اقترب موعدنا مع توقيع روايتي الخطيئة…أنتظركم بشوق الكلمة ولهفة الحب بين الكاتب وقرائه…17 آب الساعة 7 مساء في النادي الثقافي الروسي..اليكم هذا المقطع من صلاة الراهبة ميرا في روايتها الخطيئة… نسرين ب إليكَ يا يسوع أرفع دعائي فاغمرني برحمة الكون الذي لم يخلق إلا ليتمجّدَ بإسمك ويتمرّغَ بنورك..بإسمك أرفع صليبي وأحبس دموعي في قمقم الأحزان وأطلب الغفران". هذا هو دعاؤها الصباحي تكاد ترسمه خريطة لنهارها وتحتمي به ملاذاً من ذكرياتها الصاخبة كموج البحر يرتطم بصخر القسوة. إنّه سكنٌ للراهبات بمثابة دير للنسك تابعة لدير مار أنطونيوس الكبير المشرف على جبل "الباروك" شمال لبنان.. ويتّكئ بساعده على سفح جبل عالٍ بدوره ويقبعُ فوق هضبة عالية تُسّمى "سير"..وهو مطليُّ باللون الأبيض النقي تحدّه من الشمال أحراج الصنوبر ومن اليمين ينابيعُ متدفّقة تشبه بتدفّقها الجارف ذكرياتها التي تتواطأ عليها في كل حين وتدقُّ جرس الأسى لها ممتزجة بطعم الخيبة..وفيه انعكاسُ ظلالٍ لسكينةٍ لطالما تاقت إليها وطعمٌ للوحدة تتشوقّها لتخفي ماضيها. وعند أقدامهِ يرتمي وادي الصفا وتنحدر وتعلو قرى عديدة تتلألأ كالنجوم الثاقبة في السماء أو تومضُ كالأحجار النادرة على الأرض..وقرية رشميا الّتي يطلّ عليها ترتسمُ في كفّه بينابيعها التي لا تكادُ تُحصى وأشجار السنديان.. ولهذا الدير حكايا وأساطير وتاريخ لا يُنسى..ففيما مضى كان معبداً للفينيقيين حيث اتّخذوه قلعة يحمون أصنامهم ويعبدونها فيه..ثمّ ما لبث أن تحوّل أيّام عهد الرومان إلى قصرٍ للملوك وحصنٍ لجنودهم وكان فيه خنادق عميقة للأسرى والمجرمين.. وقد شهد إقامة الأمير بشير الثاني فيه لفترةٍ من الزمن وكانت زيارةُ النساء تُمنع في ذاك الدير..وتصدّعت جدرانه ونُهبت أروقته ومقتنياته في أحداث المجازر الأخيرة عام 1860. أين هو نهر البردوني ليخترق بعنقه الممتدّ عبر الغابات تضاريس الدروب ويلوح في السفح الشرقي لجبل صنين الأبيّ ويمعن تقدّماً بثبات فيأنس إليه الإنس والجن ويهرع لظلّه رعاة الغنم الذين تلاحقهم الشمس بلظاها ويلهو في أفيائه الصغار يشاكسون بعضهم بعضاً ويغرفون من نُدَبِ مياهه العذبة ما يطفئُ لهيب الحرّ ويتناجى على صدى خرير مائه العشاق الذين أنهكهم البعد ثم يجعل من مدينة زحلة مستقرّه الأخير كأنه العائد بعد طول سفر يلقي رأسه في حضن أمه ويصبّ رحاله في نهر الليطاني أخيراً.. إنّ لصوته في قرارة نفسها مرارة لا تُحكى لذكريات تتوغّل حيث الكهوف المنتثرة على مسافة قريبة منه..وللكهوف تلك حكايةٌ طويلةٌ بل هي أصلُ حكايتها..ومنبتُ أحداثها..في الإنجيل وردت قصّةُ "السبعة النائمون" في فترة حكم ديقيانوس وظلال طغيانه الدامية وكان الكهف مركز تلك القصّة ومثار أحداثها حيث التجأ الفتيان السبعة إليه ليخفض لهم جناح الأمان.. أمّا هي فقد كان كهفها الذي التجأت إليه وكرَ الأحزان ومبعثها… "الأخت ميرا..هل أنت بخير؟" جاءها صوت الأخت "زلفا" من ورائها وهي متسمّرة أمام النافذة يقطر من عينيها الدمع تماماً كهذا الرذاذ المتناثر على بلور النافذة يسري في جوف الطبيعة ملتاعاً برحيق التعب…فردّت من فورها: "لا شيءَ أختاه.. كنتُ أصلّي فقط" نعم هي تصلّي دائماً.. تصلّي للنور والظلام معاً..للخطيئة والغفران..لأنّها عاشت حياتين متناقضتين..جعلا منها ملاكاً وشيطاناً في فترة ما.. وربّما في زمنٍ ما.. فقد مرت السنون كخطف البرق ولم تترك لها سوى أشباحاً تتراقص في مخيلتها لأناس عاشوا ورحلوا أو عاشوا وابتعدوا..