«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر.. تخلع ثوب الضباع
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 03 - 2013

تصف الأقوال الشعبية من يعود من مهمة وقد أنجزها، أنه سبع ومن عاد ولم ينجزها، فهو ضبع. وبين السباع والضباع.. قرون عديدة.وتصف الأقوال الشعبية الزوج لامرأته "ظل وغطاء". وكثير من الأزواج للضباع أقرب. وتصف سهير المصادفة رحلتها في تاريخ مصر ب "رحلة الضباع". كشهادة علي عصر، كانت له بدايات بعيدة، كنبت غرسَ في الأرض فتجذرت عروقه وتشعبت فأنبتت فروعا تطاولت فطالت أرض العرب، وتاريخ المسلمين. فأنبتت شوكاً يوخز المعاصرين، فينتبهون ليصنعوا ثورة توحي بأمل في عصر جديد.
ففي رحلة العودة من الاتحاد السوفيتي إلي أرض الوطن "مصر" تأملت تطبيق التجربة السوفييتية علي أرض مصر فوجدت أن التجربة قائمة علي الأقوال لا الأفعال، وأن من كانوا يعدون بالقضاء علي الإقطاع والملوك، صاروا هم الملاك والملوك، فوصفت التجربة ب »لهو الأبالسة"« انتهت منها بأن رحلة التنوير تنبع من الذات ومن الداخل، لا هي بالغربية ولا بالشرقية. فغاصت في الذات وفي الداخل، فوجدت الماضي الأحمر" السوفييتي" يسيطر ويهيمن، وحتي يستطيع الحاضر أن يواجهه، يطلق عليه من يستطيع أن يواجهه، فخرجت الأصولية المتطرفة وبدلا من أن تتعادل الكفتان ويستوي الميزان، تعلو بطشة اليمين علي اليسار، فتقتل الحاضر "السادات ذاته" وتقتل الجمال والمثال، تقتل "ميس إيجبت" ذاتها. مقتطعاً « للتنكيل بها - جزءًا من أعضائها التناسلية، في رمزية لنهاية الإنجاب. لكن مصر أبدًا لن تموت ولن تعقم. ورغم أن سهير المصادفة تتركنا في دوامة السؤال: هل ماتت "ميس إيجيبت" فعلا، أم أنها في غفوة، ولابد لها أن تعود، وهل مصر عقمت بالفعل، أم أن الأمل لايزال في أن تأتي لنا بالولد؟
وتحمل سهير المصادفة زادها وزوادها من تجارب التاريخ وعبراته، بحثاً عن إجابة السؤال عابرة من الماضي عبر الحاضر نحو المستقبل في "رحلة الضباع". تعود بنا "رحلة الضباع" إلي ألف وأربعمائة عام مضت، وتحديدًا بعد الهجرة النبوية بنحو ثلاثين عاماً تنتهي بالاتفاق علي تقسيم دولة الخلافة، فيختص معاوية بالشام ومعها مصر، ويختص علي بالعراق، ليظل الخلاف بين أتباعهما إلي اليوم، وربما غدًا. وهو ما رأته، وسجلته "رحلة الضباع":
