رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن 4 أشخاص    ارتفاع جماعى لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة نهاية الأسبوع    تعرف على أسعار الدواجن اليوم الخميس فى الإسماعيلية    وزير الخارجية يلتقى رئيس اتحاد الغرف الصناعية والتجارية الهندية    السيسي يوافق على قرض من بنك الاستثمار الأوروبي بقيمة 90 مليون يورو    محافظ الجيزة يتابع استعدادات انطلاق المهرجان الدولي الثامن للتمور المصرية بالواحات البحرية    فنزويلا تدين العمليات السرية الأمريكية: انتهاك للقانون الدولي    بروكسل تستعد لإعادة تفعيل بعثتها المدنية عند معبر رفح    الإدارة الأمريكية: تركيا مستعدة للمشاركة في البحث والإنقاذ بغزة    القافلة ال12 للتحالف الوطنى تمهد لمرحلة إعادة الإعمار فى غزة بعد اتفاق وقف الحرب    بعثة الأهلي تغادر القاهرة إلى بوروندي لمواجهة إيجل نوار    سعد شلبي: لا ديون على الأهلي ونسعى لفرع جديد.. ونستهدف عقود الرعاة بالدولار    محمد صلاح يغادر الغردقة متجهاً إلى لندن لاستئناف مشوار ليفربول    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة والعظمى تسجل 27 درجة مئوية    السيطرة على حريق نشب فى بدروم بقنا    سقوط عصابة فرض السيطرة بعد الاعتداء على طفل بحلوان    الجريدة الرسمية تنشر قرار الداخلية برد الجنسية المصرية ل23 شخصا    الأقصر تفتح أبواب المعرض الرابع للكتاب بمشاركة 15 دار نشر من حول مصر    مصر والسعودية تبحثان تعزيز التعاون الصحي المشترك وتوطين الصناعات الدوائية    وزارة الصحة تنصح بتلقى لقاح الانفلونزا سنويا لهذا السبب    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    أغذية الشتاء الذهبية.. 10 أطعمة تمنحك الطاقة والمناعة والدفء    اليوم.. محاكمة أوتاكا بتهمة نشر فيديوهات خادشة لطليقته هدير عبد الرازق    مصرع 4 وإصابة 3 في حادث تصادم سيارتي نقل جنوب أسوان    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. تنظيم قوافل دعوية بالفيوم تناقش «مخاطر التحرش وآثاره»    «الري»: مشروع مشترك بين مصر والأردن وتونس والمغرب لتحلية المياه لإنتاج الغذاء    انخفاض جديد ل الدولار الأمريكي اليوم الخميس 16-10-2025 أمام بقية العملات الأجنبية عالميًا    قوات الاحتلال تعتقل شابًا خلال مداهمة في بلدة علار شمال طولكرم    الخزانة الأمريكية: تكلفة الإغلاق الحكومي 15 مليار دولار أسبوعيا    ترامب يعتزم لقاء مودي خلال قمة آسيان    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 16كتوبر 2025    كوريا الجنوبية.. عودة خدمة "يوتيوب" للعمل بشكل طبيعي بعد انقطاع مؤقت    مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن لجان تحكيم دورته الثامنة    عصام عطية يكتب: صناعة التاريخ    محسن صالح: شخصية الخطيب ستتغير في الولاية المقبلة للأهلي    محافظ الغربية ووزير الاوقاف يشهدان احتفالية مولد السيد البدوي    امتداد لتاريخ من الحضور الوطني تحت القبة.. وجوه سياسية وفنية وإعلامية ضمن المعيّنين ب«الشيوخ»    تجهيزات مسرح النافورة لفعاليات مهرجان «الموسيقى العربية» ال33    رسميًا.