مجلس الوزراء: حرصنا على مراعاة البعد الاجتماعي في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي    عمرو أديب يروي قصة الجاسوس إيلي كوهين: استهدف مصالح أمريكية بمصر قبل هروبه إلى إسرائيل وتجنيده    وزير الخزانة الأمريكي: العقوبات ضد روسيا في عهد بايدن كانت "غير فعالة"    استطلاعات الرأى عقب الانتخابات تشير إلى أن الناخبين في بولندا يتجهون لجولة إعادة لاختيار رئيسهم المقبل    يوفنتوس يحافظ على المركز الرابع في الدوري الإيطالي بثنائية أودينيزي.. فيديو    إنتر يتعثر أمام لاتسيو ويؤجل الحسم للجولة الأخيرة    إصابة مزارع في مشاجرة بسبب خلاف على حدود أرض زراعية بسوهاج    المنتج ماهر فودة يحضر العرض الخاص ل "المشروع X" بصحبة خالد صلاح وشريهان أبو الحسن    قصور الثقافة تعرض "مرسل إلى" على مسرح الزقازيق.. صور    سعيد العويران: الزمالك مظلوم والكرة المصرية تتراجع    الدورى الإيطالى.. خيمينيز يقود ميلان لمواجهة روما    تمهيدًا لانتقاله إلى ليفربول.. فريمبونج يخضع للفحوصات الطبية    عضو مجلس نقابة المحامين: الرسوم القضائية الجديدة مخالفة للدستور.. والإضراب مستمر    الدفع أو الحبس.. صالح جمعة يواجه مصيرا غامضا بسبب النفقة    البابا لاون الثالث عشر يصدر قرارًا بإعادة تأسيس الكرسي البطريركي المرقسي للأقباط الكاثوليك    محافظ الدقهلية يستعرض مستجدات إنشاء موقف جديلة الحضاري    «احذر الاقتراب منهم».. 4 أبراج تفتعل المشاكل باستمرار    بتول عرفة: كارول سماحة نموذج استثنائى للاحتراف وتحمل المسئولية على المسرح    صناع الأفلام العرب الصاعدون يجتمعون في جلسة نقاشية بالجناح المصري بمهرجان كان    شقيقة سعاد حسني: السندريلا كانت تحتفظ بعقد زواجها من العندليب والجواب لم يكن بخط يدها    أمين الفتوى يحسم حكم سفر المرأة وأداء الحج دون محرم: جائز بشرط    "تعليم القاهرة" تكرم الطلاب الأوائل في المسابقة الدينية للعام الدراسي الحالي    نجاح جراحة دقيقة لإصلاح كسر بالرقبة للمرة الأولى في الدقهلية    موقع تحميل النماذج الاسترشادية للصف الثالث الثانوي 2025 (الرابط)    «رابطة المستأجرين» ترد على الملاك: دفعنا ما يعادل كيلو ذهب «خِلِو»    وزير التموين يناقش رسالة دكتوراه عن القيادة والولاء الوظيفي بجامعة حلوان    المركز القومي للمسرح ينظم مؤتمرًا علميًا واحتفالية فنية بمناسبة اليوم العالمي للتنوع الثقافي    الرئيس الإيراني: الغرب تجاهل رسائل السلام التي بعثناها    خبير روسي: انقسام بين العسكريين والاقتصاديين حول إنهاء حرب أوكرانيا    ما لا يجوز في الأضحية: 18 عيبًا احذر منها قبل الشراء في عيد الأضحى    كيف نعالج السهو في الصلاة ؟.. عالم أزهري يوضح    إزالة 9 مخالفات بناء في حملة بالعريش    5 مشروبات طبيعية تخلص جسمك من الأملاح الزائدة (تعرف عليها)    في 5 خطوات.. طريقة تنظيف الثلاجة والتخلص من الروائح الكريهة بسهولة    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب في سيارة تحمل كرتون مضغوط بالمنوفية    9 وزارات تدعم الدورة الرابعة لمؤتمر CAISEC'25 للأمن السيبراني    علاء عبد العال: بيراميدز فرط في الصدارة.. والأهلي الأقرب لحسم الدوري    الداخلية تكشف حقيقة فيديو محاولة فتاة لخطف طفل بالدقهلية    أحكام الحج والعمرة (1).. علي جمعة يوضح شروط ووجوه