عشرة أشهر كاملة فصلت بين الإعلان عن قضية التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في يونيو الماضي، وبين قرار النائب العام، المستشار عبدالمجيد محمود، بإحالة أربع قيادات إخوانية بالداخل والخارج ممن كانوا علي لائحة الاتهامات، إضافة لداعية إسلامي سعودي، إلي محكمة أمن الدولة العليا طوارئ لبدء محاكمتهم بتهمة الانتماء إلي جماعة محظورة أسست علي خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة لتعطيل أحكام الدستور والقانون وغسيل الأموال بغرض استخدامها في تمويل أنشطة من شأنها الإضرار بالأمن العام في البلاد. لائحة الاتهامات طالت الداعية المصري وجدي غنيم، دائم التنقل في العديد من دول العالم خلال السنوات الأخيرة، إلي جانب المتحدث باسم التنظيم الدولي للإخوان والمقيم في العاصمة البريطانية لندن، إبراهيم منير، والأمين العام المساعد لنقابة الأطباء المصريين، الدكتور أشرف عبدالغفار، والمتواجد حالياً في تركيا، ورئيس مجلس إدارة شركة الصباح للصرافة ونائب رئيس مجلس إدارة شركة البركة للمقاولات الدكتور أسامة محمد سليمان، وهو المتهم الوحيد حالياً قيد الاعتقال، فضلاً عن الشيخ السعودي المعروف عائض القرني، والذي يصر علي أنه ليس المقصود في القضية، وأن هناك لبساً في الأسماء بينه وبين شيخ آخر يدعي عوض القرني وليس عائض.. هذا وينتظر في غضون الساعات القليلة المقبلة أن يكون النائب العام قد أرسل إلي محكمة استئناف القاهرة قرار إحالة المتهمين الخمسة، تمهيداً لتحديد الدائرة المختصة بالنظر وموعد محاكمتهم، علي أن يتم استصدار قرارات انتظار وترقب في حق المتهمين المتواجدين خارج البلاد وتوزيعها علي المطارات المصرية لإلقاء القبض عليهم فور وصولهم. ملف مفتوح وقد جدد قرار إحالة المتهمين الخمسة فتح ملف قضية التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين مرة أخري، ذلك الملف الذي سبق أن شمل نحو 36 من قيادات الجماعة يتقدمهم رئيس اتحاد الأطباء العرب الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، وإياد السمرائي رئيس البرلمان العراقي وأمين عام الحزب الإسلامي العراقي، لسان حال جماعة الإخوان المسلمين في العراق فضلاً عن ورود أسماء ثلاثة من نواب الإخوان من البرلمان وهم الدكتور محمد سعد الكتاتني والمهندس سعد الحسيني وحسين إبراهيم قبل أن يتم إطلاق سراح 31 منهم علي دفعات، ليتم الاستقرار علي مجموعة الخمسة السالف الإشارة إليهم، بعدما نسبت النيابة إلي أعضائها تهما تتعلق بإمداد جماعة أُسست علي خلاف أحكام القانون الغرض منها الدعوة إلي تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطة العامة من ممارسة أعمالها، بأموال مع علمهم بأغراضها. كما تقول التحريات إن المتهمين الأربعة الهاربين، بما فيهم الداعية السعودي، أمدوا جماعة الإخوان المسلمين بمبلغ 4 ملايين جنيه استرليني لتمويل أنشطتها التنظيمية في مصر. وأن إبراهيم منير وأسامة سليمان قد ارتكبا جريمة غسيل أموال قيمتها مليونان و800 ألف يورو، بأن أرسل منير هذه الأموال عن طريق تحويلات عدة من الخارج لحساب سليمان في أحد المصارف، حيث حوّل كل منها