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2025 للعاملين في الدولة    في العمرة.. سهر الصايغ تشارك جمهورها أحدث ظهور لها أمام الكعبة    دوري المحترفين.. «وي» يواجه الترسانة في الجولة التاسعة    ترامب: نزع سلاح حركة حماس لا يحتاج إلى الجيش الأمريكي    ننشر أسماء مرشحي انتخابات النواب 2025 بالفيوم بعد غلق باب الترشح    بعد استبعادها من القائمة الوطنية.. أمين مستقبل وطن بسوهاج تقدم استقالتها "مستند"    الأخبار السارة تأتي دائمًا من بعيد..    بعض المهام المتأخرة تراكمت عليك.. حظ برج الدلو اليوم 16 أكتوبر    أسعار التذاكر بعد حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    مشكلة الميراث    رسمياً.. حقيقة تعديل مواعيد الدراسة بعد بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر    أوسكار يجتمع مع حكام تقنية الفيديو بعد عودته من تشيلي    أحمد الجندي: هدفي ذهبية أولمبياد لوس أنجلوس.. وظروف طارئة منعتني من التواجد بقائمة أسامة أبوزيد في نادي الشمس    شوقي غريب يرشح 6 لاعبين من منتخب الشباب ل حسام حسن    بعد تراجع الدولار.. هل تنخفض أسعار الدواء في مصر؟    غادة عبد الرازق تعود بقوة في رمضان 2026 ب«عاليا»    هل يجوز شراء شقة بنظام التمويل العقاري بقصد الاستثمار؟.. أمين الفتوى يجيب    هل الألعاب الإلكترونية المدرة لأرباح مالية حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجاعيد المدينة.. تمارا الرفاعى
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 06 - 2016

المدن كالناس، نحبها ونتآلف معها، أو لا نطيقها فلا نتقبلها. المدن كالناس تتغير مع الوقت، بعضها يشيخ وبعضها يتجدد، قد تشيخ مدينة بأناقة فتحافظ على جمالها بفضل بعض التصليحات هنا أو هناك،وقد تهرم بشكل يصعب علينا التعرف عليها، إن كنا لم نرها منذ سنوات.
هناك أحيانا شىء مزعج فى أن تلاحظ تغييرات على مكان مألوف، وكأنه أخل بك أثناء غيابك فغير بعضا من ملامحه التى أحببتها. هناك دوما رغبة بزيارة زوايا مدينة نعرفها حين نزورها بعد فراق، ننظر إليها بشوق أو بشغف، نحاول أن نعثر فى كل شارع على ذكرى تركناها على الرصيف.
هنا تمشينا بعد العمل مع زميلة يوم التقت بمن أصبح الآن زوجها، هنا توقفنا لننظر إلى حادثة سرقة جرت أمامنا كما فى الأفلام. فى هذا المطعم جلست مع زوجى فى أول زيارة لى لتلك المدينة بعد أن تزوجنا.
أعود فى زيارة إلى مدينة عشت فيها عدة سنوات كانت من أغنى سنوات عمرى، فأرى أن محل الحلويات الذى اعتدت أن أشترى منه قد حل محله بائع أدوات منزلية.
دكان «العجائب» الذى وجدت عنده عدة هدايا لوالدتى أصبح فاضيا ينتظر مستثمرا جديدا. مدخل العمارة التى كنت أعمل فى مكتب فى أحد طوابقها اختفى وراء عمليات التجديد التى بدأتها الشركة التى استأجرت البناء مؤخرا.
●●●
ثمة شىء يفقدنى بعض توازنى عند رؤية مكان حفرته فى ذاكرتى وقد تغير حتى ولو قليلا. مع الأماكن، كما مع الناس، أنتبه إلى أننى أجمدها فى ذهنى وكأننى أريدها أن تبقى كما أحببتها.والدى مثلا هو ذلك الشاب الطويل كثيف الشاربين الذى كان يأتى إلى المدرسة ليسأل المعلمة عن أدائى.
أمى هى تلك الفراشة الجميلة التى ترفرف من حولنا، فتفرش ألوان جناحيها لتضمنا داخلها وهى تحكى لنا القصص والحكايات. فى ذهنى لم يتغير من أحب، لم يكبروا ولم تتباطأ خطواتهم، فى ذهنى لم يغلق مطعمى المفضل أبوابه لأن ثمة يوما مميزا جدا قد احتفلت به هناك.