أداء العمرة    جهاز تنظيم الاتصالات يناقش أبرز تحديات المستخدمين في عصر الجيل الخامس    وزير الدفاع الباكستاني: تلقّينا عرضًا هنديًّا للتفاوض حول كشمير والإرهاب.. ولا يمكن تجاهل الدور الدولي    محافظة الجيزة تزيل 3 أدوار مخالفة فى عقار بحى العجوزة    رئيس جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية يتفقد سير امتحانات نهاية العام -صور    فصل التيار الكهربائي عن 5 مناطق بالعريش غدًا.. تعرف عليها    الهلال الأحمر الفلسطيني: الاحتلال يستهدف بشكل متعمد المراكز الطبية في غزة    الداخلية تواصل تيسير الإجراءات للحصول على خدمات الجوازات والهجرة    أشرف العربى: تحسن ملموس فى مستوى التنمية فى مصر    الشيوخ يحيل تقارير اللجان النوعية إلى الحكومة    رئيس «تعليم الشيوخ» يقترح خصم 200 جنيه من كل طالب سنويًا لإنشاء مدارس جديدة    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع لسرقته    «مأزق جديد».. بيراميدز يدرس عدم خوض مباراة سيراميكا ويلوح بالتصعيد    التعليم العالي: قافلة طبية من المركز القومى للبحوث تخدم 3200 مريض فى 6 أكتوبر    وفاة بالسرطان.. ماقصة "تيفو" جماهير كريستال بالاس الخالدة منذ 14 عامًا؟    حماس: الإدارة الأمريكية تتحمل مسئولية المجازر الإسرائيلية بغزة    محافظ الدقهلية يفتتح الوحدة الصحية بالشيخ زايد بمدينة جمصة    فيديو.. لحظة اصطدام سفينة بجسر في نيويورك ومقتل وإصابة العشرات    أشرف العربي: رغم التحسن الملموس في أداء التنمية في مصر إلا أنه لازال أقل من المأمول    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صباحات ربيعية معدودة
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 06 - 2016

هناك صباحات تفرض جمالها علينا، تتسلل شمسها من وراء الشباك فتدخل إلى روحنا وتداعبها. حين نستيقظ بعد ليلة عسيرة تقلبنا فيها فى فراشنا، وقد وقفت أمامنا كل الأشباح تصرخ فى وجهنا، نفتح العين الأولى ونغلقها بسرعة علنا نقنع أنفسنا أننا ما زلنا نائمين، ثم نسمع طرطقة فى البيت أو صوت أحدهم فى المطبخ فندرك أن علينا القيام من السرير.
ببطء نبدأ يومنا دون أن نشذ عن الروتين: نضع الماء لتغلى فى المطبخ ريثما ندخل الحمام لنغسل وجوهنا، نخرج ونعد القهوة التى ننقلها معنا فى أرجاء البيت. ننظر بسرعة من الشباك فتظهر الشجرة المقابلة بكل زهوها. نغض بصرنا كأننا لمحنا جارة تتعرى أمام زجاج بيتها، فللشجرة جمال يفاجئنا كل صباح. ننظر ثانية لنتأكد من جمال الجارة بعد أن يتغلب الفضول على الحياء، فتنفجر الشجرة أمامنا بلون أوراقها الأحمر الذى يظهر شهرا واحدا فى السنة فقط. لونها الصاخب يلتف حول مزاجنا المتعكر فيلونه دون أن يطلب منا إذنا أصلا. نكمل برنامجنا الصباحى، ونخرج من البيت إلى الشارع فى اللحظة التى تخلع الشمس فيها عن نفسها فستان الغيمة البيضاء وتضحك لنا. هل نحييها أم نكمل يومنا المتعكر؟ لننظر إليها خلسة ريثما نقرر.
نمشى باتجاه العمل فنمر قرب الشجرة التى ندهتنا من وراء الشباك، هى تلعب لعبة الاستغماية مع الشمس حين ننظر إليها فتعمينا الشمس ثوانى ويغمرنا اللون الأحمر ثانية أخرى. هناك صباحات ربيعية معدودة، قد تكون عشرة أو عشرين يوما فى السنة كلها، تكون روحنا ما زالت عالقة فى الشتاء، لكن صباحا ربيعيا أحمر ومشمسا يسحبها إلى حضنه غصبا عنها.
