شروط قبول الدفعة 1 إناث بالصفة العسكرية والدفعة رقم 1 "ذكور - إناث" بالصفة المدنية للالتحاق بكلية الطب بالقوات المسلحة.. شاهد    ختام فعاليات بطولة جامعة بنها الأولى للروبوتات    القناة 12 الإسرائيلية: تكثيف الغارات على غزة لإجبار سكان القطاع على الإخلاء    ياسر إبراهيم وعمر كمال ينتظمان في تدريبات الأهلي الجماعية    القبض على طالبة ألقت رضيعتها على رصيف جامعة القاهرة    تحذير هام من الأرصاد الجوية بشأن حالة الطقس غدًا في محافظات الوجه البحري    القبض على المتهم بسرقة الوحدة الصحية في أكتوبر    رحيل الأستاذ سليمان شفيق.. المعلم والإنسان    بعد اعتصامه أمام السينما.. «زاوية»تصدر بيانًا توضيحيًا واعتذارًا بشأن المخرج محمود يحيى    الخميس.. عمرو يوسف ودينا الشربيني وصناع فيلم «درويش» ضيوف منى الشاذلي    «الأزهر» و«المتحدة»يطلقان نسخة معتمدة من المصحف الشريف بالعربية والإنجليزية على تطبيق«مصر قرآن كريم»    أليجرى: ميلان يسعى للتأهل لدوري الأبطال بأي ثمن ومودريتش إضافة استثنائية    صلاح عبد العاطى: الفلسطينيون يواجهون إبادة جماعية ومخطط التهجير لا يزال قائمًا    مي فاروق ولميس الحديدي.. نجوم الفن والإعلام في عزاء أرملة سيد مكاوي    ترامب يهدد واشنطن بإعلان الطوارئ حال عدم تعاون الشرطة المحلية مع سلطات الهجرة    احذر هذه المشروبات .. أضرار بالغة تصيب الجهاز الهضمى    بقيمة 1.2 مليار دولار.. إسبانيا تلغي صفقة أسلحة كبرى مع إسرائيل    تسمم 3 شقيقات بسبب وجبة كشري في بني سويف    حماس: شعبنا ومقاومته ماضون في الدفاع عن أرضهم    شجار بين ركاب إسرائيليين على متن رحلة من تل أبيب إلى بوخارست    موفد مشيخة الأزهر ورئيس منطقة الإسماعيلية يتابعان برامج التدريب وتنمية مهارات شيوخ المعاهد    رابطة الأندية تخاطب اتحاد الكرة بشأن حكام مباراة الأهلي والزمالك    مونشنجلادباخ الألماني ينافس الأهلي على التعاقد مع مدير فني .. مالقصة؟    بإطلالة جريئة.. أحدث ظهور ل دينا الشربيني أمام البحر (صور)    وزير الري: المياه عصب الحياة للمشروعات التنموية والعمرانية    ما حكم أخذ قرض لتجهيز ابنتي للزواج؟.. أمين الفتوى يوضح رأي الشرع    كيفية قضاء الصلوات الفائتة وهل تجزئ عنها النوافل.. 6 أحكام مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    أستاذ بالأزهر يحذر من ارتكاب الحرام بحجة توفير المال للأهل والأولاد    المجلس الأعلى للنيابة الإدارية يعقد اجتماعه بتشكيله الجديد برئاسة المستشار محمد الشناوي    القليوبية تدعم التأمين الصحي بعيادات ووحدات جديدة (صور)    أسامة السعيد: الجامعة المصرية اليابانية.. مكان من المستقبل يجسد شراكة مصر واليابان    «باطلة من أساسها».. خالد الجندي يرد على شبهة «فترة ال 183 سنة المفقودة» في نقل الحديث (فيديو)    أبرزها الالتزام والمساهمات .. الأهلي يحدد معايير تجديد العقود والقيمة التسويقية    رئيس مجلس الوزراء يقرر مد فترة توفيق أوضاع وتقنين إقامة الأجانب لمدة عام    أبوريدة نائبًا أول لرئيس الاتحاد العربي لكرة القدم    تأجيل محاكمة 25 متهمًا بخلية القطامية لجلسة 12 نوفمبر    بكين تحقق مع نيفيديا وسط تصاعد التوتر التكنولوجي مع واشنطن    مصدر