عيار 21 الآن يسجل تراجعًا جديدًا.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 30 أبريل بالمصنعية (التفاصيل)    «هربت من مصر».. لميس الحديدي تكشف مفاجأة عن نعمت شفيق (فيديو)    «المقاطعة تنجح».. محمد غريب: سعر السمك انخفض 10% ببورسعيد (فيديو)    متحدث الحكومة يرد على غضب المواطنين تجاه المقيمين غير المصريين: لدينا التزامات دولية    الطيران الحربي الإسرائيلي يشن سلسلة غارات عنيفة شرق مخيم جباليا شمال غزة    مصدران: محققون من المحكمة الجنائية الدولية حصلوا على شهادات من طواقم طبية بغزة    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    مستشارة أوباما السابقة: بلينكن لن يعود لأمريكا قبل الحصول على صفقة واضحة لوقف الحرب    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي في الدوري المصري    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي في الدوري    حقيقة رحيل محمد صلاح عن ليفربول في الصيف    الإسماعيلي: نخشى من تعيين محمد عادل حكمًا لمباراة الأهلي    الأهلي يفعل تجديد عقد كولر بعد النهائي الإفريقي بزيادة 30٪    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    مصدر أمني يوضح حقيقة القبض على عاطل دون وجه حق في الإسكندرية    حشيش وشابو.. السجن 10 سنوات لعامل بتهمة الاتجار بالمواد المخدرة في سوهاج    محافظة المنوفية تستعد لاستقبال أعياد الربيع.. حملات مكثفة للطب البيطرى على الأسواق    الغربية تعلن جاهزية المتنزهات والحدائق العامة لاستقبال المواطنين خلال احتفالات شم النسيم    حظك اليوم برج القوس الثلاثاء 30-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    شم النسيم 2024: موعد الاحتفال وحكمه الشرعي ومعانيه الثقافية للمصريين    مصطفى عمار: القارئ يحتاج صحافة الرأي.. وواكبنا الثورة التكنولوجية ب3 أشياء    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    بعد اعتراف أسترازينيكا بآثار لقاح كورونا المميتة.. ما مصير من حصلوا على الجرعات؟ (فيديو)    ما رد وزارة الصحة على اعتراف أسترازينيكا بتسبب اللقاح في جلطات؟    مجدي بدران يفجر مفاجأة عن فيروس «X»: أخطر من كورونا 20 مرة    توفيق السيد: لن يتم إعادة مباراة المقاولون العرب وسموحة لهذا السبب    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    محافظ دمياط: حريصون على التعاون مع اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية    أخبار 24 ساعة.. وزير التموين: توريد 900 ألف طن قمح محلى حتى الآن    برلماني يطالب بالتوقف عن إنشاء كليات جديدة غير مرتبطة بسوق العمل    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 30/4/2024 في مصر    تراجع مبيعات هواتف أيفون فى الولايات المتحدة ل33% من جميع الهواتف الذكية    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    محافظ كفر الشيخ يشهد الاحتفالات بعيد القيامة المجيد بكنيسة مارمينا والبابا كيرلس    7 معلومات عن تطوير مصانع شركة غزل شبين الكوم ضمن المشروع القومى للصناعة    محطة مترو جامعة القاهرة الجديدة تدخل الخدمة وتستقبل الجمهور خلال أيام    محامو أنجلينا جولي يصفون طلب براد بيت ب"المسيء".. اعرف القصة    برج الجدى.