بقلم المؤرخ النوبى يحيى صابر – مصر شموس نيوز – خاص وردي 2 انفعل وردي وخرج في مظاهرة عارمة تضامنا مع اهلنا في حلفا وتنديدا بموافقة ابراهيم عبود رئيس السودان علي اتفاقية السد العالي حيث ان حلفا التي عشقها ستغرق وقاد تلك المظاهرة وتغني لحد التجاوز في غنائه حينما قال (عبود كجا ابن كلبا سيكر بلدونغا اغ جاني) اي كيف يبيع عبود بلدنا ووصفه بما لايصح ذكره حيث ان (كجا kajja) بالنوبية تعني حمار كما ردد معهم العبارة الخالدة التي يعرفها كل السودانيين (حلفا دغيم ولا باريس يطلع (……)ياعبود ) وعقب هذه اعتقل واودع السجن ولم يكن بعد قد اكتسب الشهرة الواسعة ثم افرج عنه بعد الاطاحة بحكم الفريق ابراهيم عبود فيما عرف بثورة اكتوبر وقد تغني وردي بتلك الثورة بجموعة من الاغاني اطلق عليها الاكتوبريات ..منها عرس الفداء للشاعر الدكتور مبارك بشير منها هذه الابيات : (نذكر اليوم جميع الشهداء كل من خطّ على التأريخ سطراً بالدماء نذكر اليوم جميع الشرفاء كل من صاح في وجه الظلم لا نحن أبناؤكِ في الفرح الجميل نحن أبناؤكِ في الحُزن النبيل) ومن شعر محمد المكي تغني قائلا: (اسمك الظافر ينمو في ضمير الشعب ايمانا وبشرا وعلى الغابة والصحراء يلتف وشاحا وبأيدينا توهجت ضياء وسلاحا فتسلحنا بأكتوبر لن نرجع شبرا سندق الصخر .. حتى يخرج الصخر لنا زرعا وخضرا ونرود المجد.. حتى يحفظ الدهر لنا إسما وذكرا) وايضا تغني من اشعار محمد الفيتوري ( اصبح الصبح ولا السجان باق ..) ..ومع الفن انخرط ايضا في الحراك السياسي واتخذ النهج الاشتراكي طريقا له وعمق علاقاته بقيادات الحزب الشيوعي في السودان حيث كان يضم خيرة مثقفي اهلنا في السودان الذين كان لهم دور كبير في انقلاب مايو بقيادة جعفر نميري وتغني لثورة مايو قائلا ..(في حكايتنا مايو ..في شعاراتنا مايو …رسم شارتنا مايو ..انت يامايو الخلاص ..ياجدارا من رصاص ..ياحبالا للقصاص..من عدو الشعب في كل مكان …انت يامايو بطاقتنا التي ضاعت سنينا ..انت رغم الحقد حتي النصر ربان السفينة.) ثم كان لقاء عبدالناصر ونميري والقذافي وياسر عرفات في القاهرة بعد الهزيمة المخزية في يونيو 67حيث تغني قائلا ..(لقاء يوليو المجيد مايو الرجولة وسبتمبر بطل امجاد بطولة ..لقاء ناصر لقاء ياسر وقذافي ونميري .لقاء عز الصمود ضمد جراحنا .ومن بعد الصمود لابد جولة ).ولكن شهر العسل بين النميري والحزب الشيوعي لم يدم طويلا وكان قد غني للنميري اغنيه بعنوان يافارسنا وياحارسنا وبعد ان انقلب عليه قال لافارسنا ولا حارسنا فكان مصيره الاعتقال ثم برش السجن !!.. وللحديث تتمة ان شاء الله …..#يحيي_صابر (وردي 3): وقبل الولوج الي معارك وردي السياسية اقف هنا لحظات استعرض بداياته مع الاغاني العاطفية والتي كانت تقريبا كلها من تجربته الشخصية والتي صاغها بعناية الشاعر اسماعيل حسن رحمه الله حيث انهما امتزجا وانصهرا فكرا فأخرجا لنا مجموعة من الاغاني العاطفية الرائعة واذكر منها علي سبيل المثال اغنية (بعد ايه ) حيث كلماتها توحي انها تجربة شخصية والتي تقول .