في البدء لا بد من الحديث عن التراجيدي ، ونبدأ برأي هيجل الذي عدّ التراجيديا «سبب العذاب»، بينما يرى برادلي إنها «طريقة احتمال العذاب» فقد أعطاها أهمية قصوى وبعدها اساس المأساة، وفي الحقيقة أن جوهر التراجيديا لا يكتفي بأية واحدة من هاتين النقطتين ، مثلما لا يكتفي بكلتيهما، ماهو اساس في التراجيديا ، الشيء الذي تغدو به التراجيديا ما هي، هو لا عقلانية السقوط. ان التراجيدي يحاول أن يفصح عن ذاته ضمن شكل له قابلية الإمكان، وله القدرة على الكشف عن المنطويات اللا مرئية للداخلي، الأمر الذي يجعل من هذا الشكل قالبا ناجزا للتراجيديا المجسد، فهو بذلك يحاول الانفلات من قبضة الحواس، ان بحثي عن التراجيدي هو محاولة للإطالة بحركة الإنسان لا بوصفها مصيرا فحسب، بل من حيث هي تحديد للماهية ، أو بعبارة أخرى ، جملة علائم الهوية. فالتراجيدي هو منشأ تاريخي ، ففي حين يصدر التراجيدي في المسرحية اليونانية عن نقص وجودي تاريخي، ففي حين ينبثق التراجيدي في مسرح شكسبير من خلل في الشخصية حتى يبدو كما لو أنه أحد الألياف الماهوية الكبرى للتاريخ، وتمحوه الأحداث الكبرى للتاريخ أيضا. التراجيدي كما تعكسه وقائع التاريخ العربي ، نتاج ضخم من الذات الفردية، صلب ابن الزبير، استشهاد الحسين بن علي، مقتل المتنبي…..الخ. لقد استشهد الحسين لأنه قال:« إن مثلي لا يبايع مثله» ، ولأنه ظل ملتزما بهذا الموقف، على الرغم من عدم توازن القوى، التراجيديا هنا من طبيعة اخلاقية، إنها لحظة مجد تلخص الحياة، وكذلك هو حال المتنبي ، فقد قتل لأنه أصر على أن الخيل والليل والبيداء تعرفه. مثل هذا الموقف يعني لا عقلانية التراجيدي، اي انطماس المنطقية فيه، غيابها عنه، وإذا لم يكن جنونا، فإنه يقع بين المنزلتين . ان جوهر التراجيديا نقبض عليه في هذا السؤال: لماذا؟ «لماذا حدث ذلك مع وجود بديل له؟» أما كان أجدى بكل من الحسين والمتنبي ان يتخليا عن المصاولة بعدما تبين لهما عدم توازن القوى؟!!!! جوهر التراجيديا إذن يكمن في أن البشر مسوقون بفعل قوة عظيمة ، قد تقع داخلهم أو خارجهم، أو قد تقع داخلهم وخارجهم معا ، نحو قدر لا يتمتع بعقلانية ربما… إنها لا تظهر فقط فيما مفاده أن العذاب هو أحد وجوباتنا الماهوية ، أو في اظهارنا محكومين بقوة هذا الوجوب، بل هي تبدأ قبل كل شيء في لا عقلانية هذا الوجوب، اي في افتقادنا إلى المرتكز أو التبرير ، طالما ان له بديلا منطقيا، ان عقلانية السقوط لا تمحي حين لا يكون أمام البطل التراجيدي خيار في مواجهة قدره، ولا يملك بديلا عن الخطأ التراجيدي. إذن ماهية التراجيدي هي في الغالب الأعم لا عقلانية، لكنها واقع …