العلاقة مع المدن المألوفة، لا سيما تلك التى تركنا فيها أجزاء من نفسنا، تشبه كثيرا علاقتنا مع من ربطتنا بهم علاقة إنسانية، نتذكرهم، نبتسم لموقف يحضرنا فجأة، نغضب من جديد ثم نهدأ بسرعة لموقف نعيد تشريحه، نستغرب تغييرا طرأ على وجه المدينة كما على وجه شخص حفظنا ملامحه، تظهر لنا التجاعيد، حين نلتقيهم بعد فترة غياب عنهم طويلة، فنتجاهلها بحثا عن ذلك البريق الذى عهدناه فى العينين.
هو نفس الشعور الذى يجتاحنا لحظة عثورنا على صورة قديمة لشخص نراه باستمرار، كشريكنا فى بدايات معرفتنا به أو أحد أقاربنا الأكبر سنا. نقرب الصورة من وجهنا، نتمعن فيها لأننا للحظة لا نتعرف عليهم، ثم تأتينا تلك الضحكة من مكان بعيد جدا فترن فى أذننا بوضوح.
يضحك والدنا من جديد كما نراه فى الصورة التى عمرها ثلاثون أو أربعون عاما. هنا كنا فى بيت الجدة، ها هى فى الزاوية يمكن أن نرى ظهرها وهى تتحرك. والدنا يرتكز على طرف المقعد الذى تجلس عليه والدتنا. ننظر مجددا. هى بعمرنا اليوم، تماما كما جمدناها فى ذهننا.
هى تجلس فى المقعد مرتاحة، كان ذلك أول أيام العيد لكننا لا نتذكر إن كان عيد الفطر أم عيد الأضحى. من المؤكد أنه أول يوم العيد لأن العادة جرت أن نجتمع كلنا فى ذلك البيت يوم العيد.
اليوم ما زال الوالد والوالدة موجودين فى حياتنا لكن الجدة رحلت، والقريب الذى نراه فى الصورة قد فقد اليوم الكثير من شعره. أما زوجته فقد ازداد وزنها كثيرا حتى إننا لم نتعرف عليها فى الصورة القديمة فى بادئ الأمر، لكننا سرعان ما رأينا ابتسامتها العريضة فتذكرناها.
●●●
هكذا الحكاية مع الناس والمدن، نريدهم أن يبقوا كما كانوا حين ارتبطنا بهم، نريد للبقال المغربى أن يتذكرنا، ونريد لمقهانا المفضل أن يستقبلنا. ما هذا المطعم بائع الوجبات السريعة الذى فتح مكان مقهانا؟
أبحث بين تجاعيد المدينة عن التعابير التى أحببتها فيها، أرى الشمس وهى تجفف مطر الصيف، فيظهر قوس قزح كابتسامة سيدة عجوز تعود فجأة للشباب. أسمع صوت مرور قطار المترو، فأسمع معه ضحكات أولادى الذين كانوا صغارا حين عشنا هنا رغم أنهم ليسوا معى الآن.
أشم رائحة شواء اللحمة على عربة بيع طعام فى الشارع، فأعرف أنه سيصلنى معها صوت أم كلثوم، فأصحاب هذه العربات على الأغلب من مصر، وحنينهم يدفعهم لبث أغانى الست من عرباتهم على بعض نواصى الجادة الخامسة فى نيويورك.
أنا أيضا كنت أشعر بالبعد عندما كنت هنا رغم انشغالى بحياة تلك المدينة الصاخبة، فكنت كثيرا ما أمشى قرب عربات بيع اللحمة المشوية هذه لأنتقل فى خيالى إلى أم الدنيا لمدة سير خطواتى التى أبطئها حتى أستمع إلى آخر مقطع من «ألف ليلة وليلة» من جهاز التسجيل المعلق فوق العربة.
●●●
فى تجاعيد الوجوه والمدن حكايات نسجناها فى قلبنا، حفرناها فى ذاكرتنا. نريد لتلك اللحظات أن تبقى كما عشناها وألفناها، ولمن نحب أن يشبهوا صورتهم التى معنا. أخاف التغيير رغم يقينى بأنه حتمى، أخاف أن يفلت منى الأشخاص فتفلت منى أجزاء من الحياة.
أتمسك بنواصى الشوارع وبنظرات الأحبة، فأعرف أن الحياة هى مشاوير فى مدن مع أشخاص أحبهم.
كاتبة سورية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.