(.بعد ايه جيت صالحني ..بعد ما ودرت قلبي الكنت فيها ..جيت تشكي ..جيت تبكي .ليا ليه..انا خلدتك بشعري في زمانك ..انا غنيت وكان كله عشانك ..كان جزاي منك صدودك وهوانك..انا استاهل وضعتك في مكان ما مكانك ..روح روح الغدر ما يبكو عليه .. اصل عهد العشرة ما تنكرت له ..انا عهد العشرة ما تنكرت له .. ضيعوك ودروك ..انت لابتعرف صليحك من عزول ..استغلوا الطيبة في قلبك وباسم العواطف خدعوك ..حتي من كلمة حنان ووداد حرموك ..الله ياخد ليك حقوقك ويجازي الظلموك..) انها حقا تجربة شخصية مر بها فناننا الكبير وكان وردي رحمه الله يتحرج من غناء هذه الاغنية في الحفلات العامة .. ولانه نوبي حيث تربي ونشأ علي اللغة النوبية وعندما اكتشف الجميع ان موهبته الفنية تتوهج وتتقدم بل ستحتل الصفوف الاولي وتفرض نفسها قيل ان لسانه الذي نشأ اللغة النوبية لن يستطيع ان يصل ويأخذ مكانه لدي المستمع السوداني فتحدي الجميع وتغني بالعامية السودانية وابدع في رائعته (القمر بوبا ) ثم الرائعة الاخري (الريلة ) بل تغني ببعض اغنيات من ما عرف بالحقيبة وكلها كانت بالعامية السودانية فأبدع وامتع واحتل مكانه بجدارة في مقدمة الصف الاول .. وتفرد وردي بتنويع الحانه واستخدم الالات الحديثة وقام بمزج الالحان النوبية بالموسيقي الافريقية والسودانية فاستحق بجدارة لقب رائد تطوير الموسيقي السودانية وساعده علي ذلك موهبته الموسيقية حيث انشأ فرقته من شباب من مختلف ربوع السودان يحبون الموسيقي ويعشقونها لدرجة انهم لم يستعينوا بالنوتة الموسيقية التي تحتوي علي الحانه !!.. ثم قام وردي بتنويع الشعراء بالاضافة الي الشاعر اسماعيل حسن وبالتالي تنوعت الافكار يتغني بالكلمات التي تروق له سواءا كانت عاطفية او وطنية او رمزية حيث غني (الطيرالمهاجر) لشاعر شاب لم يكن معروفا ووجد كلمات الاغنية منشورة في مجلة في باب القراء فقام بتلحينها وغنائها فانتشرت وحازت علي اعجاب عشاق فنه وتقريبا غني لجميع شعراء السودان وان كان اسحق الحلنجي ومحجوب شريف كان لهما الحظ الاوفر اما الاغاني النوبية فكلها كانت من اشعاره.. وللحديث بقية ان شاءالله ..يحيي صابر (وردي 4): وكما اسلفت كان وردي منشرحا لانقلاب مايو70 وذلك لان رفاقه اشتركوا فيه وللأمانة ان جيل الخمسينات والستينات انحازوا للنهج الاشتراكي الذي انتشر في الدول التي تحررت من ذل الاستعمار وقد كان ذلك طبيعيا حيث ان الاستعمار كان يمثل الوجه القبيح للرأسمالية وقد استغل السوفييت خروجهم الي المياه الدافئة وأغرقوا مراكزهم الثقافية التي كانت منتشرة في بلادنا العربية بالمنشورات والكتيبات التي تحمل افكار لينين وتلخص مزايا الفكر الماركسي كمنهج اقتصادي (بعيدا عن الدين ) وكانت توزع بالمجان . ونحن كشباب لم تكن افكارنا قد استقرت بعد وكنا نلهث وراء الشعارات