لحسابه في أحد البنوك، ثم صرفها بموجب شيكين تم تحريرهما لمصلحة سليمان وتم استبدالها بعملة الدولار الأمريكي. وأشارت النيابة إلي أن سليمان استبدل جزءاً آخر منها بعملة الدولار الأمريكي أيضاً، حيث أودع بعضها في حسابه بأحد البنوك وحوّل الجزء الآخر لحسابه ببنك آخر واستبدله مرة أخري بعملة اليورو، وكان القصد من ذلك إخفاء حقيقة هذه الأموال وتمويه مصدرها وطبيعتها وعرقلة التوصل إلي مرتكب الجريمة المتحصل منها الأموال، إذ لم يتم إخطار البنك المركزي ووحدة غسل الأموال بحجم تلك التحويلات الواردة من الخارج بالمخالفة للقوانين المنظمة لذلك. من جانبه نفي الداعية وجدي غنيم، الذي غادر مصر منذ العام 2001 الاتهامات الموجهة إليه، زاعماً أنها تنطلق من قانون الطوارئ المعمول به، معلناً أنه لن يعود مرة أخري إلي مصر بعد ورود اسمه في القضية، غير أنه عاد ليؤكد أنه "إخوانجياً" خالصاً، وأن جماعة الإخوان لا تحتاج تمويلا من أحد لأنها علي حد قوله "جماعة غنية" معترفاً بأنه قد شارك في المؤتمرات التي أقيمت في عدد من الدول مثل اليمن وبريطانيا لجمع التبرعات لسكان غزة، وهي المؤتمرات التي تشير التحقيقات والتحريات أنها قد استخدمت كساتر لجمع أموال للتنظيم في القاهرة. أما إبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان والمتحدث باسم الإخوان في أوروبا، فيري أن القضية بنيت علي أدلة عشوائية، علي حد وصفه، فيما أشار المرشد العام للإخوان، في رسالته الأسبوعية الأخيرة، إلي أن تلك التهمة ظالمة ونوع من الاستبداد وقلب للحقائق، وقال القيادي البارز عضو مكتب الإرشاد الدكتور عصام العريان، أحد المتحدثين الرسميين باسم الجماعة، إن المتهمين الخمسة ليس لهم نشاط تنظيمي داخل جماعة الإخوان المسلمين، معتبراً أن قرار الإحالة أقرب لرسالة تخويف إلي الإخوان لتعطيل انفتاحهم الأخير علي الأحزاب وللتأكيد علي أن النشاط الإخواني الداخلي محظور.. بينما اكتفي محامي الجماعة، عبدالمنعم عبدالمقصود، بالقول إنه ينتظر الكشف عن تفاصيل القرار وموعد بدء المحاكمة لدراسة أفضل الإجراءات القانونية التي يمكن أن تتخذ في مثل هذه الظروف.. وفي الوقت ذاته قال الداعية السعودي الشيخ عائض القرني "لست عضواً في جماعة الإخوان، وليس لي علاقة إطلاقاً من قريب أو بعيد بهذا الموضوع، وأن هناك تشابها في اسمه مع الدكتور عوض محمد القرني، وهو موجود وحي يرزق ويمكن أن يعبر عن نفسه في هذا". يذكر أن الشيخ عوض القرني، قد اشتهر بالهجوم علي مصر في الفترة الأخيرة، ولاسيما إبان العدوان الوحشي لإسرائيل علي قطاع غزة في ديسمبر 2008. صيف العام الماضي ترجع وقائع القضية إلي صيف العام الماضي حين أعلنت مباحث أمن الدولة عن تحديد بعض المؤسسات الاقتصادية الخاصة في مصر والمسجلة بأسماء بعض عناصر الإخوان كساتر وغطاء تجاري، أو بأسماء بعض أقاربهم واستثمار تلك المؤسسات في تخصيص جزء منها لدعم تحركاتهم التنظيمية واستغلال أموال التبرعات التي تجمع بدعوي مساندة الفلسطينيين، في دعم وتمويل تلك الأنشطة وهو ما يعد مخالفة للأمر العسكري الذي يحظر جمع التبرعات بدون ترخيص، ومع ذلك نظمت حملات لجمع التبرعات وضخها في