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: مفاجأة    فصول فى علم لغة النص.. كتاب جديد ل أيمن صابر سعيد عن بيت الحكمة    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    أخبار الفن| علا غانم تكشف تفاصيل تحريرها محضرا بسبب الفيلا.. تشييع جنازة خديجة العبد    حلمي النمنم: صلابة الموقف المصري منعت تصفية القضية الفلسطينية    "بيت الزكاة والصدقات" يطلق 115 شاحنة ضمن القافلة 7 بالتعاون مع صندوق تحيا مصر    يويفا: سان سيرو مرشح بقوة لاستضافة نهائي أبطال أوروبا 2026 أو 2027    شباب مصر يتصدون لمسيرة إسرائيلية فى إيطاليا دفاعا عن مظاهرة دعم القضية    هزة أرضية بقوة 4.2 درجات تضرب بحر إيجه    الكبد يحتاج للتخلص من السموم .. 10 علامات تحذيرية لا يجب أن تتجاهلها    أول تعليق من "أسترازينيكا" على جدل تسبب لقاح كورونا في وفيات    بالفيديو| أمينة الفتوى تنصح المتزوجين حديثاً: يجوز تأجيل الإنجاب في هذه الحالات    عيد العمال وشم النسيم 2024.. موعد وعدد أيام الإجازة للقطاع الخاص    خاص | بعد توصيات الرئيس السيسي بشأن تخصصات المستقبل.. صدى البلد ينشر إستراتيجية التعليم العالي للتطبيق    وزير العمل ل «البوابة نيوز»: الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص 6000 جنيه اعتبارًا من مايو    آليات وضوابط تحويل الإجازات المرضية إلى سنوية في قانون العمل (تفاصيل)    خالد الجندي: هذه أكبر نعمة يقابلها العبد من رحمة الله -(فيديو)    المحرصاوي يوجه الشكر لمؤسسة أبو العينين الخيرية لرعايتها مسابقة القرآن الكريم    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    وزيرة التضامن تستعرض تقريرًا عن أنشطة «ال30 وحدة» بالجامعات الحكومية والخاصة (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدباء يحتفلون بأمهاتهم على طريقتهم
نشر في البوابة يوم 21 - 03 - 2015

إن كانت الأم حبا فهى أجمله، وإن كانت عطاء فهى أفضله، وإن كانت احتواء فهى أكمله.. فالأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق.. كما وصفها الشاعرحافظ إبراهيم.
وكما يقوم الأبناء بمهاداة أمهاتهم كل حسب ذوقه وإمكانياته وثقافته، اختارت «البوابة» أن تحتفل بعيد الأم الذي يحل اليوم، على طريقتها الخاصة، ولم تجد أفضل من المثقفين والكتاب ليكتبوا عن أمهاتهم في هذه المناسبة التي أطلقها الكاتب والصحفى الكبير على أمين احتفالا بفضل الأم.
كتب في هذا الملف الكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد، وصفاء النجار، وصبحى موسى، ورشا عمار، أمينة زيدان، وطارق إمام، وسلوى بكر.
أنا جميلة لأنى أشبه أمى
صفاء النجار
تنتمى أمى إلى جبل الأوليمب، حيث الأرباب القادرين والربات الراسخات، كلية القدرة، نافذة البصيرة، تستطيع كما كانت تقول حين تحضنا على الاعتراف بذنوبنا الصغيرة، إنها تستطيع أن ترى من خلف ظهرها، ربما تكون هي من غرست في وعيى مفهوم الله والضمير.
أمى امرأة بلا أمنيات أو أحلام، فكل ما أرادته كان لها، ولم يلمح أحد منا نحن أبناءها الخمسة يومًا على طرف رموشها حنينًا أو تحنانًا لشيء، ومازلنا غير قادرين على النفاذ لعالمها السري، فهى امرأة لا تعرف الشكوى، تراها نقصًا، وهى لا تقبل إلا الكمال.
تعلمنا ونحن صغار أنه إذا مر بسمائها ما يعكر صفوها أن ننسحب من المشهد، ونتركها تتعافى ذاتيًا، أحيانًا يهيئ لى أن القدر قد خبر شدة مراسها، فتواطأ معها بإعجاب مضمر.
