلى التضافر حول المبادرة «المراجعات» لترجع مصر إلى دورها الريادى فى المنطقة.
المسيحيون بعد المبادرة
يوضح أبوعطية أن ما قامت به الجماعة فى السابق ضد المسيحيين أو النصارى فى الصعيد كان ردا على تاريخهم مع المسلمين فى المعاملة بل فى حاضرهم فى كثير من البلاد الإسلامية الآن.
وأضاف «كان أفراد الجماعة الإسلامية يقومون بالأحداث السابقة على اعتقاد منهم أن النصارى فى مصر يقفون حجرا عثرة فى تحقيق طموحهم الأكبر ألا وهو تطبيق الشريعة الإسلامية».
وأشار الباحث إلى التناقض الكبير الذى جاء فى استفتاء قام به المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية حول «تطبيق حدود الشريعة الإسلامية» فى مصر بغض النظر عن اختلاف الدين.
كانت الإجابة فيها بنعم (71% من المسيحيين و69% من المسلمين).
وفى استفتاء آخر أجراه نفس المركز حول التطبيق الفورى للشريعة الإسلامية زادت نسبة المسيحيين على المسلمين (32% إلى 31%) ومع التطبيق «التدريجى» زادت نسبة المسلمين على المسيحيين (69% إلى 68%).
وعن رأى «البابا شنودة» نفسه والذى اتهم بأنه كان يرفض تطبيق الشريعة الإسلامية. يروى الباحث حديثا خاصا جرى بين البابا والصحفى عبدالوراث الدسوقى قال شنودة فيه: إن مصر تجلب القوانين من الخارج وتطبقها علينا، وليس عندنا فى الإسلام من قوانين مفصلة فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة ولا نرضى بقوانين الإسلام، نحن نتوق أن نعيش فى ظل قاعدة (لهم مالنا وعليهم ما علينا).
ويشير أبوعطية إلى أن هذا الكلام لم يعرفه أفراد الجماعة لأنه لم يكن لديهم الوقت ولا الوسع فى الإطلاع على مثل هذه الكتب، أو لعل هذه الكتب لم تنشر إلا بعد اشتعال الأحداث.
كما يوضح من خلال كتب المراجعات أن الذين يحاربون قيام الشريعة فى مصر هم اليساريون العلمانيون الذين يتباكون ويتظاهرون بالحزن على مصالح أشقائنا من المواطنين الأقباط، وفى الحقيقة هم يتباكون على صعوبة نشر مبادئهم العلمانية أو اليسارية فى البلاد.
الجزية
وعن موقف الجماعة من قضية الجزية التى كانت سببا فى اشتعال كثير من الأحداث فى السابق، أوضح الباحث أن هناك رأيين يشكلان مواقف الجماعة.
الرأى الأول: يخص بعض الحركات الإسلامية فى بعض دول المغرب العربى، وهم أولئك الذين يحاولون معاملة أهل الكتاب وفق ما عرف تاريخا بالمعاهدة العمرية ويطالبون أهل الكتاب بأداء الجزية ويحاولون تحصيلها منهم بالعنف أو اللطف.
والرأى الثانى: فيشترك فيه كثير من الحركات الإسلامية، حيث إنهم يحاولون القفز فوق الواقع الذى نحياه اليوم والتحدث عن أحكام لواقع لم يحدث بعد.
وهنا يدخل الباحث ليوضح رأى الجماعة الإسلامية فى إطار موقفها الجديد بعد إعادة قراءة النصوص الدينية من جديد والذى يؤكد أن كلا الفريقين على خطأ وذلك من خلال توضيح فكرتين أساسيتين.
الأولى «من له الحق فى تحصيل الجزية»، والثانية، تشير إلى أن عقد الذمة الذى يكون بين المسلمين ممثلا فى إمامهم وبين أهل الكتاب يستلزم على كل طرف حقوقا والتزامات للآخر لابد وأن يؤديها، ومن هذه الالتزامات:
حماية أهل الكتاب من كل من يريدهم بسوء سواء كان من رعايا الدولة المسلمة أو من غيرهم، وحفظ أموالهم ودمائهم وأعراضهم فلا يظلمهم أحد فى قليل ولا كثير، ودفع أهل الحرب عنهم سواء كان أهل الكتاب يقيمون فى ديارنا أو ينفردون بمكان يقيمون فيه، ومنع من يحاول أن يكرههم على تغيير عقيدتهم، وفك أسراهم واسترداد أموالهم من أيدى أهل الحرب.
وأشار الباحث إلى انه متى عجز المسلمون عن أداء ما عليهم من الالتزامات لم تجب على أهل الكتاب الجزية.
ويؤكد أبوعطية أن الجماعات الإسلامية فى مصر، أو فى غيرها لا يمكنها أن تقوم بمثل هذه الالتزامات، فكيف تتجرأ وتطلب أن تأخذ هى الجزية، موضحا أن هذا الرأى يستند على آراء العلماء فى كتب الفقه المعتمدة.