"والمؤلم يا أختاه أنه لم يسلم في ساحة الوغي تلك أحد من الصحابة أو كبار مكة والمدينة من الهجاء الفاحش. أحاول أن أبحث عن هذا الحق الذي يريدون رفع راياته فلا أجد إلا خصام قبائل علي من يكون له الأمر. أحاول حتي أن أنحاز إلي فريق من الفريقين فأجد نفسي ألطم وجهي وأنا أصرخ: يا لضياعنا إلي أبد الآبدين. إن كلمات الله لم تصل إليهم كأنه قد صار بين القرآن الكريم وبينهم حجاب. كدت أهتف فيهم: أوتقتلون الناس دفاعًا عن الله وهو الذي حرم قتل النفس؟ لكنني أدرك أنهم قد مُلئت آذانهم بالشمع فهم لا يسمعون). نتعرف في البداية علي "جمال إبراهيم" الذي يعمل مصححًا بجريدة "أندلسية" وقد قرر أن يطلق زوجته "نرمين" لعدم إنجابها. يتشكك الزوج في زوجته، ويزرع لها الكاميرات في البيت. يكتشف أنها تكتب. يتصور أنها مذكرات، يحملها إلي سفح "الهرم" ليقرأها بعيدًا عن الأعين، وعنها. وكأنه يذهب بنا إلي بداية الحكاية، حكاية مصر. ويكون "الهرم" هنا هو الإشارة الأولي التي تضعنا علي إسقاط الحكاية علي مصر، ولتبدأ الحكاية مع مذكرات الزوجة فتبدأ "رحلة الضباع" في "الرواية الداخلية" بالبحث عن الخلاص من تلك الفتنة أو اللعنة التي أصابت المسلمين وروت الأرض بدمائهم التي حرمها الله. إذ تصورت الجدة "السوداء بنت الرومي" أن في سرد الحكاية تحذيرًا وتنبيه للأحفاد. وكأنها "زرقاء اليمامة" تحذرهم مما كان وما سيكون، ولتتوقف الدماء، فتحكي للحفيدة: "نعتوني" ب "غراب البين" وب "الرائية" ومَن أطلقوا عليَّ "المتتبعة للجيفة" ومن رموني ظلما ب "الضبعة" أو لم يكونوا هم أنفسهم الضباع؟).فعلي مر التاريخ هناك من يقرأ.. ولكن دائماً هناك مَن لايسمع. وتصحبنا "السوداء" في رحلتها عبر الزمن، حاملة نبوءتها، دافعة بالماضي أمامها، صارخة بتحذيراتها: "الآن أعرف أن سرد الحكاية يكاد يكون لعنة توارثتها حفيدات الجدة ولا خلاص منها إلا بأن تُحكي". و في رحلتها، تتعرف "السوداء" علي وتصطحب معها " الليث بن أسيد" ليكون الإشارة الثانية التي تضعنا في عمق مصر، وليعيد كلاهما" السوداء والليث" إلي الأذهان قصة الخضر وموسي في رحلتهما إلي المعرفة، فيحمل "الليث" معها الرسالة، ويصبح هو المردد للتحذيرات التي أطلقتها "السوداء" أو أطلقها التاريخ الذي كتب بدماء المسلمين، والذي يشهد بأن أمراء المؤمنين ماتوا إما مسمومين أو مصلوبين أو مخوزقين. التاريخ الذي يبين لنا الأغراض الحقيقية التي يتخفي وراءها أولئك الذين يتسترون وراء الدين سعلياً لحكم )آه لو كنت تعرفت إلي سيد هذه الدار منذ أيام وهو يزعق مثل ديك الفجر في أهله بأنه ذاهب إلي نصرة الله والحق. والمصيبة أن جميع أهله وجميع الناس يعرفون جيدًا إلام هو ذاهب.. لاشيء سوي جمع الغنائم والاستيلاء علي المزارع وأسر الجواري. والأعجب أن لا أحد حاول إيقافه". وعلي الرغم من تقاطع الخطين ذ الواقع والتاريخ ذ فإنهما يصنعان خطين متوازيين، يصنعان تقابلاً كاشفاً. فالخط الواقعي ذ حكاية أحمد إبراهيم ونرمين » تكشف سوءات المجتمع المعاش، والذي يتحتم تغييره، بينما خط التاريخ « حكاية السوداء بنت الرومي تحذر من أن يكون التغيير بالدم، وبالفتنة والقتل.