وعاء الجماعة وتهريبها لقياداتها، وكان من بين هذه الحملات ما نظمته دار الرعاية التابعة لجمعية الدعوة الإسلامية في بريطانيا وهي إحدي مؤسسات الجماعة في الخارج، حيث جمعت نحو مليوني جنيه استرليني.. كذلك تم الكشف عن أن الدكتور أسامة سليمان، المتهم الخامس في القضية، يقوم بنشاط تنظيمي يتمثل في تلقي الأموال التي تحوّل لمصلحة الجماعة من الخارج علي حساباته في كثير من البنوك العاملة في مصر تحت زعم إقامة مشاريع استثمارية أجنبية بالبلاد، علي أن يقوم بسحبها في أعقاب ذلك وضخها في المشاريع الاقتصادية الخاصة بالجماعة والحصول علي الأرباح الناشئة عنها لتمويل أنشطة الجماعة. وأنه بتاريخ 4 يونيو 2009 ورد إلي مباحث أمن الدولة إخطار من وحدة مكافحة غسل الأموال تضمن الاشتباه في عدة تحويلات مالية وردت علي حساب المتهم الخامس بأحد البنوك العاملة بالبلاد من دولة لبنان، ودلت التحريات علي أنه سعياً من المتهم إبراهيم منير لإدخال الأموال المحصلة من الخارج بزعم دعم القضية الفلسطينية للجماعة الأم داخل مصر، تمكن من إقناع أحد المستثمرين العرب بمشاركته تحت زعم إقامة مشاريع استثمارية في مصر وسلمه هذه الأموال علي أساس انها حصته في تلك الشراكة، وطلب منه تحويلها لحساب أسامة سليمان في أحد البنوك العاملة في مصر تحت زعم البدء في تنفيذ هذه المشاريع علي أن يرسل المستثمر العربي حصته في تلك الشركة فيما بعد، وتنفيذاً لذلك قام هذا المستثمر الذي لا تربطه بأسامة سليمان أية تعاملات مالية أو تجارية بتحويل هذه الأموال لحسابه من حساباته البنكية. وأشارت التحقيقات إلي أنه تم تشكيل لجنة ثلاثية من البنك المركزي المصري لفحص حسابات المتهم الخامس في كل البنوك العاملة في مصر وانتهت تلك اللجنة من الفحص إلي وجود جريمة غسل أموال، إذ أن تلقي المتهم أسامة سليمان لهذه التحويلات لا يتناسب وطبيعة عمله ونشاطه ويفوق حجم تعاملاته السابقة علي حساباته، بالإضافة إلي قيامه خلال فترة زمنية قصيرة مدتها 16 يوماً فقط بالكثير من التصرفات المتتالية علي تلك الأموال وأن الغرض من هذه التصرفات كان تمويها وإخفاء لطبيعة ومصدر هذه الأموال. كما ورد للنيابة إخطار من وحدة غسل الأموال بالبنك المركزي تضمن تلقي الوحدة إخطاراً من أحد البنوك العاملة في مصر يفيد الاشتباه في 3 تحويلات وردت من الخارج لحساب المتهم الخامس بمبلغ 2 مليون و 700 ألف يورو خلال الفترة من 28 مايو وحتي 3 يونيو 2009 وأن مصدر أموال التحويلات محل الاشتباه هو شراء قطعة أرض في الساحل الشمالي. وعليه بدأت نيابة أمن الدولة العليا مباشرة التحقيق في هذه القضية قبل أن تأمر بضبط وإحضار المتهمين الأربعة الهاربين، بتهم "الانتماء إلي جماعة محظورة تتخذ من الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضها، والعمل علي الترويج لها وتمويلها، وغسيل أموال إحدي جرائم الإرهاب، بقصد إخفائها وتمويه مصدرها وطبيعتها، فضلاً عن تقديم الدعم لتأسيس مراكز للجماعة في الخارج، وإحياء نشاط تنظيمها الدولي من جديد، وانتقاء عناصر من الطلاب المصريين واستقطابهم وإعدادهم بدنياً وتدريبهم علي الرياضات العنيفة في معسكرات ذات طابع سري