ما من مرة احتجت إليها إلا وساندتني، وقفت بجوارى ضد رغبة أبى عندما أخبرتها بحبى لزميل لى لا يملك من الحياة غير رجاحة عقله، توقعت أن ترفض، أن تنهرني، لكنها كانت قادرة على إدهاشى بحميميتها ومباركتها التي منحتى بيتًا وحياة، وعندما أخبرتها أن البعض من الزملاء يتجاهلنى أو يتعامل معى بفتور ولا تلقائية، وكان تفسيرى أنهم لا يحبونني، ابتسمت وهى ترفع رأسها وتنظر لأعلى، بينما يداها مشغولتان بفوطة تجفف بها طقم الملاعق، وقالت إنهم يخافونك..انتظرت أن توضح أكثر، لكنها كانت قد فتحت الصنبور، وانهمكت في غسل الأكواب الكريستال، وكان هذا إذنًا لى بالانصراف، فأمى لا تمتلك ثرثرة النساء ولا قدرتهن على البوح، وكل ما يربطها بعالم الأرض، أنها تتابع نشرات الأخبار ومسلسل حريم السلطان.
هامش في سياق المتن
كنت أسرح شعرى أمام المرآة، وقد تجعد شعرى في يدى اليسرى على كتفى الأيمن، فجأة انتبهت وحدقت كانت في مواجهتى شابة، رأيت صورتها من قبل معلقة في بيت جدى ترتدى فستان ديكولتيه، وشعرها منسدل على كتفها الأيمن، كانت جميلة حتى أن صورتها بالأبيض والأسود انطبعت في روحي، ومنذ رأيتنى في مرآة أمى وأنا لا أتشكك أو أشعر بالامتنان إن قال أحدهم: أنت جميلة.
فعلًا «أنا جميلة» لأنى أشبه أمي.
لا أملك صورةً لأمي
طارق إمام
لا أذكر المرة الأخيرة التي قدمت فيها هدية لأمي، بمناسبة أو دون مناسبة. لابد أن سنوات عديدة مرت دون أمنحها شيئًا. أفكر بدقة أكبر: لقد مرت السنوات السبع والثلاثون التي تشكل عمري، دون أن أمنح هذه المرأة شيئًا.
أملك لها صورة واحدة، وهى تحملنى طفلًا على إحدى ذراعيها، وعلى الأخرى تحمل أختى التوأم. على الغالب أعتبر تلك الصورة القادمة من عالم الأبيض والأسود، صورة لى وليست لها. أريها الآن لابنتى لأطلعها على وجهى في طفولتها، لا لأشير لوجه أمى المرسوم في طفولتى.
صورة أمى المنفردة لم أحتفظ بها أبدًا (هل رأيت لها صورة منفردة بالأساس؟). لم تتعرف أمى على وحدتها في الصور. لم تكن ذات يوم بطلةً داخل إطار.
أهديت أمى واحدًا من كتبى. كتاب واحد فقط وسميتها فيه ب«بيضاء القلب»، بما يليق بكاتب ردىء. لم يكن ذلك الكتاب أول كتبي، ولا ثانيها، ولا حتى ثالثها. قررت أن أفعل ذلك مع الكتاب الرابع، وأشعر بغصة كلما تذكرت ذلك. كانت هذه المرأة تستحق ولو إشارة في البدء. لو أنى أعلم خاتمتي، لأهديتها كتابى الأخير، لكن كيف لى أن أتلمس النهاية إن أوشكت؟ الحياة، للأسف، تعدنا دائمًا بمزيد من الوقت، صالح للحياة، ولتصحيح الخطأ.
مثل الكثيرين، لا أنطق اسم أمي، هي أمى فحسب. هي أيضًا لم تعد تنطقه منذ سنوات طويلة، كأنه غاب للأبد بحضوري، عندما أصبح اسمها منذ الثانى عشر من أغسطس 1977: أم طارق.
