إن العلاقة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية تمثل نموذجا مثاليا للعلاقة بين الدول، حيث تقوم على أواصر الدين والعروبة والتاريخ، وتستند على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وخدمة القضايا العربية والإسلامية والأمن والسلم الإقليمى والدولى. لقد بقيت هذه العلاقة متماسكة حتى فى ظل العواصف التى مرت بالمنطقة خلال العقود الماضية، حيث كان التعاون يزداد فى أحلك الظروف، والتضامن يبلغ مداه فى التصدى للمخاطر الداخلية والإقليمية. فالمملكة ومصر جناحا الأمة العربية ونبض العالم العربى. لقد بنيت العلاقات السعودية المصرية على ثوابت مشتركة ومتعددة، متشعبة فى المجالات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية معتمدة على قوائم مشتركة، تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، فالدولتان تمثلان مواقع جغرافية ومحورية متميزة وتمتلكان مقومات سياسية وديموجرافية وعسكرية وضعتهما فى مقدمة أهم المناطق الاستراتيجية فى عالم اليوم أهمية. ومن ثَمَّ فلا غرابة أن يتحمل قادة الدولتين على مر السنين مسئولياتهم ليكرسوا من دورهما ويضعوهما فى مكانهما الصحيح، لتؤدى كل دولة رسالتها الحقيقية فى الحفاظ على أمن وسلامة ومكانة العالمين العربى والإسلامى. إن جذور العلاقات السعودية المصرية تمتد لعقودٍ طويلة، فقد أكد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه على أهمية هذه العلاقة الاستراتيجية بمقولته الشهيرة، «لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب». وترجم ذلك فى حرصه خلال تأسيسه الدولة السعودية الحديثة على إقامة علاقات وطيدة مع مصر منذ مطلع القرن العشرين. تعود بداية العلاقة حتى قبل إعلان تأسيس المملكة العربية السعودية فى عام سبتمبر 1932م، ففى أغسطس 1926م قام ولى العهد آنذاك الأمير سعود بن عبدالعزيز رحمه الله بزيارة مصر واستقبله جلالة الملك فؤاد الأول والزعيم التاريخى سعد زغلول. سعد زغلول وقيادات سعودية وبدأت المملكة فى الاستعانة بخبراء مصريين فى جميع المجالات وكانت ترسل أبناءها إلى مصر للالتحاق بالمؤسسات التعليمية المصرية عبر سلسلة من البعثات بإيعاز من الملك المؤسس يرحمه الله. وبعد إعلان التأسيس، قام الاقتصادى الكبير الراحل طلعت حرب باشا بزيارة المملكة عام 1933 محملا بعدد من المشاريع التنموية، تضمنت إنشاء فرع لبنك مصر الشهير فى السعودية، وافتتاح خط طيران تجارى بين القاهرةوجدة، إضافة إلى عدد آخر من المشاريع التى ترجمت باتفاقية التعمير بين البلدين عام 1939، حيث قامت مصر على إثرها بتنفيذ عدد من المشروعات العمرانية فى المملكة، وهو ما أثر فى وجدان كل سعودى يرى الشقيقة مصر وهى تقف بجانبهم خلال تأسيس دولتهم الحديثة. وكانت العلاقة بين الدولتين قد وصلت إلى مرحلة مهمة من التعاون والترابط وسرعان ما بدأت المفاوضات لعقد معاهدة صداقة بين البلدين، وقد بدأت المفاوضات فى 20 إبريل واستمرت حتى 7 مايو، وقد توفى الملك فؤاد أثناء التفاوض، ولذا قام بالتوقيع عليها يوم 7 مايو 1936م على ماهر باشا رئيس الوزراء المصرى آنذاك، نيابة عن الحكومة المصرية، وعن الحكومة السعودية السيد فؤاد حمزة مستشار الملك المؤسس، وتم التصديق عليها من قبل الحكومتين. ولعل أخطر ما كان يحتاج إلى تضافر الجهود السعودية المصرية بوادر تفجر القضية الفلسطينية وكان الملك عبدالعزيز يردد: «إن سياستنا التى نستهدفها فى