معطف غوغول تراجيديا الازمنة

قصة قصيرة للكاتب نيكولاي غوغول قرأتها في سبعينيات القرن الماضي وهي تستحق القراءة ، عندما أنتهيت من قراءتها حفزتني للكتابة عنها ، كونها حافلة بالدلالات وتقرا في كل الأزمان، قال عنها الروائي دستوفسكي ( كلنا خرجنا من معطف غوغول ).
المعطف قصة ممتعة ومؤلمة في نفس الوقت، أبطال القصة آكاكي موظف في أحد الدوائر الحكومية إنسان بسيط، يعمل خطاطاً، يستنسخ الكتب.
وصفه الكاتب غوغول: ( موظف لا يمكن القول عنه وسيم: فهو قصير القامة، مجدور بعض الشيء، أمعر الشعر شيئاً ، بل ومن حيث المظهر ضعيف البصر نوع ما ، بصلعه غير كبيرة في جبهته ، وغضون في كلا جانبي خديه ، ووجه بلون وجه مرضى البواسير…) .
آكاكي يعيش حياة صعبة راتبه لا يكفي لسد احتياجاته ، كان خطة جميلاً تولع في الاستنساخ وأخلص في عمله ، يأخذ ما تبقى الى بيته المتواضع لا تمامه ، يرتدي معطفاً يقيه البرد الشديد في روسيا هذا المعطف العتيق يرتقه عندما يتمزق ولكون راتبه لا يسمح له بشراء معطف آخر جديد ، أخبره الخياط بأنه لا يستطيع ترقيعه ، أصبح غير قابل للإصلاح ، أي انتهاء صلاحية معطفه ، أستاء آكاكي من هذا الموضوع كونه لا يملك المال لتفصيل معطف جديد ، قرر ان يقلل مصروفه من عشاء وشمعة تضيء في المساء من أجل توفير مبلغ من المال ، ظل عدة شهور يذهب يومياً بعد انتهاء الدوام الى الأسواق يتفقد أسعار القماش الى ان أتم المبلغ وذهب الى الخياط لخياطة المعطف الجديد ، كان سعيداً لسببين كونه دافئاً والسبب الآخر كونه جديداً ، أستاء كثيراً عندما سمع بأن المدير يريد ترقيته ، صرخ ودخل في هستريا ، لم تدم فرحته بالمعطف الجديد عندما سرق منه هذا المعطف بعد ان وجهت له ركلة أسقطته على ظهره فوق الثلج ، عندما أفاق لم يجد المعطف بدأ يصرخ ويركض دون ان يكف عن ذلك مات آكاكي ودفن كأي إنسان فقير حتى زملاؤه في الدائرة لا يعلمون بذلك .
( وأحس آكاكي اكاكييفينش كيف نزعا المعطف منه ، ووجها إليه ركلة في ركبته وقع على أثرها على ظهره ، في الثلج ، ولم يحس بشيء أكثر من هذا وبعد بضع دقائق صحا على نفسه واستوى على قدميه ولكن لم يعد أحد موجوداً، لقد أحس ان الجو بارد في الساحة وان المعطف غير موجود ، فجعل يصرخ ولكن بدا ان الصوت لا يبلغ أطراف الساحة ، فانهد يركض مستميتاً دون أن يكف على الصراخ )
القصة مضى عليها أكثر من قرن ولا زالت نابضة بمعانيها وإنها تصلح لكل المجتمعات والعصور، أمتاز الكاتب في هذه القصة بجمال السرد والحوار الشيق وأطلق العنان الى الخيال للقارئ الواعي مع تراجيديا مؤلمة ، ذكاء الكاتب نيكولاي أن حول المعطف الى شخصية نابضة بالحياة وحول المعطف الى شخصية ذاتية لذلك الموظف البسيط ، أغرقنا القاص في الخيال عندما خرج من المألوف بعد موت آكاكي ، قصة أحداثها تتكرر يومياً ليس فقط بإحداثها بل في بعدها الإنساني والحقوق المستلبة ورد العقل تجاه كل تلك السوداوية .