ارتبط نادي الصيد الملكي في ذهني منذ الصغر بصورة الملك فاروق الأول وهو يصطاد البط حول بحيرة قارون بالفيوم.. ثم ارتبط خلال السنوات العشرين الأخيرة برحلات مسابقات صيد السمك في الغردقة وبورسعيد. ولم أكن علي الإطلاق أتوقع وجود أدباء أو شعراء وفنانين كبار بين أعضاء نادي الصيد الحالي بالدقي أو في مدينة السادس من أكتوبر. فكما سبق وذكرت لكم أن النوادي الاجتماعية ارتبطت في ذهني علي مر الأعوام بالمسابقات الرياضية والحياة الاجتماعية والترفيهية والتسلية ولا شيء غير ذلك، وكانت زوجتي - سناء جميل - لا تحب النوادي، لأنها تعتقد أنها أماكن للنميمة ومسك سيرة الناس وهي لا تحب ذلك. لذلك توقفت عن تسديد اشتراكي بنادي الجزيرة ، ولم أستخدم العضوية الشرفية لنوادي الصيد والأهلي والزمالك والمعادي والشمس أيام كنت رئيساً لتحرير مجلة صباح الخير. بالإضافة إلي ما تردد علي مسامعنا من قصص وحكايات رجال وسيدات تم القبض عليهم والتحقيق معهم بناء علي تقارير وردت من أعضاء النوادي الاجتماعية لأنهم تحدثوا أو قالوا أو تندروا وذكروا ملاحظات علي من كانوا في السلطة !! وسواء كان ذلك صحيحا أم غير صحيح المهم أنني وزوجتي ابتعدنا عن ارتياد النوادي الاجتماعية أو التردد عليها!! وخلال الأسبوعين الماضيين تلقيت دعوة كريمة من المهندس محمد أمين محرم مقرر اللجنة الثقافية بنادي الصيد بالدقي. كانت الدعوة محددة لمناقشة كتاب أحد الأعضاء وهو الأستاذ فوزي فراج وكتابه بعنوان «خميلة الزهور». وبدأت أقرأ الكتاب، فإذا بي أعثر علي مفاجأة أدبية رائعة. إنسان يعيش الحاضر ويغوص في التاريخ الفرعوني القديم ، ولا مانع من التوقف هنا وهناك عند الحكايات والأساطير الشعبية ، وذكر بعض أبيات من الشعر أو رواية أحداث من التاريخ الفرعوني أو المعاصر أو الشعبي ، وهو يسرد عليك حكايته أو موضوعه ، وهو يمزج الحاضر بالماضي ويفرز منه تلك المعلومة التي تجعلك تدرك الكارثة التي نعيشها أو السفساد الذي انحدرنا إليه أو الفرصة التي فاتتنا، أو ذلك الإنسان الرائع الذي قابلناه ولم نلتفت إليه وهو يمثل قيمة كبيرة في حياة المصريين لا يلتفتون إليها! ويحرص الأستاذ فوزي فراج في حكاياته أو قصصه علي سرد الواقعة مستدلا عليها من خلال أحداثها الجارية أو تاريخها الذي لا يذكره الناس الذين اندفعوا نحو الجديد القادم مع الحياة الجديدة التي انجرفنا نحوها بحكم إلحاح الدعاية علينا فنسينا الفول والطعمية وتباهينا بالهامبورجر والكنتاكي والبج ماك إلي آخره.. تلك المأكولات الواردة من الغربّ. وبدلا من الارتواء بماء النيل انجرفنا نحو الكولا والبيبسي وتركنا الكاركديه والتمر هندي والخروب والعرقسوس! والقصة الأخيرة كانت عن الطاقة الشمسية التي يبشرنا بها لتنقل مصر من الدول الصغيرة إلي الدول الكبري. كتاب قد لا يجذبك عنوانه الرومانسي ( خميلة الزهور)، ولكنك إذا بدأت في قراءته لن تتركه، وبعد أن تضعه جانبا ستجد أنك ازددت علما ومعرفة بأمور كثيرة مثل البرسيم الحجازي والبرسيم المستكاوي، وقصة عروس النيل ، وحكاية الأصدقاء الأربعة الذين تمردوا