الثورة عززت الحس الاجتماعى لدى الشباب والتطوع أيضا يعنى الالتزام دمجنا المعايير الأكاديمية للتعليم المصرى مع أبحاث علمية عالمية لتنمية الأطفال لم نرشح مبادرتنا لجائزة برنامج المرأة.. والتكريم لا يعنى دائما أنك على الطريق الصحيح ياسمين هلال، شابة فى الثلاثين من عمرها، غيرت مجال عملها أكثر من مرة، فبعد أن تخرجت فى قسم الهندسة الطبية بجامعة القاهرة، عملت بمجال هندسة الاتصالات، بجانب اشتراكها فى بطولات دولية كبطلة كرة سلة مع منتخب مصر وتحقيق 38 ميدالية، وحاليا تدير أهم مؤسسة غير هادفة للربح بحسب برنامج المرأة للمجلس الإقليمى للغرف التجارية الأمريكية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذى أهداها جائزة أفضل سيدة فى مجال المؤسسات غير الهادفة للربح عن مشروعها «علمنى Eductae Me». «الشروق» حاورت مؤسسة مبادرة «علمنى» لتعليم الأطفال بعد حصولها على الجائزة واعتبارها من أكثر 100 شخصية مؤثرة وناجحة فى الوطن العربى، وإلى نص الحوار: * ما السبب وراء اختيارك لمشروع «علمنى»؟ بدأت فى مشروع «علمنى» منذ عام 2010، كنت أعمل وقتها بمجال هندسة الاتصالات، عندما قابلنى مصادفة أحد الآباء وطلب منى مبلغا ماليا لكى يستطيع استكمال تعليم بناته وإدخالهم المدارس. فى البدء كانت مجرد مبادرة، وصفحة على موقع «فيسبوك» تهدف لجمع الأموال لتدعيم ومساعدة أولياء الأمور فى دفع المصروفات المدرسية للأطفال، ثم امتد الأمر بعد دخول اثنين من المؤسسين معى، ليبدأ فريق العمل فى الزيادة، ومع الاحتكاك المباشر بالأطفال، وجدنا أن مشكلة التعليم ليست فى الأموال فقط، المشكلة فى مفهوم التعليم والطرق التى يتعلم بها الطلاب المرتكزة على الحفظ فقط، واهمال المهارات الفكرية، إلى جانب قلة الموارد، فالفصول المليئة بالأطفال لا تساعد الطالب فى هذا العصر على أن يتعايش مع المجتمع، فى ظل التغيرات الكثيرة والتحديات التى تظهر له فى المستقبل. * ما الذى يحتاجه الطالب ليواكب التطور والتغيير الدائم؟ نوع الطالب الذى نحتاجه يختلف عن السابق، فهو يحتاج إلى مهارات حياتية وتعلم القيادة، فاتجهنا إلى تطوير نموذج تعليمى هدفه تخريج طالب قادر على التعايش فى القرن ال21، ونحلم بأن تتاح لنا القدرة على تطبيق المشروع فى جميع أنحاء الجمهورية، وإيصاله لكل طالب فى مصر. * كيف تحولت «علمنى» من مبادرة لحملة إلى مؤسسة منظمة وصولا إلى مدرسة مرتقبة؟ الإجابة النموذجية هى فريق العمل. فى البداية كانت خبرة فريق العمل محدودة، لم يكن لدى تصور كبير، وكانت أقصى طموحاتى هى القدرة على توفير مصاريف 10 أطفال وعودتهم للمدرسة، حتى انضم إلى اثنين من المؤسسين أكثر خبرة وفهما منى، وقررنا أن نتحول لمؤسسة غير هادفة للربح، وساهمت ثورة 25 يناير التى قامت عقب تأسيسنا للمبادرة فى زيادة الوعى المجتمعى عن طريق انضمام مؤسسين أكثر، وكانت هذه الخطوة الأولى التى جعلتنا نعمل بجدية. نحن الآن كيان قائم على إطار قانونى، ولدينا نظم للمحاسبة، حاولنا الانضمام تحت كيانات قائمة مثل «حضانات المشروعات» ولكننا كنا فى مراحل بدائية، وطلب منا شروطا كثيرة لم نكن ندركها، لدرجة أننا رفضنا، مثل تقديم خطة مشروع، فقررنا الاعتماد على أنفسنا فى جمع التبرعات، كان لابد من تنظيم عملنا من خلال مؤسسة حتى نستطيع إفادة الطلاب، والدخول فى إطار قانونى. * التحول من مهنة إلى أخرى ليس قرارا سهلا.. فكيف استطعت ترك الهندسة والرياضة والتفرغ لتعليم الأطفال؟ التحول فى مجال العمل بالنسبة لى كان من خلال مرحلتين، فبعد «عملنى» شعرت أن هذا العمل له أثر اجتماعى، وأثر نفسى محبب إلي أكثر من العمل الذى كنت أمتهنه، لأن هدفه الاجتماعى أهم من كسب أموال شهرية، فبرغم حبى للهندسة وتفوقى فى عملى، الذى تركته فى يناير 2011 قبل 3 أسابيع من الثورة، اعتبر الكثيرون فى البدء قرارى خطأ، حتى قامت الثورة وزاد الحس المجتمعى لدى الشباب. * ما هى الخطوات التى يحتاجها المتطوعون للمشاركة فى «عملنى»؟ لقد كنت أول موظف فى هذه المؤسسة، لذا أشغل حاليا منصب المدير التنفيذى، ولدينا شروط للتطوع بالمؤسسة، وهى أن تكون «عملنى» شغل إلزامى لهم وليس مجهودا تطوعيا، وحتى التطوع له سياسات. لدينا استمارات تعريفية يملؤها المتطوعون، وتقدم لهم محاضرات إيضاحية، ثم يعمل 3 أشهر تحت الاختبار، ولا يجوز التغيب بنسبة تزيد عن 25%. وصلنا الآن إلى 35 موظف دائم مدفوعى الأجر، و52 متطوعا، والتطوع له مجالات. ولدينا مقر ثابت للعمل مع الأطفال فى الطالبية، يتجمع فيه الأطفال ويتلقون التعليم، وهناك موظفون مهمتهم تقديم التدريبات خارج الطالبية فى المدارس الحكومية من خلال برامج خاصة وتربوية. لدينا أيضا متطوعون فى مجالات البحث العلمى والموارد البشرية، لابد من حضورهم بانتظام على الأقل ساعتين فى الأسبوع، فحتى التطوع لابد أن يتم بالتزام. * ما هو دور «عملنى» مع الأطفال؟ الطالبية هى مقرنا الدائم، يتوافد عليه أبناء المنطقة، فالتطوير يكون على مستوى مجتمع متكامل وليس للأطفال فقط، لدينا أعمار مختلفة، فى البدء كانت من 14 إلى 15 عاما، ثم حاليا نحاول التركيز على شريحة عمرية أقل، وحاليا لدينا أطفال ما بين 4 وحتى 17 عاما. ولدينا نوعان من البرامج؛ برامج بدوام كامل، على مدى 5 ساعات نستقبل الأطفال فى سن الحضانة يوميا، وبرامج أخرى مرة واحدة فى الأسبوع للأطفال الذين يذهبون لمدارس مستقرة يوميا، والبرامج تعتمد على التعلم وليس فقط المذاكرة والامتحانات، وتعلم الأطفال معرفة قدارتهم وحدود إمكاناتهم، لكى يفيد نفسه ويفيد غيره من خلال تعلم قيم ومهارات حياتية. * ماهى المناهج التى تعتمد عليها «علمنى» مع الأطفال؟ دمجنا معايير الدولة فيما يخص الجزء الأكاديمى مع أبحاث على المهارات فى القرن 21، مثل القدرة على التواصل والتعاون، والجزء الثالث يعتمد على القيم المجتمعية. لدينا ما يسمى ب«دستور علمنى»، ويشمل عددا من القيم منها: احترام الموارد، والمثابرة، واختيار وتحمل المسئولية، أى الالتزام بالحقوق والواجبات، ومعرفة أسس الصواب والخطأ بناء على القيم السابقة، فالتعلم لابد أن يعمل فى الأساس على تنمية مهارات وقيم الفرد، ونحاول نشره على نطاق أوسع. * على أى أساس يتم اختيار الأطفال.. وكيف يتفاعل المواطنون مع المباردة؟ فى 2010 اختارنا منطقة الطالبية، واستطعنا دخولها من خلال جمعيات أهلية أرشدتنا إلى ما يسمى بقائد مجتمعى يثق فيه أهل المنطقة، دعمنا كثيرا، وأيضا ساهمت مساعدتنا ماليا لهم فى بناء جسر ثقة بيننا حتى وإن كانت الخدمة التى نقدمها صغيرة. أول مجموعة عملنا معها تكونت من 135 طفلا، كانوا يذهبون إلى المدرسة دون حصيلة من التعلم تذكر لدرجة عدم قدرتهم على كتابة أسمائهم، وقررنا تنظيم رحلات أسبوعية لهم، وركزنا على التوعية والتربية وتعليمهم اللغات والتكنولوجيا، وكل عام نستفيد من الأطفال السابق تعليمهم فى مساعدة الأطفال الجدد. * هل اقتنع الأهالى بسهولة بأن تنمية مهارات الطفل عقليا ومجتمعيا مهمة بجانب المدرسة والحفظ والواجبات؟ كان لدينا برنامج للتعامل مع أولياء الأمور، بدأت أولا بإعطائهم محاضرات وشرح برنامجنا، وعرض نماذج من عملنا مع الأطفال، ثم قمنا بعمل دورس لمحو الأمية، وكانت لدينا تجارب سابقة مع بعضهم، ولأنهم شعروا باختلاف طريقتنا فى التعلم، أصبحوا الآن يطلبون حضور حصص مع أطفالهم. أيضا بدا التغيير الواضح فى سلوكيات الطلاب فى المنزل، ومعرفتهم التفرقة بين الصواب والخطأ فى السلوكيات، والعادات الصحية، ومن ذلك معرفة الأطعمة الضارة بالصحة وحث الأمهات على منع الزيوت وأكل الحلويات لأنها مضرة، ونحن نحاول التواصل مع غير المقتنعين بنا من خلال الأهالى المرحبين بنا. * كم عدد الأطفال الموجودين تحت مظلة «علمنى» اليوم؟ لدينا حاليا 220 طفلا فى الطالبية، ولكننا على مدى 5 سنوات علمنا أكثر من 2000 طفل، إلى جانب المعلمين والطلبة فى مناطق أخرى، يساعد الأطفال بعضهم البعض من خلال برنامج الخريجين الذى يتيح فرصة التطوع لطلاب سابقين وتمكينهم من مساعدة الأطفال الصغار والمتقدمين الجدد. * ما هى ضمانة استمرارية المبادرة.. وماهى مصادر التمويل؟ تمويل «علمنى» يعتمد على 4 اتجاهات مختلفة كالتالى: أولا: من خلال أفراد عاديين بنسبة 40%، تحت ما يسمى ب «التمويل الجماعى»، وذلك من خلال صفحتنا عبر الفيسبوك نطلب دعما من المتابعين، وراغبى التبرع الذى يدفعه حس المسئولية وحب المؤسسة. ثانيا: القيمة المالية للجوائز اللى حصلنا عليها، أو جهات مانحة بنسبة 20% . ثالثا: الشركات الراغبة فى رعاية المبادرة. رابعا: وهى جهة مستحدثة، بدأنا فيها هذا العام من خلال عائد مادى من البرامج والتدريبات التى نقدمها للمدارس خارج مبادرتنا. * وماهى طرق التسويق التى تعتمد عليها «علمنى»؟ أهم وسيلة هى وسائل التواصل الاجتماعى، فلدينا متابعون متشوقون دائما لأخبارنا، وخطواتنا وتلقينا دعما كبيرا بعد إعلان إنشاء مدرسة. * لماذا تميزت «علمنى» وحصلت على جائزة «المشروعات غير الهادفة للربح»؟ ليس لدى أى فكرة عن سبب تفضيل «علمنى» عن غيرها من المشروعات، خاصة أن الجائزة ليست على مستوى مصر فقط، ونحن لم نرشح أنفسنا للجائزة. * كيف استقبلتِ خبر اختيارك من أكثر 100 شاب مؤثر فى العالم العربى؟ بالنسبة لى هذه التكريمات «أى كلام»، أجدها إيجابية من وجهة نظر أن عملى تحت النظر، ولكنها ليست مسلمة بأنك ناجحة فعليا، أنا شخصيا أتلقى ثناء على خطوات لا أراها صوابا فى بعض الحالات، ولا أحب التركيز مع الشو الإعلامى . ولكن بعض الجوائز عملنا بجد لكى نفوز بها مثل «جائزة الملك عبدالله للإبداع الفنى»، وهى قائمة على معايير وتقدمنا لها وحصلنا عليها بعد تفقدهم لعملها. * هل لديك نية للتوسع فى خدمات أخرى بخلاف التعليم؟ لا.. عملنا الأساسى هو التعليم فقط، فهو المشكلة الأكبر التى تواجه البلد، يمكن أن نقدم مساعدات فى مجالات أخرى، وحلمنا بحل كلاكيع التعليم فى مصر، وأيضا أنا مؤمنة بالتخصص. * أخيرا كيف يرى الإنسان حلما ويستطيع تحقيقه فى خطوات؟ لا توجد إجابة نموذجية، ولكن من خلال «علمنى» تأكدت أنه عندما يؤمن الإنسان بقراره، وأنه لا يملك اختيارات بديلة سوى نجاحه، وهذا هو التحدى، البداية دائما هى الأهم، لأننى بدأت عن جهل، توفرت لدى فقط رغبة التعلم والتحرك بحذر حتى معرفة الطريق، أيضا وجود شبكة من الداعمين والمتخصصين، وطلب المساعدة خطوات ضرورية للنجاح.