التقنية الروائية
تسعي سهير المصادفة دائماً لأن تجدد نفسها وتقنياتها. فإذا كانت في روايتها الأولي "لهو الأبالسة" قد جعلت من الهامش نصاً فكانت الهوامش الافتتاحية للفصول تشكل بعدًا آخر للفصول وتشكل في مجموعها بعداً رومانسياً للبعد الواقعي في المتن الأصلي. وجعلت من الافتتاحيات في "ميس إيجيبت" كشافات إضاءة للمتن. فقد جعلت في "رحلة الضباع" من الهامش متناً أساسياً بينما تحول المتن الأساسي إلي هامش، حتي أنه علي الرغم من أن عنوان الرواية هو "رحلة الضباع"، فإنها وضعت للرواية الداخلية، أو الضمنية عنواناً ثانياً هو أيضاً رحلة الضباع"، وكأنها تؤكد أن الرواية تبدأ.... من هنا. فقد دار المتن الأساسي حول "نرمين" الزوجة الوفية الذي يتشكك زوجها فيها، والذي يتنصت عليها ليكتشف أنها تكتب أشياء، لا يعلم ماذا تكتب، ولنتبين أنها تكتب رواية ذ دون أن تصرح الكاتبة بأنها تكتب رواية ذ أي أنها تكتب التاريخ الذي من المفترض أن يكون العبرة والدرس، لمن يعي ويعتبر: )لم أعد أدري الآن يا بنيتي كم لبثت في كنفه أتمرغ في الحرير وأتثاءب من السعادة وأساعده في كتابة الأخبار التي يمكن كتابتها علي لوح الزمان بعد أن علمني الكتابة).وكما تؤكد الكاتبة في هامش الفصل الخامس ) وحيث إنه قادر علي طحن أقدم العظام حتي ما دفن منها فيما قبل التاريخ، فكل من يعرفه يعرف أنه سيخلف رواثاً أبيض يشبه كثيرًا لون الآزل، أو لون صفحات التاريخ حين تبيض أحيانًا وتصمت أحياناً أخري وتمتلئ بما يريد الملوك تدوينه في أغلب الأحيان". وليصبح ذلك هو الرؤية الأساسية في العمل. فضلاً عن كونها امتدادًا ل "ميس إيجيبت" التي لم تنجب، فهي هنا أيضًا لم تنجب، ليظل لها ذات البعد الرمزي. بينما الزوج يعمل مجرد مراجع أو مصحح في جريدة، وعندما يكتب مقالاً وحيدًا، لايشعر به أحد، ويمر كأن لم يكن. تربط الكاتبة بين الروايتين، الخارجية" قصة الزوج جمال إبراهيم والزوجة نرمين"، و الداخلية (الزوج عمر بن عدي والزوجة السوداء بنت الرومي) برباط رفيع متين في نفس الآن. فتقول السوداء بنت الرومي (الجدة الأولي) لنرمين (آخر الحفيدات" "أنتِ إذًا حفيدتي "هاجر" ابنة الحبابة ابنتي).فإلي جانب الإشارة إلي العلاقة بينهما، نجد الإشارة "هاجر" إشارة أخري إلي مصر ف "ها-جر ها" بالهيروغليفيي معناها زهرة اللوتس وكلمة "جر" معناها أرض جب بالمعني التوراتي "مصر" أي اسمها زهرة اللوتس وكنايتها "المصرية" فهي إذًا إشارة إلي هاجر المصرية القبطية التي تزوجها سيدنا إبراهيم عليه السلام وأم إسماعيل، الذي رحبت بأن يذبحه أبوه إبراهيم، ما دامت تلك دعوة الله. فهي إذًا الصابرة المضحية المؤمنة - فالبداية "الجدة" إذن من" جبل أحد وشعاب مكة" وآخر الحفيدات "هاجر" من مصر - وهي الصفات التي منحتها سهير المصادقة لكلتا المرأتين. فالسوداء بنت الرومي ظلت وفية لزوج عربيد هجرها، وراح يتاجر في السلاح، الذي به تسيل دماء المسلمين، وعندما عثرت عليه مؤخرا باعها كجارية. ونرمين الحفيدة ظلت وفية لزوجها، لاتتأخر في طلب من طلباته، حتي تركها في النهاية ليتزوج من المرأة الغريبة كليا عني والتي لا تتوقف عن سؤالي عن رأيي فيما ترتدي من قمصان نوم عارية وجميعها من مشتقات اللون البنفسجي الذي يتعب عيني).