علي الظلم وثاروا لكرامتهم ، وكأنه يتنبأ بثوار 25 يناير 2011. كتاب الأستاذ فوزي فراج من الكتب عالية القيمة التي يجب أن يتصفحها وزير التربية والتعليم ليصدر قرارا لجميع مكتبات مدارس الحكومة بضرورة اقتناء أكثر من نسخة للمكتبة حتي يكون الكتاب متاحاً ليقرأه أبناء وبنات مصر ، فيعرفون حاضرهم وماضيهم ويتطلعون إلي المستقبل متسلحين بالمعرفة والحكمة التي تركها لنا أبناء الحضارة المصرية القديمة ، والحضارة القبطية والحضارة الإسلامية ! ويعلم أبناء وبنات مصر أنه لا توجد حقيقة في العالم إلا وكان مصدرها مصر. كتاب (خميلة الزهور ) الذي ألفه الأستاذ فوزي فراج بدافع شخصي لمواجهة الأدب المستورد الذي طغي علي الشباب مثل ( هاري بوتر - وبات مان ) الذي جعل سيرنا الشعبية ذائعة الشهرة تتواري ، والجدة المصرية اليوم لا تذكر لأحفادها تلك الحكايات والحواديت التي كان أولاد وبنات مصر يحفظونها عن ظهر قلب ويتناقلونها جيلاً بعد جيل وجرت الأجيال الحديثة وراء الكتب الغربية التي جعلت بعض الأجيال الجديدة تنفصل عن الواقع المصري! والمؤلف له خلفية عسكرية ، ولكنه مغرم بالتاريخ المعاصر والقديم فجاء كتابه ليسد فجوة كبيرة في ثقافتنا المصرية لذلك فإنني أكرر ضرورة إرسال نسخة إلي وزير التعليم ليقرأها، ويعلم أن، هذا كتاب مهم يجب أن يكون بين أيدي أولادنا وبناتنا في الدراسة الثانوية حتي يعرفوا شيئا عن الحاضر وارتباطه بالتاريخ القديم. والمؤلف فوزي فراج يقول عن نفسه أنه ( مصري فرعوني عربني الإسلام ) ، وهو لا يؤلف قصصا بالمعني التقليدي للقصة ولكنه يسترسل في سرد أفكاره بمشاعر صافية تنم عن عشق للمكان وللحضارة وللمعرفة. ولقد قدمت لهذا الكتاب الأستاذة الدكتورة سميرة أحمد سالم ، أستاذة بكلية العلوم بجامعة القاهرة وعضو الثقافة العلمية بالمجلس الأعلي للثقافة. ولقد استعرضت الدكتورة سميرة في مقدمتها ما رواه الكاتب فوزي فراج وعرفتنا عليه من خلال كلمات قليلة تشي بمضمون الحكاية وتشوقنا لقراءتها، وفي كثير من الحكايات مزج فوزي فراج الواقع من خلال الملاحظة والمفارقة بالحقيقة وراء هذا الواقع. ففي قصته اللافتة يروي فوزي فراج قصة الأميرالاي (سيد طه) قائد لواء الفالوجا في معارك 1948 مع الصهاينة وكيف أنه شعر بحسرة وألم لتواضع التكريم لبطل عظيم من أبطال حرب 48 عندما أطلق اسمه علي حارة صغيرة وليس شارعا من الشوارع المهمة. وتتكرر الاكتشافات في قصص وحكايات أخري مثل إكسبريس الشرق ، المعلم ، الطاقة الشمسية والبراعم المتفتحة. إن ( خميلة الزهور ) كتاب رائع أدعو إلي قراءته والاحتفاظ به في مكتبك. والمفاجأة كانت أن ناشر الكتاب هو الصديق العزيز الأستاذ جمال البنا صاحب دار الفكر الإسلامي ، كما أن الغلاف من تصميم ابنه المؤلف الأستاذة أسماء فوزي التي اختارت ألواناً للزهور وللخميلة فيها قوة المعرفة وبساطة الإدراك للمعني الجميل الذي ترويه الحكايات، وبساطة للمعلومات الرائعة التي تضيف إلي معرفة القارئ. مرة ثالثة أدعو وزير التربية والتعليم إلي قراءة الكتاب ووضعه ضمن مناهج القراءة لشباب الثانوية