فى ظل حماوة الانتخابات الرئاسية فى الولاياتالمتحدة، يركز الكثيرون على مثالب وفضائح المرشح الجمهورى دونالد ترامب، مع أن الأمريكيين لا يبحثون عن قديس لتولى منصب الرئيس. الولاياتالمتحدة فى أزمة، والشعب الأمريكى مخير بين مرشحين سيئين، ولديهما مشاكل كثيرة فى الداخل، ومشاكل أكثر وأكبر فى الخارج، حيث تواجه قيادتهما للعالم تحديات كبرى. فالنفوذ الأمريكى يشهد تراجعا، والدولة الكبرى التى كانت تطمح، لأن يكون القرن الحادى والعشرين قرنا أمريكيا، انتكس مشروعها، وهى لم تخط أكثر من تسع سنوات من الألفية الجديدة، بسبب السياسة المتهورة فى عهد جورج بوش الابن، الذى قاد بلاده للتورط فى حربين طويلتين، واحتلال بلدين منهكين محاصرين: أفغانستان والعراق. الأمريكان فى عام 2009، كانوا يبحثون عن رجل يعدهم بالخروج من مستنقع الحرب، ووجدوا ذلك فى المحامى الأسمر باراك أوباما. لم يهمهم حينها أصله أو فصله، وإنما بوعوده الكبيرة بالقدرة على الخروج من المأزق فى أعقاب الأزمة المالية العالمية: «نعم نستطيع». ولم يكن يهمهم وعوده بنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو محاسبة الدول التى يحكمها طغاة ودكتاتوريون. فقد قصد أول ما قصد القاهرة، حيث كان يحكمها «نظام فاسد ومستبد»، كما تصفه هيلارى كلينتون فى مذكراتها، ليلقى موعظته الأخلاقية، التى أثبتت أحداث السنوات اللاحقة أنها لا تساوى هللة. اليوم الأمريكيون لا يبحثون عن قديس ليحكمهم، أو رئيس ليتلو على مسامعهم المواعظ، وإنما يبحثون عن رئيس ينتشل السياسة الأمريكية من المأزق. فالرئيس المنتهية ولايته، الذى وعد بإنهاء الحربين وسحب جيشه من أفغانستان والعراق، لن يترك منصبه إلا والحرائق تشتعل فى خمس بلدان أخرى إضافية، بفضل سياسته المنافقة، بين دعم الإرهاب سرا، ومحاربته علانية. *** دونالد ترامب إنسان عنصرى، متغطرس، فاسد، بذىء اللسان، يستفز الكثيرين حتى من أعضاء حزبه الذى اختاره مندوبوه قبل ثلاثة أشهر فقط. ساسة وفنانون وصحافيون دعوا إلى عدم انتخابه، وبعضهم طالب بانسحابه، بعض آخر طالب الحزب بسحب دعمه له، لكن كل هذه الدعوات الفارغة جاءت فى الوقت الضائع. فلا الحزب يمكنه أن يسحب دعمه لترامب فى هذا الوقت الحرج، ولا ترامب مستعدا للانسحاب بعد أن بلغ هذه المرحلة المتقدمة من المنافسة. فى منطقتنا، تهش الصحافة والقنوات العربية وتبش، مع كل خبر أو تقرير يتناول فضيحة أو سقطة أخلاقية، أو كلمات بذيئة صدرت عن ترامب، ظانين أنها ستسهم فى إبعاد الناخب الأميركى عن اختياره، مع أن هذا الناخب الذى لم يتغير هو الذى عفا عن بيل كلينتون بعد انكشاف فضيحة مونيكا، واعتبرها شأنا خاصا وحرية شخصية، حتى بعد اكتشافه أنه كذب على الجمهور على رغم أدائه القسم. هذا الجمهور هو نفسه الذى اختار جورج بوش، الابن المدلل لأسرة ثرية، الذى كان معروفا بفساده وإدمانه على الخمر وتعاطيه المخدرات، بل هناك من شكك بالشهادات التى حصل عليها من الجامعة، بتأثير المال وليس بالجد والجهاد حيث كان طالبا متسكعا مهملا، مغرما بالحفلات. بل إن هذا الجمهور نفسه، أعاد انتخاب بوش، ومنحه ثقته للمرة الثانية، على رغم ما فعله فى أفغانستان والعراق، وسجون أبوغريب وجوانتانامو، فحقوق الإنسان فى الدول الأخرى، لا ترد على ذهن الناخب الأمريكى على الإطلاق، لحظة وضع ورقته فى صندوق الاقتراع. لا تفرحوا كثيرا يا قوم! سيذهب أوباما الذى باع الكثير من الكلام للشعوب، وسيأتى ترامب، التاجر الفاشل الفاسد المتهور، الذى سيعيد السيرة الأولى للطالب الفاشل المدمن المتهور جورج بوش، ليقود دول وشعوب المنطقة إلى حروب أخرى.