والدتي استخدمت بابا من الابواب التي اتينا بها من بيتنا في النوبة الغريقة وقامت بتركيبه في غرفة المواشي والطيور..ابواب النوبة الغريقة كانت مصنوعة من أخشاب شجر السنط التي كانت تنمو بكثرة هناك ..وأيضا تلك الأشجار كانت تفرز الصمغ المعروف بالصمغ العربي ..أخشاب تلك الاشجار كانت صلبة وقوية مقاومة للتسوس.كل استخداماتنا كانت مما تهبه لنا الطبيعة بارادة المولي عز وجل .. دخلت غرفة المواشي فوجدت الحمام الذي هاجر معنا مقصوص ريش جناحها وكان ذلك ضروريا حتي تألف المكان .. وايضا كان هناك بعض الدجاج بصحبة الديك الوحيد الجميل الشكل يقف بكبرياء كعادته ..وكذلك بعض الخراف والمعيز ..قلت لوالدتي ومن أين تعلفين هؤلاء المساكين .. فقالت نشتري يوميا بخمسة قروش برسيم او (قلواح) وهو مايطلق علي اوراق القصب الخضراء ..اما الذرة العويجة طعام الحمام فهناك اليسير من الذي جلبناه .سبحان الله .اننا في النوبة الغريقة لم نكن نشتري ما كنا نأكله الآن نشتري كي نطعم مواشينا وطيورنا ..مأساه ..ولكن لمن الشكوي ؟.ولو اشتكينا من يسمعنا؟.ولكي أقضي حاجتي دخلت الحمام .. فوجدته حماما يختصم أدني المواصفات الصحية ..سبق لي وصف الحمام من قبل ..وأنا منهمك في التجول داخل البيت وصل خالي ابراهيم امام حيث علم انني وصلت .. وخالي ابراهيم دائما سباق في السؤال عنا والاطمئنان علينا ..وكان اول سؤال لي (لماذا تركت الدراسة؟) حيث انه من المهتمين بالتعليم رغم انه لم يكمل تعليمه وترك الثانوية كطلب جدي والده الذي طلب منه مساعدته في تجارته.فقلت له الكل ترك الدراسة حتي المدرسين غير مهتمين .. فرد قائلا طب خالك انور وابن عمك انورسليمة مجاش معاك ليه..فقلت له هما في الصف الثاني حيث سيمتحنون اما انا في الصف الثالث والامتحان سيكون في مدينة اسوان بعد اكتمال الهجرة..لم يقتنع خالي بكلامي وشعرت بذلك من امتعاضه ..ثم قال خلاص بكرا الصبح تبقي تيجي معايا عشان نشتري بضائع للمحل .. وطبعا رحبت بذلك ..خالي ابراهيم طيب القلب يمتلك حنية الدنيا كلها لايكل ولايتعب من الاطمئنان علي الاهل يوميا ..مثقف يلتف حوله اصدقاؤه وأقرانه وذلك لخفة ظله وكرمه فبيته مفتوح ومندرته عامرة من الصباح وحتي المساء ..اطمأن خالي علي وخرج قاصدا بيته الذي يقع في شارع 11 .. الليل أطبق علينا بسواده الكالح ..الشوارع غير منارة كما كانوا وعدونا ..في بضعة ساعات مكثتها في القرية الجديدة أدركت مدي الخديعة التي وقعنا فيها ..أدركت الكذب المغلف بحلاوة الكلام وعدونا بالخير الكثير فأخلفوا وعدهم ..كنا نصفق لهم بقوة الآن بدأنا نشعر بأللام التصفيق .. وهم يصفقون علي (قفانا) …