أمني ينفي ادعاء شخص بتسبب مركز شرطة في وفاة شقيقه    د. أسامة أبوزيد يكتب: عودة الخطيب    تقديم الخدمات الطبية ل1266 مواطناً ضمن القافلة المجانية بقرية طاهر في كفر الشيخ    الفجر بالإسكندرية 5.16.. جدول مواعيد الصلوات الخمسة في محافظات مصر غداً الثلاثاء 16 سبتمبر 2025    خافيير بارديم بالكوفية الفلسطينية في حفل جوائز إيمي    البنك المركزى يستضيف الاجتماع الأول لمجموعة عمل "تقرير الاستقرار المالي الإفريقي"    أرباح شركة دومتي تتراجع بنسبة 94% خلال النصف الأول من عام 2025    طبيب نفسي في ندوة ب«القومي للمرأة»: «لو زوجك قالك عاوزك نانسي عجرم قوليله عاوزاك توم كروز»    ترامب يهدد بإعلان «حالة طوارئ وطنية» في واشنطن لهذا السبب    قيمة المصروفات الدراسية لجميع المراحل التعليمية بالمدارس الحكومية والتجريبية    نشر الوعي بالقانون الجديد وتعزيز بيئة آمنة.. أبرز أنشطة العمل بالمحافظات    البنك الأهلي المصري يتعاون مع «أجروفود» لتمويل و تدريب المزارعين    «التضامن»: صرف «تكافل وكرامة» عن شهر سبتمبر بقيمة تزيد على 4 مليارات جنيه اليوم    رضوى هاشم: اليوم المصرى للموسيقى يحتفى بإرث سيد درويش ب100 فعالية مختلفة    نبيل الكوكي يعالج الأخطاء الدفاعية فى المصري بعد ثلاثية الزمالك    بدء أعمال إزالة عقار حوض ال18 الآيل للسقوط فى الأقصر    ضبط ومصادرة 90 من المخالفات فى حملة لشرطة المرافق وحى غرب سوهاج    لترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 126 مخالفة لمحال غير ملتزمة بمواعيد الإغلاق    6 شهداء بينهم أطفال في غارة إسرائيلية على خيمة نازحين بغزة    رياضة ½ الليل| سر إصابة زيزو.. الأهلي في الفخ.. شكوى جديدة لفيفا.. ودرجات مصر ب «تشيلي»    رسميًا بعد التأجيل.. موعد بداية الدراسة 2025- 2026 والخريطة الزمنية للمدارس بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتصوّفون وحدهم من عرفوا أنّ الله حبّ
نشر في شموس يوم 26 - 07 - 2017

"الحقيقة ليست فكرة، ولا هي كلمة، ولا هي علاقة بين الأشياء، ولا هي قانون. الحقيقة هي شخص. إنّها كائن يسمو على كلّ الكائنات ويهب الحياة للكلّ. إذا سعيت إلى الحقيقة بمحبّة ومن أجل المحبّة، فهي سوف تكشف لك نور وجهه بقدر ما تستطيع أن تحتمل من دون أن تحترق." (القدّيس نيقولا الصّربي)
الحقيقة الشّخص، ذاك ما بلغه المتصوّفون، وذاك ما سلخهم عن العالم فاضطهدهم العالم. ويتبيّن لنا من كلّ ما نقرأه من نصوص المتصوّفين، وأعمالهم الفكريّة والأدبيّة واللّاهوتيّة أنّ الحقيقة الّتي تلمّسوها ثمّ عاينوها هي الله الحبّ. وتلك هي الحقيقة الّتي مهما تُهنا عنها لا بدّ من أنّنا سنصل إليها إذا ما رغبنا جدّيّاً بلوغها. ولكن، من يحتمل هذه الحقيقة؟ ومن يقبلها؟
إنّ الخلل العالميّ قائم على رفض هذه الحقيقة، لأنّه بالاعتراف بها يتعطّل مسار المصالح الشّخصيّة والسّياسيّة والدّينيّة، والاجتماعيّة… وتُنسف أمجاد تاريخيّة فارغة، وتنهزم أيديولوجيّات ونظريّات أخذت من الفكر الإنسانيّ مجهوداً أكثر من اللّزوم. وستمنح الإنسان آفاقاً أخرى للتّفكير وإعادة النّظر بقناعاته وخبراته. والأهمّ التّجرّد والتّخلّي عن كلّ شيء في سبيل هذا الحبّ، إنّه عمل شاقّ ومضنّ وصارم.
