سعر الذهب اليوم في مصر يهبط ببداية تعاملات الخميس    أسعار كرتونة البيض اليوم الخميس في الأسواق (موقع رسمي)    إرسال مشروع تجديد العمل بقانون إنهاء المنازعات الضريبية لمجلس الوزراء    مطار القاهرة يواصل استقبال أفواج الحجاج بعد أداء مناسك الحج    الرئيس الفيتنامي: نسعى لتطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع روسيا    الأمم المتحدة تحيي اليوم العالمي للاجئين    موعد مباراة الزمالك وفاركو في الدوري الممتاز والقناة الناقلة    «تجهيز مابولولو وعودة الوحش».. الاتحاد السكندرى يستأنف تدريباته استعدادًا لفاركو في الدوري    تعرف موعد التحقيق مع محمد عواد فى الزمالك    منتخب السويس يلتقي سبورتنج.. والحدود مع الترسانة بالدورة المؤهلة للممتاز    غلق منشأة وإعدام 276 كيلو أغذية منتهية الصلاحية بجنوب سيناء    قرارات النيابة بشأن عقار وسط البلد المنهار    تصل إلى 200 ألف جنيه، أسعار حفلة عمرو دياب بالساحل    في ذكرى رحيل محمد صديق المنشاوي.. أبرز محطات حياة القارئ الباكي    القضاء الفرنسي يحاكم امرأتين أدعتا أن بريجيت ماكرون متحولة جنسيا    خبير فلسطينى: ما تطرحه واشنطن وبايدن لوقف إطلاق النار بعيد عن التنفيذ    224 ألف زائر لحديقة حيوان الإسكندرية خلال أيام عيد الأضحى    شهيدتان وجرحى بينهم أطفال جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة    كيتو: استعادة 95% من التيار الكهربائي بعد انقطاعه في جميع أرجاء الإكوادور    متفائل جدًا.. تركي آل الشيخ يروج لفيلم نانسي عجرم وعمرو دياب    كيفية الشعور بالانتعاش في الطقس الحار.. بالتزامن مع أول أيام الصيف    خلال 24 ساعة.. رفع 800 طن مخلفات بمراكز أسيوط    في هانوي.. انطلاق المباحثات الثنائية بين الرئيس الروسي ونظيره الفيتنامي    فيلم "ولاد رزق 3" يتخطى 114 مليون جنيهًا منذ عرضه بالسينمات    مبدأ قضائي باختصاص القضاء الإداري بنظر دعاوى التعويض عن الأخطاء    اسعار حفلات عمرو دياب في مراسي الساحل الشمالي    عاجل:- استقرار أسعار الحديد والأسمنت في مصر بعد عيد الأضحى    عاجل:- وفاة العديد من الحجاج غير النظاميين خلال موسم الحج 1445ه    إلى أين تتجه التطورات على حدود إسرائيل الشمالية؟    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم بكفر الشيخ    تعرف على خريطة الكنائس الشرقيّة الكاثوليكية    الآلاف في رحاب «السيد البدوى» احتفالًا بعيد الأضحى    هيئة الداوء تحذر من 4 أدوية وتأمر بسحبها من الأسواق    أسرع مرض «قاتل» للإنسان.. كيف تحمي نفسك من بكتيريا آكلة اللحم؟    التخزين الخامس خلال أيام.. خبير يفجر مفاجأة بشأن سد النهضة    وزير الداخلية السعودي: موسم الحج لم يشهد وقوع أي حوادث تمس أمن الحجيج    yemen exam.. رابط الاستعلام عن نتائج الصف التاسع اليمن 2024    إيقاف قيد نادي مودرن فيوتشر.. تعرف على التفاصيل    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    يورو 2024| صربيا مع سلوفينيا وصراع النقاط مازال قائمًا .. والثأر حاضرًا بين الإنجليز والدنمارك    مشروع دولى لاستنباط 10 سلالات من القمح المقاوم للملوحة    تشييع جثامين أم وبناتها الثلاث ضحايا حادث انقلاب سيارة في ترعة بالشرقية    «آخرساعة» في سوق المدبح القديم بالسيدة زينب| «حلويات