تابعنا كلنا ما جرى في تونس خلال الأيام القليلة الماضية، حيث بدأت تتكشف أسباب وأسرار كل هذا الفساد الذي دفع التوانسة إلى قمة الثورة والغضب.. وبعضنا تابع هذا الخلاف الحاد والصراع الساخن بين الأندية المصرية بشأن توزيع مكاسب وحقوق البث.. وقليلون أتيحت لهم فرصة متابعة الثورة التي يقوم بها منذ الثلاثاء الماضي ميشيل بلاتيني ورفاقه داخل الاتحاد الأوربي لكرة القدم.. وهي بالتأكيد ثلاثة ملفات لا علاقة بينها ولا تشابه أو رابط بين ما يجري في تونس أو القاهرة أو مدينة نيون حيث الاتحاد الأوربي للكرة.. ولكن دعونا نعاود التأمل والتفكير بمنتهى الصدق والهدوء.. فالرئيس السابق زين العابدين بن علي فسد إلى هذا الحد لأنه لم يكن مراقبا من الجميع.. ولأن إدارته كانت سرية لا تسمح لأحد بأي تفتيش أو تدقيق وحساب ومراجعة.. وحسب أبسط قوانين السياسة.. فإن السرية المطلقة هي في النهاية فساد مطلق.. وأي إدارة تمارس عملها دون أوراق مكشوفة أو أرقام معلنة هي في النهاية إدارة لابد أن يدركها الفساد ويعشش فيها ويقضي عليها في النهاية.. لا فرق في ذلك بين إدارة دولة أو حتى إدارة ناد يلعب الكرة.. وهذا هو ما تنبه له ميشيل بلاتيني الذي قرر أن تخضع كل أندية أوربا التي تلعب الكرة لقوانين وقواعد جديدة أعلنها الاتحاد الأوربي للكرة هذا الأسبوع، وتتمثل في ضرورة أن يعلن كل ناد ميزانيته الحقيقية ويحدد جميع موارده ومصادر دخله أيا كان نوعها أو حجمها وحجم إنفاقه وتعاقداته والتزاماته المالية مع الجميع، سواء كانوا لاعبين أو أفراداً، أو هيئات أخرى يتعامل معها النادي.. وأكد بلاتيني أن الاتحاد الأوربي، من العام بعد المقبل، لن يسمح مطلقا لأي ناد بالعمل في سرية وبأرقام غير معلنة وواضحة ومؤكدة وفي شفافية مطلقة.. لن يسمح لأي ناد في أوربا بأن ينفق أكثر من موارده.. والنادي الذي لن يلتزم بذلك لا مكان له في أي من بطولات وأنشطة الاتحاد الأوربي أو حتى في البطولات والمسابقات المحلية. كان مشهد بلاتيني وهو يعلن تفاصيل ذلك -ضمانا لنظافة الكرة الأوربية وحرصا على استقرارها ومستقبلها وبجواره أعضاء مجلس إدارة الاتحاد الأوربي للكرة، ومعهم كارل هاينز رومينيجه، رئيس جمعية أندية الكرة الأوربية- من المشاهد الفارقة في مسار الكرة ومستقبلها حتى وإن لم يهتم بها إعلامنا الذي لم يعد يرى إلا الأهلي والزمالك وأخبارهما وخلافاتهما.. يا ليت هذا الإعلام يقتدي بما جرى في الاتحاد الأوربي لكرة القدم ويصر، من اليوم، على مطالبة الأهلي والزمالك وأي ناد آخر في مصر بإعلان ميزانيته الحقيقية.. كل موارد الدخل بجميع أشكالها حتى وإن كانت تبرعات وكل أوجه الإنفاق والالتزامات.. فبلاتيني بات يخشى من الفساد في الأندية الأوربية التي هي شركات أصلا ولها ميزانياتها المعلنة مسبقا.. فما بالنا بالأهلي والزمالك اللذين لا نعرف عنهما أي أرقام حقيقية.. لا رواتب مدربين أو عقود لاعبين أو تكلفة إدارة ومشروعات ولا موارد ومكاسب إعلانية أو دخلاً يأتي من المباريات أو الجمهور أو التبرعات والهبات.. وبإمكاننا، دون أي اتهام شخصي حاليا لأي أحد، تخيل حجم الفساد الذي استشرى أو سيقع داخل كل ناد.. بإمكاننا تخيل كم ناد في مصر يتعاقد مع لاعبين ومدربين بأرقام تفوق قدرته، ولكن رئيس أي ناد لا يعنيه ذلك لأنه لن يعلن ذلك وسيترك أمر الديون لأي رئيس قادم.. ويكتشف الجميع الواقع المؤلم..