وبعد أن تتبين حقيقة كل زوج، تعيش السوداء مع القعقاع في الحرير، وتنعم بالحياة، وكأنها وصلت لبر الأمان، تخلع "نرمين" النقاب الذي كانت ترتديه مع الزوج وترتدي "بنطلون جينز واسعا وبلوزة زرقاء وجاكيت أسودلتصبح امرأة أخري، يشار إليها في أجهزة الإعلام. ولتغير مصر رداءها وتخرج للحياة بعد ثورة قام بها "شباب" أنبل جيل أنجبته البلاد". وكأنهن استبدلن الضباع.. بالسباع. لتتم دورة الحياة والإبداع، وحتمية التغيير. فضلاً عن أن كلتيهما "السوداء ونرمين) تعمل عمل زرقاء اليمامة، فتحمل النبوءة السوداء، وتحذر من مصير الدم، وتعمل علي إيقاف نزيفه. كما تظل الكاتبة محتفظة بمفتتحات الفصول بنصوص مستقلة، مثلما فعلت في روايتيها السابقتين، ولتظل هذه المفتتحات، كشافاً يضيء النص. فهي هنا، تكشف عن بيانات ومعلومات عن الضباع، إلا أنها البيانات والمعلومات التي في الحقيقة يمكن خلعها علي الشخوص المعنية من الرواية، أي أنها تتحول من هامش إلي متن آيضاً، إذا تصبح جزءًا عضوياً وفاعلاً في إضاءة الرؤية الكلية للعمل.
وكما في أعمالها السابقة، عمدت الكاتبة علي إذابة نقط الدواء في كوب كبير من الماء المحلي، فقد بثت الواقع المرير في ثنايا عمل كبير يحمل متعة التلقي، وشهوة المتابعة. فوسط قصة زواج واقعية، تحمل كل نبض الواقعية من إخلاص الزوجة وشك الزوج، ورغبة الزوج وأمه في الإنجاب، تبث لنا سوءات المجتمع بين الحين والحين، وكأنها تذكر قارئها كلما استغرق في متابعة الحياة، ألا ينسي أن ما ترمي إليه أبعد من الهموم الفردية، إنه هم الوطن. وكأنها ترسم صورة المجتمع المرفوض والذي يمهد لثورة لابد آتية: )من الواضح أنها لشباب من هؤلاء الذين درسوا في مدارس وجامعات أجنبية.. وجميعها تتحدث عن ثورة قادمة لا محالة، وعن طوفان سيكتسح كل هذا الفساد وكل هذا الخراب العظيم"
عتبات النص
علي الرغم من رفضي لاعتبار غلاف العمل عتبة أولي للنص» في مصر تحديدًا« لاعتقادي أنه ليس هناك دور كبير للكاتب في اختيار لوحة الغلاف، فإن غلاف "رحلة الضباع" يجبرني علي اعتباره عتبة أولي، لقدرته علي تصوير أجواء الرواية، حيث نري في أعلي
صفحة الغلاف مجموعة من أرجل نساء حفاة يبدو عليها جميعا التراب والإرهاق، بينما امتد اللون الرملي باقي صفحة الغلاف، لنتبين منها، امتداد صفحة الصحراء، والنساء قد أنهكها السير، وما زال أمامها مشوار طويل. كما توحي اللوحة بتقفي الأثر، وبالبيئة العامة التي تدور فيها الرواية. أما العتبة الثانية، وهي افتتاحيات الفصول، حيث لا عناوين داخلية، فقد جاءت إضاءات علمية ومعرفية حول حيوان الضبع، والذي تمهد لنا به معرفة خواص شخوص الرواية التي تنطبق علي الرجال المعنيين فيها. فإذا كان مفتتح الفصل الأول يربط بين الضبع والإنسان مباشرة، حيث يشبه عواء الضبع بالضحك الهستيري للإنسان، أي الضحك غير الطبيعي، فإن مفتتح الفصل الثاني يورد "وهو غير مهتم علي الإطلاق بقتل فريسته قبل الشروع في نهشها". وفي مفتتح الفصل الثالث نقرأ:" ولأنه خسيس وجبان وغبيّ حتي أن مخه كان يضرب به المثل علي الحمقي من الرجال "ونقرأ في في متن الرواية "أجوب البوادي برسائل لا تصل إلي من يعنيهم الأمر وإذا ما وصلت فهي تصل دائما متأخرة} أي أن الراوية دائماً ما "تؤذن في مالطة" مثلما يقول المثل عمَن يسدون آذانهم، فلا يسمعون، وإذا سمعوا فهم لا يعون. أليس ذلك من الحمق والغباء الذي يتصف به الضبع؟ ثم تصرح "السوداء" عن زوجها، بما بربط بين الرجال والضباع" وكنت أهمس للضبع الجبان أن اهجم علي النسر الآن فإنه ممتلئ البطن ولن يستطيع الطيران، لكنه كان لا يحب إلا لحوم الميتة من البشر........ولقد تهافتت عليَّ كل مصائب صراع الضباع علي الملك خلال رحلتهم الدموية".