البراقة ملتمسين المثالية ويبدوان استمالة الشباب واستقطابهم دائما تتركز في الشعارات البراقة وخاصة من اولئك الذين هم في اقصي اليمين او اقصي اليسار كما حدث في مصربمشروع النهضة الكاذب وشخصيا عندما التحقت بالحقوق كنت اعشق محاضرة الاقتصاد السياسي وكان استاذنا محمد دويدار ذو نهج اشتراكي وكنا مبهورين بنظرية فائض القيمة ولم ندرك استحالة تطبيق الاشتراكية الا بعد خراب الاقتصاد ثم خراب الدول التي طبقت الشيوعية والتي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفيتي.. ومحمد وردي لأنه نوبي عاش المجتمع النوبي الذي يعيش الاشتراكية الحقيقية من حيث المأكل والمشرب والملبس والتعاون والتكافل بين جميع افراده كان مبهورا بالنهج الاشتراكي واعتقد بأنه النظام الامثل لحياة الشعوب حتي يعيشوا عيشة كريمة كما هو الحال في بلاد النوبة من اقصاها الي اقصاها حيث الامان المطلق في كل شئ !!..فتغني بالاشتراكية وانحاز للاشتراكيين وقال في اغنية من اغنياته ( من اقصي شمال بلادي لاقصي جنوب الوادي .. نعمل للوطن الواحد ..حياة اخلاص ومبادئ ..اشتراكية ..سودانية ..من واقعنا بل من اكثر ..يابلادي ) ثم غير المقطع الاخير الي من واقعنا ما من اكثر فيما بعد !!.. وكما اسلفت شهر العسل بين نميري والاشتراكيين لم يدم طويلا حيث وفي غفلة قام هاشم العطا الذي كان عضوا في مجلس الثورة بانقلاب علي رئيسه واعتقله وهذا الانقلاب لم يدم الا ثلاثة ايام وفي خلال تلك الفترة كان صوت وردي يلعلع في الاذاعة وتغني بأكثر من نشيد مؤيدا لرفاقه ولكن جعفر نميري والحق يقال كان قويا شجاعا صلبا استطاع ان يهرب من معتقله وهو حافي القدمين و(تشعبط) في سيارة نقل لوري ووصل الي حيث معسكر الشجرة وقاد جنوده من هناك واسترد الاذاعة واسترد الحكم وقبض علي هاشم العطا ورفاقه وأعدمهم جميعا بمحاكمات سريعة حيث كانت اكبر مذبحة لقيادات الحزب الشيوعي في السودان وكانت تلك غلطة عمر النميري !! حيث بعد لجوء النميري الي مصر بعد الانتفاضة الشهيرة ضده وكان ايضا الفنان وردي اختار مصر منفا اختياريا له وتقابلا في مناسبة وكان النميري مد يده لمصافحة وردي الا ان وردي تجاهله وحينما عاتبه صديق له قال وردي بالحرف الواحد لا يمكنني ان المس يدا مخضبا وملوثا بدماء الابرياء !!.. وكان القادة الروس قد اتصلوا بالرئيس السادات كما ذكر ذلك حسنين هيكل في مقالته الاسبوعية بصراحة في ذلك الوقت كي يتدخل لدي صديقه النميري كي يتشفع في الشفيع رئيس الحزب الشيوعي ولكن النميري رد علي السادات قائلا (والله يابن الخاله ما كنت ارد لك طلبا الا ان حكم الاعدام نفذ من ساعة )وأودع محمد وردي المعتقل وتم منع اعماله الفنية لمدة عام كامل وايضا تم منعها في اذاعة ركن السودان التي كانت تبث من القاهرة وشخصيا كنت سعيد بعض الشئ بعودة النميري ولكنني حزنت كثيرا لاعتقال وردي وايداعه السجن …وهناك بقية لو بقي في العمر بقية ..#يحيي_صابر