الديمقراطية
بعد دراسة الجماعة لقضية الديمقراطية بشكل تحليلى وتفصيلى وجدوا أن الإسلام يتفق معها فى أشياء ويختلف معها فى أشياء أخرى من وجهة نظرهم، وكانت أوجه الاتفاق هى رفض سلطة الفرد والدعوة لإقامة دولة المؤسسات والفصل بين السلطات والاعتراف بحق الشعب فى التعبير عن رأيه، والتركيز على قيم الحرية والعدل والمساواة، والدعوة إلى الابتكار والإبداع النافع وعدم تجريم إطلاق ملكات التفكير ما دام أنها لا تصطدم بثوابت الإسلام ودعائمه ورفض ما يعرف بالحكومة الدينية «الثيوقراطية» موضحا أن الإسلام لا يعرف مثل هذا النوع من الحكومات، والاعتراف بحقوق الإنسان المختلفة والدعوة إلى احترامها والإقرار بأن أى تقدم داخل المجتمعات لن يتأتى إلا عبر تنمية الإنسان نفسه وعبر احترام حقوقه المختلفة.
أما مواطن الاختلاف التى يوضحها أبوعطية فهى أن الديمقراطية تعتبر الشعب هو مصدر التشريع عبر آلياته المتنوعة، بينما يقرر الإسلام أن الشريعة هى مصدر التشريع داخل المجتمع، وكذلك مغالاة الديمقراطية الغربية فى تقديس حرية الفرد على حساب الأخلاق والقيم حتى مارست جميع أشكال الشذوذ والفجور باسم الحرية الشخصية ما دام أنها لا تخرق النظام العام، كما أن الديمقراطية لا يوجد فيها سقف للتشريع فأى فكرة ولو باطلة تحوز تصويت الأغلبية تصبح لها قوة فى المجتمع بما تحصل عليه من تقنين قانونى.
المرأة
يقول أبوعطية إن الجماعة لخصت موقفها من المرأة فى قضيتين أساسيتين.
الأولى: هى قضية المساواة والتى تستخدم «مخلب قط» عند الحديث فى أى شأن، فالمساواة لا تكون إلا بين متساويين ولا يستطيع عاقل كما يشير الباحث أن يقول: إن الرجل والمرأة متساويان فى كل شىء.. فالرجل يختلف بيولوجيا اختلافا كبيرا عن المرأة. وبناء على ذلك فقد اختلفت التكاليف الشرعية وتباينت بين كل منهما، ومع ذلك فإنهما متساويان فى بعض التكاليف الأخرى كالمطالبة بالتوحيد وتحقيق أصل الإيمان، أما جعلها نسخة كربونية من الرجل فهو حط من شأنها وليس إعلاء لها كما يتوهم البعض.
والقضية الثانية: هى خروج المرأة من بيتها وهى من القضايا التى أثير حولها جدل كبير كما يوضح الباحث، فالأصل هو أن تقر المرأة فى بيتها من وجهة نظرهم ولكن يباح لها الخروج إما لحاجة المجتمع أو لحاجتها الشخصية. فمن حاجات المجتمع (الطب، التدريس، التمريض.... إلخ) فيجوز لها فى هذه الحالة الخروج.
وقد تخرج لحاجتها الشخصية مثل الدراسة أو العمل للإنفاق على نفسها أو أولادها فهذا أيضا أباحه الإسلام لها، ولكن هذا الخروج يجب أن تكون له ضوابطه الشرعيه خاصة الالتزام بالحجاب الشرعى حتى لا يصبح خروج المرأة فتنة ووبالا على المجتمع بل على المرأة نفسها.
وبعد أن استعرض الباحث ما قامت به الجماعة من تصحيحات يقول: إن ما رجعت اليه الجماعة من أفكار ومفاهيم يمثل صحيح الدين ويبين روحه المتسامحة، كما أنه جهد كبير يحمد لقادة الجماعة، كما يحمد لأفرادها استجابتهم له وعدم عنادهم له، مؤكدا أن بعض فصائل الحركة الإسلامية قد تأثر بما كتبته الجماعة وقام بإحداث مراجعات شاملة لمنهجه.
وكان من أهم النتائج التى تم التوصل إليها الباحث هى:
 أن هؤلاء الشباب كانوا على استعداد لبذل أنفسهم وأرواحهم رخيصة فى سبيل الله، ولكن ردود الفعل جعلتهم يسلكون مسلك التشدد والمواجهة والعنف مع الدول وقطاعات من الناس.
إن هؤلاء الشباب لجأوا إلى العمل السرى لما رأوا من الضغط عليهم سواء من قوات الأمن أو من العلماء الرسميين الذين لم يحترموا وجودهم ولم يعبأوا بهم، وبما عندهم من أفكار، بل إن بعض هؤلاء الخطباء والعلماء كانوا يلجأون إلى استثارة الأمن على هذا الشباب، مما جعل هذا الشباب يكفر بهم ولا ينصاع لكلامهم.
خروج الشباب على الحكام ومحاولة اغتيالهم وإزاحتهم عن مناصبهم لتتولى الحركة الإسلامية هى بنفسها حكم البلاد تحت مظلة الشريعة، يرجع كما ذكرنا إلى عدم الفهم لمنهج السلف فى التعامل مع الحكام.
قضية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هى القضية التى شغلت بال الجماعة الإسلامية طوال فترة دعوتها قبل التحول وربما شابها بعض الأخطاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.