صارت المرأة من يومها أمى فقط. صارت أمى بأكثر مما بقيت زوجةً لأبى. انتزعتُ ذلك الحق رغم أنف إخوتى الثلاثة. لأننى «البكري»، بات هذا اسمها الذي يناديها به الجيران في الشارع، كجميع شوارعنا، تخشى أن تعلن عن أسماء «ولاياها»، والذي تعرَف به نفسها عندما تضطر لذلك. كأنها تواطأت معى على إنكار الاسم.
هكذا فقدت أمى اسمها عن طيب خاطر، لكن.. هل امتلكته حقًا ذات يوم؟
أمى.. الأشياء البسيطة التي يحملها الله معك
إبراهيم عبدالمجيد
هل كان الصحفى الكبير على أمين يعرف أنه حين دعا إلى عيد الأم أنه العيد الوحيد بعد الأعياد الدينية الذي لن يختلف عليه أحد؟ حتى لو كان لا يعرف فقد صار العيد كذلك.
صار العيد كذلك ليس لأن الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق كما قال أحمد شوقى، ولكن لأن العالم كله هو ابن الأم.
فالأساطير تحكى كيف نزل آدم من الفردوس إلى الأرض بسبب حواء.. كان في الأمر عقاب حقا لكن كان في الأمر عمار كثير للأرض.
العالم رغم الحرب والدمار يتواصل.. ورغم ما جرى من براكين وزلازل وتحولات في شكل الأرض يستمر لأنه في النهاية يجد الرجل حضنًا يؤوى إليه.
الأم هي الحضن الذي يحيى الأرض وهى رميم وذكريات البشر مع الأم تظل هي الأعظم لأن الكرم فيها من جانب واحد. مهما كان الأبناء كرماء فهم لن يصلوا أبدًا إلى كرم الأم.
من ذا الذي يجود بالكرم في هذا العالم بلا مقابل؟ من يستطيع أن يقول إنه قدم شيئا لأمه يساوى ما قدمته له. إذن هو الكرم الإلهى. الأم إله وإن لم تعرف لا ينتظر من البشر شيئا. وهكذا كانت رحلة أمى معى. من الأشياء الصغيرة مثل العناية والسهر إلى الانتظار والقلق. لا شيء أتذكره أجمل من عودتى متأخرا ليلا أيام الشباب فأجد الكل نياما إلا أمى. تدخل ورائى الغرفة وتقدم لى الطعام الذي أعدته. تكاد تنام واقفة لكنها تقدم الطعام قائلة «ما تنامش إلا لما ما تاكل يا إبراهيم». لا تسألنى إذا ما كنت أكلت في الخارج أم لا.
هي تنتظرنى لآكل ما أعدته لى. وأنا بدوري حتى لو كنت أكلت في الخارج أشعر بالجوع.. ما أجمل طعامك يا أمى والكل نيام حولى في الدنيا إلا الله.. أنا وطعامك الذي يحمل أنفاسك ورائحتك ودعواتك وأنت تخرجين من الغرفة والله يتجسد أمامى في روحك. لا يعرف أحد ماذا جرى لى الآن وأنا أكتب. صار لى بيت وأسرة وأولاد وأحفاد وإنجاز أدبى لكن لا معنى لهذا العالم يا أمى بدونك، ودموعى تبحث عنك الآن وتزداد لأنى لن أجدك إلا إذا قرر الله الذهاب إليك.
أمى المستنيرة
سلوى بكر
كانت أمى -رحمها الله- امرأة مستنيرة، تؤمن بالعلم وتحرص على تعليم البنات قبل الصبيان، رغم أنها تنتمى إلى عائلة صعيدية، وقد ساعدها على ذلك أنها درست وتعلمت حتى المرحلة الابتدائية في مدرسة فرنسية في الصعيد.
