• البعض ينسبون اجتهادهم لله.. وحال المجتمع ينضبط بالقانون.. وجميع محاولات تجديد الخطاب لم تتبلور بعد فى مشروع محدد المعالم قال أستاذ الفقه المقارن فى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، سعد الهلالى، إن «فرض رجال الدين وصايتهم على الناس، ونسب حديثهم إلى الله» هو سبب أزمة الخطاب الدينى الحالية، ويعتقد، فى حواره ل«الشروق»، أن رفع أياديهم عن الناس وتحكيم القانون فى أمور معيشتهم هما سبيل التجديد المطلوب للخطاب، وإلى نص الحوار.. • هل ترى أى تقدم ملموس فى قضية تجديد الخطاب الدينى؟ هناك حراك فى شأن الخطاب الدينى، وهناك اجتهادات من بعض المتخصصين وكذلك بعض الإعلاميين، لمحاولة تحريك الخطاب والتجديد فيه، لكن كل هذه المحاولات لم تتبلور بعد فى مشروع محدد المعالم يصلح سلبيات الخطاب الدينى السابق. • وما أسباب تعثره فى رأيك؟ هناك سبب جوهرى، وهو أن كل من من يتحدث فى الخطاب الدينى، فى أى ملة من المِلل السماوية أو غيرها، يعتقد أن قوله وقناعته هى الصواب المطلق وما عداها باطل مطلق، بينما يجب على من يتحدث عن الخطاب الدينى أن يقدم قناعته على أنها فقط قناعته ورؤيته وليست الصواب المطلق، الذى هو فى علم الله عز وجل حتى يتلقى المتلقون تلك الخطابات المتعددة والمتنوعة والمتعارضة، بكل حرية، فيختار المواطن من كل معلومة سمعها الأحسن والأكمل والأخيَر منها، لأن المنافسة فى اختيار الأحسن والأفضل للإنسانية جمعاء وليس لطائفة من الطوائف أو لرموز من البشر، فقال تعالى: «وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ». والمقصود هنا التفاسير وليس النصوص، لأن كل النصوص التى نزلت من السماء أحسن، ولكن التفسير المنبثق عن النص متعدد، فلما كان التفسير متعدد كانت المنافسة بين البشر للبحث عن الأفضل. ولا يصح أن نقصى البشر أو أفراد المجتمع من هذه المنافسة، أصحاب الخطاب الدينى يريدون إقصاء أفراد المجتمع عن هذه المنافسة، وأن يتم تقسيم المجتمع وأفراده عليهم كزعامات دينية، وتحويل المجتمع إلى طوائف، وهو شر مقيت، يتم استغلاله فى الوقت المناسب لإيقاع الحرب الأهلية. • إذن ما الحل من وجهة نظرك؟ الحل فى أن يركز أصحاب الخطاب الدينى فى التفسير والتوضيح، ويبتعدوا عن الوصاية على الشعب. ودليلى على ما أقول هو أمر الله إلى النبى بهذا، فى قوله: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»، وقوله : «فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ» وكذلك قوله: «مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ»، وقوله للناس: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ»، و: «مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ» و:«الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ»؛ إذن وظيفة صاحب الخطاب الدينى ألا ينصب نفسه حارسا للعقيدة، ولكل إنسان يختار الرأى الذى يراه ويؤمن به بينه وبين ربه. الدين الصحيح هو علاقة والتزام بين الإنسان وبين ربه، فأنا أصلى لأرضى الله وليس إرضاء أو إيذاء لأحد، ثانيا أن المجتمع ينضبط حاله بالقانون، فلابد من تحكيم أمور معيشة الناس بعضهم مع بعض بالقانون، فالقانون وظيفته تنظيم حياة الناس بعضهم مع بعض دون التدخل فى دين أحد. • على من تقع مسئولية تجديد الخطاب الدينى.. هل على رجال الدين أنفسهم أم على آخرين؟ المجتمع بالكامل مسئول، بعد وضع أطر قانونية حاكمة لأمور المعيشة، مع تحوُّل أصحاب الخطاب الدينى من أوصياء إلى علماء معلمين ومنبِّهين فقط، فبحكم الدستور: الأزهر مؤسسة علمية، وهو حاليا يقوم من خلال معاهده الدينية وكلياته بالتعليم لا بالوصاية، وحينما ينتهى الأزهر إلى رأى معين، فهو رأى قائله وليس رأى الدين، فنسبه إلى الدين معناه أنه مفوض من الله، ولا يصح أن ننسب إلى الله إلا ما قال، بينما كما ذكرت تفسير النصوص الدينية القرآنية أو الإنجليلة أو التوراتية بشرى، وهنا بداية حل القضية، وإذا بدأناها بشكل صحيح ففى خلال أشهر قليلة أزمة الخطاب الدينى ستحل. • حديثك هذا قد يقابل باعتراضات من قِبل البعض؟ أول المعارضين لما أقول هم أصحاب الخطاب الدينى أنفسهم، لأن «التورتة» التى فى أيديهم ستذهب، وستصير السلطة للقانون بينما هم يريدون حكم الناس بالفتاوى، فيوسف القرضاوى مثلا قال فى جلسة من الجلسات إن الفتوى التى يقولها على قناة الجزيرة يلتزم بها 10 ملايين. هؤلاء منتفعون من الخطاب الدينى بالوجاهة الاجتماعية، فأصحاب الخطاب الدينى بشر، يخطئون مثل باقى البشر، ومع ذلك يتم إلقاء الضوء على أخطاء سائر البشر بينما أخطاء أصحاب الخطاب الدينى يتم التجاوز عنها مراعاة لاسم الدين الذى ينتسب إليه، فهل هذا عدل؟ • هل تعتقد أن تعثُّر محاولات التجديد متعمد؟ كل من له رغبة فى الوصول لحكم الشعب بالدين أو أخذ وجاهة اجتماعية بالدين يحرص على عدم تجديد الخطاب الدينى، لأن تجديد الخطاب الدينى معناه إزالة التكسب باسم الدين سواء كان سياسيا أو ماليا أو وجاهة ومنزلة اجتماعية، وهؤلاء منتفعون من الوضع القائم ويقاومون أى محاولة للتغيير. • البعض يرى حديثك أقرب للخطاب العلمانى؟ أصحاب الوصاية الدينية هم من يريدون تشويه الحقيقة هذه، بتلك التهم التى لا دليل عليها، ألا يتفق حديثى مع الآيات التى ذكرتها؟ ومع الحديث الذى رواه مسلم عن بريدة، والذى لا يستطيع أصحاب الخطاب الدينى تكذيبه، أن النبى كان «إذا أرسل أميرا على جيش قال له إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا»، والمشكلة أن أصحاب الخطاب الدينى ينسبون اجتهادهم لله، للاستقواء حتى يخيفوا المستمعين من أن يعارضوهم، وأنا هنا لا أخص الخطاب الدينى الإسلامى.