من اعترف أنّ الله حبّ، رفض وجوهاً متعدّدة للعدالة واتّجه نحو الرّحمة وحمل على عاتقه ثورة بنّاءة لا ثورة غوغائيّة تقود الشّعوب ثمّ ترمي بها عند أوّل تبدّل أو تحوّل. ليس سهلاً على الإطلاق قبول حقيقة الله الحبّ، حتّى وإن كنّا نتغنّى بها في المناسبات والحوارات. فالله الحبّ حقيقة يمثُل أمامها الضّمير وقبولها استعداد لدفن الأنا القديمة المتمرّسة في الكبرياء والأنانيّة والمنغمسة في العالم الّذي خلقه الإنسان لا الله، حتّى تقوم الأنا الجديدة إلى الحياة. إنّها النّور الّذي يتعرّى الإنسان أمامه ليعاين مدى تشوّهاته الفكريّة والنّفسيّة والرّوحيّة. وهي الحقّ المحرّر الدّاحر للعبوديّة. مَن قَبل حقيقة الله الحبّ أعلن مواجهة الموت أيّاً كانت الظّروف والأسباب وتحدّى بشجاعة قسوة القلوب وهمجيّتها من أجل الحبّ وحمل على عاتقه الهمّ الإنسانيّ هازماً الكبرياء المتجذّرة في نفسه. مَن قبل حقيقة الله الحبّ استعدّ للتخلّي عن المنصب والسّلطة والنّفوذ واعترف بشراكة مع أخيه الإنسان وتساوى معه كائن من كان، وذهب بحبّه حتّى المنتهى. فمن هو ذاك المستعدّ لهذه الإماتة إلّا إذا عشق الله وانغمس فيه؟
لمّا بلغ المتصوّفون الحقيقة ثاروا على كلّ ما يعيق الانغماس فيها. لكنّهم ثاروا بهدوء وحبّ واستحالوا شذرات جمال إلهيّ ينشد الحبّ في الوجود. فهدّدوا مصالح سلاطين وملوك ورؤساء لأنّ العالم يخاف من الحبّ. يقول القدّيس يوحنّا الإنجيليّ في رسالته الأولى "من لا يحبّ لم يعرف الله، لأن الله محبة." (1يوحنا 8:4). وبهذا القول الجريء والقويّ نسف القدّيس يوحنّا كلّ معرفة نظريّة كانت أم عقائديّة أم إيمانيّة عن الله. فمعرفة الله هي معرفة الحبّ والعكس صحيح. وكلّ ما سوى ذلك تخمينات عن الله أو تصوّرات إنسانيّة. لقد انتزع من عمق الفكر الإنسانيّ مبدأ الله النّظريّ، واستأصل من عمق ذاته عبوديّته إلى الله. فالله الحبّ ملء الحرّية، ولا يمكن لعبد أن يتفاعل مع حرّ. لا بدّ من الحبّ المحرّر الّذي ينتزع الكبرياء المعيقة لبلوغ هذه الحقيقة ليتمكّن الإنسان من التّفاعل مع الله. معرفة الحبّ هي معرفة الله، ومعرفة الله هي الحقيقة، وبلوغ
هذه المعرفة إدراك للذّروة الإنسانيّة وخروج عن قيود الشّريعة والمنظومات الدّينيّة وارتحال في عشق الذّات الإلهيّة والإصغاء إلى صوتها الّذي يتردّد في النّفس.