العامة. وتستمر الأمسية الرائعة حول كتاب الأستاذ فوزي فراج فيعلق عدد من الحاضرين علي الكتاب ويذكرون انطباعاتهم ومشاعرهم بعد قراءة الكتاب وقد كان الجزء الثاني من الأمسية أكثر ثراء من الجزء الأول الذي كنت فيه المتحدث عن الكتاب ، ومن بعدي قام بالتعليق علي الكتاب مقرر اللجنة الثقافية المهندس محمد أمين محرم ، وهو شاعر رقيق له قصائد قصيرة وطويلة وله أكثر من ديوان شعر ! وكان النظام المتبع أن يوالي السادة الحضور من أدباء نادي الصيد التعليق علي الكتاب وتقديم النقد أو التقييم كل من وجهة نظره. وأشهد أن هذه التجربة كانت ثرية وتنم عن الكنوز المخبأة في وجدان الحضور من أدباء وشعراء نادي الصيد. لقد كانت التعليقات عميقة.. ثرية ومفيدة استفدت منها شخصيا ، وأضافت أبعاداً جديدة لإحساسي بقيمة هذا العمل الأدبي الكبير. وأعود إلي الشاعر الكبير المهندس محمد أمين محرم الذي قدم لي ديوانه بعنوان ( إليها ) الذي أهداه إلي زوجته. وكما ذكر : حبا وتقديرا لمشوار حياة ومصير.. مشيناه سويا. واعتذارا عن أية إساءة أو تقصير.. كان عفويا. وكانت زوجته قد توفيت منذ شهور. وللشاعر المهندس محمد أمين محرم قصيدة قصيرة عن الشهيد وأخري تجدها منشورة في هذا العدد. أما الشاعرة إيمان الهواري فلها أشعار كثيرة تكتبها بخط اليد وخطها جميل قل أن نري مثله بعد أن توارت حصة الخط العربي ، وأصبحت جزءا من علوم أخري في اللغة العربية بعد أن كانت فنا يقف بلا منافس في علوم النحو والصرف والإعراب والإنشاء والإلقاء الخ. والشاعرة إيمان الهواري لها وجه مبتسم صبوح ، ومعاني الكلمات في أشعارها عميقة وتنم عن رؤية وجدانية مستقلة ومبنية علي أساس من الثقافة الممزوجة بالمعرفة والإدراك الواقعي الذي يعيشه الإنسان المصري. وتنشر صباح الخير للشاعرة إيمان الهواري قصيدة حديثة كتبتها بعد ثورة 25 يناير 2011 واستمعنا إلي شاعر آخر عميق الحس والوجدان ، ترنم بقصيدة بعنوان ( أم جرجس) تحوي من المعاني المصرية الجميلة ما ينم عن فهم وإدراك لواقع مصري نعيشه جميعا ، وتذكرنا به تلك الأفعال الخسيسة والدنيئة التي ترتكب باسم التعصب أو التوتر الديني ، وهي أمور مفتعلة ولا أساس لها في حياة ووجدان المصري الأصيل. الشاعر اسمه محمد العقاد. وتتوالي التعليقات من الحاضرين ويمتد اللقاء الذي بدأ في السابعة والنصف حتي قاربت عقارب الساعة العاشرة والنصف. وهنا قرر مقرر اللجنة الثقافية التوقف وإرجاء ما تبقي إلي الجلسة القادمة يوم الأربعاء القادم ، الذي يقرأ فيه الأعضاء بعض القصص أو يلقون بعض الأشعار. ويوم الجمعة القادم سوف يقدم فريق نادي الصيد للموسيقي العربية حفلا موسيقيا من التراث الموسيقي العربي. وكان ذلك مفاجأة لي أن أعرف أن للنادي فرقة للموسيقي العربية ، وعلمت أيضا أن هناك كتاباً للقصة القصيرة والرواية يأتي في مقدمتهم مدير عام النادي الأستاذ محمود النواصرة الذي قدم رواية قدمتها له الإذاعة وهناك اتصالات نحو تقديمها في التليفزيون. وسوف أحدثكم عن هذه القصة وعن قصة دلال العايقة للأستاذ عصام الأسبوع القادم بإذن الله.