المدبح»    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    "تاتو" هيفاء وهبي وميرهان حسين تستعرض جمالها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حمدي الميرغني يوجه رسالة ل علي ربيع بعد حضوره مسرحية "ميمو"    خاص.. موقف الزمالك من خوض مباراة الأهلي بالدوري    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 20 يونيو.. «وجه تركيزك على التفاصيل»    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 20 يونيو 2024 في البنوك    توني كروس بعد التأهل: من النادر أن نفوز بأول مباراتين في بطولة كبرى    مشروبات صحية يجب تناولها عقب لحوم العيد (فيديو)    تعرف علي المبادرات التي أطلقتها الدولة المصرية لتدريب الشباب وتأهيلهم وتمكينهم    بعد انتهاء أعمال الحج.. علي جمعة يكشف عن آداب زيارة مقام النبي والمسجد النبوي    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    ما هي علامات قبول الحج؟.. عالم أزهري يجيب    علي جمعة ينصح: أكثروا في أيام التشريق من الذكر بهذه الكلمات العشر    ما هي الأشهر الحرم وسبب تسميتها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكاية..جزء من رواية تحت الطبع بعنوان رحلة الضباع
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 10 - 2012


سهير المصادفة:
أنا من سلالة جارية عربية ملتاثة‏,‏ أرادت لسبب أجهله أن تحكي حكايتها من جيل لجيل‏..‏ كانت شروطها لإيصال الحكاية إلي عبر ألف وأربعمائة عام معقدة لدرجة أنني ظللت طوال خمسة أعوام أفكر لمن سأحكيها وما أهميتها علي أية حال‏,‏ فكنت أهملها صباحا لتطاردني ليلا‏,‏ الجارية صاحبة الحكاية حكت تفاصيل رحلة قامت بها استغرقت تقريبا عمرها الذي لم يعرف أحد عدد سنواته, فوقتها كان عمر المرأة يحسب بالتجاعيد التي يحفرها الزمن علي وجهها يوما بعد يوم, حكت إذا الجارية الحكاية لحفيدتها التي عثرت عليها مصادفة في نهاية رحلتها ومن ثم أوصت هذه الحفيدة بألا تحكي حكايتها إلا لحفيدتها شريطة أن تكون هذه الحفيدة من ابنتها لا من ابنها وأيضا ألا تحكي أية جدة لحفيدتها هذه الحكاية إلا بعد أن تتأكد من وجود الموت علي بعد ثلاثة أيام منها, قالت الجدات حفيدات الجدة عبر قرون.. ربما حتي لا تتردد الحكاية في سلالة واحدة فالمرأة لأنها جذر بلا رأس تتوزع علي كل السلالات, وخمنت الجدات حفيدات الجدة عبر قرون.. أن الجدة أرادت بذلك منع وصول الحكاية إلي ذكور القبيلة, وقالت الجدات حفيدات الجدة عبر قرون.. إنهن لم تفهمن أبدا العبرة من حكاية رحلة الجدة الكبري أو ضرورة وصيتها المشددة لنقلها وفقا لما وضعته من شروط ولكنهن ظللن ينقلنها علي الرغم من ذلك حتي وصلت إلي ويا للغرابة وفقا لشروطها. عندما اختارتني جدتي لأمي منذ خمسة وعشرين عاما وبالضبط قبل زواجي بعام وموتها بثلاثة أيام, استمعت إليها بفتور وحنق فقد كنت غارقة آنذاك في أبيات شكسبير, أخذت أحاول وأنا أمسح لعابها من آن إلي آخر أن أكبح جماح غيظي كي لا أصيح في وجهها: لا أريد أن أسمع شيئا من هذه الترهات, اذهبي أنت وحكايتك وجاريتك المخبولة إلي الجحيم, لا أريد وصاياك الرخيصة في عشق الرجال, لا أريد أن تظللني تحت خيمتها جارية جاهلة مخبولة يقال إنها كانت ساحرة ضاق قومها من الكوارث التي تطلقها في الفضاء فهموا بحرقها في حفرة