وكانت لا تفرق في المعاملة بين الذكور والإناث،، وربما كان ذلك أهم ما ورثته لنا من قيم ومبادئ، وهى قيم العدل والمساواة بين الناس، ولقد -رحمها الله- كانت جادة إلى أقصى الحدود، وقد لعبت دور الأب والأم بسبب وفاة والدى المبكرة جدًا، وقد استطاعت رغم ظروفها الصعبة أن تجعل أبناءها الأربعة يواصلون تعليمهم حتى نهاية المرحلة الجامعية بتفوق دراسى.
كانت هي السر الذي يقف وراء تفوقنا الدراسى، بسبب تشجيعها لنا على التعليم، ورغم جديتها كانت شفوقة وحنونة تلتمس لنا الأعذار دائمًا، وتحاول أن توجهنا في الاتجاهات الصحيحة رغم صعوبة الظروف حولنا.
أمي التي لم أعرفها
أمينة زيدان
بين جيلنا انتشرت أفكار مثل قتل الأب والتمرد على الأم والخروج على العائلة. أفكار أعتقد بكونها مسمومة نجحت في تشويه الصورة الاجتماعية إلى حد جعلنا نستيقظ على حوادث قتل الأبناء للآباء.
وأتذكر أعمالا أدبية تبادلناها بإعجاب مثل الإخوة الأعداء، اللا منتمى، لا شيء يهم، وغيرها من أعمال ما زالت ماكينة الأدب تنتجها إلى هذه اللحظة.
وأنا كمستهلك شره للأفكار وقعت أسيرة هذا الفكر لبعض الوقت.. بل لوقت طويل.
لست هنا بصدد الحديث عن نفسى لكننى سأحكى عن أمي
أم هاشم إمام محمد الشويحي
ما الذي أعرفه عن أمي؟
أعرف أنها كانت امرأة فائقة الجمال، هي وخالاتى كن حين يجتمعن يشكلن لوحة بديعة الملامح، خاصة إذا ما دققنا في الحوارات والضحكات
أمى بيضاء وأنا سمراء
كان ذلك هو الاختلاف الأول بينى وبين أمي، فأنا كنت دائما ابنة أبى لأننى أحمل لون بشرته والكثير من جيناته، لعلها كانت تتوقع ابنة شقراء مثل بنات الأخوال. المهم أن ذلك صنع أرضية لخلاف عميق بينى وبين أمى واستمر لسنوات. وانتهى بجملة صغيرة قالتها لى أمى منذ شهور قليلة...
أنا أحبك يا أمينة
قالتها هكذا ببساطة وبوضوح وبإيقاع ثابت وعينيها في عيني.
وأنا بحبك يا ماما
قلت ثم انتهزت أول فرصة للاختلاء والبكاء بكاءً كان حارقا وموجعا ومكتوما حد الشعور بالرغبة في الانفجار.
أمى تحبني
مكتوب في شهادة ميلادى أننى ولدت بمستشفى السويس العام قبل النكسة بعام، في وقت لم تكن الولادة بحاجه إلى مشافى. لذلك أعتقد الآن بأننى تسببت لأمى بآلام إضافية. خاصة وأنها سبق وولدت قبلى ولدين ولادة طبيعية وبالبيت.
أمى كانت تحب السينما حتى أن أبى كان ينتظرها على المقهى المقابل لأنه كان لا يحب السينما. وأذكر هنا فساتين أمى ثم البنطلون الواسع والجاكت الطويل ثم الفستان ومن فوقه جاكت ثم جلابيب البيت حين عزفت عن الخروج بسبب اشتداد المرض على أخوى الكبيرين... ثم العباءة السوداء بعد موت أخوى وموت جدتى وانتحار خالى...
خالى ذلك كان المحبب إليّ، سببت له مشاهد الحرب اليهودية على المدنيين بالسويس اكتئابا لم يفارقه وكان الأقرب إلى أمى، أستطيع القول بأنهما كانا صديقين.
يا مسكر
هكذا كان ينادينى خالى غريب الذي عاش يحمل أحزانا لم يدركها أحد، وأمى أيضا كانت تحمل أحزانا لم أدركها كولى للعهد بعد موت أخوى تباعا. أصبحت أنا الابنة الكبرى وكنت أشعر دائما بأنهما كانا الأولى بالبقاء.