قد يقول قائل إنّ الأديان كلّها تتحدّث عن المحبّة، إلّا أنّه ثمّة فرق شاسع بين الحديث عن المحبّة وإعلان الحقيقة القائلة إنّ الله محبّة. الأديان كلّها تظهر بشكل أو بآخر أنّ الله يحبّ. وذاك أمر خاطئ لأنّه يجنح إلى نسب فعل الحبّ إلى الله ضمن أفعال كثيرة، ويشرح الحبّ الإلهيّ عاطفيّاً. والعواطف غير ثابتة، تتأرجح بين الإيجابيّة والسّلبيّة. وذاك دليل نقص. الله لا يحبّ، وإنّما الله هو الحبّ. ولو لم يكن الله هو الحبّ لما كان الله، ولالتبس مبدأ الوجود الإلهيّ من ناحية الحقيقة.
أعلن المتصوّفون الحقيقة القائلة إنّ الله حبّ، من خلال عشقهم اللّامتناهي لله، وانغماسهم في هذا النّور الأزليّ الأبديّ دون أن يسبّبوا أيّ أذى لأحد. بل ما زالت أنوارهم حيّة في النّفوس وستظلّ تشعل فيها نار الحبّ الإلهيّ، وترشد النّاس إلى الحقيقة وإن رفضوا. هؤلاء المتصوّفون العاشقون لله الشّخص يتغرّبون عن العالم لا هروباً منه، بل لأنّهم بعشقهم لله يعاينون العالم كما خلقه الله فيغتربون عن العالم الّذي ابتدعه الإنسان. يقول القدّيس يوحنا الدّمشقيّ: "أي نعيم في الدّنيا ثبت لم يخالطه حزن؟ أم أي مجد استقام على الأرض من غير انتقال، الكلّ أضعف من الظّلّ، الكلّ أخدع من المنام، في لحظةٍ واحدةٍ جميع هذه الأشياء يعقبَها الموت." ويقول جلال الدّين الرومي: "العمر الّذي مرّ بلا عشق كأنه لم يكن، فالعشق ماء الحياة، تقبله بقلبك وروحك. وكلّ من لا يعشقون اعتبرهم أسماكاً خرجت من الماء. اعتبرهم موتى ذابلين، حتّى وإن كانوا ملوكاً".
بمَ أضرّ هؤلاء المتصوّفون الإنسانيّة فاتّهموا بالكفر والزّندقة وصُلبوا وذُبحوا وأُحرقوا؟ فالأولى أن يقال إنّهم شكّلوا خطراً على السّلطة الموكّلة بحماية الشّريعة وعلى المصالح السّياسيّة فتخلّصوا منهم بحيث لا يبقى منهم شيئاً.
يخاف الإنسان الحبّ، لذلك يخشى الحقيقة ولا يحتملها. فمنهج الحبّ طريق شاقّ وحارق. يحرق شوائب الإنسان، ويبتر أناه الفاقدة للحبّ، ويطوّعه بشكل صارم إلى إنسانيّته الّتي هي على صورة الجمال الإلهيّ.
كلّ متصوّف مرّ في التّاريخ، كان دليلاً قاطعاً على همسات الله الجاذبة، وعلى هذا الحضور الّذي فوق قدرة احتمال الإنسان، إلّا أنّه بسيط لطيف إذا ما تغلغل في النّفس ارتفع بها نحو القمّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.