رسم الشخصية
حيث إن القارئ العربي يعيش الآن فترة حراك مزلزل، استحوذ عليه كل اهتمامه، بعد ثورات تقاربت في الزمان وتباعدت في المكان، فطالت دولا عدة، ومازالت تعيش حالة القلق، بعد أن جاء المولود فيها غير مكتمل، فراحت تذكره بين الحين والحين بما كان وما ثار عليه، مثلما أشرنا إليه من قبل. وهو ما فعلته ايضاً في رسم الشخصيات. حيث توزيع تحديد معالم الشخصية علي صفحات الرواية. مثل صورة الزوج "جمال إبراهيم" توزعت علي مدار الصفحات فنجد: "في الحقيقة لم أخلق لأكون صحفياً فأنا كسول للغاية ومخي لا يبدع أي شيء جديد وهناك عطب ما في مشاعري حتي إنني لا أدري في أية مرحلة من مراحل عمري وضعت ما يسمونه بالمشاعر في فريزر ما لا تنقطع عنه الكهرباء أبدًا..... " وكأنه يجسد نفسه في صورة "الضبع". ثم يعود في ص22 ليصرح" يبدو أنني لم أحب أبدًا أبي ومن حسن حظي أنه مات وأنا في السابعة من عمري.....". ثم يواصل حديثه عن والده )وبينما كنت أهرب منه ومن الرائحة وأنا أنهض من جواره انتفض فجأة وجن جنونه، وألقاني أرضاً وهو يصرخ أنا ما أعرفش أنام في البيت ده أبداً".ويعود في ص" 79 لا أريد الآن إلا أن أستسلم تماماً لهذه النفس الخربة التي أمتلكها...". وكأن الكاتبة تؤكد لنا علي دفعات أو مراحل مدي تشوه تلك الشخصية، وعدم صلاحيته لأداء دوره مع زوجته الفاعلة "نرمين".
تسخير الأفعال للمضارع
من الحيل التي تجعلنا نعيش الماضي وكأننا نشاهد الحاضر ايضاً أن نري استخدام الفعل الماضي متصورين أنه المضارع. فمن المتصور أن الجدة تحكي لحفيدتها عن رحلتها، إلا أننا نشعر وكأنها تعرض شريطاً يصور الماضي لنتعايش معه "وها نحن نعود إلي البيداء والبراري والقفار مرة أخري يا بنتي "فاستخدام "ها نحن" تضعنا مباشرة في المضارع، في الحاضر. وكذلك المستقبل، نراه رأي العين والسمع، كأنه الحاضر" سأكتشف بعد سنوات من الآن أن الحب مرتبط بالضرورة بالعجز والصمت الطلق والخجل.. سأتابع عندما أكبر في السن خطوط التجاعيد تحت عينيها كلما ابتسمت ابتسامتها الحلوة..ٍ. وكأن الكاتبة تحاصرنا دوماً بواقعنا الحالي المعاش. لقد بذلت الكاتبة مجهودًا معرفياً جبارًا، صاغته بصيغة روائية تحسد عليها الأمر الذي يتطلب من قارئها أن يبذل مجهودًا لا يقل عنه في المقدار، ويكفيه ما ناله من متعة مصاحبتها في رحلة عبرت بها الزمان والمكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.