لو لم أصبح أمًا لما عرفت أمي. وما اقتربت من همومها. ولما أدركت حجم قلقها حين تلح بالاتصال في الخامسة صباحا مثلا لأنها فقط وبهلع أرادت أن تطمئن عليّ
أنا أحب أمي
أفكر كثيرا وعلى مدى اليوم فيما كانت تفعله أمى وفيم تفكر في أوقات صمتها الطويل.
سألت ابنتى أبوى يوما ما إن عاد الزمن فهل يتزوجان ثانية فأجابا معا بلا
ما استدعى الضحك
أمى ابنة لتاجر جمال من عرب الشام مات في البيت الكبير الذي اشتراه لزوجته الثانية ياسمين أخذتنى أمى في زمن بعيد وما زلت أتذكر ذلك البيت المحاط بالسور ومن خلفه الأشجار والذي فيه ضاع حق جدتى وحق صغارها ما اضطرها لإخراج البنات من المدرسة وتزويجهن مبكرا.
جدتى لأبى كانت ابنة لشيخ أزهرى، وكان شغل جدى الشاغل تجميع ما أضاعه أبوه إبراهيم بطيشه من ميراث العائلة ولكى يتخلص من شقاوة أبى إبراهيم الثانى ومغامراته في البر والبحر ألحقه قسرا بالبوليس واختار له أمى زوجة
لا أعرف كيف كنت سأكون بدون أبوى بدون أخى وأخواتى
بقى شىء عرفته عن أمى
أمى إخوانية، وأبى يكره الإخوان
لكننى أحبهما معا
وأدين لهما بوجودى
كل سنة وأنتِ طيبة يا هويدا
رشا عمار
بعيدًا عن تلك الرسائل التقليدية التي يكتبها الأبناء إلى أمهاتهم في تلك المناسبة، أمى تعلم أنى أعشق ذرات التراب التي تسير عليها ولا حاجة لنا باعترافات عن العشق هي بالنسبة لنا قديمة، ثم أننى ما زلت طفلة صغيرة في حرم الحديث عن سيدتى العظيمة لا أجيد الكتابة، وحروف اللغة قليلة جدًا عن وصف معشوقتي، أعلم أنه لا مجال في الحديث عن علاقة كهذه للمجاملة وأعلم أن كلامًا لا يحصى كُتب في وصف ذلك الحب الإلهى.
أمى في صلابتها تُشبه الجبل الذي لا يهتز عن موضعه أبدًا، تجمع حب نساء العالم بقلب كبير ينبض عطفًا للجميع، لا تملك إذ رأيتها إلا أن تنحنى احترامًا وحبًا، هي السيدة الريفية البسيطة الطيبة الصامدة أمام كل شيء، وهى الصخرة التي ظلت تكسر المستحيل أمامى طوال عشرين عامًا مضت، هي «أم البنات»، التي كلما نصحتها إحدى جارتها بأن تسعى لتنجب ولدًا ردت بشموخ كبير: «ضفر البنت بميت ولد»، هي المتمردة على الصعيد وعاداته الخانقة، المبدعة إذا تحدثت عن فلسفة الكون وسعادة الناس وسر الوجود.
هي تجسيد خالص لمعنى الكفاح الحقيقى والتضحية، هي من ركبت صعابا كثيرة لنخطو دائمًا نحو حياة أفضل، هي تلك السمراء التي تتجلى في ملامحها معانى الصبر والحلم والإصرار، وأنا الصغيرة جدًا أمامها لا أقوى حتى على حصر عدد قليل من تضحياتها لأجلي، ولكنها فقط كلمة شكر سأظل أرددها ما حييت لعلى أرضى عن نفسى.