وجهادي". الأمر الذي قد يؤدي في حال تأكد المحكمة من إدانة المتهمين للحكم بعقابهم بالسجن المشدد لمدد قد تصل إلي عشر سنوات، وهو ما يعيد للذاكرة إمكانية تكرار ما حدث مع المهندس خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد العام للجماعة و24 من قيادات ورجال الأعمال الإخوان الذين أدينوا وحكم عليهم بالسجن المشدد لمدة تتراوح بين 3 و 10 سنوات في القضية رقم 2 لسنة 2007 جنايات عسكرية والمعروفة إعلامياً بقضية مليشيات طلبة الإخوان في جامعة الأزهر. أسرار مجهولة ومنذ نشأة الإخوان المسلمين في العام 1928 تعتبر مصادر التمويل المالي للجماعة من الأسرار الخاصة والمجهولة حتي لعوام الإخوان ومعظم قادتهم، وتظل هذه الأمور وتفصيلاتها حكراً علي الحلقة الضيقة الحاكمة داخل الجماعة. إلا أن اتساع وضخامة الرقعة التنظيمة للجماعة داخل مصر وخارجها، إضافة إلي توالي الفضائح المالية لكوادرها في الداخل والخارج والتي بدأت تطارد أمنياً بتهم تتعلق بغسيل الأموال والتربح وتمويل الإرهاب، كان دافعاً للتفتيش عن مصادر النمو المالي والاستثماري الكبير والمريب للإخوان. قيادات الإخوان تنفي اعتمادها علي أية مصادر للتمويل سوي اشتراكات أعضائها.. وإذا ما اعتبرنا حسبما تشير إحصاءات غير رسمية أن عدد أعضاء جماعة إخوان الداخل يبلغ ما يقرب من نصف مليون، وإذا ما فرضنا جدلاً وعلي أقل تقدير أن كل عضو يدفع شهرياً 50 جنيها فقط ، ما يعادل600 في إثني عشر شهراً، فإن مكتب الإرشاد بالمنيل يتحصل سنوياً علي نحو300 مليون جنيه كحد أدني من الاشتراكات. كذلك إذا ما حملنا تصريحات يوسف ندا مفوض العلاقات الدولية في جماعة الإخوان المسلمين الزاعمة بأن تعداد الإخوان حول العالم يبلغ 100 مليون بنوع من الجدية، وفرضا أن جميع الأعضاء يدفعون كنظرائهم في مصر 600 جنيه فقط، فإن مجموع ما يصل للتنظيم الدولي للإخوان سنويا سيعادل في أسوأ الظروف 60 مليار جنيه. وبالطبع ومع توالي تحصيل تلك الأموال الطائلة سنوياً سيكون من غير المنطقي أن يحتفظ بها دون ضخها في مشروعات استثمارية تدورها وتجني من ورائها أرباحاً مضاعفة تكفي لتغطية نشاطات الجماعة في مصر وفي مختلف الأقطار الأخري. وبالتالي فلن تصبح اشتركات الأعضاء هي مصدر التمويل الوحيد للجماعة وإنما هي مجرد منبع لمصادر التمويل التي تختلف من بلد لآخر. وتتركز معظم استثمارات الإخوان في مصر في مجالات البرمجيات ومواد البناء والملابس الجاهزة والأثاث والمواد الغذائية. كما تتوزع استثمارات أخري علي عدد كبير من الأنشطة الاقتصادية، مثل إنشاء دور للنشر والدخول في سوق الكمبيوتر من خلال إصدار البرامج الخاصة وشركات لتصميم مواقع للإنترنت إضافة إلي مجال الصوتيات، وامتدت الأنشطة أيضا إلي مجال بيع العطور والملابس الإسلامية. ويعد رجل الأعمال يوسف ندا المقيم في أوروبا أحد أهم الأسماء التي تمول الجماعة. وتقدر استثمارات ندا بعشرات المليارات من الدولارات، ويظل إبراهيم الزيات القيادي الإخواني الهارب، والموقوف من قبل السلطات الألمانية حالياً، بتهمة الانتماء للتنظيم العالمي للإخوان ودعم حماس مالياً، من وزراء مالية الإخوان الكبار في الخارج.