البلاد العربية هى أن تكون مستقلة ومحافظة على مكانتها ومنزلتها ولا يعتدى بعضها على بعض»، لذلك سرعان ما نقلت العلاقات السعودية المصرية إلى مدى أكبر مما كانت عليه ودفعها بقوة نحو إيجاد كيان عربى يحفظ للعرب وجودهم وترابطهم؛ فأرسل الملك عبدالعزيز الشيخ يوسف ياسين مندوبا عنه للاجتماع برئيس وزراء مصر لإيضاح رؤيته للعمل العربى المشترك وتأسيس كيان يوحد العرب أمام المخاطر المحيطة بهم. وكان هذا دافعا لإنشاء جامعة الدول العربية، التى تم تأسيسها عام 1945م، قبل ميلاد الأممالمتحدة بعدة أشهر. ثم قام الملك فاروق بزيارته الرسمية الأولى للمملكة فى 24 يناير 1945م، والتقى بالملك المؤسس يرحمه الله مما رسخ بداية العلاقات الشخصية بينهما. ثم قام الملك المؤسس طيب الله ثراه بزيارة مصر عام 1946 واستقبل الشعب المصرى الملك عبدالعزيز بحفاوة غامرة من المحبة والإخاء والوفاء، وهى مشاعر عبر عنها الملك فاروق وهو يشكر الشعب المصرى قائلا:«ليس أطيب عندى من أن أكرر شكرى لكم، فقد أكرمتم فى شخص الملك عبدالعزيز شخصى، أكرمتم مصر والعروبة والإسلام». وقام الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب بتوثيق تلك الزيارة بأغنية غناها ولحنها وكانت كلماتها للشاعر صالح جودت وهى «يا رفيع التاج من آل سعود» وكان لأثر هذه البادرة الطيبة فى نفس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه أن أمر بأن تكون تلك الأغنية أول ما يذاع فى الإذاعة السعودية التى أنشئت لاحقا. وقررت الحكومة المصرية إصدار طابع بريد تذكارى لتخليد ذكرى هذه الزيارة التاريخية، وأطلقت وزارة الأشغال المصرية اسم الملك عبدالعزيز على شارع النيل بمدينة القاهرة. لقد عبر الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه عن حفاوة استقبال الشعب المصرى له، فى كلمته التى أذاعها على المواطنين السعوديين بعد عودته، حين قال: «أحمد الله إذ أعود إليكم من بلاد هى بلادى وبلادكم، مصر العزيزة، بعد أن لاقيت فيها، فى كل شبر مشيت فيه، من الحفاوة والإكرام ما لا يحيط به الوصف، ولا يفى بحقه وافر الشكر. فقد كانت قلوبهم تتكلم قبل ألسنتهم بما تكنه لى ولكم ولبلادكم من حب لا يماثله إلا ما أشعر به من حب عميق لمصر وأهلها.. ليس البيان بمسعف فى وصف ما لاقيت فى مصر، ولكن اعتزازى أنى كنت أشعر أن جيش مصر العربى هو جيشكم، وأن جيشكم هو جيش مصر. وحضارة مصر هى حضارتكم، وحضارتكم هى حضارة مصر، والجيشان والحضارتان جند للعرب، وركن من أركان حضارتهم.. بهذه الروح أعود إليكم، وليس لى وأنتم تستقبلوننى وأنا أستقبل البيت الحرام إلا أن أدعو الله أن يحفظ الكنانة، وأن يبلغها مناها من الهناء والسعادة». وفى يوم الثلاثاء 22 يناير 1946م، غادر الملك عبدالعزيز الأراضى المصرية من ميناء السويس بعد أن أمضى فى ضيافة مصر اثنى عشر يوما، ووجَّه رسالة إلى الملك فاروق، جاء فيها: «... لقد تجلت مصر الكريمة المضيافة عظيمة بملكها وقادتها وشعبها، عزيزة بنهضتها، قوية بجيشها، وما جيش مصر إلا جيش العرب... وما كنا لننسى مصر الكريمة وصلاتها بشقيقتها العربية السعودية، فكان من حظ البلدين توثيق الروابط بينهما، وتوحيد جهودهما فى سياستهما، وإقامة التعاون بينهما على أثبت الدعائم... وما جامعة الدول العربية التى أسست دعائمها فى عاصمة ملككم بفضل الله ثم بفضل جهود جلالتكم وجهود إخواننا ملوك العرب ورؤسائهم وأمرائهم إلا أثرٌ لهذه الروح التى تربط