بقلم الفنان والناقد الفني السوري. عبد القادر الخليل بوابة شموس نيوز – خاص يقول الاسبانيون القدماء عن اقوال عربية قديمة. ان سيدنا آدم كان يحكي الشعر كلغة الكلام. لكن للأسف ماذكروا ان النحات الماهر يلفظ الشعر والقصائد في كل عمل. من هذه الاشارة الى قول اجدادنا يصح القول ان الشعر كان اول اللغات التي عرفتها الانسانية, واصح قولا في رأيي ان العمل النحتي كان اول ابداع عرفه الانسان. ولهذا اقف بإعجاب امام منجزات الفنانة النحاتة العراقية عاتكة الخزرجي. من يظن ان هذا بعيد عن الحقية فلينظر الى عهد الانسان الحجري, لولا تصميم ادوات الصيد لما استطاع ان يأكل. كما انه لم يمكننا معرفة عهد الفراعنة والافنيقيين وعن تاريخ بلادنا. وكيف ننسى بابل ام الحضارات التي ظهرت بين الرافدين . من ارض العراق المشرق تشرف علينا منتجات النحاتة الكبيرة عاتكة الخزرجي ويجب الوقوف امام بنت اكبر الحضارات واولها. مع بنت بغداد التي لم تخضع لقساوة العادات الجاهلية, ولم تخضع لقلة الاضاءة على محاسن النحاتين, ولم تخضع لإهمال المجتمع للمرأءة. ولم تخضع لنسيان الصحافة لإبداع النساء , ولهذا اراها رمز المعارضة لكل اهمالات المجتمع, هي تعرف انها على حق, وتعرف ايضا ان تاريخ الحضارة تكتبها يد ابناؤها العلماء, لم يخطر لأي مؤرخ ان يسأل إذا كان نحاتين الفراعنة نساء ام رجال ؟, ولم نعرف اذا كانت ابداعات بابل من تصميم الرجال او النساء, لكن عرفنا تلك الحضارات مما تركته لنا ايادي النحاتين والمهتمين في الفن. تصميمات النحاتة عاتكة الخزرجي تفتح لنا الطريق لمعرفة فنانة ذات خيال سحري . خيال كبير وافكار متنوعة في مفهومية الحياة بما فيها من رموز ظاهرة واخرى غريبة ومخفية. في منجزاتها اشاهد فن التعبير النحتي الذي يشير الى احساس عميق يلفظ في لغة الحزن والشجن وفي رفضها لاشياء لم ترضى ان تكون. هناك تآلف مع Richier ( Germaine ) وتتمحور افكارها في اطارات قرن العشرين. هو القرن الذي فتح الطريق امام كل الحرية لجميع الافكار ولكافة الاساليب الفنية. تسير الفنانة عاتكة عبد الستار الخزرجي بأسلوب عرف في المشاجرة, وهو اسلوب رمزي في التعبير, ويرفض التقيد في الخرافات ويرفض غرور البعض الذين يظنون ان الافضلية لهم في التفوق. ورفضت عهد المحافظين. منجزات الفنانة عاتكة عبد الستار الخزرجي يبدو عليهم الهدوء في الظاهر. لكن لو قرأنا اعمالها بهدوء, نرى ان لغتها قوية في قواعد الفلسفة وفي قواعد التعبير والرمزية . هناك تقارب فكري بينها وبين النحات الامريكي دافيد سميذ , لكن هذا الفنان من الفنانين الذين ساروا في تجريد المنجزات النحتية اما الفنانة العراقية فإنها تسير في اسلوب واقعي باحثة عن تجريد الرموز المشيرة الى هدفها الداخلي. فأول شيء اشاهد في تصميمها هي الحرية , حرية الانسان في العمل, في النجاح, في التصميم, في القلق والألق, وليست حريات الانحطاط الاجتماعي. في منجزاتها اجد رسالة اجتماعية ثم انسانية, لهذا تستخدم شتى الالياف والمواد لتكوين منجزاتها النحتية. اشارة كبيرة الى ان الابداع لم يكون مُقيد لمادة ما, او لإسلوب كان. تستخدم الياف النبات وتصنع منها اشكال مختلفة الحجم والمفهوم. وتستخدم البرونز ولو اننا عرفناه في منجزات النحاتين منذ عهد اليونان. السيدة عاتكة تصنع الاشياء لِهداية الاخرين, اي ان الفنان يستطيع الابداع حتى ولو لم يحصل على اي مادة معينة. من خامات الطبيعة من الياف النباتات او من المعادن الصلبة. اما لو دخلنا في ابعاد منجزاتها لقرأنا عن شاعرة الضمير الانساني حين تجسد الغراب الذي نقرأ منه تجربة هابيل ومأسات اخيه قابيل. وحين تصمم شكل العقاب طير الحر فأنها ترمز الى الحرية من جهة, ثم الى الوفاء من ناحية اخرى. امران كلاهما اصبح مفقود بين الامم. وهكذا ترمز في اشكال البلابل, وهي رفضأ للسجون ورفضا بأنه لن يكبت الحرية, لان هذه الطيور في حقيقتها ترفض العبودية, وترفض متعة الحياة الجنسية حين تكون داخل الاقفاص. عرفنا عن هذه المظاهرات في تصميم الناحات الفنان الفرنسي هنري داوميه, لكن ليس بهذه الفصاحة وهذه القوة التعبيرية. لها تقارب مع اسلوب النحات Henri Moore لكن للغة والمكان لهم تفرقة والاضاءة الشرقية تعطي انارة وهاجة. لهذا اقول ان التأثير هو مسطلح يُعطى لوضع اطار الفنان بين الفن العالمي, وهكذا يحصل كل قارئ الى تحديد مسافة السفر بين الفنان الذي يُعالج في الشرح وبين امثاله في الفن العالمي. الحيات عامة تتطور والنحات ايضا وفي بعض الايام نراه سابق التطور العام. ليقدم لنا افكار جديدة وإن جسدت يداه اشكال انسانية , حيوانية ام غيرها من التجريد, في جميع محتواها يترك رسالة هامة ويستخدم التوازن لخلق الجمال , لان الجمال هو اداة بصرية ومقياسية ورمز التوازن بين الفكرة والعمل بين الحجم في ابعاده الثلاثة. اما منح الاشكال ميزة الحركة والحيوية فهو بناء اهداف اخرى. في اي عمل نراه للنحاته عاتكة اشاهد به اهتمامها في التعبير والحركة ثم في مظهر الجمال. وهي صفات كبار النحاتين منذ ايام اليونان. لكن تضيف الفنانة عاتكة الخزرجي ميزة اخرى الى التصميم وهو انجازها لاشكال نحتية في اسلوب سيريالي.