***
هناك صباحات لا ندرى كيف تتحول فيها التفاصيل اليومية إلى قصة حب، قد يكون أننا نرى فى فنجان القهوة صباحا آخر جلسنا فيه مع صديق أصبح اليوم بعيدا، نصب فنجانا تلو الآخر بينما نتناقش معه حول معنى الحياة. نحن لا نذكر تفاصيل الحديث بقدر ما نرى أمامنا حركة يديه، وهو يصب القهوة المغلية فى فنجان أصفر، فتقع بعض قطرات القهوة على الصحن الصغير ويمسحها بمنديل يتركه بين الصحن والفنجان. ماذا قال لنا يومها؟ لا يهم، لكننا نتذكر دفء الشمس تماما كما هو اليوم، قد تكون جلسة القهوة تلك حدثت أيضا فى يوم ربيعى، لعبت فيه الشمس بدلال مع غيميتين فى السماء، فبرد الجو تارة وسخن تارة أخرى ونحن نبكى أمام أختنا لرحيل من نحب، وهى تقول لنا إنه لا فائدة من ذاك الشخص أصلا.
***
فى الربيع تحتال علينا السماء فنراها صافية من وراء الشباك، ننزل إلى الشارع فنرفع ياقة القميص، ونكتف يدينا أمام صدرنا حين تصبح علينا النسمة الباردة، نبتسم دون أن يكون ذلك لشخص بعينه، إنه الربيع ووعد بحياة جديدة، إنها قيامة الأرض والورود من السبات وعودة العصافير إلى الحى، حتى فى المدن الإسمنتية الحديثة والبشعة، هناك بين حائطين يظهر عرق أخضر، من أين خرج وكيف شق لنفسه طريقا عبر الحائط؟
لم أكن فى صغرى أحب الربيع بشكل خاص فهو لم يكن دراماتيكيا بما فيه الكفاية بالنسبة لى، لا فيه قسوة الشتاء ولا صخب الصيف. لم أعر وقتها اهتماما لأى من معالم الربيع التى تظهر فى الصور النمطية، لم أهتم بالزهور ولا برمزية الحياة المتجددة. لكنه ظل يلاحقنى، عاما بعد عام حتى لفت نظرى بتقلباته، فجذبنى لعدم قدرتى على التنبؤ بطقوسه. هل ستبتسم لى الشمس اليوم أم أننى على موعد مع المطر؟ فى المساء ما زلنا نتغطى بلحاف خفيف، وقبل النوم نشرب الشاى ليدفئنا.
أمشى فى الشارع فتلف الشمس ذراعيها من حولى، خطواتى أخف على الأرض، وفى رأسى أدندن أغنية دون أن أتذكر متى حفظتها. لا يهم، فنقرة الدربكة فى رأسى تجعلنى أريد أن أدور حول نفسى وكأننى طفلة صغيرة فى حفلة موسيقية. فى أيام قد تكون ربيعية كنت أجلس على الرمل قرب أمى. كانت تجلس هى على كرسى خشبى صغير مع صديقتها، تلبسان ثيابا ألوانها زاهية أو هكذا أستذكرها اليوم، وأنا فى عمرها مع طفلى الذى أضعه على الأرض، بينما أجلس أنا مع صديقتى قربه. ثم ها أنا جدة أرافق حفيدتى إلى مكان تلعب فيه فى الشمس. ها نحن نعيش الربيع بكل رمزيته، حياة متجددة وطفلة أصبحت هى أم طفلة تلعب فى الشمس، ما كل هذا الجمال وكيف لم أنتبه إليه من قبل؟
***
من الصعب مقاومة لعبة الشمس حين تختبئ ونرفع رأسنا لنبحث عنها فتظهر وتجبرنا أن نغمض عينينا، نحن ذلك الطفل الذى هرب من أمه فى الحديقة وأصبح فى أعلى الشجرة يتأرجح حتى وقع، نحن تلك الفتاة الخجولة، التى تجلس على طرف الكرسى فى باحة المدرسة بينما تلعب زميلاتها لعبة «يحبنى لا يحبنى» وهن يقتلعن أوراق الوردة. هكذا فى أيام معدودة فى السنة نؤمن بالجمال والنور والخفة، ننصاع للون الأخضر حتى لو كان حضوره ضعيفا، ثمة رغبة فى التجدد والتغيير تحدث خلال أيام قليلة، فننظر حولنا، ونتساءل: هل بإمكاننا أن تعيش حتى نبلغ المائة عام؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.