بيننا، وتؤلف بين قلوبنا جميعا... وما شك أحدنا فى أن مصلحة البلدين تقضى بوحدة اتجاههما السياسى، ووحدة السبيل الذى يسلكانه فى منهاجهما الدولى، ذلك مبدؤنا ومبدأ شعبنا، يتوارثه الأبناء، ويبقى إن شاء الله على وجه الدهر بهذه الروح». لقد كانت المملكة فى مقدمة الدول تأييدا لمصر ودعم مسيرتها ماديا وسياسيا؛ حيث بدأ الملك عبدالعزيز دعمه المادى لمصر بعد زيارته الرسمية لها سنة 1946م بدعم قدره مليون جنيه إسترلينى، كما استقطبت المملكة الكثير من الفنيين والمعلمين والمستشارين المصريين لتدريب البعثات العسكرية السعودية. وكانت المملكة من أوائل الداعمين لمصر فى محاولاتها للتخلص من بقايا الاحتلال البريطانى، حيث اعترفت بلقب الملك فاروق الجديد «ملك مصر والسودان» وهو اللقب الذى أثار توترا لدى الحكومة البريطانية، رغم ما أحاط الاعتراف السعودى باللقب من مخاطر سياسية هددت علاقاتها مع بريطانيا. ملك مصر وملك السعودية وعندما قامت ثورة 23 يوليو فى مصر عام 1952م قبيل وفاة الملك عبدالعزيز بفترة وجيزة، استمرت العلاقات بين الدولتين؛ وبعث الملك عبدالعزيز برسالة إلى رئيس مصر اللواء محمد نجيب أكد فيها على عمق الصداقة بين البلدين. وقام اللواء محمد نجيب بزيارة للمملكة، أدى خلالها مناسك الحج والتقى الملك عبدالعزيز، وجرت بينهما مباحثات لتوطيد العلاقات السعودية المصرية. ومن جهته، قام المغفور له، بإذن الله، الملك سعود بن عبدالعزيز، بزيارة مصر فى مارس 1954 عقب توليه الحكم مباشرة لتكون مصر أول دولة يحرص على زيارتها. ومنذ ذلك التاريخ، استمرت الزيارات المتبادلة بين الملك سعود والرئيس جمال عبدالناصر. كانت مصر تمر فى تلك الفترة بمرحلة حرجة فى المفاوضات مع بريطانيا للجلاء عن أراضيها، لذلك، رأى الملك سعود أثناء الزيارة دعم مصر بإعلان تأييد المملكة لها، فقال للسفير البريطانى بالقاهرة:«إن العرب يعدون قضية مصر قضيتهم ويدافعون عنها، وإن السلام الحقيقى فى الشرق الأوسط رهن بتحقيق المطالب المصرية». وفى 27 أكتوبر عام 1955م، تم توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين. وعندما قام الرئيس جمال عبدالناصر بإعلان تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية فى 26 يوليو 1956م، كان الملك سعود من أوائل زعماء العالم الذين أعلنوا موقفهم بوضوح تجاه القرار المصرى، ففى 29 يوليو 1956م، أعلن أن فى ذلك مصلحة مصر والعرب، وأنه يؤيد كل ما من شأنه أن يدعم الاقتصاد المصرى ويقوى مركز الأمة العربية، وقال: «أنا مع مصر بكل ما أملك». وأذاعت المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر فى المملكة العربية السعودية يوم 11 أغسطس 1956م بيانا جاء فيه أن الملك سعود صرح بما يلى: «إن الموقف الرسمى والشعبى للمملكة هو موقف التأييد التام والتكاتف العادل مع الشقيقة مصر، وإننا مع إخواننا العرب حكومات وشعوبا واقفون صفا واحدا فى هذه القضية، قضية تأميم قناة السويس، التى نعدها قضيتنا جميعا.» والتقى الشيخ يوسف ياسين مبعوث الملك سعود الرئيس عبدالناصر فى 27 أغسطس 1956م بناء على أوامر من الملك سعود لتأكيد دعم المملكة لمصر، ووضع الملك سعود عشرة ملايين دولار تحت تصرف مصر لزيادة رصيدها من العملات الأجنبية، تسهيلا لعمليات التجارة الخارجية، ولمواجهة الضغوط الاقتصادية المفروضة عليها من الدول الرافضة للتأميم. وأثناء العدوان الثلاثى الغاشم على مصر عام 1956م، وقفت المملكة