أتحدث عن معاناة مشاهد غلبان مأجر ساعتين من المدام والأولاد علشان يتفرج على الماتش في الدوري الأعجب والأغرب المسمى بالدوري المصري –لو كان فيه دوري تاني كنا اشتغلنا فيه محدش يستغرب- ليصاب بانفصام في الشخصية ناتج عن تقلبات مزاجية حادة في أعصاب وعقول السادة مقدمي الاستوديهات التحليلية، أتحدث عن مجال أعمل فيه وأعي تماما أن هناك أهواء وأراء شخصية انطباعية الهدف منها تصفية حسابات بشكل صادم ومباشر. من زمن ليس ببعيد كنت أجلس في مقعد المشاهدين أتابع كل ما يحدث في استوديهات مصر التحليلية كلها، واتذكر جيدا أن رأيهم بين شوطي المباراة يختلف باختلاف النتيجة ويتعدل بتعدلها فينطلق من أقصى لأقصى دون أدنى حسابات، فإذا افترضنا مثلا أن الأهلي كان الأفضل في الشوط الأول.. يتأهب الإعلامي وينفخ صدره وينطلق قائلا: "الأهلي التاريخي يؤدي شوط عالمي ليس له مثيل"، فيتعادل أو يخسر فيصبح الكلام هكذا: "أسوأ أداء للأهلي منذ مواسم والفريق على حافة الانهيار".. يا خبر أبيض كده فجأة بدون مقدمات، وعليه يتحول شعور المشاهد من الرضا التام للسخط العام.. فتكون الأعراض كالتالي.. يرفض فريقه، ويستاء من محللي القنوات الفضائية وينقم عليهم جيمعا دون استثناء وبالبلدي كده ياخد العاطل مع الباطل. في الحقيقة كان لي الشرف أن جلست بصحبة الثنائي الكبير الأستاذ حسن المستكاوي والكابتن وليد صلاح الدين في تحليل مباراة المقاصة والأهلي في الأسبوع ال15 وقتها قال المستكاوي -مع حفظ الألقاب- : "على الجميع ألا يربط تحليل أداء الفرق بالنتيجة.. فهذا خطأ شائع وسخيف".. هذه الجملة في منتهى العمق والذكاء.. وقليل جدا من يضع في اعتباره تلك النقطة، فمن ينتقد ينتقد بأهوائه وبما يريد أن يسمعه ويشاهده المشاهدون، لعب بالمشاعر لا أكثر.. جماهير الزمالك زعلانه يالا نزعل أكتر منها علشان نقول الناس إننا بنحب الزمالك، جماهير الأهلي فرحانة يالا نهيص معاهم وهكذا، دون معايير. الاستديوهات التحليلية هي ثمرة لعبة شعبية يعشقها الناس وهي في الأصل نواة سليمة النية، تحولت فجأة إلى متهم.. وحتى نكون صادقين لا يوجد ما يسمى بالضوابط المكتوبة فيها.. فقط ضمير مهني يحكم الجميع، ويدفعك للتعبير بصراحة وصدق وهدوء ودون انطباعات أو أهداف شخصية. في علم الإعلام هناك دائما تساؤل عريض.. "ماذا يقول الإعلام؟ مايريد أن يسمعه المتلقي؟ أم ما يريد أن يقوله -الإعلام- بصدق وحقيقة لأنه يؤدي دوره فقط؟ الإجابة على هذا السؤال بالتأكيد هي إجابة واضحة على تساؤلات كثيرة من بينها لماذا يتلبس البعض من مقدمي البرامج الرياضية شيزوفرينيا مؤقتة تنتهي عند جملة :"تصبحوا على خير يا جماعة ونتقابل بكره"..