عندما كبرت يا أمي، أدركت مبررات كثيرة لتلك العصبية الشديدة، وبكائك الكثير الخفى دون داع، كنت وقتها مثلهم متحاملة عليك لقد ظلمتك عندما لم يدرك عقلى الصغير أسباب كثيرة كنتِ تخفيها حينها، الآن أنا أعرف كيف كان شعورك كزوجة وأم، تحملت أعباء كثيرة لأجلنا وأعرف أيضًا كم كان صبرك كثيرًا لأجلنا، وأعرف أيضًا أن لبكاء النساء أسباب كثيرة لا تُعلن، إذا رأيتم أمهاتكم تبكى فاعلموا أنكم جزء من واقع تعانيه فلا تثقلوا عليهن.
شكرًا يا سيدتى على صمودك الكبير أمام عائلتى بل وعائلتك لتمنحينى حقًا اكتسبته أنا ودفعتى أنتِ ثمنه، أعلم أن نارا كانت تلتهم جسدك الطيب حملتيها عنى بينما يديك الطيبتين تحملانى نحو مستقبل أفضل، نحن شاكرون يا أمى ومدانون لكِ بعلمنا ونجاحنا، شكرًا جزيلًا لإصرارك على تحقيق رغبتى في دراسة الإعلام في العاصمة البعيدة جدًا عن قريتنا الصغيرة في الريف، وأقسم أن صمودك في وجه المعارضين حينها كان الدافع الأكبر لأكون فيما أنا عليه الآن.
لا تتوقفى عن الدعاء عند الفجر أبدًا لأنه الرسول الذي لا ينقطع إلى قلبى الحزين البعيد عنك، أنا أسمعك يوميًا تتوسلين إلى الله من أجلنا، الله يحبك لأنه يستجيب الدعاء دائمًا يا حبيبتى.
أردت أن اعترف بشيء أخير لقد كانت يديك ثقيلتين جدًا عندما كانت تنهال علىّ ضربًا، نعم كانتا ثقيلتين جدًا علىّ وأنا الطفلة النحيلة، وحذاؤك أيضًا، أحببت فيكِ كل شيء ما عدا الضرب، واعتراف آخر هويدا لا تزال تضربنى إذا أسأت الأدب حتى الآن.. كل سنة وأنتِ طيبة يا عسل.. تعيشى وتضربى يا أم رشا وسهام ونعمة.
صباح الخير وعام سعيد
صبحي موسى
صباح الخير يا أمي، منذ سنوات وأنا أحاول الكتابة إليك، لكننى كلما جلست أمام الكيبورد والشاشة البيضاء أجدنى مثلها صفحة بيضاء، حتى تسعة أعوام من رحيلك، لا أستطيع الكتابة عنك، رغم أن أصدقائى يطالبوننى بذلك، أبحث في ذاكرتى عما يستحق الكتابة ليس من أجلهم ولكن من أجلك وأجلي، لكن الكتابة لا تسعفني، هم أيضًا لا يعرفون أننا حاولت ذلك مرات ومرات، لا يعرفون أننى أكاد أكون توقفت عن الشعر منذ زمن لأننى فشلت في الكتابة عنك،، كنت الوحيد الأقرب لك من بين إخوة ثمانية، خمسة من الذكور وثلاث من الإناث، جميعهم قامت بتزويجهم، حملت أولادهم على أيديك، وجلست تغنين لهم (طار الحمام، حط الحمام، أمك البنية، وأبوك الإمام)، لكننى الوحيد الذي يقول لك الآن صباح الخير يا أمى.