إلى جانب شقيقتها مصر للتصدى لهذا العدوان. وفى 30 أكتوبر، أعلنت المملكة التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثى على مصر، وقدمت المملكة لمصر فى 27 أغسطس 1956م مائة مليون دولار، بعد سحب العرض الأمريكى لبناء السد العالى، وهو ما أشار إليه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فى خطبته التى ألقاها فى الجامع الأزهر، فى نوفمبر 1956م، عن موقف الدول والشعوب العربية أثناء العدوان وتحدث عن مكالمة هاتفية محددة تلقاها من الملك سعود طيب الله ثراه قبلها بأيام، حيث قال له: «إن جيش المملكة السعودية تحت تصرف مصر، وأموال المملكة تحت تصرف مصر، وإن السعودية مستعدة لعمل أى شىء». ومما يذكره التاريخ فى تلك الفترة قيام الملك فهد بن عبدالعزيز، وزير المعارف آنذاك، والأمير سلطان بن عبدالعزيز والملك سلمان بن عبدالعزيز، أمير الرياض آنذاك والأمير عبدالله الفيصل وزير الداخلية، وآخرون بالتطوع فى فرقة المجاهدين السعوديين التى تكونت للدفاع عن الوطن العربى. ومن ثم، فإن علاقة الحب التى يحملها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تجاه مصر قديمة وعميقة ولها مكانة كبيرة فى قلبه ووجدانه. وقد قال الملك سعود:«إن مصر إذا نكست رأسها، فلا يمكن لأى واحد فى الأمة العربية أن يرفع رأسه بعد ذلك، وإنى أساند مصر لأن مساندتها دفاع عن بلادى وعن البلاد العربية وعن البلاد الإسلامية، وسأسير فى ذلك حتى النهاية». وأكد فى تصريحاته بأنه لن يرسل قطرة واحدة من النفط حتى تنسحب القوات المعتدية عن مصر، وأقسم أنه يخسر يوميا مليون دولار بسبب قطع النفط عن إنجلترا وفرنسا، ولكن هذا لا يساوى شيئا بالنسبة للواجب الدينى والأخوى المفروض عليه نحو مصر. زيارة عبد الناصر للسعودية أظهرت الحوادث ما بين تولى الملك سعود الحكم ونهاية العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، أن هناك قوة إقليمية تتبلور، قلبها الصلب العلاقة السعودية المصرية المميزة، وأنها كانت سببا رئيسيا لعدم تمدد (حلف بغداد) إلى باقى دول المنطقة، ليصبح البلدين حاجزا بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية فى حينه، وأن هذا التعاون السعودى المصرى أفشل أيضا مخطط وضع قناة السويس تحت إدارة دولية بعد تأميمها كحد أدنى من مكاسب مضادة لما قامت به مصر. كما استطاع التضامن السعودى المصرى قطع ذيل القوى الاستعمارية فى المنطقة. وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر تجاه «الأزمة اليمنية» وأطراف صراعها فى ذلك الحين وما كان يمثله ذلك من مخاطر على الحدود الجنوبية للمملكة، إلا أن ثوابت العلاقات السعودية المصرية ظلت بمثابة حجر الزاوية والخطوط الحمراء فى سياسات البلدين، وظلت الدولتان حريصتين على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى والحقوق العربية الكاملة للبلدان العربية وحقوقها التاريخية وسلامة حدودها من المحيط للخليج. وعقب نكسة يونيو 1967، وعلى هامش مؤتمر القمة العربية المنعقد فى الخرطوم فى 29 أغسطس 1967م، تم الاتفاق بين البلدين على تسوية المشكلة اليمنية، وقال الملك فيصل للرئيس عبدالناصر فى المؤتمر: «إن مصيرنا واحد، ونحن مطالبون أمام الله ثم أمام شعوبنا بأن نتكاتف وننسى كل شيء، إن معركتنا مع العدو لا تنتهى بالهزيمة التى لحقت بنا، وإن المملكة العربية السعودية على استعداد للقيام بما يقضى به واجبها العربى فى شتى الميادين».