في الرمال, لا أريد أن توصيني بنقل هذا القرف إلي حفيدتي أو أي كائن كان. ولكنني لم أتفوه بشيء وظللت أستمع طوال ليلتين ونصف الليلة إلي الحكاية التي ماتت عند نهايتها جدتي, وأنا أؤكد لنفسي بعد كل مشهد أن أنساها بمجرد أن تلفظ نفسها الأخير وتموت لتستريح من مشاهد هذه الحكاية المثيرة للغثيان, وقتها لم أفهم كثيرا ما علاقة حرب من الحروب لم أكن أستوعب أسبابها بالحب أو حتي بالضباع, ولكن المدهش أن الحكاية عادت بعد أكثر من ربع القرن لتطاردني بقسوة, أتذكرها كلمة كلمة ولا يقطعها إلا لهاث جدتي ومحاولة ابتلاعها لهواء الغرفة كله حتي تستطيع إكمالها.. تساءلت طوال ذلك الوقت.. ما الذي ضاع عبر قرون من الحكاية؟ ما الكلمات التي اندثرت منها أو التي استبدلت وحلت محلها كلمات أخري ليستطيع لسان الجدات المتعاقبات نطقها؟ ولماذا ناضلت بعض الكلمات عبر قرون لتبقي علي الرغم من صعوبة نطقها؟ وهل بالفعل لم تختف بعض أحداث الحكاية في ثنايا الزمن وخجل الجدات المتعاقبات وإحجامهن عن سرد ما يجرح ملوك وذكور القبيلة؟ كانت جدتي تحكي بخوف من يحاول إنجاز عمل سيحاسب عليه قريبا, كانت عيناها تجحظان فجأة وعروق رقبتها تنتفخ حتي تكاد تنفجر رعبا إذا واتتها فكرة ألا تستطيع إكمال الحكاية ثم تنظر إلي بهدوء ويقين من يعرف أنه سيصل إلي الشاطئ رغم ابتلاع دوامة عاتية له وهو في منتصف البحر تماما..
الآن أعرف هذا الهاجس الملح الذي جرجر جميع الجدات لتنفيذ الوصية بحذافيرها رغم عدم فهمهن للحكاية, الآن أعرف أن سرد الحكاية يكاد يكون لعنة توارثتها حفيدات الجدة ولا خلاص منها إلا بأن تحكي. قالت الجدات حفيدات الجدة إنهن رأينها في أحلامهن وهي تمسك عصاها التي كانت تهش بها علي غنمها وتهددهن بهذه العصا أن ينفذن وصيتها في حكي الحكاية.. أنا لم أر بالطبع في أحلامي الجارية جدة الجدات ناقلات الحكاية, أنا حتي لم أر جدتي لأمي في حلم واحد بعد موتها, وظللت بعد هذا العمر وبعدما تيقنت من عقري التام أتساءل: كيف تسني الحفاظ علي وصيتها لأكثر من ألف وأربعمائة عام؟ أو لم تولد طوال هذه السنوات لهذه الجدة حفيدة لم تستطع إنجاب إلا الذكور؟ أو لم تتزوج إحدي حفيدات هذه الجدة من رجل عقيم؟ أو لم تولد لهذه الجدة حفيدة عاقر قبلي؟ أو لم تولد لهذه الجدة عبر قرون حفيدة كانت قبيحة أو كريهة الرائحة لدرجة عدم استطاعة أي رجل الاقتراب منها لشمها أو الاجتراء علي النظر إليها وبالأحري زواجها؟ أو لم تمت جدة من الجدات عبر قرون قبل أن تكبر حفيدتها وتستطيع الاستماع إلي هذه الحكاية؟ عندما سألت جدتي هذا السؤال في بداية انطلاقها لحكي الحكاية همست بسخرية غامضة: للمرأة يا بنتي دروبها الخاصة التي لم يطأها سواها إلا الأبالسة. في الحقيقة وصل إلي من تأكيدها الصارم غير القابل للمناقشة أن هذا ما حدث بالفعل وإلا كيف وصلت إليها الحكاية هي الأمية التي لا تستطيع قراءة حرف واحد وكانت تستخدم كلمات خارجة للتو من المعاجم العربية وفي بعض الأحيان ولأنها كانت كلمات مهجورة كنت أصحح لها نطقها؟ وهنا كان علي منطقي الذي تعلمته في الكتب الجامعية أن يخبط رأسه في أي جدار يقابله, وكان علي أن أصدق بسبب مطاردة الحكاية لي ليلا ونهارا بأنني آخر من ستحكي حكاية جدتي وأنني أول من ستخترق الوصية في طريقة حكيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.