كانت فرصة لنا ان نستأذن او (نزوغ) من الدراسة لمساعدة الاهل في الاعداد للهجرة لذا كان العام الدراسي بالنسبة لي وللكثيرين عاما ضائعا دراسيا حيث انصب اهتمامنا الي غير الدراسة . وذهبت الي القرية كالعادة حيث كنا نقضي الخميس والجمعة مع الاهل بعيدا عن الداخلية ففوجئت بحركة غير عادية فور وصولي فعلمت انا خالي ابراهيم مسافر الي الاسكندرية وذلك لزيارة خالي خديوي (33عاما) الذي تدهور صحته وادخل علي اثره المستشفي اليوناني قبل ان يصبح مستشفي جمال عبدالناصر بقدرة قادر (ويبدو ان الاستحواذ علي عمل الغير عادة مصرية متاصلة منذ عهد الفراعنة) .. وكانت اياما حرجة حيث لم يتبقي غير شهر تقريبا علي الرحيل ويوم الخميس هو يوم وصول الباخرة السودانية عطارد الي القرية قادمة من الجنوب متجهه الي الشلال باسوان وفعلا سافر ولكنه عاد علي وجه السرعة لحاجتنا اليه في هذه الظروف الصعبة حيث ان نقل كل امتعتنا كان شيئا صعبا للغاية وذلك لعدم وجود وسائل نقل غير الدواب واكتاف الرجال وخاصة ان في القرية ارامل ولم يكن لهم من الاولاد من يساعدونهم ولكننا في القرية كنا مثل اسرة واحدة فالكل يعمل للكل .. وخالي الذي جاء قادما من الاسكندرية بعد زيارة شقيقه كان يطمأننا ولكننا كنا قد قرأنا صفحة وجهه وخاصة جدتي بشعور وقلب الام حيث كان ذلك واضحا في كلامها وتصرفاتها وملامحها تمسك دموعا ظاهرة ولكنها تحجرت وتوقفت عن الانسياب وانصرفت للعمل بكد واجتهاد علها تفرغ بعيدا عن مرمي ابصارنا.. علي الصعيد العام اقصد بالنسبة للنوبيين كان عام 1964 من اصعب وأسوأ الاعوام التي مرت علينا حيث فقدنا بلادنا ومزارعنا وقبور اجدادنا وفقدنا النيل بجماله وبهائه ورونقه وفقدنا مراكبنا الشراعية وهي تبخر عباب النيل وترسم لوحة جميلة مع زرقة صفحة النيل وظلال النخيل والاشجار الخضراء تنعكس عليه..يالها من طبيعة خلابة فقدناها .. وحشرونا حشرا في وادي مقفر بعيد عن النيل ولايعرف للحياة معني … وعلي الصعيد الشخصي كان ذلك العام من اسوأ الاعوام التي مرت علي اسرتي فبعد شهرين توفي خالي العزيز ثم جدتي(والدة جدتي لامي) ثم شقيقتي الصغري علي التوالي واختتمت بضياع سنة دراسية ..وللحديث بقية طالما كان هناك بقية في العمر…يحيي صابر