هكذا كانت الحكايات بينى وبينك، كانت الأسرار، وما كان لأقدامى أن تنقطع عن القراءة وأنت فيها، بنهاية كل أسبوع لا بد أن أقطع المسافات لأجدك تنتظريننى أمام البيت، في منتصف الليل وعز الشتاء، تحضرين العشاء وتصنعين الشاى وتجلسين لتحكي، لا نوم يأت لكلينا دون أن أعرف كل ما حدث في غيابي، وتعرفين منى كل ما حدث بعيدًا عنك، كنا سلالة من الأسرار، كان أبيها يتفل على رأس الأطفال فتجف قروحهم، لا يحفظ غير الفاتحة والمعوذتين ويرقى بها، هي أيضًا لم تدخل المدرسة، ولم تتيقن من قراءة القرآن، فنقلت المعوذتين عن أبيها، وجلست ترقى وتصلى بها، جلست لا تنام حتى ينام كل أطفال الدرب على أنغام تثاؤبها، لفترة ليست طويلة ولا قصيرة عملت مولدة، لم تكن قد رأت طبيبًا من قبل، ولم تتعود الذهاب مع القابلات، لكنها جلست ترقى زوجة أخيها المتعثرة، فنهضت من ولادتها كأنها لم تكن تعانى المخاض، حين تبركت النساء بها، ودارت معوذتاها والفاتحة على الجميع، لكنها لم تذهب لنسوة الغرباء، كانت تقول سرى أخذته عن أبى ولا يجوز إلا لأمى، حين توفيت وجدت ابنتى مؤرقة، ووجدتنى أتثاءب وأتلو على رأسها المعوذتين والفاتحة، وجدتنى أدرك أن السر تنقل من يديها ليدي، ولم أجرؤ على اختباره مع الغرباء.
في شهورها الأخيرة مرضت نخلة كانت لنا على رأس الحقل، ومع أول هزة ريح لها سقط تاجها الأخضر بجريده الفضى في الأحمر البني، يومها جلسنا نتأمل المشهد، يومها نظرت بحسرة إليها وقلت إن نهايتى اقتربت، لكننا لم نصدق، وقلنا كيف لامرأة من الريف أن تربط بين حياتها وحياة نخلة أصابها السرطان، غير أنها الوحيدة التي كانت تدرك الحقيقة، ذهبنا بها في مكان، جميعهم قالوا إن الطب عاجز، وأن علينا العودة إلى البيت، غير أننى لم أصدق، حملتها إلى القاهرة وجلست أصرخ في الأطباء أن ينقذوها، لكنها قالت خذنى إلى البيت، أريد أن أموت على سريري، أريد أن أجلس أمام بيتى وبين أهلي وأترك سرى في أيديهم، لكننى لم أصدق، وظللت ألهث في الردهات الباردة، أصرخ الممرضات والحكيمات وعاملات النظافة وأطباء الخدمة الليلية، أصرخ في الذباب الذي يمر أمام وجهي، لكننى لم أحصل إلا على تفاوض بتقليل الألم، حينها شعرت كم معذبا لها، كما أنا لا أفهم الرسائل، في تلك الليلة قررت اصطحابها في الصباح إلى بيتها الطيني، حيث مملكتها التي أشادتها بيدين حانيتين، لكننى تأخرت، حين رأتنى قالت «تأخرت يا بني»، ولم أفهم، رحت أراجع الأطباء وأستخرج أوراق عودتنا، ولم أفهم، حين سمعت الصرخة من خلفى يبست في مكاني، كأننى الذي فارقت الحياة، كانت عيناها مثبتتين في وجهى تلوماننى على تأخري، ولم أستطع رفعها عني، لم أستطع الكلام أو البكاء، لم أستطع سوى الصراخ تلو الصراخ، رأيت حمامات بيضاء تهرول حولها من أمامى وجانبى إلى مكان بعيد، رحت أهرول خلفهم حتى أوقفونى في انتظارها، وحتى الآن ما زلت غير مصدق أننى صرت فجأة نخلة بلا جذور، وأننى مع أول هزة ريح سأسقط مثلها، وأن من حولى لن يستطيعوا فهم الرسائل، حينها فقط، سأبتسم في وجوههم جميعًا قائلًا: صباح الخير... وعام سعيد عليكم جميعًا.
من النسخة الورقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.