ساقتني الظروف والأقدار لأن أكون متواجدا في مباراة الأهلي وكيما أسوان اليوم.. للمرة الأولى كنت (شاهد عيان) على ما حدث.. البداية كانت هادئة تماما، وربما مملة أيضا.. مباراة من طرف واحد، قضيناها أنا والصحبة في الحديث وتبادل القفشات.. بين لحظة وأخرى كنا نفيق على نشيد جديد صادر من (التالتة شمال) يسبون فيه حبيب العادلي تارة ومبارك تارة أخرى.. مع نهاية المباراة ومع الدقائق الأخيرة زادت الشعارات والهتافات والأغاني والأهازيج التي تسب جميعها في المخلوع ووزير داخليته.. ومع اللحظات الأخيرة ظهرت الشماريخ مصحوبة بأصوات كأنها طلقات رصاص (صوت) -قيل إنها كانت من أحد الجماهير، وبالطبع لم أحدد مصدرها بنفسي- وفجأة وجدت أفراد الأمن المركزي يهاجمون الجمهور الذي بدأ في الجري إلى أعلى ليتم إخلاء المدرج في لحظات وسط ذهولنا جميعا. كنت في مكان الإعلاميين.. خرجت من المدرجات لأنتظر قليلا عند مكان خروج اللاعبين.. المكان كان هادئا تماما.. لا أثر لمشكلة على ما يبدو.. بعد عدة دقائق رأيت ثلاثة ضباط شبان، فذهبت إليهم وبادرتهم بالسؤال: "إنتم ضربتوهم ليه؟".. بدا السؤال استنكاريا مستفزا، وقد لاحظت هذا وأنا أسأل، ولكنني لم أكن متعمدا هذا.. جاء الرد منطقيا: "ليه؟! يعني إنت ماسمعتش؟".. حاولت أن أبدو مبتسما، مؤكدا لهم أن سؤالي كان استفهاميا ولم يكن استنكاريا.. هنا بدأت اللهجة تختلف، خاصة من أحدهم الذي بدا لطيفا ومهذبا (من الآخر ابن ناس).. قال لي: "شتمونا واحنا مالناش ذنب.. إيه ذنبي أتشتم بأبويا؟ وإيه ذنب العساكر يفضلوا يضربوهم على قفاهم ويشتموهم؟ لازم يعرفوا إن احنا كمان فرحنا إن العادلي مشي".. قلت له: "إنتم من البداية فهمتم الموضوع غلط.. ثورتنا ماكانتش عشان الفوضى.. ثورتنا كانت عشان القانون والعدل.. اللي يغلط يتحاسب مهما كان.. واللي محترم نفسه يتشال فوق الراس.. إنتم بقى سبتم العاطل على الباطل، وبطلتم تعملوا شغل".. قال لي ضمن ما قال: "هاقول لك حاجة بس ماتنشرهاش..(آسف إني نشرتها) اللي خانقنا احنا كضباط صغيرين إننا للأسف مالاحظناش أي تغيير في الكبار.. لكن الأمل في الرتب اللي أقل من رائد لأن معظمهم ولاد ناس ومحترمين".. قلت له: "أنا أعرف ظباط بيقولوا أنا إيه اللي يخليني أقبض على بلطجي وأعرض نفسي للخطر؟".. قال لي: "ما هم الكبار ماعودوناش على إننا مهمتنا إن احنا نحمي الناس وده من أول ما كنا في الكلية.. علشان كده اللي محترم فبيبقى عشان هو أصلا ابن ناس.. أما الباقي بقى فبيتعامل على إنه هو سيد الناس دي كلها".. ابتسمت له في النهاية وقلت له: "عموما كلنا عايزين بلدنا أحسن والأمل فيكم إنتم إن شاء الله".. بعدها تركت مكان خروج اللاعبين وانتقلت أمام المقصورة الرئيسية.. هناك رأيت إحدى سيارات الشرطة، زجاجها محطم تماما.. ورأيت أفراد الأمن المركزي مشتتين ومتفرقين في المكان ومنهم من يجلس على الأرض ويبدو مصابا.. سيارات الإسعاف بدأت في التحرك.. لم أر من فيها لكنها بدت تحمل مصابين وتسرع بهم إلى الخارج.. كان المكان باديا كأنه كان ساحة حرب منذ قليل.. فتحت حوارات مع أفراد الأمن المركزي المنتشرين حولي.. سألت أحدهم: "إنتم بتقبضوا كام في الشهر؟".. بدا متحفظا في الإجابة لكنه قال في النهاية وعلى استحياء: "180 جنيه".. وبدأ العدد في التزايد حولي: وبدأت ألتقط بعض الكلمات من هنا وهناك.. "احنا مش ملاحقين.. مش عارف نلاقيها من الظباط ولا من الشعب".. "احنا زعلانين عشان زمايلنا اللي اتصابوا".. "ثورة وكتبت لنا تاريخ؟!".. وكانت آخر الكلمات من أحدهم: "الظباط يا باشا ماتغيروش".. وإذا به ينتفض على صوت أحد الضباط، بدا متجهما وهو ينادي عليهم، واختفوا جميعا من أمامي كأنهم لم يكونوا.. غادرت المكان كله وذهبت إلى المنزل، مختارا الطريق الدائري.. وفي المنزل فوجئت بأخبار عدد المصابين.. عدد السيارات التي تعرضت للاعتداء.. قطع طريق صلاح سالم.. يبدو أنني كنت في مباراة أخرى.. أو (من الآخر: شاهد ماشافش حاجة)!! *